الشبيبة والمعتقدات التقليدية
التاريخ: الأحد 26 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



صالح بوزان  

كثيراً ما يجري النقاش حول المعتقدات التقليدية في المجتمع الكردي خاصة والشرقي عامة. لأن الغالبية العظمى منا يخضع لهذه المعتقدات التقليدية، ولا يتجرأ على اختراقها. قد نجد نسبة ما تنتقد هذه المعتقدات. لكن هذه النسبة قليلة جداً من ناحية، ومن ناحية أخرى فالانتقاد لا يتجاوز حدود الكلام النظري إلى الممارسة العملية. في الحقيقة الخضوع لهذه المعتقدات عبارة عن ارث متراكم خلال مئات السنين. هو ثقل لا تستطيع الشبيبة لوحدها إزاحته عن العقل. وبالتالي فإذا لم يقم المفكرون بمساعدة الجيل الشاب على التحرر من هذه المعتقدات التقليدية، فإنهم لن يستطيعوا التفكير بحرية.


لا توجد فوارق بين المنضوين في إطار الديانات التوحيدية الثلاث من حيث المنطق والتفكير. فقد تحول الإيمان لديهم مع الزمن إلى تقليد يمارسونه كالعادات وبدون تفكير. فاليهودي له مجموعة تقاليد متراكمة لممارسة الإيمان. كذلك الأمر بالنسبة للمسيحي والمسلم. بل نكتشف أن خضوعهم لما قاله ويقوله رجال الدين، من بعد الأنبياء، خلال سنوات وقرون أصبح أقوى مما في الكتب المقدسة نفسها. وتحوّل كل ذلك إلى مظهر شكلاني خارج الوعي. 
في مجتمعاتنا الإسلامية لا يطرح الشاب على نفسه سؤالاً جوهرياً: لماذا أنا مسلم؟ لماذا أنا سني أو شيعي أو..؟ كذلك الشاب اليهودي والمسيحي. هم ورثوا معتقدهم من وآبائهم كما يرثون أموالهم. لكن هذا للإيمان يكون في الغالب شكلانياً ولو اتخذ طابعاً متزمتاً. بينما في حقيقة الأمر هو ابن عصره من حيث المأكل والملبس والمشرب، وجميع طموحاته تكون عصرية. إنه يتعايش مع هذا الانفصام بين الإيمان التقليدي الشكلاني وبين السلوك العصري من حيث الرغبة والعيش. 
الأسئلة التي تظهر لدى الشباب في مجتمعاتنا لا يبحث عن أجوبتها من خلال الجهد الشخصي. بل يلتجئ إلى مفتي المملكة أو الجمهورية، أو إلى إمام الجامع وشيخ الحي، وأخيراً إلى أمير القاعدة وداعش. هؤلاء جميعاً لديهم أولويات وأهداف مادية ومعنوية تخصهم بالدرجة الأولى. فمفتي الجمهورية هو موظف السلطان. وإمام الجامع أيضاً موظف لدى الحكومة وخاضع لمفتي السلطان. وشيخ الحي كتلة من الخرافات. أما أمراء القاعدة وداعش فهم راديكاليون يبحثون عن من يجندهم لتحقيق مشروعهم الدنيوي الخاص بهم ولفريقهم. بمعنى آخر كل هؤلاء ينطلقون من مصالح دنيوية بغشاء ديني. ولا علاقة بجوهر الإيمان وبفكرة وجود الإله والالتزام بمسموحاته وممنوعاته. هم يحللون كما يشتهون ويحرّمون كما يرغبون. إنهم يتجاوزون في سلوكهم الإله أكثر من الذين يقطعون رؤوسهم باسم الخروج عن شريعة الله أو أنهم مرتدون. إنهم يدفعون الشبيبة إلى معتقدات باطلة، لكنها حيوية من حيث المصالح المادية القريبة. هذا السلوك منهم يدفع الشبيبة إلى نوع من الإيمان يجعل منهم عبيداً لرجال الدين وشرطتهم(مريديهم) على المجتمع. 
عندما ندقق في تفكير هذا النمط من الشباب نكتشف أن شعلة المنطق خامدة في عقلهم. ولا فرق هنا بين المثقف منهم والأمّي. كلهم خاضعون لإيمان تقليدي لم يؤثر عليه تطور الفكر البشري خلال خمسة عشر قرناً. 
سأل القاضي قاتل الزعيم الوطني السوري عبد الرحمن شهبندر في الثلاثينيات من القرن الماضي (1880-1940): هل كنت تعرفه؟ فقال: لا. سأله: هل تصرف بما يسيء إليك؟ قال القاتل: لا. عندئذ سأله القاضي: ولماذا قتلته؟ أجاب: قالوا لي أنه كافر وخائن، وهو ضد الإسلام، ويجب قتله. ومن يقتله يجاهد في سبيل دين الله.
تحتاج الشبيبة إلى عقل ثوري في التفكير قبل ثوريته في استخدام يديه. عليها أن تنفض المعتقدات الباطلة التي تسربت وتتسرب إلى دماغه بمعرفة منه أو بعدم معرفة. لا بد أن يدرك الجيل الحالي من الشباب أن الجامع لم يعد مكاناً للعبادة فقط. بل أصبح مكتباً لتوظيف الشباب في الحركات الإرهابية، وتوجيه طاقاتهم لخدمة الطغاة من كل صنف ونوع. فمفتي المملكة أو الجمهورية، وإمام الجامع، وأمير القاعدة وداعش، وزعماء كافة الحركات الإسلامية الراديكالية يستخدمون القرآن لفرض الطاعة العمياء على الشباب. ولتحقيق ذلك يرون من الضروري في البداية اجتثاث المنطق من عقولهم، وحشوها بعقائد ومذاهب خرافية. وعندئذ يصبح رجال الدين  المقررين والمتحكمون بعقولهم وسلوكهم. فانتحاري واحد يحقق لهم أهدافاً أكثر من عشرة مقاتلين مدججين بالسلاح.
عندما نقرأ أمهات الكتب الإسلامية، القديمة منها والجديدة، نجد أن الذين ألفوها ضعفاء في التفكير والمنطق. إنهم يخلطون الواقع مع خيال خرافي، والأكاذيب مع الوقائع. وهم لا يعتقدون أنهم يرتكبون جريمة فكرية عندما يسعون بالكذب والالتفاف على المنطق السوي لترسيخ الإيمان الذي يريدونه.  
لا يمكن تصديق قصة الإسراء والمعراج كما وردت على لسان الرواة. وعندما ندقق في قصص معجزات الأنبياء نجد أن جميعها تعود لأزمنة غابرة. فلا يوجد شهود على هذه المعجزات. ولا يوجد في أي كتاب تاريخي قصة لوط وأهل الكهف وشق القمر سوى في الكتب الدينية. هذه الكتب هي التي تذكر أن القصة حدثت في زمن قديم. أي دون تحديد الزمان والمكان. لا توجد معجزة واحدة يقول رواتها أنها وقعت في التاريخ الفلاني والمكان الفلاني، وشهودها فلان وفلان. هؤلاء الرواة هم الذي يختلقون هذه القصص. يقول الإنجيل أن إبليس أخذ المسيح إلى فلاة وفتح أمام عينيه منظراً يشبه الجنة. وقال له إن تبعتني سأقدم لك هذا المكان. لكن الإنجيل لم يجاوب على سؤال بسيط: لماذا خضع المسيح للإبليس وذهب معه إلى الفلاة، والمسيح يعرف أنه إبليس؟ لماذا قبل الخضوع لهذا الامتحان، وهو الذي يقول يجب ألا تجرب إلهك.  
إن مخالفة قوانين الطبيعة هي محض خيال. فهذه القصص كلها من توليفات خيال الإنسان وتفتقر للمنطق. قد تعجبنا هذه القصص إذا نظرنا إليها من باب الأساطير، كما تعجبنا الأساطير اليونانية القديمة.
عندما انهزمت المسيحية أمام العلم والعقل التنويري الأوروبي، سقط مع هذه الهزيمة جميع الخرافات التي لحقت بهذه الديانة خلال مئات السنين. وقَبِلَ رجال الدين المسيحي نتائج العلم، واعترفوا بلامركزية الأرض التي بسببها حاكموا غاليليه (1564-1642). 
يسعى العديد من رجال الدين الإسلامي إلى شكل جديد من الخرافات والأساطير في العصر الحديث، حين يحاولون التوليف بين العلم والدين. فنسمع بين فترة وأخرى يخرج علينا أحدهم ليقول لقد اكتشف العلم حقائق قالها القرآن منذ ألف وخمسمائة سنة. إنه شكل جديد من الخداع تشبه خداع السحرة.
كنت شاباً عندما ادعى أحد رجال الدين الإسلامي أن القرآن هو الذي دل علماء الغرب على كيفية الصعود إلى الفضاء الخارجي. كان هذا المدعي يسترشد بآية قرآنية تقول: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) . وكان يعقّب على كلمة "سلطان" بأن المقصود بها الصاروخ الذي يوصل المركبة إلى الفضاء الخارجي. فيما بعد، حدث صدفة أني قرأت هذه الآية، فوجدت أن تكملة الآية تقول: (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ). الرحمن: 33 - 35.
وهكذا اكتشفت أن هذا الرجل الدين مخادع. فهو يأخذ من كلام الله ما يريد ويرمي الباقي لتحقيق رغبة باطنية لديه لا علاقة لها بمسألة الإيمان. دون شك أن الإيمان الذي تصل إليه بالكذب هو إيمان كاذب حتماً. فالبشر صعدوا إلى أقطاب السماوات ولم تأتيهم شواظ من نار ونحاس.
أعتقد على الشبيبة الكردية أن تحرر عقلها من هذه الخرافات التي يتفوه بها هذا النمط من رجال الدين. هؤلاء جميعاً ضد العقل. هم يسعون لإقامة وترسيخ نظام سياسي استبدادي ونظام اجتماعي استبدادي، ومنظومة فكرية دينية هي الأخرى استبدادية. الأهم في الحالة الأخيرة، هو إقامة منظومة فكرية مغلقة لا تقبل التطور. وبالتالي تبقى الشبيبة رهينة رجل دين لا يفقه في علم الفيزياء ولا الكيمياء ولا البيولوجيا ولا الفلك.
هناك حقيقة يكررها كل رجالات التنوير في العالم. وهي إذا لم نحرر عقلنا من هذه الخرافات الفكرية، لن نستطيع أبداً أن نقوم بأي نوع آخر من التحرير. ولعل هذه البنية الفكرية الخرافية هي التي تحوِّل شبيبتنا الكردية إلى مريدين في السياسة. فينزلقون لعبادة زعمائهم أكثر من عبادتهم للإله الذي يؤمنون به.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=19047