هل ستتحرر إيران؟ ما بين لوزان وحرب اليمن.. الجزء الثاني
التاريخ: الجمعة 17 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

الإرهاب الإيراني، عن طريق أدواتها والمنظمات المرتبطة بها، حذر منها (باراك أوباما) في خطابه الأخير بعد ظهور البيان الختامي لإعلان الاتفاقية مع إيران في (لوزان-سويسرا) وعكست الاستراتيجية الأمريكية القديمة تجاه إيران الشيعية، وبأنها لا تختلف عند الأمريكيين والأوروبيين، عن الإرهاب السني، وعن مفرزات المملكة العربية السعودية والدول الإسلامية الأخرى الحاضنة والمغذية للإرهاب، وغيرها من التيارات الإسلامية السنية المتطرفة، بدءً من القاعدة إلى داعش والنصرة وحتى بوكو حرام وغيرهم. فالتقارب من إيران على خلفية المفاعلات النووية، مقابل تخفيف الحصار الاقتصادي، لا يلغي من الدعم الأمريكي لدول الخليج، كما ولا يزيل الحذر من الثقافة التي تسود أغلب الدول الإسلامية السنية وخاصة السعودية، حيث الفكر الوهابي السلفي. وكثيراً ما يؤكده خبرائهم ومحلليهم والعديد من سياسييهم، ويعدونهما المنبع الرئيس للإرهاب، الإسلامي السياسي السني والشيعي العالمي.


    وعلى الأغلب أن عملية توريط دول الخليج وعلى رأسهم السعودية في حرب اليمن، والمبررة تحت حجة الدفاع عن الذات من الخطر الخارجي، تعتبر خطة استباقية للحد من خلق القلاقل مستقبلا داخل المملكة، لكنها في الواقع حرب استنزافية، تندرج ضمن استراتيجية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط، ضمنها خطة لضرب اقتصاد الخليج. فبداياتها ظهرت، من أول أيام الحرب، خلال نزوح عشرات الألاف من اليمنيين إلى السعودية. ليس فقط اليمني الهارب من جراء الحرب سيحتاج إلى المساعدة بل مستقبلا كل الشعب اليمني سيدخل في عوز فيما إذا استمر الحرب، وهنا لا يستبعد الشراكة الروسية في رسم هذه الاستراتيجية. 
  في الواقع الفعلي، الحرب اليمنية (عاصفة الحزم)، تكتيك أولي لاستنزاف إمكانيات السعودية ودول الخليج الاقتصادية، وخطة لصرف موارد النفط على السلاح، بدل الإعمار، والمؤدية إلى تباطء في وتيرة التطور الإنمائي الموجود، وبالتالي إلى تململ المستثمر والشعب في الداخل مستقبلا، والأهم حاضرا، أن النزيف الاقتصادي، عسكريا، سيؤثر على:
1-  تقليص دعمهم للمنظمات الإرهابية الإسلامية السنية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
2-  وعلى مركز قيادتها في العالم الإسلامي، بشكل سلبي.
3-  كما وستقلل دعمها للمعارضة المسلحة السورية السنية المتطرفة منها بشكل خاص. ولتغييب هذه الحالة، والتأكيد على أن العالم السني بدأ ينهض وينتصر، زيدت السعودية، من دعمها لبعض الأطراف المتشددة من المعارضة السورية المسلحة، والنجاحات الظاهرة لداعش والنصرة على الساحة الميدانية، في هذه الفترة على شبيحة بشار الأسد، من إدلب إلى المعبر الحدودي مع الأردن، والاستيلاء على مخيم اليرموك وغيرها، تؤكد ذلك.
4-  إلى جانب توقع انعكاسات سلبية على أسواق النفط العالمية، فيتوقع البعض أن تخفف من أعباء روسيا الاقتصادية جراء نقص أسعار النفط تحت تأثير زيادة الضخ السعودي المتزايد إلى الأسواق العالمية، فمن هذا المنطلق يتوقعون أن لروسيا دور في جر السعودية إلى الحرب، دون أمريكا، لكن ما يظهر في الفترة الأخيرة أن دور روسيا بدأ يتقلص في المنطقة، وتتبدى هذا من خلال ضعف تدخلاتهم في القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، وتعويضا على ذلك وللتأكيد على عدم تأثرها بالحصار الاقتصادي، تقوم روسيا بعمليات عسكرية استفزازية، فأحياء صفقة الصواريخ س-300 المجمدة منذ سنوات  لإيران، ومعها المناورات العسكرية في المياه الإقليمية حول بريطانيا، تندرج  ضمن خطة التذكير بالذات الروسية القوية عسكريا، ومن الناحية السياسية أحيت اجتماع موسكو الثاني ما بين السلطة السورية وقسم من معارضة الداخل، كما تدخلت في الورقة التي قدمها الخليج إلى مجلس الأمن بطريقة شكلية، ولم ترفع من سوية تدخلها في قضية اليمن أكثر من عرض للسلام بين الأطراف. 
 لا شك أن الطرفين، السني والشيعي، منابع للإرهاب، كل بطريقته ولمنظمات مختلفة، لكن ويبقى التكتيك الأوسع، وهي أن العديد من العمليات الإرهابية أو سيطرة منظماتها على مناطق، تخدم أحيانا الاستراتيجية الأمريكية، أو بالأحرى الدولة الخفية الأمريكية، وأوروبا، وبشكل خاص الشركات الرأسمالية العالمية.
  ففرح الإدارة الإيرانية، والبعض من شعبه، بنتائج اتفاقية لوزان الأخيرة، مبنية على أمل الخلاص من التدهور الاقتصادي الذي يغرق فيه إيران سنة بعد أخرى، والخروج من التضخم المالي المرعب، المتصاعد يومياً. أئمة ولاية الفقيه بشكل أو آخر انتبهوا إلى خطئهم الاستراتيجي، وعليه، وبعد التوقيع الأولي على معاهدة لوزان، إذا نجحت، ورفع الحصار المأمول عنها، وحصلوا على قرار من مجلس الأمن، من المحتمل، أن قادة أئمة ولاية الفقيه سيتخلون عن:
1- بعض المناطق الساخنة التي صرفوا عليها الأموال والجهد والأسلحة، كاليمن.
2-  وعلى الأغلب سيقلصون من دعمهم لمنظمات أخرى، لكن على مراحل مرافقة لمدى رفع الحصار.
3-  ولن يتخلفوا في حال ظهور حل ما لسوريا بالتخلي عن بشار الأسد والبعض من سلطته. لكن تبقى سوريا بالنسبة لها، ولروسيا، مقارنة بغيرها، جغرافية استراتيجية، لذا سيستمرون بالتدخل في شؤونها العسكرية والاقتصادية والسياسية، لكن بحجم وقدرات أقل.
   وتبقى عملية الصراع بينها وبين إسرائيل، والمثارة من الطرفين، بالقدر الذي تثيره إيران ضد دول الخليج السنية، وفي الواقع، إصرار إسرائيل على عدم الاتفاق مع إيران لم يكن من أجل المفاعل النووية والخوف من بناء القنبلة الذرية، في الوقت الذي هي بذاتها تملك أسلحة نووية أكثر تطوراً ومنذ أكثر من عقدين، وهي تدرك تماما أن ما ستنجزه إيران لن تتعدى إطار ترهيب سياسي، لكن الإصرار على الإبقاء على الحصار الاقتصادي لإرضاخها، لغايتين:
 أولاً: التأكيد على عدم محاربتها مباشرة أو عن طريق أدواتها.
 والثانية: الحصول على اعتراف ما بكيانها كدولة، مثلما كان في عهد الشاه.  
 لا يستبعد أن تتحرر إيران، اقتصاديا على الأقل، إذا استمر أئمة ولاية الفقيه فعلا على تغيير استراتيجيتهم، وتراجعوا بشكل فعلي عن المستنقع الذي يغرقون فيه، وعلى الأغلب، ورغم التصريحات النارية الجارية، سيعيدون دراسة كل حساباتهم السابقة، من حيث دعم الإرهاب ومصارعة العالم السني ومعهم الأمريكي والأوروبي، وسيحاولون إيقاف النزيف الدائم لاقتصادهم، وبالمقابل فإن السعودية ستغرق في المستنقع المماثل، إذا استمرت في حربها اليمنية، ودعمها للإرهاب السني عالميا، ولم تقم بالبحث عن حلول سياسية للقضايا التي جرفتها إلى عاصفة الحزم.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18997