محاربو الله وولاته في إيران
التاريخ: الجمعة 17 نيسان 2015
الموضوع: اخبار



أحمد اسماعيل اسماعيل

يخطئ من يظن أن الأساطير التي كانت ديانة الناس وفلسفتهم في زمن موغل في القدم قد ولت واندثرت مع انقضاء زمنها، وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية، التي مازالت أساطير الأولين، تتجلى في هذا المجال الحياتي أو ذاك، وإذا كان وجودها طبيعياً وسط شرائح المجتمع الفقيرة والمتخلفة، التي يمتزج لديها الدين بالأسطورة بالعرف بالخرافات، فإن ما هو غير طبيعي، بل أكثر مما هو غير طبيعي وأبعد، أن نجد لدى الطبقات العليا، وخاصة الحاكمة منها،حضور الأساطير في أكثر من مجال وحالة.


وقبل أن نُتهم بالتجني على الأسطورة وما كانت تمثله في زمنها، من دين في أزمان قديمة، وما يشبه العلم في الأزمنة الحديثة، لابدَّ من التأكيد على أن استخدامها بمعزل عن زمن نشأتها، ومكانها، ساهم ويساهم، في عملية إفراغها من محتواها ودلالاتها، فإعادة عملية تتويج الفراعنة الجدد حديثاً، تمثل اختزالاً لأسطورة كانت تعتبر حينها بمثابة عهد جديد للمجتمع والطبيعة، بل للكون، ومسخها إلى مجرد مجموعة من الطقوس.
وإذا كانت الأساطير تستمر عادة، بهذا الشكل أو ذاك، بالتمويه مثلاً، فإن ما يحدث في إيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 من ممارسات للحكام، أو الولاة، ليمثل خير تجسيد لطقوس أساطير أصبحت معاصرة،  
إذ أن الله الذي أوكل أمر محاربة أعدائه في إيران المعاصرة، وذلك بعد انتصار ثورة الخميني، لولاة "تقاة ثقاة"، إصلاحيين ومحافظين، والذين قد يختلفون في كل شيء إلا في طرائق محاربة "أعداء الله". لا يختلف في شيء، وكما هو واقع، عن أسطورة الإله الهادئ، الذي تحدث مرسيا ايلياد عن وجوده لدى بعض الشعوب القديمة: إلهاً خلق الكون واستراح، تاركاً أمر حراسة خلفه والدفاع عنه لكائنات بشرية وغير بشرية، منها من هو شرير ومحافظ ومنها من هو إصلاحي و"خيّر".
أعداء الله في إيران:
تقتضي الموضوعية منا، والأمانة، التأكيد على عدم انفراد ولاة إيران بمحاربة أعدائهم "أعداء الله"، فكم من سلطة أنزلت أقسى العقوبات بحق معارضيها بتهمة: محاربة الشعب، أو الشرعية، أو الحق، وهي في كل هذه التوصيفات لا تعارض ما ذهب إليه ولاة إيران في ماهية أو طبيعة تهمة "محاربة الله". 
 فمن هم هؤلاء المحاربون لله؟ والذين يستحقون أن ينالوا أشد العقوبات، كالإعدام حتى الموت، والتي نالت إيران بسبب استخدامها الزائد لها، وبأساليب اعتبرت أكثر فظاعة، وقسوة، المرتبة الثانية عالمياً، بعد الصين.
بالعودة للأسطورة مرة أخرى، ولكن هذه المرة للأسطورة الإغريقية، والتي خلقت آلهتها على شاكلتها، تغضب وتنتقم، وتغتصب وتأكل وتعقد التحالفات مع هذا البطل أو تعارض ذاك، حتى لو كان نبيلاً، مثل هيبوليتس، أو مضحياً ومحباً للبشر مثل برومثيوس، الأمر الذي جعل الكاتب المسرحي أسخيلوس"المتدين" يصرخ متحدياً زوس رب الأرباب، وذلك بسبب ما أنزله من عقوبة قاسية بحق برومثيوس بتهمة سرقته للنار من مجمع الأولمب، مسكن الآلهة، وتقديمها للبشر إذ قال:(إن سيادتك الحديثة قاسية عاتية) صورة لا تختلف في شيء عما يحدث واقعياً في إيران، والتي تعاقب باسم الله، كل من يقدم شعلة الحرية للناس، أو يطالب بها، مثقفاً كان أم سياسياً.
فكل التقارير الدولية والمحلية الإيرانية تؤكد على أن غالبية "أعداء الله" في إيران، والذين يتم إعدامهم بأمر من ولي الفقيه، بطريقة السحب للأعلى وكسر الرقبة التي تعتبر إحدى أبشع أربع طرق للإعدامات في العالم، هم من المثقفين المتنورين واليساريين المنضوين في أحزاب فارسية، أو السياسيين في أحزاب ومنظمات قومية غير فارسية: كردية و عربية، بلوشية و تركمانية. ممن يطالبون بحقوق قومية معينة لأبناء جلدتهم، أو من أبناء المذهب السني. المطالبين بالتعامل معهم على أسس المواطنة لا المذهب، والسماح لهم بحرية أوسع في ممارسة شعائرهم أسوة بأبناء المذهب الشيعي الرسمي، إضافة إلى متهمين آخرين، نساء وفتيان صغار وأيضاً جناة حقيقيون، تجار مخدرات ومتعاطيه وسراق وقتلة.. وإن كان الكثير من هؤلاء لا ترقى عقوبة ما أقدموا عليه من جرم إلى درجة الإعدام.
في تقاريرها السنوية تؤكد منظمة العفو الدولية، وكذلك منظمات إنسانية أحرى، على عدم الاختلاف البين في حكم إيران بين محافظ وإصلاحي، لا من ناحية عدد الضحايا، وهويتهم، ولا من ناحية طبيعة الاتهامات الموجهة لهم، فلقد ورد في تقرير الدكتور احمد شهيد الخاص للأمم المتحدة: خلال سنة واحدة من عمر حكم الإصلاحي حسن روحاني إن عدد ضحايا عقوبة الإعدام بلغ  700 شخص. بينهم عدد كبير من الأطفال تقل أعمارهم عن 18 سنة. ليتزايد العدد في السنة التالية، دون أي اختلاف أو تمايز مع فترة حكم المتشدد أحمد نجادي، ناهيك عن الأعداد الحقيقية غير المعلنة رسمياً، وكذلك أعداد الضحايا ممن ماتوا في أقبية السجون تحت التعذيب لأسباب ليست كلها جنائية،بل، وحسب منظمات دولية وحقوقية، ثقافية وسياسية وفكرية. 
هي سياسة لم ترتق إلى أن تسوس الناس بينهما، بين المحافظين والإصلاحيين، ولو في لعبة تبادل الأقنعة، كما في زمن تاريخي سابق، ولدى حكومات دول كثيرة ، ليكن الأمر: واحد منهما للشدة والآخر للين، ولكن..عبث. 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18996