هل ستتحرر إيران؟ ما بين معاهدة لوزان وحرب اليمن.. الجزء الأول
التاريخ: الأربعاء 15 نيسان 2015
الموضوع: اخبار




د. محمود عباس

  تصريحات نارية أطلقها كل من ولاية الفقيه (الخامنئي) ورئيس الجمهورية (حسن روحاني)، بعد أيام من استقبال طهران لوزير خارجيتها (محمد جواد ظريف) استقبال المنتصرين، هذا ما ظهر في الإعلام دون التدقيق في نوعية الجمهور الذي حضر المراسيم، لم تكن حول المفاعل النووية، بل جلها لمضامين بنود رفع الحصار، الاقتصادي، والذي أكده الوزير في أول تصريح له، ذاكراً أن رفع الحصار سيباشر به حالاً، وفي الواقع، رفع الحصار رغبة معظم الشعب الإيراني، وهو بلا شك، هَمُ أئمة ولاية الفقيه حاضراً، الذين حشدوا الشعب في الشوارع، مدركين الخطأ الذي يغوصون فيه، والظاهر، كان الخطأ بيناً، منذ بدايات معاداتهم وحروبهم بالوكالة ضد الأمريكيين والأوروبيين وإسرائيل والعالم السني معاً، والذي وجههم إليها، آية الله الخميني منذ استقرار سلطته، بعد طرد الشاه.


   ظهر الخميني كوجه واضح لسلطة الأئمة على إيران بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية، ولأسباب تتعلق بسياسة الشاه آنذاك، فقد كان رئيس أمريكا (جيمي كارتر) مصرا على تغييره بعكس الأوروبيين مثلما ذكرها رئيس فرنسا (فاليري جيسكار دستان) فيما بعد، غيرت أمريكا رأيها في الشهر الأول من الثورة، لكنها كانت متأخرة، خاصة عندما تدخلت الاتحاد السوفيتي على الخط، وأنقلب الإمام وبسرعة، على مناصريه ومسانديه، وخالف وعوده السابقة، فخطط لتكوين سيطرة فردية دينية مطلقة.
 في الداخل: قضى على جميع التيارات السياسية المشاركة في الثورة، كمجاهدي خلق، وتوده، وضرب الإثنيات الدينية غير الشيعية، والقوميات الرئيسة بعد الفارسية في إيران، مثل الكرد، رغم أنه كان قد أتفق معهم في باريس على إقامة حكم ذاتي في كردستان، لكنه نقض وعده في السنوات الأولى بعد نجاح الثورة، تحت حجة أن الأمة الإسلامية لا تعترف بالقوميات، وحرف ثورة الشعب الإيراني عن مسارها تحت مفاهيم مشابهة، وحصرها في العنصر الفارسي، وقد كتبنا حينها في عام 1981م كراسا تحت عنوان (الخميني والأكراد). 
ومع الخارج: وتحت نفس المفاهيم، حارب إسرائيل، والقطبين الكبيرين معا، الاتحاد السوفيتي وأمريكا، بارزاً ذاته كقطب إسلامي منعزل، وكانت نقطة التحول الكبرى، عندما حرض الشباب المتدينين باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز أعضائها كرهينة.
   حينها ظهرت تحليلات سياسية عديدة، حول أسباب اقتحام السفارة الأمريكية، وعملية وصول رونالد ريغن إلى البيت الأبيض، رافقتها مهاجمته الدول الإمبريالية والشيوعية، اعتقل حينها أمين عام حزب تودا(كيانوري) المشارك في الثورة، واتهمه بالعمالة والتجسس للسوفييت، وأعدم في السجن. 
 في هذه الأجواء، والتغيرات السياسية، رسمت أمريكا استراتيجية جديدة وشاملة للشرق الأوسط، وفي نواتها، برزت عملية التوازن بين الدول العربية وإيران المتصاعدة قوة، فكانت الحرب العراقية الإيرانية (الشيعية-السنية) مرتعا خصبا، لإضعاف الطرفين، والتي كان الإمام الخميني يحضر لها منذ السنوات الأولى لسيطرته، وذلك على خلفيتين: 
 الأولى، شخصية بينه وبين صدام حسين كانت قد تأججت أثناء إقامته في العراق ولمدة 15 سنة. 
والثانية، مذهبية، بين الشيعة وسيطرة السنة عليهم في العراق. 
 خسر الطرفان قدراتهما الاقتصادية المتصاعدة، وتراجع تأثيرهما على الساحة السياسية، لكن ما أخطأ فيه الأمريكيون هنا، هو عدم الاهتمام بقدرات الأنظمة الشمولية، والتي لا تهمها شعوبها، والتي لن تتوانى من خلق المشاكل في الأطراف كلما دعت الضرورة لاستمراريتها، وهذا ما جرف بصدام حسين على مهاجمة الكويت، رغم أن العراق كانت لا تزال تنزف بسبب حربها مع إيران، وكان يخطط للتعمق في أراضي الخليج، والخطة في عمقها كانت أمريكية، لتبرير عملية إزاحته. وبذلك فتحت أمريكا وأوروبا الطريق لأئمة ولاية الفقيه بزيادة نفوهم في المنطقة، لغايتين: 
 الأولى، للحفاظ على التوازن السياسي في المنطقة، بين دول الخليج وإيران، المؤدية إلى إبقائهما في ضعف داخلي دائم، وعوز خارجي مستمر.
 والثانية، إبقاء العالم السني تحت رهبة المد الشيعي بقيادة إيران، وبالتالي حاجتهم المستمرة لأمريكا. 
  رافقت هذه الاستراتيجية ضرورة تحديد قوة إيران بالقدر المطلوب، اقتصاديا وسياسيا، وعليه فتحت المجالات لإيران لدعم التيارات الإرهابية، ومحاربة إسرائيل، تحت حجة مساندة الإسلام والفلسطينيين، وذلك لتوسيع النفوذ الشيعي في العالم الإسلامي، فتدخلت في شؤون معظم الدول المجاورة، إلى أن احتلت بشكل غير مباشر أربع عواصم عربية، وهي ما كانت تريده أمريكا، لعاملين:
1-   تنامي التدخلات الإيرانية في المنطقة، ستؤدي إلى نزيف لاقتصادها، ودعمها للمنظمات الإرهابية والقوى الأخرى المحتاجة إلى أسلحة وأموال، ستوسع من ساحة صراعها مع العالم السني والأوروبي-الأمريكي، وبالتالي ستبقيها في سويات اقتصادية وسياسية مناسبة للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
2-   ستسهل على الحصار الاقتصادي الأمريكي الأوروبي المفروض، والذي بدأ يتزايد بشكل تصاعدي، خاصة في العقد الأخير، عند التوسع في مشاريعها الصناعية العسكرية، وأخرها المفاعل النووية، وهي نفسها المؤدية إلى مصاريف إضافية تجاوزت طاقة إيران مع وجود الحصار.
    الدارج عند معظم المحللين السياسيين، وعامة الناس، بأن إيران تسيطر على نصف الشرق الأوسط، عن طريق أدواتها، وهي تتحكم بعواصم بعضها، وتهيمن على عدة منظمات في الشرق الأوسط، وتستطيع أن تدفع بها إلى الحروب في كل لحظة، كحماس وحزب الله والحوثيين ومجموعات في أفغانستان وغيرهم، لكن ما يغيب هنا، الطرف الآخر من المعادلة، وهو النزيف المتواصل لاقتصادها جراء هذا الدعم، المثخون بجراح الحصار، وتفاقم العجز في الميزانية، مع التدهور السريع والمتضخم لعملتها (التومان) رغم النهب الواسع لأموال العراق من العملة الصعبة، عن طريق مشاريع وهمية، وصفقات لا أساس لها، كصفقة الأسلحة الخفيفة التي دفع العراق مقابلها عشرة مليارات دولار، ومشاريع بناء الشبكات الكهربائية، والتي لم تنجز شيئا منها، وغيرها، فإبقاء هذه المنظمات في حالة التأهب الدائم، تحتاج إلى الإمكانيات القصوى، عسكريا وماديا وإداريا، والمكلفة جدا لدخول الحروب، وهي أخطر بكثير من عملية سيادة إيران، وهذه مدرجة ضمن الاستراتيجية الأمريكية المرسومة منذ فترة احتجاز رهائن الرعايا الأمريكيين مع الجالية الدبلوماسية، وتصاعدت بشكل حاد، أثناء نعت رئيس أمريكا جورج بوش الأبن إيران وكوريا وسوريا ب(محور الشر) وشبهت إيران أمريكا بالمقابل ب(الشيطان الأكبر) وكانت تلك هي الفترة الزمنية التي  تعافت إيران اقتصاديا، وبدأت بتطوير قدراتها العسكرية، مقابل تصاعد شبه مماثل لقدرات السعودية العسكرية والصارفة مليارات الدولارات من أجل شراء الأسلحة، لتحتل المركز الأول بين دول العالم من حيث صرف الأموال على الشراء...
يتبع... 
 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18986