ماذا فعل المربع الأمني بغربي كردستان؟.. الجزء الحادي عشر
التاريخ: الأثنين 30 اذار 2015
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

انقسم قادة الكرد في هذه الفترة إلى قسمين، عفوي ذاتي ضمّ معظم زعماء العشائر، وكانوا في الغالب أميين، وآخر مساير لفرنسا، وكانوا شبه مثقفين أو مثقفين، إلى جانب قلة من المنتفعين الراكضين وراء مصالحهم الذاتية. كانت الخطة تحويل المنطقة إلى إدارة ذاتية مشابهة لمارونية لبنان، تديرها مراكز عسكرية أمنية، لا تختلف في كثيره عن حاضر السلطة الشمولية السورية.
 التصادم مع الفرنسيين من قبل بعض العشائر الكردية، وبشكل منفرد في معظم الحالات، وفي مناطق متفرقة ومتباعدة، لم يشكل لدى الفرنسيين الثقل المناسب لإرضاخهم أو لإعارة الانتباه إلى مطالبهم، أو التأثر بحركاتهم، أو اعتبارهم كحركات قومية تطالب بكيان كردي في المنطقة،


 بل اتصفت كنزعات لرؤساء قبائل كردية تعودت على التمرد، أو ربما أدرجتها ضمن مخططات الدولة التركية المتكونة حديثا أو عزتها إلى النزعة الدينية المعادية لفرنسا. كما ولم يعرض القيادات الكردية المثقفة، والواعية سياسيا بشكل مقبول مطالبها القومية الكردية، المفروضة أن تكون بمستوى مطالب العرب السوريين المناهضين لفرنسا، ولم يبينوا عن كلية كردستان، وأيضا لم يبحثوا عن عمليات التقسيم الجغرافي الجاري بين تركيا وفرنسا وبريطانيا، أو تقديم الذات كرديا، بمعزل عن الصراع الفرنسي –التركي على مناطق النفوذ وتشكيل الخريطة السياسية، القاضية أصلا على جغرافية كردستان.
   حصرتهم فرنسا اقتصاديا مع تحديد تحركاتهم، وفرضت عليهم أجندات معينة، أخلّت بمراكز نفوذهم في المنطقة الكردية، وهم بدورهم لم يهتموا بما فعلت فرنسا حيالهم، بل صبّوا جلّ اهتمامهم للانتقام من تركيا كي يستردوا شمال كردستان متناسين جنوب غربها، وأهميتها في الانتقام أو الاسترداد؛ حيث كانت هي مركز تواجدهم، وبذلك خالفوا المنطق في تحصيل موطئ قدم لهم في هذه المنطقة، ومن ثم الانطلاق منها للانتقام من تركيا أو استرداد كردستان الشمالية. تشير وقائع تلك الفترة أنه كان بالإمكان تحقيق ذلك لو أفهموا فرنسا بأهمية تشكيل كيان كردي على تلك الأرض. ولم تكن في نية فرنسا ضم كل سوريا إليها، بل كانت تحتج دوما بأنها جاءت لفترة محددة من الزمن ومن بعدها سترحل إلى من حيث أتت. بينما إمكانية استرداد كردستان الشمالية كانت على درجة كبيرة من الصعوبة؛ لأن نوايا الكمالية كانت تتريك كل ما هو غير تركي. 
والكرد أسوة بغيرهم سعوا إلى تحقيق كيان لهم، ولكن تحركاتهم وسعيهم لم يكن يواكب العصر، لذا ذهبت كل سعيهم أدراج الرياح بالرغم من انعقادهم لمؤتمرات وحضور محافل دولية من أجل قضيتهم. وكان أداؤهم دون المستوى بامتياز، ويظهر هذا جليا في اجتماعهم بدوكر مركز آل عباس آنذاك؛ حيث اللافت للنظر غياب جنوب غربي كردستان في مؤتمر خويبون الأول المنعقد في قرية دوكر حاضرة آل عباس، تحت أجواء كردية شبه مستقلة، وبحضور معظم قادة الكرد من شماله وغربه، كجلادت بدرخان وكاميران بدرخان والشيخ عبد الرحيم أخو الشيخ سعيد بيران، وكور حسين باشا، ومعظم الأغوات الذين كانوا قد فروا من السلطات التركية العثمانية، كما وشارك في المؤتمر معظم رؤساء عشائر جنوب-غربي كردستان، من عفرين إلى ديركا حمكو، باستثناء رؤساء عشائر الملية آل إبراهيم باشا الملي، ولهذا الغياب سبب. وكان هناك اتصال وعلم للسلطات البريطانية في الموصل بالمؤتمر، وذلك عن طريق الدكتور أحمد صبري أحد أعضاء المؤتمر، والذي قبضت عليه السلطات الفرنسية بعدها في مدينة دير الزور في طريقه إلى دمشق لملاقاة اثنين من قادة خويبون، الأميرين جلادت بدرخان وكاميران بدرخان. وعليه تحركت فرنسا، لاحتواء أعضاء الجمعية. يتضح من مجريات الأمور آنذاك أن أعضاء الجمعية اهتموا بشمال كردستان دون غيره، ولا توجد أدلة على محاولتهم لإقناع فرنسا بتشكيل كيان لهم في المنطقة الكردية كما كان الحال في الدويلات السورية الأربع في ظل انتدابها.
    أحيت فرنسا مؤتمر خويبون الثاني، عن طريق تكليف عناصر مسيحية في لبنان للقيام بالمبادرة، وكان لهؤلاء المسيحيين فائدة من هذا للانتقام من تركيا، وكتبوا بنودها، ولكن الأمير جلادت عدّل عليها وغيّر فيها، إلا أنه أهمل الأهم هو تحصيل كيان كردي في جنوب غرب كردستان أولا، كي يتجنب التلاشي والاندثار في الكيان السوري. وقبوله تلك الشروط المقتصرة على كردستان الواقعة خارج نفوذ فرنسا يخلق تساؤلا لدى من يبحث في ثنايا تلك الحقبة. وجاء هذا القبول لصالح فرنسا؛ حيث يسهل عليها الاتفاق مع الكماليين. وجاء أيضا مؤتمر خويبون الثاني بشروطه المركزة على شمال كردستان دون جنوب غربها، ليفصل الجنوب الغربي عن الشمال ولم يكن هذا في المصلحة الكردية ولا في مصلحة بناء وطن كردي أو توحيد كردستان، بل جاء ليزيد مناطق نفوذ فرنسا ولتصغر جغرافية الإمبراطورية العثمانية، وعلى الأغلب كانت هذه محاولات ذاتية من القنصل السامي الفرنسي على سوريا، أكثر مما هي مخططة من الحكومة الفرنسية، فمعاهدة رسم الحدود بين سوريا وتركيا، أبرمت قبلها بسنوات وذلك في20 تشرين الأول عام 1921، وسميت بمعاهدة أنقرة، وحددت فيها  تقسيم كردستان الشمالية عن جنوب غربيها، رغم أن المعاهدة كانت مسودة عمل، وحيثيات المعاهدة استمرت حتى عام 1936م، والصراعات التي كانت تجري في المنطقة كمعركتي بياندور ودياري توبي ومؤامرات الضابط التركي حقي قندوز كانت ضمن هذه المجريات، وعلى الأغلب لم تكن لقادة الكرد المثقفين سياسيا علما ببنود هذه المعاهدة أو حتى بالمعاهدة نفسها، لذا كان من السهل أدراج الحركة تحت أجندات القادة المستعمرين الميدانية، والقضية الكردية في شماله  كانت قد أعدمت، قبل مؤتمري خويبون، عندما تخلت بريطانيا عن ثورة شيخ سعيد البيراني،  ومن ثم المعاهدتين المتتاليتين، أنقره، ولوزان، ولم يكن أمامهم سوى البحث عن كردستانهم الغربية، وهذا ما غابت عنهم أو غيبتها عنهم الضباط الفرنسيين في سوريا.
  كانت فرنسا على معرفة بقوة ومكانة الشريحة الثقافية من أعضاء الجمعية بين العشائر الكردية، وخاصة الأميرين، اللذين كان نفوذهما واسعا في كلية كردستان، لكن هذه القوة لم تتحرك على الأرض بالشكل المطلوب وفي الواقع العملي، باستثناء تحركات متباعدة بين العشائر وزيارات متقطعة، والتكثيف فيما بعد على العامل الثقافي وخاصة اللغوي بين الكرد، والذي لم يتعدَ إطار شريحة ضيقة. وبيّنٌ أن نشاطاتهم السياسية الميدانية الضعيفة، أفرغت الأجواء لقوى أخرى بالتحرك ضمن المنطقة الكردية، فتقلصت بسبب ذلك قوة العشائر الكردية المتمكنة.
    لم تتعدَ زيارات المرحوم جلادت بدرخان إلى عفرين أو سري كانيه (راس العين) أو عاموده أو دوكر أو ديريكا حمكو أو بعض عشائر تلك المناطق، كعشائر منطقة عفرين أو عاموده أو الشيتية وغيرهم، ثلاث أو بالأكثر خمس جولات ميدانية سريعة...
يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18920