الكردي بين السعودية وإيران
التاريخ: السبت 28 اذار 2015
الموضوع: اخبار



ابراهيم محمود

" حول مقال الباحث محمود عباس: السعودية أخطأت الهدف ! "
ربما يتساءل المطَّلع على مقال الباحث محمود عباس " أخطأت السعودية الهدف "، والمنشور في موقع " ولاتي مه " بتاريخ 27 آذار 2015، عن حكمة كتابته ومن قبل باحث كردي وهو مقيم في " أميركا ".
ولعلّي في قراءته بدوري، توقفت عنده وساءلت : ماذا يفيدنا هذا المقال كردياً ؟


إن أول ما يمكن قوله، هو أن الباحث عباس والذي يكتب في موضوعات مختلفة لها توجهات سياسية محفّزة فكرياً، ولا يخفي الهاجس الثقافي فيها، ينطلق من مقولة وهي أن ليس من حدث جار في أي مكان في العالم إلا ونكون معنيين به، فكيف الحال مع الباحث ذي الشأن السياسي والمأخوذ بالهاجس الثقافي ؟ وخصوصاً إذا كان في المنطقة التي نعيش تداعياتها !
لعل وجود عباس في بلد، ليس كأي بلد، مثل أميركا، له دور لافت في هذا التنوع البحثي والثقافي، وهو تنوع يرتكز إلى دافع معرفي ومنهل ثقافي متعدد المصادر البحثية، ومن جهة أخرى، شعوره أن ما يجري لا ينفصل عن اهتماماته، حيث إن أميركا، ومنذ الحرب العالمية الثانية، على الأقل، لم تعد تنتمي إلى عالم ما وراء البحار، إنما باتت على عتبة كل بلد، أنَّى كان، وكيفما كان حجم قوته، ولدول المنطقة أكثر من أرشيف سري وعلني في هذا المنحى، وبحكم القوة، مهما اختلف الموقف منها عملياً، وأن الدول المحيطة بنا كُردياً، هذا إذا جاز استخدام هذا التعبير، باعتبارها تتقاسم مصائرنا، لا تكون حدودياً إنما داخلنا، وتخترقنا مؤثراتها وتداعيات أحداثها في الجهات الأربع منا، كما الحال مع تركيا، وإيران، وفي نقطة مفصلية بأكثر من معنى في الدول العربية ذات الوزن الاعتباري، كما الحال مع السعودية.
عباس، يذكرني، بعبارة لجورج اورويل وهو يصف بها المثقف كموقع بأنه يعيش في جوف الحوت وخارجه، ولا بد أنه فيما يكتب ويعيش لا يكون بعيداً عما نعيش، وفي عالم منزوع الحدود كثيراً، وهو معرَّى من " الأعلى " .
وبغضّ النظر عما انطلق منه الباحث عباس وما انتهى إليه بصدد حساسيات الصراع السنّي الشيعي وتجلّي كل من السعودية وإيران في الواجهة، وتداعيات الأحداث في المنطقة وظهور نوع من الصراع العميق بالوكالة أو بأساليب أخرى، بين الدولتين وهما تتقاسمان مواجهات ساخنة ومميتة في المنطقة العربية وأبعد، واليمن ضمناً، وما يمكن أن ينتظر السعودية إزاء هذه الحرب " الجوّية " التحالفية وهي تقودها في اليمن لوقف الزحف الحوثي، والأصح حرصاً على سلامتها الحدودية وزعزعة أمنها الداخلي لوجود نسبة ملحوظة من الشيعة، ونسبة الاختلاف مع رؤية الباحث، فإن الكتابة المبكّرة في هذا الموضوع والذي يؤرَّخ له بصباح يوم الخميس في 26 آذار 2015، تحت تسمية " عاصفة الحزم " السعودية التسمية طبعاً، لها نباهتها وحصافتها أيضاً، كما لو أننا إزاء " عاصفة الصحراء " قبل خمس عشرة سنة ونيّف لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي الصدّامي، مع فارق أن ليس من احتلال مباشر لدولة محددة لليمن، ليتم طردها، إنما ثمة قوى على الأرض مذهبية: شيعية مدعومة إيرانياً، وهذا يعقّد الموضوع كثيراً، ولا أحد يعلم بحساب النهايات وهي مفتوحة، عدا عن كون القوى المشاركة عربية في الغالب، وهذا يثير أكثر من سؤال عن المحرّض الرئيس لما يجري، ولا بد أن أميركا، كما سمى الباحث في الواجهة، والفخ إيراني بالمقابل، إنها لعبة مميتة تقوم على تهديد حدود محلية وإقليمية يكون الجميع معنيين بها، والكرد ضمناً .
وفي الخطوط العامة للمقال يبقى الاتفاق مشدَّداً عليه أكثر من الخلاف، وفي الوقت نفسه، فإن الموضوع يقبل التوسع والإضافة من جهة العلاقة التاريخية والجغرافية والمذهبية بين الدولتين، واحتمال ظهور أكثر من سيناريو:
من ذلك أن إيران ترغب في دفع المنطقة العربية بسنّيتها إلى عنق الزجاجة الضيق، وهي تطلق " عقريتها " الشيعي في أكثر من جهة ، وله أكثر من نسخة وشبح، كما يحصل الآن، تأكيداً على أنها كما كانت في جبروتها وقدرتها على تأكيد سلطتها في المنطقة عموماً.
ومن ذلك أن مساحة التوتر المرئية والقائمة بين أميركا في الصميم والدول الأوربية وإيران، يترجمها تداخل مصالح في العقد ما بعد العولمي، أقل من التوتر المقدَّر بينها وقائمة الدول العربية الممَّيزة بالاستقرار كتلك التي أعلنت عن حربها على " الحوثيين ".
ومن ذلك أن موقع أميركا إزاء ما يجري يتجاوب مع قابلية إدارة الحرب المتعددة الأبعاد والمقاصد" والداعشية منها هي آخر تجليات الجبروت الأميركي والدبلوماسية الغربية  إزاء الجاري، حيث المكاسب مضاعفة، والحروب الإعلامية إلى جانب المباحثات المختلفة الأغراض بالتأكيد " بصدد السلاح النووي الإيراني والتدخل الإيراني في سوريا والعراق وغيرهما "، ليست أكثر من تسخين النار وانتظار النتائج المفصحة عن عالم مخطّط له كثيراً، ومربح كثيراً لأميركا وحليفاتها.
ومن ذلك أن الصراع المرئي على أرضية مذهبية، له صلة مباشرة بدوره في التاريخ، وكونه الأكثر أهلية لتفجير جهات مختلفة في المنطقة نظراً لوجود قابلية تجاوب لدى " الجماهير المعزّزة بالمغذيات الدينية "، وهي تستجيب لدعوات في زمن مدار بوسائل أخرى قاعدياً.
إنها مجموعة ألعاب ضمن لعبة كبرى: السعودية ومنذ أواسط سبعينيات القرن الماضي تحاول تزعُّم المنطقة والإسلام السنّي في العالم، وإيران بعد سقوط نظام الشاه في إيران ومساعي آيات الله فيها إلى نشر الإسلام الشيعي عبر أكثر من حصان طروادة بالمال والسلاح وخلافهما.
والسعودية من حيث لم تحتسب: ساهمت في إسقاط نظام صدام، هي وغيرها، لكنها فتحت بوابة الجحيم عليها حيث انفتحت الحدود العراقية أمام الرياح الإيرانية الشيعية وأبعد منها.
ودول مجلس التعاون الخليجي التي تشكل حلفاً دفاعياً وأمنياً فيما بينها وضمت إليها اليمن حفاظاً على مصالحها، لم تسعفها حيلتها كما يجب، لأن عملية الحفاظ على المكانة تتطلب أكثر من حلف على هذه الشاكلة عالمياً.
ويعني ذلك أنه لا المذهب السنّي أو الشيعي بمؤثّر في ميزان الصرف المصالحي لأميركا وقائمة الدول الغربية، إنما إلى أي درجة يترجمان عبر منافذ تدعم نفوذها عالمياً.
وأبسط ما يمكن التذكير به، هو أن إيران المتفرسة والتي أعلنت عن كونها الدولة الشيعية منذ خمسة قرون، وأنها حامية هذا المذهب الشيعي خارجاً، إنما فتحت جروح الماضي غير المنسية، وهي لا تندمل بطقوسها الكربلائية وسواها، كما لو أن التشيع خيار استراتيجي لها، ليس لأن ثمة شراكة لها في مفهوم " آل البيت " واعتبار  الإمام " علي " قضية تاريخية تكون هي معنية به فحسب، وإنما- أيضاً-  لأنها تريد التأكيد للسعودية  على حيف تاريخي  عصي على النسيان، حيث انطلق منها الإسلام، ومنها كان التوجه إليها والمناطق التابعة لها، وإخضاعها لحكم الدولة العربية الإسلامية، وبإيعاز من الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، والحيف يتمثل في كيفية تلجيم عين الجهة التي أرادت السيطرة عليها ذات يوم، والتاريخ لا يخفي ذلك .
والساحة المفتوحة للمواجهة المذهبية الطابع انفتحت على دماء مسفوكة ومحرّضين لتوتير الأوضاع واللعب وراء أكثر من ستارة منذ أكثر من ثلث قرن، يصعب التحكم بها حتى اللحظة ويبدو أن العنف الدموي سيتصاعد، وللكرد موقع في اللعبة: إنها لاعبون بارزون، إنما بوجود من " يتبناهم " في لعبتهم، كما الحال مع سياسات القوى الكبرى .
وإيران كدولة محكومات بسلطة ولاية الفقيه يهمها وجودها في الخارج، وباسم الدفاع عن حق تاريخي مهضوم مذهبياً، لا تهتم بمتطلبات الداخل بذات القدْر لاعتبارات تعنيها .
والسعودية ومنذ قرنين من الزمان راهنت ولما تزل تراهن على الوهابية في تأكيد سلطتها، ولعلها تدفع وستدفع الثمن غالياً وراء هذا " المذهب " الذي يبدو شديد الصلة بالتشيع وطقوسه، أي في كيفية ردعه وإيقافه أو إنهائه من الوجود .
ولعل الخطأ القاتل الذي وقعت فيه السعودية وهي تتباهى به، يتمثل في التلويح بالراية الإسلامية والتنصل من مسئولية ما يجري من عنف دموي وباسم الإسلام المتشدد الذي كانت ولما تزل الوهابية حاضنة معتبَرة له منذ ظهور أسامة بن لادن في أفغانستان، وتفاقم الخطر الذي لم تعبأ به كما ينبغي، بعد أحداث 11 أيلول 2001 في نيويورك .
ويبقى السؤال الذي يستحيل تثبيت جواب واحد عنه وهو: هل أخطأت السعودية الهدف حقاً ؟ فيما قامت وتقوم به هي وحليفاتها و" العلقة الساخنة والمروعة " في بدايتها فوق سماء اليمن وخارج حدودها ، أم أنها وجدت نفسها مضطرة إلى هذه الحرب، وهي توحي إعلامياً بما هو مبرّر لها، وبنبرة المنتصر كما لو أنها انتهت ؟ وهل لدى أي دولة في المنطقة: السعودية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية المساندة لها وأغلبيتها " مكرسحة " داخلياً، وإيران، وتركيا، ما يؤهلها لأن تقرّر إعلان حرب معينة خارج حدودها بصورة سافرة، أو مباشرة، دون وجود تغطية معينة من الدول الكبرى ؟ أليس الجاري هو من مخاضات ما بعد الحقبة الامبريالية ذاتها، حيث السياسات المرسومة دولياً تتناسب وما هو مستجد تقانياً، وعبر الأقمار الصناعية والرقابات على كل ما يجري في دول المنطقة من " الأعلى " ؟
هنا يمكن الحديث ولو باقتضاب عما ينتظر الكرد في هذا المعمعان المتعدد المواقع والمتحرك، وما هو مرصود في غرف عمليات تخص دولاً كبرى، وفي الصدارة : أميركا، على صعيد المصالح وارتباطها بالمستقبل.
ربما الذي أنجِز كردياً في الحرب على داعش، وأكسب الكرد صيتاً حسناً معترَفاً به عالمياً، وتلك هي الخطوة الأولى في طريق مجهول، قد يحمّل الدول الكبرى على إعادة توزيع للقوى القائمة في المنطقة لاعتبارات تعنيها مصالحياً، كأن تطرَح كردستان باسم كيان سياسي، إذا رغبت في ذلك..لم لا، فكل شيء جائز، أم أن السعودية التي أخطأت الهدف، تقابل أميركا التي تصيب الهدف، والكرد مازالوا بين الخطأ في إصابة الهدف المطلوب جرّاء انقسامهم، والتسديد على الهدف إذا وعوا كرديتهم ؟!
يبقى لمقال الباحث والصديق محمود عباس أكثر من باب يمكن طرْقه ورؤية ما في الداخل، إذا قدّرنا أن المسافة الجغرافية بيننا والجاري في اليمن، تكاد تنعدم من جهة القوى المتحركة وتوجهاتها، وعلى الكرد مضاعفة حذرهم مما يجري، حتى لا يصبحوا خارج الجغرافيا التي تشير إليهم جرّاء هذا التحدي غير المسبوق .






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18909