عـصا المحقق السحرية .. وشيء من الذاكرة ....
التاريخ: الأربعاء 11 نيسان 2007
الموضوع: اخبار



دهـام حسن

قال لي أحـد الأصدقاء : دعيت إلى قسم التحقيق ، فلفت نظـري وجود لـوحـة معلقة على الجـدار في غرفة المحقق ، مدبجة بالآية الكريمة : "إن جاءكم  فاسـق بنبأ فتبينوا" .. واستطرد قائلا : لا أخفيكم أن هذه الآية بعثت في نفسي شيئا من الراحـة والطمأنة ..


أتمنى من كل محقق أن يقتدي بنص الآية الكريمة عند استجواب الماثل أمامه ، سواء أكان  شاهـدا أم مشتبها به ، وألا يتسرع في حكمه ، فلديه من السبل والوسائل الحـديثة ما تمكنه من  الإحاطة بالموضوع وكشف ملابساته ، وإظهار الحق ، وإنصاف الماثلين أمامه بالتالي .. نتمنى  على المحقق الأمني أن يتحرى، أن يتقصى ، أن يتبين ، قبل أن يقدم على استدعاء أحـد ما ، وترويع أهله ، ثم  يتبين فيما بعـد أنه بريء ، أو  ليس هو المطلوب ، أو أن التهمة ملفقة للإيقاع  به ؛ نتمنى من المحقق أن يعمل عقله وألا تسبق "يده الفما" . أي ألا يستخدم عصاه السحرية  لانتزاع اعترافات قد تكون مغلوطة بالأساس ، أو منتزعة تحت لهب السياط ، عليه ألا يـدخر  الوسائل الأخرى – غير التعذيب – للوقوف على الحقيقة ..
كثيرا ما نشاهد في الأفلام الأجنبية ، وحتى المصرية ، أن شخصا ما يعترف باقترافه جريمة ، للتستر على الفاعل الحقيقي ، فلا يقتنع التحقيق باعترافه ، ويظل يتابع ، ويدقق ، وينقب ، حتى  يكتشف الفاعل الحقيقي ، لأن  لديه من الأدلة والأسباب ما تجعله  يرتاب في أقوال المحقق معه.. هذا هو واجب المحقق الفطـن المنصف الشريف... لماذا هـذا الموضوع ؟ لأنني شاهد على  بعض الحالات ، وكنت أحـد ضحايا تحقيق أحمق جائر ، جرى ذلك في عام 1962اعتقلت وأنا طالب في الإعدادية مع زملاء آخرين إثر كتابـات على حيطان إعدادية المعري في عامودة – الآن أصبحت ثانوية – يوهم ظاهر بعض الشعارات المكتوبة ، أن كاتبها من تنظيم  شيوعي ، لماذا ؟ لأن أحد الشعارات كان يحمل هذه العبارة "عاشت الشيوعية" لكن لو كان المحقق واعيا  منصفا ، ملما بالواقع السياسي ، على معرفة بدائية ببرنامج الحزب ، ذا ضمير حي وحر، وبحل من الإيحاء الخارجي ، يعمل بوحي من ضميره وقناعاته فحسب ، لدرس الحالة من كافة الجوانب ، ولسأل نفسه ماذا يجني هؤلاء الأطفال من تلك الكتابات ؟ بل ماذا يحقق تنظيمهم من هكذا تصرف ؟ ولو دقق في سائر الكتابات الأخرى ، كان لا بد له أن يرتاب في الأمـر  واستدرك ما ذهب إليه  ظنه في البدء ولرأى – بالتالي – أن في الأمر مكيدة ، كما أن بعض العبارات حوت شتائم سوقية بذيئة ، يأباها الذوق العام ، وكانت بعيدة عن أخلاقنا وشيمنا نحن القادمون من الريف النظيف مغمضين ، كما أن بعض الشعارات تضمنت سقوطات "يسقط.... "  لم يقرها منهاج الحزب.. المهم جرى ما جرى ؛ الضريبة كانت قاسية ، السجن والتعذيب وكان  آخر عهدنا بالمدرسة أنا والصديق المرحوم ممدوح  بيجو أبو حبيب ، ولم  يغير من الواقع مجيء أهل المغرر بهم ، الذين دفعوا للكتابة بإيعاز ، جاؤوا بعد حوالي ربع قرن يستسمحون ويعتذرون من أحد الأصدقاء ، ظنا منهم أن القدر انتقم لنا نحن الصبية الصغار منهم لما كادوا لنا ، لما فجعوا بعزيز صحوة ضمير واستسماح بعد حقبة من الزمن سامحهم الله جميعا .... وللذكرى  والتذكير وللحقيقة أقول بعد اعتقالنا بإسبوع تجددت الكتابات في المدرسة ذاتها للإيقاع بآخرين ، ومن مشرب سياسي آخر ، وألبست التهمة لأبرياء جدد التحقوا بنا في السجن ..
أعود لأقول..... أما يحمل المحقق وزر تحقيقه ؟ ... ما كدت أفرغ من كتابة هذه المادة ، حتى فاجأني صديقي كعادته في تهكمه قائلا: ومتى كان المحقق يبحث عن الحقيقة ؟ فقلت له لو أنك أنذرتني منذ البداية بهذه المشورة لما تكلفت بكتابة هذه الزاوية ......







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1872