الكُرد وحمَّى البحث عن الأسماء
التاريخ: الجمعة 07 تشرين الثاني 2014
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

آمل أن تدقّقوا بدايةً، في هذه القائمة الموجزة من الأسماء: مهاباد، آمد، برزان، حلبجة، هولير، عفرين،  زردشت،سرحد، جلادت، كاميران، جمشيد، اوجلان، شنكال، اوباما، كوباني، بيشمركة...الخ، لا بد أن ثمة تداعيات تتقاسم واعية كل منكم، وهي تتوزع بين الجهة الجغرافية الكردية" جهات كردستان الأربع تماماً "، والجهة القومية والافتخارية، إلى جانب الجهة التقديرية الأخرى لِمَا يتجاوز الكردية كاسم، كما في حال " اوباما ".
لعل الاسم أكثر من علامة فارقة تتجاوز نطاق المسمَّى، رغم أن نسبة ملحوظة تعتمد في اختيار الأسماء لأولادها وبناتها انطلاقاً من ذاكرة عُرفية، أو تقليدية، أو من وازع ديني،


 لكن العقود الأخيرة، وبالنسبة للكُرد شهدت انعطافة متميزة في نوع من التمرد على هذه الذاكرة، إذ إن المتغيرات ذات الصلة بما هو قومي، وجرّاء تنامي الوعي القومي هذا وارتباطه بالشأن الكردي، وقد أفرزت خيارات واسعة النطاق، دفعت بالكرد في جهاتهم الكردستانية، بشكل متفاوت، تبعاً لهامش الحرّية المتاح لهم من جهة، وللتقديرات الشخصية للشخص نفسه وانتمائه العقيدي والحزبي بالمقابل من جهة أخرى، كون اختيار الاسم قد يحدّد في الحال موقفه الإيديولوجي، موقعه الاجتماعي، توجهاته القومية، مدى ارتباطه بالمستجدات بالمقابل.
لا أظن أن ذلك يقتصر على الكُرد أنفسهم، سوى أن الممكن قوله، هو أن الكرد- ربما " أقول ربما " – كانوا الأكثر تميزاً في هذا التوجه، ليس لميزة استثنائية فيهم، إنما لاعتبار تاريخي وجغرافي بالتأكيد بوصفهم شعب التاريخ الموجَّه ضدهم والمعنف لذاكرتهم كذلك، والجغرافية المصادرة من اسمها " كردستان "، وهم في عشرات ملايينهم طبعاً.
وكأننا إزاء ساحة مجابهة بين التاريخ المقحَم من الذين يغيّبونهم داخل تاريخهم، والذاكرة التي تمنحهم تنفيساً واستمراراً في تاريخ رحالة ومحمول ينتظر التدوين، رغم كثرة القادرين على الكتابة بالكردية، في نطاق تنافس مستميت بين الذاكرة والنسيان!
كأن الكرد يريدون إخراج اسم المكان من نطاقه الجغرافي إلى نطاق التاريخ المتداول وتلوينه بدلالات كفاحية/ نضالية أو تترجم طبيعة تعاملهم وهم في تنوع ارتكازاتهم الإيديولوجية، من خلال " تفييز " أسماء معينة.
لكن، ليكن في الحسبان، ليس كل حامل اسم في مقام الاسم بمحتواه، وليس كل مطلق اسم يستحق تنويهاً ووضع خط وجاهي تحت اسمه، إذ لا بد من معرفة الظروف التي حفّزت على اختيار هذا الاسم: مكاناً وزماناً وموقعاً ودلالةً.
يُراعى هنا جانب السمسرة الأسمائية، حيث الكردية ما كانت يوماً معزَّزة بأسمائها من حيث المقصد الظاهري، إنما بالمفعَّل الحدثي فيها كردياً.
يُراعى هنا جانب الاستعراض الأسمائي، كون الكردية تتعدى المرئي والمسموع، وتحديداً، لحظة إمعان النظر في سلوكيات حاملي الأسماء، والأكثر من ذلك طبعاً، الذين أودعوها أولادهم وبناتهم.
يُراعى هنا جانب التمويه الأسمائي، لأن الكردية لا تقف عند " قناع " حامله الاسمي، وما يصلنا بخاصية النفاق طبعاً، وربما، قدنا المسلك البحثي في الحالات المذكورة إلى رعب التعاطي مع الكردية واقعاً.
ضمناً، ومن خلال التجارب المريرة للكرد أنفسهم، وانقساماتهم وهم بملَلهم ونحَلهم، يسهل تلمس هذا التضاد المريع بين الاسم وما يسمّيه واقعاً، بين شكله ومضمونه ، كما يقال، وبالتالي، فإن على الاسم ألا يستوقفنا والحكم على صاحبه من خلاله، لا بل ربما يصلح مسباراً للنفاذ إلى التجربة اليومية لمن كان وراءه، وما يكون عليه على صعيد المردود الاجتماعي والسياسي، والأكثر: المحقَّق أخلاقياً .
إن الممكن قوله في مختَتم هذا القول: هو عدم إيلاء الأسماء القيمة المقابلة لها، أي تجنب الوقوع في أحبولة الاسم المختار، دون التخلي عن حيويته وارتباطه التاريخي بما هو جار ومؤثر. إذ من الجميل أن نحافظ على أسماء مدننا وقرانا وجهاتنا الكردستانية كأي شعب آخر يعيش عنف الإزاحة عن وطنه وتاريخه، بقدر ما نظهِر التقدير الوجداني للرموزنا والذين كانوا عاملاً إنقاذياً أو داعماً لأمل أوفى لنا في البقاء والثبات، إنما، في الوقت نفسه، ألا نحيل على ما تقدم كامل تاريخنا وجغرافيتنا، لأن ثمة مدناً وقرى وجهات ومواقع وشخصيات كردية تستحق " حفظ الإسم " في الذاكرة الشعبية، لكن، ربما، وشعوراً بتذوقات وتوصيفات قائمة تؤجَّل، أو تتنحى جانباً: قامشلو، عامودا، السليمانية، زمّار..الخ، إلى جانب أسماء تنتمي إلى دائرة الثقافة المغايرة في اللغة المغايرة : سعيد، محمود، محمد،  جلال...الخ.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18299