حاضر الثقافة الدينية والقومية الكردية
التاريخ: السبت 04 تشرين الاول 2014
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس
  
  تطرقنا إلى مواضيع ثقافية، وجوانب عقائدية روحانية، منتشرة بين المجتمع الكردي، الدينية منها والقومية (الحزبية)، وحاولنا وسنحاول إثارة هذه القضايا، التي نجدها من ضمن المنظومة الفكرية المخططة من قبل الأعداء، والتي تؤثر سلبا على مسيرة المجتمع الكردي، وذلك في عصر يحتاج فيه إنساننا قبل غيره إلى تغييرات نوعية في مفاهيمه الجارية، وضمنها تلك الثقافة التي فرضت عليه دون إرادة، وأرضخ على تقبلها، والتي راكمت وعلى مدى عقود وربما قرون في البنية الاجتماعية والسياسية والعلاقات الروحية والاقتصادية والوطنية لأغلبية المجتمع الكردستاني. وهذه المواضيع المطروحة، تندرج ضمن مفاهيم الثورة الشمولية التي تجتاح المنطقة وضمنها جغرافية كردستان وشعبها، يتناولها العديد من الكتاب كل من جهته وحسب رؤى ذاتية، فلابد من إغنائها قدر المستطاع، والتركيز عليها، لتغييرها أو إسقاطها مثل إسقاط الأنظمة السياسية الشمولية، بثقافتها ومفاهيمها.


 ولا يستفزنا أساليب التهجم، وطرق الصراع، بقدر ما يؤثر فينا الضحالة التي لا تزال تخيم على واقعنا الفكري الثقافي الديني والسياسي، والتمسك الأعمى بالمفاهيم والثقافة المهيمنة، والواضحة وبائها المنتشر بين الشعب، ورغم معرفة البعض لها، يستمر إصرارهم على ديمومتها، وهو نتاج طغيان سلطتين شموليتين، دينية وقومية، مطلقتين بطروحاتهما، وهما اللتان تفرضان على المجتمعات الراضخة الثقافة الضعيفة والضحلة في بعضه والمؤدية إلى سلب الكثير من إرادة المقارنة والتحليل والاستنتاجات الذاتية. 
الطروحات الروحية-الدينية في كل أبعادها، لا تنفي الإسلام الحقيقي، ولا يتعرض لماهية الإله الكوني الكلي، بقدر ما يعرض فروقات بين مفهوم التجسيد الذي يخلق منه الطغيان وأنصاف الألهة، والإله الكوني الروحي حيث العلاقة بين الله والإنسان، دون وسيط من أنصاف الألهة. وفي الجانب الآخر حيث ثقافة التحزب، وتكياتهم، المغطاة تحت الشعارات الوطنية، التي خلقتها القوى الأمنية للسلطات الشمولية، وفرضتها على الأحزاب الكردية المتناثرة والمفككة، والمنتمية إلى القوى الإقليمية بتكتيكاتها، واستراتيجيتها فيما إذا كانت موجودة، والتي أصبحت ثقافة قومية مشوهة، منتشرة بكل وبائها بين المجتمع، إلى درجة أصبحت تندرج تحت رايتها كل الخلافات المغطاة تحت أفضل الطرق المؤدية إلى تحرير الوطن. والخلافات تجاوزت في المنطق الأول حدود التكفير إلى التشهير والدونية في الكلام المرفوض، وفي الثانية حدود التخوين المتبادل، وبلغت مشارف الإيمان بالقضاء على الأخر كنتيجة حتمية لتحرير الوطن. 
  يتعرض الناقد، في هذين المجالين إلى هجمات شرسة، من قبل مريدي الثقافتين الدينية الإسلامية، والقومية الحزبية لا الوطنية، وأول المواجهات تبدأ بالتكفير من جهة الإخوة المسلمين، والتخوين من قبل المتحزبين وأنصارهم، وهذه أبسط الأساليب المستخدمة في عملية دحض المطروح، بل وكثيرا ما يتعرضون إلى الشرف والقيم الإنسانية والأخلاقية للناقد، أو الباحث، تحت مبررات ومصوغات متنوعة، فالتقييمات الذاتية والتأويلات الجامدة من العصور المظلمة، الجاهلية أو الاستبدادية، تبقى الطاغية على كل مداخلة، رغم أن الثقافة الدينية منها بلغت حد المطلق في البقاء والاستمرارية بين مفاهيم المجتمع، وإن بقيت بدون ثورة فكرية ثقافية، ستستمر إلى حيث وجود الزمن الإنساني، ومثلها منطق التحزب، السابق لكلية الوطن، عملا ونضالا لا إيمانا أو قناعة أو حديثاً عاما، وستبقى مسيطرة ثقافة القوى الإقليمية هذه إلى أن تجتاحهم ثورة. وللأسف فجلهم لا يملكون القدرات على المداخلة مع الذات أو مع التاريخ ومقارنتها مع الواقع الحضاري الجاري، وسويات الفكر البشري وتطوراته. 
   التغيير في بنية الثقافتين بالنسبة لمعظمهم، هدم لكيان وجدوا ذاتهم عليه، وأي جديد أو بديل مغاير للمعتاد ثورة، والثورات في مداركهم إما كفر بالمقدسات أو تدمير لبناء سياسي ليس فيه سوى التشوهات، بعضهم يعتبرونها من المقدسات، وبعضهم يدرجونها ضمن تاريخ نضالي للأمة الكردية. والمعارضين للتجديد في الثقافتين، معظمهم من الذين امتلأ مخزونهم الفكري بالثقافة القديمة، ولم يعد للجديد مكانا، ولا يملكون القدرة على خلق مقارنة جدلية بين الثقافة القديمة التي كانت ثورة في زمان ومكان ما، والمفاهيم العصرية التي خلقت على صرحها الحضارة الحاضرة. لابد من التخلي طوعا عن بعض القناعات القديمة، والتمعن في الفارض ذاته حضاريا، ليتمكن من تكوين الذات على ثقافية ملائمة للتطور البشري بكليته. 
  بعض الذين دخلنا في حوار فكري معهم، يؤمنون بأن الأديان من المنطق الإلهي ترفض الجمود، ويتطلب التلاؤم مع المتغيرات البشرية الحضارية، ويتناسى البعض أن الأخلاق الحميدة كانت موجودة قبل الأديان كلها، كان هناك الصدق والرحمة والمحبة والأمانة وغيرها، وهي ليست وليدة الأديان، وهم بهذا يفرضون المطلق الإلهي على الأديان من جهة ويجمدونها في جغرافية الزمن والمكان الذي أنطلق منه، وكذلك على النسبية البشرية وتطوراته الثقافية والأخلاقية المتغيرة مع مسيرة التاريخ، بل يفرضون الجمود على الثقافة والتاريخ والقيم الأخلاقية الإنسانية. وكذلك بعض السياسيين أو المثقفين المنتمون، يدركون تماما أن الثقافة القومية بواقعه الجاري مرفوض، لكن وفي الحالتين يتمسكون بالحاضر الجاري من الإيمان المطلق بالنص الديني أو الثقافة القومية الحزبية، ويستخدمون نوع من الاستبداد الفكري، إما بوجودهم الأبدي على رأس الأحزاب المحافظة على الثقافة الموبوءة، أو لئلا تتعرض هيبتهم الدينية بين المجتمع، وقلائل هم الذين يرون أن قدراتهم على التغيير دون السوية أمام ضخامة المواجهة، ويعملون بهدوء وروية، دون طروحات مباشرة وثورية في بعضها. 
د. محمود عباس 
الولايات المتحدة الأمريكية 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18127