لماذا انقطع المفكر إبراهيم محمود؟
التاريخ: الأثنين 08 ايلول 2014
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس
  
  الفكر الذي لم يعرف للراحة وقتا، والقلم الذي لم يثلم حتى اللحظة، يتوقف فجأة وبعد غزارة أمطر بها القراء، وغطى صفحات موقع ولاتي ما، بمواضيع فكرية سياسية ثقافية مدموجة بنكهة فلسفية عميقة، شملت معظم القضايا الجارية، دون مواربة أو تملق لقوة سياسية حاكمة أو مشردة. عرف شنكال من آهاتها، وكتب عن صرخاتها المكلمة الصادرة من أعماق أوديتها الجريحة، كتب عن الدمعة التي سقطت في الأعماق المهشمة، عن الإيزيدي الذي غبن من كل الأطراف، كتب عنهم كل يوم منذ خروج الصرخة الأولى من أحضان شنكال الممزقة، إلى قبل أيام، وسكت فجأة! الناقد الذي لا يقف عند حدود المعارف، عندما تتعلق القضية بالفكر أو المفاهيم أو الثقافة، صريحا مع ذاته قبل أن يكون مع الأخرين، جرحه نقده اللاذع يوما ما أمام أصحابه، واليوم يهدمه في أحضان هجرته. 


 عرفته لساعات ومنذ عقدين وأكثر، حينها لامه صديق على عدم الكتابة بالكردية، فكان أن خرج من الملامة ليصبح ناقداً فيها، متجاوزاً القراءة والكتابة، مترجما إليها ومنها، إنه العصامي الذي لولا كرديته لكان أحد أكبر النقاد شهرة على الإطلاق في العالم العربي. 
 هجر مضطراً من أعماق مكتبة كانت تغرق بالمئات من الكتب المتنوعة، ومن مدينة كتب عنها وألتصق بها روحا وثقافة، نزعته المعاناة اليومية والمرض والواقع الاقتصادي من أحضان قامشلو التي أحبها، وتركها بدمعة، فهاجر من كردستان الولادة إلى كردستان  القيامة، كردستان اللجوء والأمان، كغيره من المثقفين والعامة، لكنه بخلاف الكثيرين منهم كان حاملا معه فكره وقلمه، والتي كثيرا ما لا يتواجد لهذه البضاعة  بائعاً، في أوطاننا، فتتعفن  على بسطات الطرق ولا تجلب انتباه المارة، ويتشربها الضياع مع الزمن، وتهمل من قبل الأسياد، والحكام، وإن اشتريت فستكون لإدخالها إلى الخدمة الذاتية. 
 استقر على مضض في مدينة دهوك، احتضنته حكومة الإقليم، على كفاف العيش، بعد طول معاناة وبحث، وهو الباحث والناقد المعروف إبراهيم محمود، صاحب ذخيرة أدبية تشمل كل الوطن العربي، وظف براتب كان يغنيه كفاف العيش، قانع بالموجود، أملا باستمراريتها دون انقطاع، وهو الذي لا يبالي بقيود الكتابة والنقد بكل أبعادها، ولا يعرف للمجاملة وجها، فكتب ونقد مخاطراً كفاف العيش والوظيفة، وهذا الذي حصل. 
 إبراهيم محمود يغيب في ركن بيت لا ثمن لدفع الإيجار، يفكر في كفاف العيش الذي انعدم، أراه من وراء الزمان والمكان وكأن الكلمات لا تخرج فالغصة تتجاوزها، والحسرة تكتمها، والألم رهيب، وهو الذي يعاني من آلام جسدية، لم تبارحه منذ سنين، يضاف إليها بين حين وآخر معاناة العيش ومتطلبات عائلة تقاسي. لا شك إنه يعكس حياة أمة بكاملها، وشريحة لا تختلف عنه، لكن ويبقى إبراهيم محمود الفكر والقلم، الذخيرة القومية والوطنية التي قلما تظهر، والتي من المعيب جدا لكردستان الحلم وحكومتها إهماله هكذا وإدراجه ضمن قانونه الذي يلغي وظائف كل الخارجيين. 
 ولكي نكون منصفين مع كردستان القيامة، والتي تتكالب عليها الأعداء من كل صوب، ومن ضمنهم حكومة المركز والتي قطعت عنها حصتها الاقتصادية ورواتب موظفيها، فاضطرت على تقليص موظفيها إلى الحد الأدنى، وكان أوائل من شملهم هذا التقليص المفكر إبراهيم محمود، ولا شك الإقليم يئن تحت وطأة هجرة تجاوزت حدود الإمكانيات، وهي مشكورة بما تقدمه من خدمات جليلة تجاه لاجئيها دون مساعدات دولية كالتي تحصل عليها الدول المجاورة. 
  وبنقد على سوية نقده، نقول: إن راتب أحد أنصاف الألهة في حكومة الإقليم كاف لإعانة العشرات من العائلات كعائلة إبراهيم محمود، واحتضان هذا الناقد والباحث والمفكر ضمن مكتبة بطاولة وكمبيوتر، وقليلا من الراحة النفسية، وحرية الرأي والكتابة، والنقد، فيا أمة لا خير فيها تهمل مفكريها وتقرب جهلاء سياسيين.   
د. محمود عباس 
الولايات المتحدة الأمريكية 






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=18005