ماذا وراء هذا الاهتمام الأميركي- الأوربي- العالمي بإقليم كُردستان العراق ؟
التاريخ: الخميس 14 اب 2014
الموضوع: اخبار



 ابراهيم محمود

     ما أقرب السياسة إلى لعبة "الكلمات المتقاطعة ". إن فهم اللعبة وحتى السيطرة عليها والتحدي لمنطقها، يرتبط ببنيتها المركَّبة: معلومات تاريخية، وجغرافية، وطبية، وسياسية، واقتصادية، وعلمية ، وأدبية..الخ، وكذلك بقدرة المتعامل معها طبعاً، وقد يصعب على أي كان " فكَّها " وإلى إشعار آخر، لكنها لا تخفي " الكلمة الضائعة ": العقدة" الحل " . في بداية الغزو الداعشي للموصل قبل شهرين ونيّف، وسيطرة البيشمركة على كركوك، وإشارة رئيس إقليم كردستان العراق إلى استقلال الإقليم، جاء الاعتراض الأول من جهة أميركا : الدولة العظمى في العالم، وعلى إثر فاجعة " شنكال " جرّاء الغزو الداعشي في مطلع هذا الشهر، كانت أميركا أول دولة تندفع في الحديث عن لزوم حماية الإقليم،


 ومن ثم تتالت التصريحات السياسية وغيرها: بدءاً من الرئيس وانتهاء برموز السياسة الأميركية المختلفة والمعنيين باستراتيجياتها البعيدة المدى، وهي تركّز على ضرورة مساندة الإقليم ضد الغزو الداعشي، ولتندفع دول كبرى أخرى، أوربية: انكلترا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، السويد، فنلندا..، وسواها: كندا، استراليا..الخ، في سياق دعم الإقليم بالعتاد والسلاح .. يا للحظة الحرجة والمفرِحة كُردياً ! هل كانت الكارثة الكردية الإيزيدية " الشنكالية " هي المخاض الأكبر لحصول مثل هذا التحول الكامل، التحول غير المتوقع حتى في حدود الإقليم، أم إن ما وراء الأكمة ما وراءها ؟ أن يكون الإقليم في مركز اهتمامات هذه الدول وغيرها، لوجود اعتبارات تعنيها مصالحياً  ؟ لا شيء يعلّم مثل التاريخ، ولا شيء يسطّح الوعي مثله أيضاً: في الحالة الأولى، عند تحرّي طريقة بنائه على أصعدة مختلفة، ومن وراءه، حتى لكتابه ومؤرخيه، وعدم إطلاق حكم نهائي، خشية الانزلاق في مطب ما، وفي الحالة الثانية، لحظة الرهان على الأسهل فهماً للذهن. كُردستان، في المجمل، لم تكن في يوم ما، ودون استثناء، ببعيدة عن أي حبكة سياسية عالمية وإقليمية ومحلية، على مستوى دول العالم ذات النفوذ، ومنذ أكثر من ثلاثة قرون. كانت السياسة هي العصا ومعها حركة " الجزرة المدلاة "، وفي الوسط الضحية، المختبَر المفتوح . ليس من مفاجآت على مستوى السياسة وهي تشمل ما هو مرئي وخلافه وما بينهما، إنما هناك ترتيبات وتوظيفات قوى شتى، تتعدى نطاق الدولة الواحدة، والشعوب المسماة بـ" الضعيفة "، منزوعة السيدة الرسمية تحديداً، كالكرد . 
  قوى تحارب ضد أخرى، قوى تحارب عن أخرى، قوى تمثّل جبهة متراصة، يمكن أن تعقَد عليها آمال بعيدة المدى لصالح قوى لا يغفلها التاريخ السياسي الحديث والمعاصر. هذه القوى تكون مزيجاً من الديموغرافيا والممارسة السياسية، والانخراط في تدشين قواعد اقتصادية، وتوسيع دائرة الأنشطة هذه، إلى جانب مد الشبكة الإعلامية، والدبلوماسية، وبلورة وعي ثقافي، اجتماعي، محلي..الخ، إنها " أفراد " العائلة التي تمكّن من لفت الأنظار هنا وهناك . على مدى أكثر من عقدين من الزمن، والإقليم في هذه " اللعبة ": لعبة الكلمات المتقاطعة، والبحث عن الكلمة الضائعة، والمنتظَرة: الاستقلال، أو تحقيق نوع من الاستقلال الذي كان يلفَظ على الملأ، أو بصيغ أقل وضوحاً، حسب المجال، وسط تساؤلات كردية، في أطراف أخرى، وممن يسائل منطق السياسة التي تجعل الإقليم في مقام كردستان: لماذا الإقليم وحده، وليس الأطراف الأخرى؟ وهو سؤال مشروع. 
   إنما علينا ألا نغفل عن اللعبة المعقدة والمتمثلة في السياسة، وفي موقع كردستان. ربما" وهأنذا أبتعد عن إطلاق أي حكم قيمة "، ظهر الإقليم في مواجهة الغزو الداعشي الأبعد من أن يكون محرَّكاً محلياً وإقليمياً  فقط جرّاء ممارساته المذهبية والتصفوية" التفكيرية "، وهو يمد في حدود " دولته " الأبعد من صيغة" الإسلامية في العراق والشام " فقط أيضاً، لعلها تتمثل في: حدودك يا " داعش " حيث تقفين .."! ولعل تمادي داعش، وسعي داعش إلى أن تكون أكثر حصولاً على الامتيازات والسيطرة على المكان والاستئثار بإعلام يستقطب الآخرين، وراء هذه الانعطافة البارزة: الطارئة فجأة عند البعيدين عن لعبة " الكلمات المتقاطعة "، كما لو أن هذا الاهتمام العالمي المذكور، ترجم جملة سياسية، اجتماعية، اثنية في الصميم، وجغرافية، وبعد انتظار طويل، فحواها: خسارة الإقليم الآن كلياً، تهديد لكل وجود لنا في المنطقة.  لعبة المصالح ! الكلمة الضائعة، والمغذية للسياسات العالمية، إنما لها أقنعتها، ومسالكها، ومعابرها، وأكثر من خطاب ملغز أحياناً، حتى لا يسارِع أحدهم بالقول: أوه، هذه مفهومة. بالنسبة إلي، ثمة أمور سياسية بعلامتها الكبرى، يمثل تفهمها تحدياً لقدراتي العقلية والنفسية، ولأن ما هو منتظَر داخل في هذا السيناريو القادم بالنسبة لمستقبل إقليم كردستان والكرد. في كتابه المهم جداً " الصراع على سيادة أوروبا: 1848- 1918 " والمؤلَّف سنة 1954، أشار مؤلفه " أ.ج.ب. تيلور "، إلى أنه ( في كانون الثاني/ يناير 1918 توقفت أوروبا عن أن تكون في مركز العالم . ص 751 ). إنه اختفاء بالنسبة لصعود نجم الولايات المتحدة الأميركية، ولا بد أن التجاوب الأوربي السريع مع اهتمام لافت لأميركا تجاه الإقليم مازال مشدوداً إلى تلك الفترة . ولا أدري إلى أي درجة، يكون هذا الاقتباس الطويل نسبياً، مشروعاً ومفيداً في إضاءة أصل المقال هذا، وقد ورد في نهاية الكتاب المفيد بدوره " كرد العراق: بناء دولة داخل دولة " لأوفرا بينغيو (يصف الشاعر الكردي هزار موكرياني المأزق الكردي أبلغ وصف في كلماته التالية:" الشعب الكردي مثل الدرويش يدور ويدور حول نفسه بحثاً عن شخص يقوده إلى جنة عدن ". 
  إن جنة عدن بالنسبة للكرد هي دولة خاصة بهم. لم يصل الكرد إلى تلك الجنة بعد، ولكن بظهور شبه الدولة الكردية في العراق فهم الآن أقرب إلى الوصول إليها أكثر من أي وقت مضى من القرن الماضي . ص 427 ) . للعلم، فإن هذا الكتاب صدر سنة 2012 !






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17861