التخوين نهج أم فلسفة؟ (الجزء الأول)
التاريخ: الخميس 08 ايار 2014
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  ويستمر التخوين، وتفتح جروح على جروح، وتتوسع الخلافات، وتزداد الهوة بين المفاهيم، دون أن يدرك البعض أن الذات لا تسمو بتقزيم الأخر، فتمجيد نهج لا ينجح في نشر العداوة. من أولى مهام الحراك الثقافي تصحيح المسارات الخاطئة في الحراك السياسي عامة وتنبيه المجتمع العام إلى الثقافة الفاسدة المتفشية، التي غرزتها السلطة بينهم، والعمل على وضع البديل المناسب، فبدونها لن يكون هناك حديث عن مسيرة الثورة، والمعلوم أن الثورات نجاحها تعتمد في كثيره على مدى التغيير الذي يحصل في الثقافة السائدة.


   يجري حاليا بين المجتمع السوري عامة والكرد بشكل خاص، تفشي العديد من الأوبئة الثقافية التي نشرها النظام، كثقافة إلغاء الأخر المخالف فكرا أو سياسية والتي أدت إلى تشتت القوى السياسية المعارضة، وكانت من نتيجتها حاضر المعارضة السورية، ومنذ بداية الثورة تركز السلطة على تفعيل منطق تخوين الأخر، كمخطط لتقزيم الجبهة المعارضة، وقد تلقفها تقريبا معظم أطراف المعارضة السورية وبينهم الأحزاب الكردية، ولا نتحدث عن السلطة فهي ثقافتها وترتزق منها، مفاهيمها مستمدة من ثقافة الاستبداد، ثقافة النظام الشمولي، التي تساند بقائها وتسهل لهيمنتها على الوطن بقبضة من الحديد، فتخوين الأخر المخالف  فكراً أو تكتيكا، بين القوى المعارضة السورية وعند الكرد بشكل خاص، إلى الدرجة التي أصبح نهج سياسي مدروس بفساد كفلسفة دونية، ومعظمهم  يدركون إنه وباء مستقاة من ثقافة سخرت لها السلطة الكثير، مع ذلك تستخدم دون إعارة الانتباه على أنه  مفهوم يهزم صاحبه  أولاً، يرتكز على بنية فاسدة، وأثيرت كثقافة في فترة الحرب الباردة في شرقنا، وهي الأن في حكم العدم التكتيكي والاستراتيجي، فيما إذا كانت الجهات السياسية والثقافية واعية لذاتها الوطنية، مع ذلك أغلب الأحزاب السياسية وفي مقدمتهم النظام الشمولي يستخدمونها بشكل عشوائي بين العامة والشريحة الأقل ثقافة كإسناد لتكتيكاتهم السياسية للسيطرة على مدارك الشعب، أو خلق النعرات الفردية. فالتخوين حالة نسبية قد تكون عند المقابل بعد وطني وقومي، وكثيرا ما يخفون بها علاقات الحاضر السلبي عن الذات، كتخوين البعض من المعارضة أو السلطة الشمولية للكرد واتهامهم بالانفصاليين عند مطالبة الأخيرين لحقوقهم القومية.

  النظام يطرحها بذكاء خبيث، على أنه السلاح الثقافي الإعلامي لحماية الوطن.  ولا شك أن هذه القضية تخصنا نحن الكرد أكثر من غيرنا في سوريا، لأنها ثقافة تحبط الذات الكردية الوطنية والقومية وتدنيه، فنهج إلغاء الأخر والتخوين بشكل خاص تعكس على الفرد سلباً قبل أن تؤثر على الناقد المخالف فكراً أو مفهوما أو تكتيكا، ولا نقول استراتيجية، بناءً على أنها عند الجميع تهدف إلى تحقيق الهدف المنشود مستقبلا، كما وأنه نهج يكاد أن يصبح عدمي التأثير التكتيكي أو الاستراتيجي، ولو كان له تأثير لغيرت مجريات العلاقات مع السلطة أو المعارضة.
  رغم ذلك هيأت السلطة الشمولية شرائح عديدة من الشعب السوري لمثل هذه الظروف، ليتمكنوا من التلاعب بمقومات الوطن والوطنية، فرشوا لها بحنكة، نشروا مفاهيم مشوهة ملائمة لخلق التنافر والصراعات بين أطياف المجتمع الواحد، فكان من ضمن أجنداتهم إدراج منطق الخيانة الذي نتحدث عنه بين المجتمع عند ظهور أول خلاف سياسي أو فكري. إنه منطق مرفوض بكليته في العالم الديمقراطي الحضاري، تفنده جميع القوى السياسية المختلفة بالتنافس على عرض الأفضل للمجتمع، والتركيز على من يقدم الأصح للنهوض بالوطن. أما في شرقنا وفي الواقع الكردي يصارعون الأخر المخالف ليس بعرض الأفضل، بل بمحاولات تقزيمه وتشويه سمعته، مستخدمين كل الوسائل، وأسهلها ما بثه النظام الشمولي، وهو استخدام لغة التخوين بكل أشكالها، من الخيانة مع الشعب إلى الخيانة بحق الشهداء إلى خيانة الحزب الذي يرى الوطن في ذاته، فنقد الحزب تعني الخيانة للوطن حكماً!
والبيان الذي أصدره مجموعة من الكتاب والمثقفين الكرد تحت عنوان (بيان ضد الاستبداد وذهنية التخوين -إلى الرأي العام) كان استدراكاً لمخاطر هذا الوباء، خاصة عندما دُرِجَ الناقد كقلم منبوذ من أغلب الأحزاب، وطالبوا في إسكاته بكل الطرق، ويعامل معاملة الخائن، كلما تراكم نقده وتوسعت عروضه لأخطائهم.
  النظام لا يبالي بمضامين بيانات من النوع الذي تنبذ التخوين والصراع في المجتمع السوري، لأنها تجاوزت مفهوم الخيانة في ذاتها، لهذا فهي تركز على الثانويات الأسرع تأثيراً على خلق الضغائن والأحقاد، المهم لديها إثارة العناوين، والشريحة التي تتبنى مفاهيمهم بدون نقاش أو اعتراض، يهمها الغاية والأسماء، تركز بشكل دقيق على تصنيفها للأقلام السورية المتفقة عليهم مسبقاً، معنا أو ضدنا، حالة الوسط تكاد تنعدم عند السلطة الشمولية، ولهذا الجزء من الثقافة فسحة واسعة بين أغلبية الأحزاب الكردية. وكما ذكرنا سابقاً فهذه القضية تخصنا نحن الكرد أكثر من غيرنا بكل أبعادها، وعليه فمن واجب الحراكين الثقافي والسياسي الكردي التركيز على ما يقوم به النظام من أفعال، وبالاتفاق معا سيكون من السهل الحد من فسادها وشرورها، ومن الممكن التأثير على المعارضة السورية في تغيير مفاهيمها حول الكرد ومستقبل سوريا القادمة. لا شك نحن الكرد أحوج الناس حاضراً في نبذ هذه الآفة التي تسخر لها السلطة الكثير من طاقاتها، لذا فإن عملية نبذ التخوين والحد من انتشاره سيكون نصرا للشعب السوري في مواجهة آفة النظام.
للأسف، تمكنت السلطة الشمولية، من الانتصار في هذا الجانب مثل غيرها من الجوانب. تجرف جزء لا يستهان به من القلم السوري المعارض عن حياده، وتدرجهم في الخلافات السياسية ضمن المعارضة نفسها، يتبنى البعض منهم  شعارات التخوين على علاتها، يهاجمون الناقد الحر، ويتهمون القلم الذي ينقد طرفاً سياسياً اليوم وغداً الأخر، بالخيانة والانتهازية، دون التمييز بين القلم الحر الوطني والمهرول وراء مصالحه الذاتية، ودون التمعن في أن الأخطاء التي تظهر بين فينة وأخرى هي التي تدفع بالمثقف الوطني إلى هذا المنطق الذي لا ينتمي إلى خط  سياسي مطلق، متنقلاً لرؤية كل الأطراف، وهو في بعده  الفكري هذا يستخدم المنطق الأصوب لتبيان عورات الجميع وأخطائهم ومثلها إيجابيات البعض أحيانا أخرى، فثقافة الاتهامات هذه تشربها البعض من الأحزاب الكردية، الملتوية دروبها حسب  الأجندات  الإقليمية. فكل كاتب أو قلم لا يمجد الحزب بكل أفعاله، يتغاضون عن ثقله الثقافي وسوية الكلمة المطروحة وأبعادها الفكرية والسياسية، يرسلونه إلى قفص الاتهام وينفونه إلى جغرافية الخيانة.
للحديث تتمة...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
نشرت في العدد-24-من جريدة (بينوسا نو) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17421