السياسة الكردية في انتظار «بكو » واحد فقط
التاريخ: الثلاثاء 06 ايار 2014
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود
 
  يتردد عن أن السياسة فن، سوى أن السياسة ليست الفن كما يعرَف عنه، وبالطريقة السمجة اللزجة الحرجة، كونها تتعامل مع القائم أو تتمثل في أشخاص ووقائع ملموسة في المجمل.  لكن في وسع الفن أن ينير عالم السياسة فيما لو توافر الذوق ووعي الذوق الفني، وليس السياسي هو الذي نلتقيه إذ ينظَر على الهواء مباشرة أو يبت في كل شيء، حيث لا شيء " يِتْخبَّا "، إنما كلٌّ منا له تصور سياسي، ولكن، وكما هو معهود في العرف الكردي، والتقليد اليومي الكردي أيضاً، يتقدم السياسي الكردي باعتباره حامل علامة حزبية أو تحزبية، وبالتالي يكون كل من يدلي برأي حتى في أمر عابر على صعيد المستجدات إنما " يعكر عليه صفوه ".


يمكن للسياسة أن تنيرنا، أن تباغتنا بعمق الرؤية المستقبلية، والفن الذي يتعامل مع الرموز  والدلالات يستشرف الآتي، لهذا تلمست في " بكو " الشخصية " الرمز " والتي يستفز السياسي خصوصاً لسماع اسمه " السياسي الكردي السائد طبعاً، رغم تحفظي على الاسم والمفهوم "، ما يسهم في إضاءة عالم السياسة، لا بل وتنير السياسي الكردي من الداخل.
بكو، كما هو شأن الراحل أحمد خاني، لم يكن بكو إلا لأن دوراً  أسنِد إليه، وهو الذي يصعب على أي كان القيام به، كما هو شأن أدوار " الشر " في الأفلام وغيرها، حيث يفصح مشاهدون كثر عن عدم تقبلها، كما لو أن تمثل هذه الأدوار يعرّي وجوهاً ويزيح أقنعة، رغم الاعتراف الكامل على أن الوجود الإنساني مثقل بالشرور هنا وهناك . بكو يكاد يبز مم بالذات، إذ لولاه لما كان مم ومعه زين، ليكون تمثل دور الشر إبرازاً لخير يمتد صوب المستقبل.
 لنقصرها: في نطاق " السياسة الكردية " يندر وجود من يقوم بدور لافت، دور جريء وشجاع مثل بكو، ليس كما الحال في توافر هذا العدد العصي على الحصر من " ممتهني " السياسة الكرد، ممن يحصرون كردستان الكبرى في المزيد من البيانات واللقاءات وتسريب ما يمكن أن يجري ونشر ما سيُتفق عليه أو خلافه خارج رواق المكان بنوع من التنافس كما هو المعهود هنا وهناك، إنما من خلال من لديه القدرة فعلاً أن " يشمر " عن روحه في مسلك فعلي وليس كدور ممسرح وشبيهه، مغامراً بطريقة ما، مقلقاً من حوله، إنما الدافع بهم إلى أن النظر بعيداً أبعد من حدود المائدة العامرة بالأطايب المدفوعة الثمن مسبقاً، ولتدشين مرحلة مختلفة في التاريخ الكردي، وهو يتعرض لتقريع هذا وذاك، أو " رجمه "، للخروج من الجو الخانق، أليس لأن بكو هو المملح لعموم " مم وزين " ؟ حسن، لماذا لم يظهر شخص في مقامه ومن موقع كونه بكو السياسي، حيث يتخوف منه، إنما يكون الخميرة المطلوبة، والمكتشف بأهميته فيما بعد ؟ وبالتالي ليمهد لسواه للدخول على الخط وتسميته، وليس كما يخجَل من ذكر اسمه...
يعلم المعنيون بقراءة التاريخ أن جل الذين دخلوا التاريخ باعتبارهم أبطاله في المعارك الحاسمة، وفي تغيير معادلة القوة، وفي العقائد والفنون والمذاهب التاريخية والسياسية الكبرى، حتى على صعيد الأنبياء بالذات...الخ، طالتهم اتهامات وتعرضوا لملاحقات وذُمّوا وحوصروا في بيوتهم، وشنّعوا سلوكاً وأفكاراً، ولكم سجل التاريخ منهم ضحايا مبادئ ونظريات حاسمة وثورية فيه وغيَّروا حتى في بنية التفكير والنظر إلى الكون بالذات، سوى أنهم في قرارة أنفسهم كانوا يعيشون عالمهم المرتقب، كما لو أنهم لا يسمعون إلا ما يتحركون ناحيته، ولا يبصرون إلا ما رسموه في مخيلتهم، ولا يقرؤون إلا ما أعدوه هم أنفسهم في قراطيس خاصة منذورة للقادم من الأيام، ولا يعرفون هدأة إلا حين يدركون بصورة ما أن أواناً قد أزف وحان قطاف الفكرة، المبدأ، اليوم الموعود، وقد يبقون أحياء أو يصبحون شهداء يذكَرون لاحقاً.  بكو كان شهيد فكرة إنما مبدأ، وهو أن الشر الذي عهِد إليه لتجسيده لم يكن- حكماً- إلا عبوراً لـ" الصراط المستقيم "، وقد أتمادى في القول بأنه لولا الشيطان لما عرِف الله في وحدته الموحدة، ولا جنته، ولا حوره العين، كما لو أنه الضحية الكونية الكبرى والغفل من الاسم، ولعله صاحب أكبر مبدأ في الكون وما قبل التأريخ وإلى إشعار آخر وهو ماض فيه، حيث لا إمكان لأي كان أن يتعرف إلى نفسه إلا من خلاله بصفته المذكّر بشرٍّ، إنما داخله، وهو دوره الأكبر. بكو النظير الشيطاني المهيب، العظيم أداءَ دور، مذموم من الأغلبية إن لم يكونوا الجميع في المجمل، تعبيراً عن انتفاء ما هو منتظر.
 أترانا مجازين بقول ما هو تصحري، مجدب، إزاء هذه السياسة الكردية التي استمرت وما زالت تستمر وتستمر " عاقراً "، كما لو أن العقر علامة التاريخ الكردي الفارقة، جهة هذا النوع من " البكوية " ؟ !.
لا أعدم في التاريخ الكردي من سعى إلى القيام بدوره أو أن يكون هو واقعاً خلاف خزعبلات الناس ومشاعرهم القطيعية عبر دروس عمومية في سياسة غير فالحة، كما هو شأن من أعدموا بمعنى ما وهم أحياء، وآثروا صمتاً وهم ينزفون عمراً لا يعوَّض ليشار إليهم بعد رحيلهم الأبدي، وتتكرر اللعبة الآلمة والمؤلمة وهكذا دواليك .
هل بلغ الحال بالسياسة الكردية وعبر آلاف أسماء شخوصها المؤلفة إلى درجة أن يقولوا: ليس بالإمكان أكثر مما كان، وأن هذه هي ميزة التاريخ الكردي، وأن روعة التاريخ الكردي وفق مذهبهم في التقويم الخاص جداً للسياسة ولما هو سياسي، روعة ماثلة في عدم وجود أناس من وزن بكو، لأن شعباً طيباً كالخراف، ويمتلك أهلية الاحتراق كالفراشات، ويتقبل السير منقاداً وراء " رعيانه " كالنعاج وهي عجاف، والدخول بها إلى مسلخ التاريخ طواعية، لم ولن يفرز أمثال بكو ومن يحاولون البحث عن نظراء له، للإساءة إلى تاريخنا الكردي وشعبنا المسالم: الشعب الكردي، وتلبيسه تهمة تاريخية، حتى ولو بالفن الذي هو " فن Fen:حيلة، زيف بالكردية " في توليفة من توليفاته الكبرى !
دهوك  







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17410