سلبية الاسلام السياسي في الثورة السورية
التاريخ: الأثنين 14 نيسان 2014
الموضوع: اخبار



  د. مرعي أبازيد

لعبت حركات الإسلام السياسي دوراً كبيراً في ثورات الربيع العربي، كان في معظمه ليس لصالح هذه الثورات. السبب في ذلك، هو أن هذه الحركات تعمل في وقت واحد على مرحلتين، مرحلة الثورة و مرحلة مابعد الثورة. ليس خافياً على أحد، أن حصة الأسد من المساعدات و المعونات المالية و العسكرية المقدمة للثورة السورية تذهب بقدرة قادر للحركات الإسلامية السورية!! تخزن جزءاً كبيراً منها للمرحلة القادمة، و توزع الجزء الأكبر مما تبقى من المساعدات الإنسانية للمتعاطفين معها و تحرم من يجافيها الرأي من هذه المساعدات بشهادة الكثيرين من الثوار و الناشطين على الأرض. هذا بالطبع أدى إلى الكثير من الاحباطات في صفوف المعارضة السلمية و العسكرية، التي بدأت تُمنى بهزائم من وقت لآخر بسبب نقص العدة و العتاد.


 هذه الحالة، خلقت أيضاً جدلاً كبيراً ليس في صفوف المعارضة السورية فقط، بل و بين بعض الدول الداعمة، التي بدأت تناقش هذه المسألة بعين من الريبة و الشك تجاه هذه الحركات و التخوف من نواياها في التأثير على مجرى الصراع الحالي و التأثير في مرحلة ما بعد الثورة على الداخل السوري و على دول الجوار. الإسلاميون من جهتهم، بعثوا تطمينات شفهية لهذه الدول طارحين رؤيتهم للمرحلة بما أنهم أقرب إلى الواقع. 

هنا تبقى أسئلة كثيرة تطرح نفسها أمام الدول الداعمة للثورة السورية، و أمام المجتمع المدني و الباحثين السياسيين و دول المنطقة عموماً، من هذه الأسئلة: كيف ستتعامل الحركات الإسلامية مع الواقع الذي ستخلقه الثورة السورية بعد انتصارها على النظام؟ و هل لديها دوافع للنشاط السلبي في الدول الاقليمية و خصوصاً دول الجوار السوري؟ و هل ستحاول سلب الانتصار من الثوار و نسبه لنفسها؟ مما يعني الدخول في صراع و اقتتال داخلي قد يطول أمده بين الفصائل الإسلامية من جهة و الفصائل المعتدلة من جهة أخرى!! بالطبع، من الصعب الإجابة عن جميع هذه الأسئلة و غيرها في مرحلة ثورية مازالت تعيش مرحلة مخاض صعبة و عسيرة و مرحلة مد و جزر في بعض الأحيان. لكن يتوجب التذكير هنا، بأنه آن الأوان بعد مرور ثلاث سنوات من عمر الثورة،  للوقوف و وضع خططٍ و مقترحات و استراتيجيات تكون بمثابة مسودة أولية لرسم الطريق الذي من المفترض السير عليه بتظافر الشعب مع قوى المعارضة الثورية بشقيها السياسي و العسكري من أجل الخروج من هذا المعترك أكثر قوة و تماسكاً.
إن جماعات الإسلام السياسي المنخرطة في المشهد السياسي السوري، هي نِتَاجٌ لمرحلةٍ تمتدُّ لعقود طويلة من حكم الاستبداد الذي تعيشه سوريا منذ مرحلة الاستقلال عن الاستعمار، متأثرة بالبيئة الموبوئة بسياسات الأنظمة  المتعاقبة على حكم سوريا، و المبنية على الظلم و الاستبداد و الفساد و إقصاء أصحاب الرأي المختلف. كل ذلك خلق ردة فعل عكسية لدى هذه الجماعات جعلت منها تنظيمات لا تثق بالآخر معتمدة مبدأ "التقية" التي تظهر عكس ماتخفي. والأهم من هذا وذاك، أنها جعلت الجدل السياسي داخل مؤسسات المعارضة السورية المختلفة يصب في خانة مصالحها الخاصة أو حتى مصالح أشخاص بعينهم و إلا تُفْشِل أية قرارات من الممكن أن تتخذها المعارضة السورية سواء في المجلس الوطني أو في الائتلاف، خالقة بذلك بيئة لم تخل من أحادية في الرؤية وعدم الشفافية. على الرغم من ذلك، لم تجعل هذه الظروف من الإسلاميين قادة للمشهد السياسي بالكامل، علماً أنهم يفوزون في انتخابات اللجان التنفيذية و الادارية و انتخابات المجالس المحلية في المحافظات، لكن ذلك لم ينه دور القوى الأخرى من المعارضة العلمانية و اليسارية التي تعارض بشدة توجهات هؤلاء. هنا يتضح تأثير البيئة الحاضنة التي هي في الأساس متعاطفة مع الدين و هي اسلامية بالفطرة، لكنها ترفض هيمنة الاسلام السياسي على المشهد السايسي و استلام مقاليد الأمور و التحكم بحياة المجتمع السوري الذي اعتاد على التسامح و العيش المشترك مع الآخر على مر القرون و العصور لما يحمله هذا المجتمع من تنوع ديني و طائفي و عرقي و قومي منذ الأزل.
إن الحديث عن الإسلام بوصفه غريبا عن المشهد السياسي، هو خطاب غير صحيح و من الممكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة. أما إبعاد الدين عن الحياة السياسية فهذا أمر آخر،، إذ أن التاريخ يبين أن دخول الدين إلى الحياة السياسية و الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات، يؤدي إلى التخلف و يؤخر مسيرة المجتمعات الساعية لبناء دولة مدنية حديثة، و أوروبا مثال ساطع على ذلك، إذ أنها لم تصل إلى ماوصلت إليه لولا فصلها الدين عن الدولة. لكن حساسية هذا الأمر بالنسبة للدول العربية و الاسلامية أكثر منه في أوروبا و يحتاج لدراسة مجتمعية متأنية من الممكن أن يتخللها استفتاء شعبي على هذا الأمر أوذاك، أو التصويت على هذا القرار أو ذاك فيما يخص بعض القوانين الشرعية التي حكمت المجتمع لفترة طويلة.
د. مرعي أبازيد / ألمانيا







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=17303