العقلُ الثاني للأكراد هو الصَّحيح
التاريخ: الأربعاء 05 شباط 2014
الموضوع: اخبار



زاغروس آمدي

يبدو أنَّه من لعنةِ القَدر أو ما يشبه القدر، أن يصل الكُرد دائماً متأخرين. (عندما أحب أن أستسهل قبولَ فكرةٍ ما، لا أصل إليها بالبحث و التفكير، فألقيها إمّا على القدر وإمّا على الشَّيطان). بعد أن أسَّست الشعوب المحيطة بالكُرد دولهم القومية، حاول الكرد تقليدهم مراراً و تكراراً بعد ذلك، لكنهم للأسف لم ينجحوا في ذلك، أَلِأسبابٍ موضوعيةٍ أو ذاتية؟ أم بسبب خارجي أو داخلي أو كليهما معاً؟ تلك مسائل أخرى.
كان لي صديق، أو بالأحرى شبه صديق يُردِّدُ دائما عندما كنا نفشل في إنجاز شيءٍ ما في المحاولة الأولى، طبخة مثلاً: أنَّ عقل الكُرديَّ الثاني هو الذي يُصيب دائماً، و على حدِّ زعمه، أنَّه سمع هذه المقولة و التي أُسميها حكمة (سأكتبها يوماً على كرتونة  صغيرة وأضعها أمامي كي أحاول أن أتقيد بها) من أحد الأرمن الذين يعيشون في حلب،


يبدو أنّ هذا الرجل الأرمني قد إستنتج هذه الفكرة عن الأكراد عملياً في الواقع المعاش، لكون الأرمن كانوا دائماً سبَّاقين لغيرهم في تعلُّم الأشياء و منها المِهَن، و ربَّما كان هذا سبباً من أسباب إبادتهم، و الكُرد كانوا و ما زالوا برأي على الأقل متأخرين في تَعلُّم الأشياء و منها المهن، و ربَّما كان هذا سبب من أسباب تفرقهم، و كان الأكراد المهاجرين إلى مدينة حلب، يفضلون الإستيطان في الأحياء التي أسَّسها الأرمن بعد هروبهم من حرب إبادة شنها الأتراك ضدهم، كون هذه الأحياء الأقرب إلى مناطقهم، و بحكم الجيرة صار العديد من الأكراد يرسلون أبناءهم إلى ورشات الأرمن كي يتعلموا صنع الأحذية أو الخياطة أو تصليح السيارات (اثنان من اخوتي تعلموا صنع الأحذية عند الأرمن)، و يبدو أنّه من هذا التعايش و الإختلاط و الإحتكاك بين العرقين أُستُنبِطت تلك المقولة.
كما فهمت من ذلك الأرمني أو من مقولته بالأصح، أنَّ الكرديَّ يجرِّب أولاً فيفشل، ثم يحاول ثانيةً فينجح. عظيم، و لذلك قالوا قديماً و حديثاً "إسأل مجرِّب و لا تسأل حكيم". لكن المشكلة الكبرى التي تواجه المجرِّب الفاشل أنَّ ثمة تجارب إنْ فشلت في المرة الأولى، لا يمكن إعادة تجربتها مرة ثانية. كأن يُجرب أحدُهم أن يلقي بنفسه أمام أحد السيارات المسرعة، أو أمام سكة قطار سريع، أو أن يلقي بنفسه من طابق مرتفع، أو أن يقوم بثورة، و ما أكثر الثورات الكردية الفاشلة، أو بصورة أصح و للأمانة التاريخيّة، فإن كلها باءت بالفشل، لأنها على ما يبدو كانت كلها تجارب، لكن للأسف موادها كانت ضحايا بشرية.

عندما بدأ العالم بإنزال الرايات الحمراء، في بداية الثمانينات، بدأ بعض الأكراد يرفعونها على هضاب كردستان وجبالها، على قاعدة أن تصل متأخراً خيرٌ مِنْ أنْ لا تَصِلَ أبداً. لكن للأسف فإن تلك الرايات الحمراء أصبحت غير مرغوب بها من معظم العالم، حتى من قِبَل الذين رفعوها أكثر من سبعين سنة. لكن المشكلة أن هذه القاعدة أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل أبداً، ليست دائماً صحيحة، فكثيراً ما كنت أصل متأخراً إلى الفرن، فلا أجد خبزاً.

لكنَّ الكردي عنيد مثل الجبل أمام العاصفة والريح والرعد، لا يتنازل عن هدفه، و يحاول أن يكمل كفاحه إلى النهاية، مهما كانت المخاطر و مهما كانت المحاولة عديمة الجدوى، فالتراجُعُ أو الإعتذارُ في عِرف الكُردي عيبٌ عظيمٌ وإهانةٌ كُبرى.

الشوق الشديد إلى تحقيق الهدف، يوقع صاحبه أحياناً في مطبات كثيرة، كان بغنى عنها، لو أن التسرع لم يكن مولهاً به. لكن لا بُدَّ من التجربة، فنحن الكرد بحكم أننا تواقون جداً للحرية، لا نصبر و نريد أن نحصل على الأشياء فوراً كالطفل الصغير.

منهم من طبَّل وزمّر لإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية، في  ثلاثة مناطق كردية في سوريا، كلبنة أولى على طريق تأسيس الأمة الديمقراطية، (الأمم الديمقراطية كثيرة في العالم، كالامة الفيتنامية الديمقراطية و الأمة الكورية الشمالية الديمقراطية، و الأمة الصينية الشعبية الديمقراطية والأمة المنغولية الديمقراطية و الأمة السوفياتية الراحلة). و كيف لا، فشهيَّة الحريَّة مغريةٌ جداً لا يمكن أن تُقاوم، خاصة إذا لاحت تباشير الحرية. و منهم من تردَّد في التصفيق لها، منتظراً النتائج، و منهم من استبق المستقبل و اعتبر إعلانها تهوراً و تسرعاً، خاصة و أنها تَهنْدسَت على عَجَلْ و أُعلِنت من طرفٍ واحد،(هذه نقطة الضعف الكبرى) و هو حزب الإتحاد الديمقراطي المؤَسَّس على تعاليم القائد آبو السجين الأسير في تركيا.

كَكُرديٍّ تائقٍ إلى الحرية أتمنى لأيَّةِ محاولة تقرير مصير أن يكون مصيرها النجاح، لكن بحكم الرؤيا للوضع المعقد في سوريا الذي لا يستثني الوضع الكردي، فإني لا أنظر إلى هذه المحاولة سوى أنَّها تجربة، أتمنّى أن تكون تجربة استثنائية مصيرها النجاح هذه المرّة، و ليست مجرد تجربة كالتجارب السابقة، لكن عندما أنظر إليها بنظرة المحايد تنشأ في دواخلي مخاوفٌ محبطةٌ و فظيعة.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16967