مفهوم اللامركزية السياسية
التاريخ: الثلاثاء 31 كانون الأول 2013
الموضوع: اخبار



  المحامي خالد محمد

تعتبر اللامركزية السياسية نظاماً دستورياً وسياسياً يتعلق بكيفية ممارسة الحكم في الدولة ولذا فهي من موضوعات القانون الدستوري.
وهذا ما يجعلها تختلف عن مفهومها الإداري , ويذهب الدكتور زين العابدين بركات في كتابة مبادئ القانون الإداري بتعريفه اللامركزية بأنها تنظيم السلطات العامة المحلية والهيئات المتخصصة فيها لتأمين النظام العام وتسيير المرافق العامة بشكل يترك لها سلطة تقدير ملائمة تصرفاتها وإدارة أعمالها رغم إنها تعتبر مندمجة ضمن جهاز الدولة العام ويصطلح على ذلك في فرنسا بمصطلح "الإدارة الذاتية" وحيث أن الإدارة الذاتية مصطلح له ضوابطه في مفهوم القانون الإداري والذي يجعله لا يرتقي البتة لمبادئ ومفاهيم الحقوق السياسية التي يتضمنها القانون الدستوري.


وحيث أن اللامركزية تقوم على عدة مفاهيم منها المفهوم السياسي والذي يعتبر من المفاهيم الدستورية السياسية وأسلوب من أساليب تطبيقات الفكر الديمقراطي المعاصر.
وذلك على خلاف اللامركزية الإدارية والتي تبقى فيها السلطة المركزية صاحبة الاختصاص في المجال التشريعي وتتحدد في التمتع ببعض الصلاحيات الإدارية المحلية التي تدور في فلك السلطة المركزية والقانون العام في الدولة سواء أكانت لا مركزية محلية أم مرفقية.
وأن اللامركزية الإدارية هي عبارة عن توزيع الوظيفة الإدارية والخدمية في الدولة وهي فكرة إدارية وليست سياسية تتعلق بالقانون الإداري وليست من موضوعات العلوم السياسية, ومنها الإدارة الذاتية التي تطرح على الصعيد القانوني والسياسي فإنها لا ترتقي البتة لحقوق الشعوب, فهي صيغة إدارية وتتعلق بالصلاحيات الإدارية والخدمية وعلماً أن القانون (15) لعام 1971 – قانون الإدارة المحلية مبني على أساس مبدأ اللامركزية الإدارية ومطبق في سوريا, وأن القصد من طرح الإدارة الذاتية في سوريا فهو تصوير القضية الكردية في سوريا على سبيل المثال بأنها قضية إدارية خدمية وليست قضية سياسية, لأن الثقافة السياسية السائدة في سوريا ما زالت قائمة على فكرة المركزية السياسية والتي تتعارض مع المفاهيم السياسية الديمقراطية القائمة على اللامركزية السياسية.
وحيث أن المركزية تخالف من حيث الأصل مبدأ توزيع السلطات الذي يعني تغول سلطات الحكومة المركزية وتوسعها كما يتوجب التفريق بين اللامركزية ومبدأ الإقليمية الذي تلجأ إليه الدول عندما تقوم السلطة المركزية بتنفيذ مشاريع ضخمة اقتصادية أو لضرورات جغرافية فتقوم بتوحيد وتنسيق العمل بين عدة أقاليم لصالح أهداف عامة وهذا المبدأ يخالف النهج اللامركزي ويتحدد في النظم المركزية وكل هذا يدفعنا إلى القول أن النظام اللامركزي يخفف على السلطة المركزية الأعباء المتعلقة بالمناطق البعيدة أو المحلية أو المتمايزة قوميا أو ثقافيا وبالتالي يساهم في بناء التوازن السياسي بين المركز السياسي والإداري وبين الأقاليم أو الأطراف ويؤدي إلى قيام الهيئات السياسية "هيئات الحكم الذاتي أو الدويلات في النظم الفيدرالية" إلى جعلها مختصة في شؤون أقاليمها ومناطقها وهذا ما يتوافق مع الروح المعاصرة والاتجاهات الدستورية والسياسية في الألفية الجديدة المتزامنة مع انتشار الفكر الديمقراطي الحر في العالم بما يؤدي إلى جعل الإنسان محوراً يقوم عليه بناء النظم السياسية الحرة تأكيداً لأنسنة المفاهيم السياسية والدستورية للدول المعاصرة وعليه فاللامركزية السياسية تتوسع إلى الدرجة التي تملك فيها السلطات العامة المحلية بالإضافة إلى ممارسة الحكم الذاتي صلاحية التشريع وعليه يتحدد النهج اللامركزي السياسي بما يلي:
1- يجب أن تكون للسلطات العامة المحلية والهيئات المتخصصة فيها أهداف خاصة باقليمها أو بمنطقة حكمها الذاتي يقتضي تأمين استمرارها وادارة وحكم شؤونها تطبيقاً للديمقراطية.
2- يجب أن تكون للسلطات العامة المحلية وهيئاتها التنفيذية والتشريعية والإدارية والقضائية المتخصصة أجهزة تابعة لها منتخبة بموجب قوانين عادية أو بموجب دستور محلي وحيث أن اللامركزية السياسية تنطوي على مفهومي المناطق السياسية أو الحكم الذاتي ونظام الدولة الفيدرالية وبما أن الصلاحية السياسية تكون ضيقة في نظام المناطق السياسية والحكم الذاتي وواسعة في الدولة الفيدرالية فكلا النظامين يقومان على نفس الأهداف المتعلقة بحل مشاكل القوميات ومشاكل المجتمعات التعددية على المستوى اللغوي والديني والثقافي وأهم نقاط الاختلاف هي:
1- كلا النظامين في اللامركزية السياسية يقومان على مبدأ الاستقلال الذاتي وحيث أم مدى الاستقلال في النظام الفيدرالي واسع يتجلى بتوزيع السيادة الداخلية بين الحكومة الفيدرالية والولاية بموجب دستور فيدرالي ودستور محلي, أما في نظام المناطق السياسية فإن الاستقلال يكون محدوداً لأنه غالباً ما يقام في الدولة الموحدة.
2- في النظام الفيدرالي يتغير شكل الدولة ويتحول إلى دولة مركبة بينما يبقى شكل الدولة في نظام الحكم الذاتي والمناطق السياسية في نطاق الدولة الموحدة مع بعض التمايزات السياسية .
3- من حيث النشوء فالفيدرالية تنشأ إما باتخاذ دول أو بتفكك دول أما الحكم الذاتي أو نظام المناطق السياسية فهو ينشأ عن طريق إقرار الحكومة المركزية لإقليم معين بالحكم الذاتي السياسي فهو لا يؤدي إلى ولادة دولة جديدة وإنما يعيد توزيع الوظيفة السياسية بحدود ضيقة.
في الدولة الفيدرالية هنالك ازدواج في السلطة التشريعية أما في نظام الحكم الذاتي ونظام المناطق السياسية فهنالك صلاحية محددة للمجالس المحلية بالتشريع مع أن توزيع الاختصاصات يكون بقانون وليس منصوصاً عنه بالدستور باستثناء شكل المشاركة الوارد في الدستور الإيطالي كما في تمثيل المجالس الإقليمية بمجلس الشيوخ ومشاركتها في انتخاب رئيس الجمهورية واقتراح القوانين وتنفيذ القوانين الجمهورية. وبناء على ذلك يذهب الفقيه محمد الهماوندي إلى أن نظام المناطق السياسية أو الحكم الذاتي هو نظام وسط بين اللامركزية الإدارية والفيدرالية وإن كان شكلاً من أشكال النظم اللامركزية إلا أنه لا يندرج ضمن أي نوع من أنواعها التي تعارف فقهاء القانون العام عليها فهو ذو طبيعة خاصة لا يرتقي إلى الفيدرالية .
هيئات الحكم الذاتي أو نظام المناطق السياسية فتتكون عادة من :
1- المجلس التشريعي أو مجلس الإقليم : ويمثل السلطة التشريعية المحلية.
2- المجلس التنفيذي: ويمثل السلطة التنفيذية والإدارية المحلية.
مع الأخذ بعين الاعتبار نقاط الاشتراك مع النظام الفيدرالي الذي يعتبر أيضاً وسيلة للعيش بين جماعات مختلفة قومياً وثقافياً ودينياً في إطار دولة واحدة على الصعيد الدولي مع أنها لم تصل إلى درجة التجانس الكامل والوحدة الدستورية الكاملة من ناحية السيادة الداخلية وبالتالي فالاتحاد الفيدرالي الذي يعتبر درجة متقدمة وشكل راقي لمفهوم اللامركزية السياسية ساهم ويساهم في بلورة وتكوين الأمم كالأمة الأمريكية ويرسخ الاستقرار السياسي في الدولة المتعددة القوميات والثقافات والأديان ويعتبر وسيلة من وسائل تحقيق الديمقراطية والحرية السياسية للجماعات المتمايزة وحكمها الذاتي بنفسها كما يؤكد الدكتور كمال الغالي في كتابه مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية. ان الاتحاد الفيدرالي هو الحكم الذاتي في أجلى صوره, مع التأكيد أن العالم يتوجه نحو الاتحادات سواء في النظم الدولية والمؤسسات الدولية كما هو متمثل في محاولات الاتحاد الاقتصادي والسياسي في التجربة الأوربية والدستور الأوروبي المقترح سابقاً وكما هو منصوص بالدستور العراقي الجديد القائم على تثبيت النظام الفيدرالي التعددي واعتماد معايير حقوق الإنسان الدولية بغية تحقيق التعاون والتكامل والتضامن الإنساني في الأهداف الثابتة للوجود الإنساني والمتمثلة في بناء الإنسان الحر.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16769