استقطاب القوى السياسية الكوردية داخل وخارج سوريا
التاريخ: الأحد 17 تشرين الثاني 2013
الموضوع: اخبار



  ريدي مشو

هناك خصوصية للكورد في سوريا مقارنة بالكورد في البلدان الأخرى التي يعيش فيها الكورد. ففي هذا الجزء الصغير نسبيا حيث يعيش حوالي ثلاث ملايين ونصف الى اربعة ملايين، هناك تاريخ صاخب من السعي والنضال في الثورات التي حدثت في العراق وتركيا وايران. الكورد في سوريا مشبعون بالقيم الثورية والأخلاقية التي نبعت على مدة سنين من الأحداث الثورية التي عاشتها الحركات الكوردية في البلاد الأخرى، وسلوكهم القومي إلى حد ما تحول إلى نبض لهذه الحركات وقياداتها لدرجة انقسم الشارع الكوردي في سوريا الى جبهات واضحة من خلال هذه الاصطفافات.


ومن الجانب الآخر نجد أنه بين الكورد في سوريا أجيالا ممن تفرغوا لقراءة التاريخ وتتبع الأحداث والحركات الثورية الكوردية في البلاد الأخرى دون أن يتبع هذه القراءة فعلا ثوريا – ثقافيا في سوريا، فالشارع الكوردي في سوريا كان مراقبا بشكل شديد من قبل الأمن البعثي من جهة ومن قبل الأحزاب والحركات الثورية التي كان الكورد في سوريا بمثابة خزان وقود لهم، من جهة أخرى. بشكل عام يمكننا أن نجد بأنه منذ نشأة الأحزاب الكوردية في سورية  إزدادت الاصطفافات العاطفية في الشارع الكوردي والمتعلقة بالثورات الكوردية الأخرى، أي أنها لم تستطع أن تخلق ذاتية ثورية وسياسية للكورد في سوريا، وهذا يعود إلى أن هذه الأحزاب كان عليها ان تصطف بدورها مع ثورة معينة في جهة معينة كي تتمكن من الاستمرار.
بمعنى أوضح أقول بأن الأحزاب الكوردية في سوريا استغلت الاصطفاف الثوري - العاطفي لدى الناس وكرسته بصورة أكبر في سياساتها وتنظيم فعالياتها، لذا فإن هذه الأحزاب لم تستطع أن تجلب فعلا ثوريا بالمعنى الدقيق للكلمة الى الشارع الكوردي في سوريا. ولا يعني قولي هذا منذ البداية بأن هذه الأحزب لم تلعب دورا مميزا في الشارع الكوردي في سوريا، بالطبع هناك آثار إيجابية لوجود هذه الحركة في الحياة الكوردية، لكن إن قرأنا مسيرتها وفقا لبرامجها الحزبية ووفقا لتقلباتها المستمرة، يمكنني القول بأنها لم تفعل شيئا، فسلوكها كان منسجما بشكل كبير من استراتيجيات التخلف المتوقعة، أي أنها لم تتحول الى أداة للتنمية في المجتمع بقدر ما استفادات من جوانب التخلف في المجتمع، وهذا الرأي ينطبق على كافة الأحزاب التي تنشئ في التخلف وتتحرك بواسطة مفاصل التخلف.
إذا نحن أمام وضع متأزم في العديد من الجوانب، أولا في الشارع الكوردي وثانيا في الأحزاب الكوردية في سوريا، وثالثا فيما يتعلق بالحركات الكوردية الثورية واسترتيجياتها.  وفي الجانب الآخر هناك مخطط النظام المربك في المناطق الكوردية، بالإضافة الى المخطط الدولي المتعلق بسوريا، بصورة ما يبدو المشهد أكبر من الحضورالثوري في الشارع الكوردي، وهذا ما يدفعي إلى قراءة الوضع الكوردي بوصفه متأزما.
الكورد في سوريا هم الورقة الرابحة بالنسبة للأطراف كلها، نظاما ومعارضة، فكل واحد منهم يحافظ على الكورد وفق مخطط استراتيجي معين، فالنظام يريد الكورد خارج لعبة الثورة ويريدهم سندا في المرحلة القادمة إن أمكن، والمعارضة تريد الحفاظ على الكورد بغية استمرار  علاقاتها مع الغرب، كون الكورد ثاني أكبر أقلية أثنية في سوريا.
ما يهمنا في النقاش هنا، ليس الخوض في سبل استفادة النظام السوري أو المعارضة السورية من الكورد، بل يهمنا كيف تستفيد القوى الكوردية من الكورد في سوريا، في سبيل تعزيز وجودهم الحزبي والإيديولوجي في المنطقة. هذا التطرق لابد منه في هذه المرحلة من حياة الثورة في سوريا، فتدخل القوى الكوردية في الشأن الكوردي يبدو أنه يتزايد كلما إزداد المشهد تعقيدا في الثورة. ولابد لنا في البداية وقبل الخوض في استراتيجية حركات التحرر الكوردية، أن ننوه إلى رأينا بشكل مختصر حول التجمعات الكوردية ( الأحزاب )، وهذا تنويه أولي قد يقودنا الى تفسير العديد من الامور خلال هذه الدراسة الاولية.
الحالة الحزبية غير ناضجة لدى الكورد، فالمجتمع الكوردي يعتبر مجتمعا متخلفا والاحزاب الكوردية كما كل الأحزاب في المجتمعات المتخلفة لا تلعب دورا في التنمية بقدر ما تستفيد من ظروف التخلف هذه، كما قلنا سابقا، ولا يمكننا أن نقرأ المشهد الحزبي دون الشارع الكوردي والعكس صحيح. والمجتمع الكوردي هو مثال صريح للتخلف الحزبي، حيث أنه وحسب الإحصاءات فإن معظم الأحزاب المتواجدة في العالم تتركز في المجتمعات المتخلفة، أي إن التخلف المجتمعي يترافق مع كثرة الأحزاب التي لا تملك برنامجا واضحا تنمويا في المجتمع، وهذا التنوع الحزبي ليس قادما نتيجة أبعاد ديمقراطية بالطبع، لكنه قادم من شخصية الأفراد ومزاجيتهم وضبابية الرؤية لديهم، وهذا الوجود الحزبي المشخصن متعلق بالحفاظ على المكانة الاجتماعية أكثر من تعلقه بتنمية المجتمع، لذا نجد حزبا كورديا بثلاثين عضوا وآخر بخمسين وآخر بمئة والحزب الذي يمتلك عددا كبيرا من الأفراد لابد وأن تكون عشيرة السكرتير العام منضوية تحت قائمة العضوية في الحزب، وعلى هذا المنوال تستمر هذه الأحزاب، بناءا على ذلك يمكننا أن نتوقع أي برامج تنموية يمكن لهذه الأحزاب أن تمتلكها وبأي طاقة يمكنها تطبيق هذه البرامج!.
الحزب  بذاته هو حالة رُقي مجتمعي مرتبط بالظروف المحيطة، أي ينشأ الحزب عندما تكون هناك ظروف دستورية ومؤسسات تنويرية وتنموية في المجتمع من شأنها أن تبني افرادا مؤهلين للقيادة، حينها تقوم مجموعة الأفراد بالتجمع وتشكيل كيان معين بدءا من مجموعة إلى جمعية ومنظمة وحزب وما إلى ذلك بهدف تحقيق أهداف عامة تعود بالفائدة الى عدد أكبر من الناس. لذا فإن تسمية الحزب ليست تسمية مهنية ولا تنسجم مع الواقع الذي تحياها هذه الأحزاب. يمكن تسمية الأحزاب الكوردية بجماعة، كتلة أو جمعية ليس أكثر، لأن هذه التشكيلات الاجتماعية تتأثر عادة بالحالة الشخصية لأفرادها لحد كبير وهذا ما هو ملاحظ في السلوك المنغلق لدى الأحزاب، فترى جميع انصار الحزب يتكومون حول سكرتير أو أمين عام الحزب في حالة أشبه بحالة مريدي الشيوخ، وإن حدث واختلف اثنين في الحزب يكون الحل الوحيد والذي لا مناص منه هو أن يجمع كل واحد مناصريه ويشكل حزبا آخر وفق استراتيجية الإنشقاق. هذه الأحزاب توصف بالصفات البشرية عوضا عن الصفات الدستورية والقانونية، وغالبا ما تمتلك المقومات الاستبدادية إن وصلت الى السلطة، واي دستور يمكن ان تعمل عليه هذه الأحزاب في الوقت التي يقودها أي دستور وقانون في سلوكها الحزبي. لذا أقول بأن الأحزاب الكوردية خاصة ليست أحزاب بالمعنى القانوني والدستوري للكلمة، لكننا هنا في هذه الكتابة لابد واللجوء الى التسمية المعتادة لدى الجميع، على أمل كتابة أبحاث أخرى اكثر توسعا حول هذه المسألة وحينها لن نلجئ إلا الى المصطلحات التي استخلصناها في بحثنا.
بصورة أدق أن العمل الثوري والسياسي الذي لاحظته طول الثلاثين سنة الماضية لم يكن متعلقا بما يسمى بأدب الحرية، أي لم يستمد الفعل السياسي أخلاقياته ومبادئه من أسس الحرية بقدر ما كان هذا الفعل متعلقا بنيل التقدير من الآخرين وحسب، وبهذا التقدير إنما يستمر الفعل السياسي في الشارع الكوردي دون برنامج أو دون برنامج قابل للتطبيق، بصورة ما نحن أمام إشكالية سوسيولوجية وبسيكولوجية عندما نناقش السلوك الحزبي والثوري في الشارع الكوردي.
منذ بداية الثورة في سوريا حدث استقطاب للقوى الكوردية من قبل الأحزاب الكوردية ذات السيادة في المنطقة، بشكل موازي للاستقطاب الدولي والعربي لأفراد وجماعات المعارضة السورية. والآن وبعد مرور سنتين على المشهد السوري، يبدو أن المعارضة السورية قد حققت خطوات جيدة وأن اصطفاف الدول بدا واضحا وجليا، وكذلك تلك الدول الداعمة بشكل مباشر للتيارات الايديولوجية داخل المعارضة السورية، وبعد كل هذا التوضيح في الاصطفافات تبدو المعارضة الكوردية وكأنها تحوم في فلك مغلق عن كل هذه الاستقطابات ورضت باللجوء الى الحل الكوردي – الكوردي عوضا عن الحل الكوردي – العربي أو السوري – السوري. إن هذا التحول في حالة الأحزاب الكوردية التي لطالما ومنذ نشوئها كانت أحزاب وطنية سوريا ( كما كانت تطرح في نظامها الداخلي )، وكان خطابها موجه الى الشأن السوري والمواطن السوري، واليوم تجدها باتت بعيدة كل البعد عن المشهد ولا ترضى للانخراط في فعاليات المعارضة السورية للعديد من الأسباب التي سنناقشها في هذا البحث.

الكورد في سوريا يواجهون  ماذا بالفعل ؟،
هناك مجلس وطني كوردي وهيئة عليا ليس لها برنامج واضح ولا تحسن ان تدير الامور على الأرض في أصغر أزمة ممكن ان تحدث، وهناك معارضة سورية متمثلة بالمجلس الوطني السوري وقوى الإتلاف والتي تحاول قدر الإمكان إلا تتحدث عن الحالة الكوردية كونها أكثر تعقيدا في ظروف الثورة الحالية من جهة ومن جهة أخرى كون معظم المعارضين يتشاركون لحد كبير في رفض القضية الكوردية بكونها قضية سياسية. ومن الجهة الاخرى هناك القوى المسلحة على الأرض وهم الجيش الحر النظامي، والكتائب المسلحة الاخرى كأحرار الشام والفاروق وجبهة النصرة وغيرهم، وفي المناطق الكوردية هناك قوة الاسايش ووحدات الحماية الشعبية وما يعرف بلواء جبهة الاكراد وهي قوى محسوبة على حزب الاتحاد الديمقراطي.
المجلس الوطني الكوردي والطريقة التي تشكلت بها تدلان أنه لا جدوى منه !، لان عناصر المجلس ،ومنذ تشكله،  غير قادرة على إدارة المجلس بحد ذاته فكيف يمكنها أن تدير القضية الكوردية في ظل الأزمة السياسية والثورية التي تشهدها سوريا والمنقادة وفق الأجندات الدولية والإقليمية الواضحة، فكون هذه الاحزاب لم تك تملك برنامجا أو مشروعا كورديا من قبل، ونقول بأنها لم تك تمتلك برنامجا معتمدين بذلك على النتائج الميدانية التي تحققت من سياساتها على مدى الخمسين سنة الماضية، لذا نستقرأ بأنه لا يمكن باجتماعها كذلك ان تخلق مشروعا متكاملا حول الوضع الكوردي خاصة والوضع السوري عامة. والآن وقد تحولت عناصر المجلس الى جناح سياسي لحكومة الإقليم بشكل او بآخر، فلن يكون بمقدورهم تشكيل مشروع سياسي قابل للتطبيق على أرض الواقع في هذه المرحلة من عمر سوريا.
فالمجلس الوطني الكوردي السوري، عبارة عن واجهة شكلت بمباركة الرئيس مسعود البارزاني وكانت الغاية منها بالدرجة الاولى على ما يبدو عودة البارزاني إلى المشهد الإقليمي كزعيم كوردي قادر الى التحكم في المصائر الكوردية في بلدان الجوار، وكان هذا المجلس بمثابة تأكيد للمجتمع الدولي على أهمية حكومة الإقليم في الشأن الكوردي السوري، وبذلك تمكن الإقليم من جذب كل من يفكر بالصالح الكوردي في سوريا الى طاولته، لذا يتم تقديم أعضاء المجلس بشكل إرتجالي على الحكومات والمنظمات الدولية.  إن تدخل حكومة الإقليم في الشأن الكوردي في سوريا بصورة مبكرة كان له تداعيات كبيرة على تطور الاحداث في المساحة الكوردية.
بالطبع أن تدخل الإقليم في الشأن الكوردي  في سوريا كان منسجما مع الاستقطاب السياسي الموجود في الإقليم بين القوى السياسية الرئيسة وهما الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكوردستاني، والخلافات السياسية والمناطقية بين هذين الحزبين واضحة للجميع، وهذا الانقسام السياسي كان ولابد أن يصبح أكثر وضوحا في سياساتهم اتجاه وضع الكورد في سوريا، وعلى الكورد والحركة الكوردية في سوريا أن يعيشوا هذه التقلبات السياسية والتي عبّر عنها في أشكال عنيفة جدا سابقا. إن هذا التدخل القوي في الشأن الكوردي السوري يبدو للوهلة الأولى بأنه مرحلة تصفية تنافسية أخرى  بين القوى الكوردية في المنطقة، ولا يبدو الامر كونه تحالف استراتيجي واسع المدى، بل يبدو وكأن هذه القوى الكوردية الإقليمية تأخذ غنيمتها من القوى الكوردية في سوريا، ونقول هذا الكلام كون القوى الكوردية بصورة عامة غير قادرة على خلق حالة تحالف حقيقي وثابت مع القوى الإقليمية، لأن أي تحالف قوي يأتي اولا من ثبات المجتمع وإيمانه بهذا التحالف، وتشتت الأحزاب الكوردية لهو انعكاس لتشتت المجتمع الكوردي، وبناءا على ذلك يبدو أن الامر اشبه بالحصول على غنيمة ضمن هذه الفوضى. الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( البارتي ) يتبنى مشروع المجلس الوطني الكوردي بالدرجة الاولى، ومعظم الأحزاب المنضوية تحت إطار المجلس هي تابعة لقرار البارتي، بينما حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني ( يكيتي ) فإنه يتبنى مشروع  حزب العمال االكوردستاني متمثلا في حزب الاتحاد الديمقراطي إلى جانب عدد من الأحزاب الكوردية في سوريا.
 بالدرجة الأولى كانت ردة الفعل السريعة لحكومة الإقليم نابعة من مصلحة الإقليم بذاته على ما يبدو، فكونه الآن يشكل كيانا سياسيا فهو محتاج الى استراتيجية دائمة لخلق حالة التوزان في محيطه، وكون الكورد في سوريا قريبون جدا من الإقليم ومتعاطفون مع حكومة الإقليم كان تبني الحالة الكوردية في سوريا أمرا مقبولا ويصب في خدمة القضية الكوردية العامة، لكن إن نظرنا الى الجانب الآخر، سنجد أن حلقة المعارضة الكوردية باتت ضيقة عمليا وليس هناك مخرج لها إلا من خلال إقليم كوردستان، وهذا ما سيمنع عليها التواصل مع العديد من القوى والدول الداعمة والمخططة لمستقبل سوريا. بالفعل ليست المعارضة الكوردية في حسبان تلك الدول التي تصرف مليارات الدولارات على المعارضة السورية بجميع فعالياتها العسكرية والسياسية، والمعارضة الكوردية بقيت الطرف الأكثر تراجعا بين المعارضة السورية سياسيا وإعلاميا، لأن حالة السياسة لديهم تبدو وأنها بدائية جدا وتعتمد على التمسك بموقف وعدم التخلي عنه مهما حصل أو انهم يحردون في الاجتماعات ويخرجون من القاعات بصوت عال!، برأيي فإن التدخل الكبير لحكومة الإقليم ابعد الفرصة الوحيدة للأحزاب الكوردية في سوريا كي يتعاملوا فيها مع التاريخ باحترافية أو تعلم الاحترافية، بالطبع هذا لا يعني  أن وقوف الإقليم الى جانب الحركة الكوردية ليس له أهمية، فهناك العديد من الجونب المفيدة جدا، لكننا لسنا بصدد التحدث عنها، فنحن نتحدث عن البعد السياسي والاستراتيجي لهذا التدخل بصورة خاصة.
إذا لتفسير سياسة المجلس الوطني الكوردي واستقراء السياسات القادمة، لابد لنا ان نفسر سلوك حكومة الإقليم أولا. إقليم كوردستان هو كيان سياسي يحاول الحفاظ على تكوينه بأي شكل من الأشكال، اولا في دولة العراق وثانيا فيما يتعلق بالتوازنات الإقليمية مع تركيا وايران خاصة وسوريا كذلك، هذا الحفاظ على الكيان وتنميته سيمنع الوقوع في أي حرب محتملة في الجوار، لكن هناك بعد قومي لا يقل أهمية عن التوزنات الإقليمية، ولابد للإقليم أن يحافظ على ريادته فيما يتعلق بالقضية الكوردية ويزيد الشعور القومي الكوردي في البلدان الأخرى وفق علاقة هارمونية لمصالح الإقليم، كي يتحول الإقليم إلى قبلة للدافع القومي الكوردي وهذا قد يقود الى تحول الإقليم لنواة الدولة المستقبلية، وهذه السياسة ذات البعد القومي بالذات ما ستجعل الدول الإقليمية تحافظ على التوازن مع الإقليم، ومن جانب آخر سيكون بزوغ الإقليم سببا في تقدم القضية الكوردية في بلد دون آخر بناء على مصالح الإقليم. والمجلس الوطني الكوردي اليوم ليس إلا اداة دبلوماسية للإقليم فيما يتعلق بإدارة المسألة الكوردية في المنطقة، لذا ما هو مستقبل المجلس الوطني الكوردي وما مدى أهمية وجوده بالفعل بالنسبة للقضية الكوردية في سوريا ؟. ما هو معروف في الشارع الكوردي السوري بأن عدد الكورد المنتسبين الى الاحزاب الكورية لا يتجاوزن 1%، وبناء على هذا التقدير البسيط يمكن استنتاج اهمية وجود هذه الاحزاب بالنسبة للقضية الكوردية في سوريا!، واستدعاء حكومة الإقليم لهم لتشكيل الكتلة الكوردية كانت لها هدف إضفاء الشرعية على تدخل حكومة الأقليم في القضية الكوردية في سوريا، كي لا يكون تدخلها فجا. لكن المجلس الوطني الكوردي وكما قلت اثبت فشله مرارا على أرض الواقع.
عند إزدياد التوتر في الشارع الكوردي والمتعلق بالتنافر والسعي للسيطرة على الجماهير بين أحزاب من المجلس الوطني الكوردي والأطراف الموالية لحزب العمال الكوردستاني، سعت حكومة الإقليم، وخاصة حزب البارتي بقيادة الرئيس مسعود البارزاني،  الى ضبط الشارع مرّة أخرى وهذه المرّة ليس لصالح كتلة المجلس الوطني، برأيي !، بقدر ما كان لصالح حزب الإتحاد الديمقراطي من خلال تشكيل الهيئة الكوردية العليا، وحين تشكيل هذه الهيئة بدأ المخطط  العام يزداد وضوحا.
إن حكومة الإقليم كانت ومنذ وقت طويل على علاقة بحزب العمال الكوردستاني من اتجاهين، فمن جهة يعتبر حزب العمال الكوردستاني منافسا للإقليم في المعادلة القومية، وثانيا يعتبر الإقليم حزب العمال الكوردستاني أداة استراتيجية لضبط التوازن الإقليمي لصالح الإقليم.
 والدليل على العلاقة العميقة بين حكومة الإقليم وحزب العمال الكوردستاني وبالأخص تحت المظلة التركية، توضح مؤخرا في المفاوضات بين الاستخبارات التركية والزعيم عبدالله أوجلان على مدة سنة أو أكثر ( ولا نعرف مدى صواب تسميتها بمفاوضات، بناءا على الظروف التي قامت عليها وكذلك بناءا على النتائج الغامضة التي صدرت عنها !) وأفضت تلك الحورات والنقاشات إلى انسحاب القوة العسكرية الكوردية التابعة لحزب العمال الكوردستاني من الأراضي التركية الى الأراضي العراقية ( جبل قنديل ).
إن لعب هذا الدور البارز رجع بالفائدة الكبيرة على حكومة الإقليم أمام الدول الكبرى في العالم، والإقليم يبدو أنه يلعب دوره بامتياز كوكيل للقضية الكوردية في المنطقة ، وهذا تطور واضح وصريح ويقود الى استقراء التحولات التي يمكن التنبؤ بها في المنطقة بالنسبة للقضية الكوردية.
لنرجع إلى ظروف تشكل الهيئة الكوردية العليا، تشكلت الهيئة عندما ازداد الوجود العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي والأطراف الموالية له في المناطق الكوردية على مرأى من العالم تحت مسميات كوحدات الحماية الشعبية ووحدات الحماية النسوية وغيرها من التشكيلات كلواء جبهة الاكراد، حينها إزداد التوتر الذي كان موجودا سلفا  بين المجلس الوطني ( الحليف بأغلبية مكوناته مع البارتي ) ومجلس شعب غربي كوردستان والاطراف العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني ( المتحالف مع اليكيتي ) ، لذا كان التوجه لتشكيل أطار عام وشامل يشمل الأطراف كلها وبهدف إدارة الشأن الكوردي سياسيا وعسكريا. أن تشكيل الهيئة الكوردية العليا كانت خطوة نحو تخلخل المشهد الكوردي، لأنها أوحت أن المسألة تفوق مجرد تدخل عاطفي مدفوع بالإنتماء القومي من قبل الإقليم من اجل توحيد الصفوف، لا بل يبدو أن حكومة الإقليم كذلك غير متحكمة لدرجة كبيرة بالقوة العسكرية المتصاعدة للأطراف الموالية لحزب العمال الكوردستاني في سوريا، لأن الواقع يبين بأن البارتي بذاته يشرف على إعداد كتائب عسكرية للأطراف الموالية له في سورية ، فحزب البارتي الديقراطي الكوردي في سوريا مثلا، يشكل  كتائبه منذ حوالي سنتين وهناك مكاتب للتطوع في هذه الكتائب وبرواتب شهرية، وهذه الإعداد ليست عبثا بالتأكيد كون حكومة الإقليم بذاتها تشرف على تهيئتهم، لكن هي كتائب لحد الآن غير مفعلة بالرغم من الهجوم الأخير للكتائب الإسلامية على بعض المدن الكوردية، وسنتحدث عن هذه القوة العسكرية لاحقا.
بالتالي فإن الصراع السياسي ما بين البارتي السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي مستمر ويسير إلى التأزم يوما بعد يوم، فالشتائم والدعايات التي تصدر من الطرفين توحي بمدى التنافر بينهم، وهذا الإعداد العسكري والسياسي أحادي الجانب من قبل الطرفين، يوضح أن القضية الكوردية في سوريا هي جزئيا في يد حكومة الإقليم، وليس بصورة كلية كما تحاول الجهات الإعلامية أن توضحها.
كما قلت سابقا بأن التقلبات والتنافرات السياسية الموجودة بين حزبي الإقليم الرئيسيين ستنتقل بصورة أعمق مما كانت عليه إلى الحالة السياسية بين الأحزاب السياسية الكوردية في سورية. نحن نرى بأن الدعم اللوجستي والمعنوي من قبل البارتي واليكيتي في الإقليم للأحزاب الكوردية في سوريا منسجم مع اصطفافات هاذين الحزبين الرئيسيين مع دول الجوار، فالبارتي علاقاته تتطور باستمرار مع الحكومة التركية لدرجة كبيرة ويبدو أن هناك استراتيجية سياسية واقتصادية تنمو بينهما بصورة واضحة، في الجانب الآخر اليكيتي علاقاته جيدة مع إيران، وإن رأينا الاصطفافات على الأرض سنرى أن اليكيتي وحزب الاتحاد الديمقراطي يتشاركون بصورة ما مع ايران في موقفها حول الأوضاع في سوريا، وإن لم يكن هناك توافق تام، بينما البارتي ومعظم أعضاء المجلس الوطني الكوردي يشاركون تركيا في رؤيتها حول الثورة السورية، وبالتالي يمكننا أن نستنتج بأن هذه الأصطفافات التي يقوم بها حزبي الإقليم ليس نابع من شعور قومي خالص، بل هناك دوافع وخطوات إقليمية مرسومة لذلك. إذا ما هي الفائدة المباشرة لحكومة الإقليم من خلال تحالفاته هذه ؟، وما هي الفائدة التي ستنعكس على القضية الكوردية في سوريا وفي المنطقة بناءا على ذلك ؟. هذه أسئلة ينبغي أن تكون مطروحة في بال الكوردي في هذه المرحلة بالذات، وبالأخص أولئك الكورد الذي يعيشون في سوريا حاليا، لان الامر يعنيهم أكثر من أي كوردي آخر.

ماذا يمكننا أن نفهم من ذلك ؟.
إن الوجود المشروع لحزب العمال الكوردستاني على طول الحدود مع تركيا والتي  هي عضو في حلف الناتو، لا يمكن فصله عن المشروع الغربي والامريكي في المنطقة، بالاخص وأن هذا الوجود ترافق مع انسحاب القوة المسلحة لحزب العمال الكوردستاني من تركيا. يبدو أن المشروع الغربي والامريكي يتجاوز نسبيا المشروع القيادي التركي في المنطقة، وتنعكس رؤيتهم هذه على تحركات قيادات حزب العمال الكوردستاني الذين بدؤوا يتحركون في بلدان العالم بحرية وهذا التحرك إنما يضفي الشرعية على حركتهم التحررية في هذه المرحلة بعد سنوات طويلة من البقاء خارج اللعبة الدبلوماسية المكشوفة.
إذا هناك تباين في الرؤية الامريكية للقوى الكوردية على ما يبدو ؟، فمن جهة يبدو أن حكومة الإقليم هي الوسيط الرئيسي بين الكورد في سوريا وبين  الغرب، ومن ناحية أخرى يعمل الغرب وأمريكا بالذات على دعم قوة حزب العمال الكوردستاني بصورة كبيرة، واعطائه الشرعية في المناطق الكوردية، ويبدو لأول وهلة ان هناك توافق بين سياسة النظام السوري وسياسة الغرب من هذا المنطلق، وهو توافق معقول ومبرر وسنتحدث عنه في الصفحات القادمة. بالطبع هناك تباين واضح، ويوضح مدى عمق التعامل الغربي مع الملف في سوريا والملف الكوردي كذلك، فكما قلت، حتى لو كان هناك شرق أوسط كبير في المنطقة وكان للكورد النصيب الأوفر من هذا المخطط، فإن أختيار قوة أو طرف كوردي هي من اهم الخطوات لتنفيذ المشروع. ولفهم ما يجري  ينبغي أن يتم تصفية وغربلة الإمكانات والانتماءات الكوردية في هذه المرحلة. فمن جهة أن حكومة الإقليم قد اكتسبت الشرعية الدولية، ولديها علاقات دبلوماسية واسعة مع الغرب وأمريكا، وفي الطرف الآخر هناك حزب العمال الكوردستاني الذي لا يمكن إغفاله، وكان لزاما على الغرب أن يجد له دورا ما في مرحلة التغيير هذه، وها نحن في سوريا.
برأيي أن هناك تدخل أمريكي غربي مباشر في هذه المسألة، وهو أن الوجود العسكري القوي لحزب العمال الكوردستاني من شأنه ان يجلب الاستقرار إلى سوريا والى السياسات الامريكية في المنطقة في مرحلة ما بعد الثورة وخاصة في ضوء تنامي القوة الاسلامية في سوريا، وسيطرة الاسلاميين على المعارضة السورية سياسيا وعسكريا، إضافة الى ذلك فإن الانسجام التركي مع هذه الأطراف الاسلامية كذلك تخلل المشروع الغربي لحد ما، لذا لابد من إحداث قلق في المشهد وجعله غير كامل، وكالعادة دوما يتواجد الكورد ليقوموا بإحداث هذا الخلل في المشهد لصالح الدول الكبرى ومخططاتهم. وبالطبع حكومة إقليم كوردستان تلعب دورا هاما في إحداث هذا الاستقرار والخلل في الوقت ذاته، لكنها غير قادرة على الاستمرار في تطبيق المخطط بشكل كامل، لأن علاقاتها الاستراتيجية وخاصة في الجانب الاقتصادي  مع تركيا لا يمكن تعويضها بأي شكل من الأشكال، ولن تتخلى حكومة الإقليم عن علاقتها مع الحكومة التركية، ومن الجانب الآخر فإن إقليم كوردستان يعتبر كيانا سياسيا دستوريا في جمهورية العراق، وبالتالي تحركاتها ستكون محدودة لدرجة ما، ويمكن إضافة حقيقة أخرى مستنتجة من الصيرورة التاريخية للكيانات السياسية إلا وهي أن الكيانات الناشئة تكون بعيدة جدا عن خوض الحروب وتركز كل جهودها على الشأن الداخلي فيما يتعلق بتثبيت السيادة وتنمية المجتمع، وبالتالي فأن الحروب التالية والتي ينبغي خوضها لن يكون لإقليم كوردستان دور كبير فيها بشكل مباشر، وسيتحول الإقليم كما هو الآن الى قناة للاتصال بين الدول الكبرى بعيدا عن ساحات القتال. حكومة الإقليم غير مكلفة بإنجاز المشروع الى النهاية، وهنا يأتي دور حزب العمال الكوردستاني والذي تمرس في الانتقال بين دول الجوار بشكل غير شرعي، وهي حركة مثالية لإنجاز المشروع الغربي في المنطقة بدءا من سوريا.
 حتى الآن يبدو أن وجود حزب العمال الكوردستاني في سوريا منطقي. لكن ما هي مهمة حزب العمال الكوردستاني متمثلا في القوى العسكرية والسياسية الموالية له في هذه المرحلة ؟.
 يمكنني ان أقول بأنه هناك ترتيب بالغ الاهمية يدبر لحزب العمال الكوردستاني في المرحلة المقبلة....
في هذه المرحلة  تم إعفاء تركيا من حربها الطويلة والمكلفة مع حزب العمال الكوردستاني وفق بنود غير واضحة لحد الآن، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة الى تركيا في مرحلة تُعدّ فيها عدتها للانضمام للاتحاد الاوربي وتحويل تركيا إلى قبلة اقتصادية وسياسية، وبالطبع ردة فعل تركيا ستكون إيجابية تجاه انخراط حزب العمال الكوردستاني وتشكيلاته في السياسات الدولية، لان ذلك سيجعل الحزب مرتبطا باتفاقيات يصعب التنصل منها، أما بالنسبة لحزب العمال الكوردستاني وكونه لم يك في أحسن أحواله خلال السنوات الماضية، فإن انخراطه الجديد في المعادلة الإقليمية بعد عزلة طويلة هو بمثابة انعاش للحزب ايديولوجيا وعسكريا، فالقضية الكوردية في سوريا باتت الخلاص للحزب. إذا الآن يبدو أن حزب العمال الكوردستاني سيقوم بمهمة بالغة التعقيد في المنطقة بقيادة الدول الكبرى، وكما قلت إن انخراط حزب العمال بقوة في هذا المخطط لا يعني ابعاد إقليم كوردستان عن الخارطة، لا بل أن إقليم كوردستان سيهئ لقيادة المكتسبات اللاحقة كذلك، وكون حزب العمال الكوردستاني لديه بنية ونفسية ثورية اقرب الى البعد العلمي منه الى البعد العشائري، فهذا يساعد بالفعل في توليه زمام الأمور في المنطقة الكوردية، لأن حركات التحرر والتي تكون العلاقات فيها ذات تراتبية مستمدة من سلطة العشيرة أو القبيلة لا ترضخ بسهولة للمخططات العامة والطويلة الامد، بل تحتاج لانخراطها الى مكاسب مباشرة مرحلة بمرحلة، بينما التكوينات السياسية والثورية والتي هي مبنية على ايديولوجية سياسية اساسا فيمكن ان تنخرط في ثورات طويلة الامد ودون أن يكون هناك مكتسبات مباشرة، لان مثل هذه الحركات تشحن افرادها بالمكتسبات نظريا، وأرجو أن يكون هذا البعد النفسي بين هذين الشكلين الثوريين واضح. إذا حزب العمال وحسب اعتقادنا أنه مخول بقيادة المرحلة الآتية من المخطط الشرق الأوسطي والمتعلق بالقضية الكوردية، من خلال خوض المعارك والتوسع العسكري تحت رقابة الدول الكبرى، وما تقوم به الآن في سوريا لهو بداية المشروع برأينا،......  ففي المرحلة المقبلة وبعد سقوط   النظام، سيكون هناك اصطفافات بين القوى السورية على الأرض، فمن جهة هناك الجيش الحر الذي يتكون من مجموعة من الكتائب التي لن تحافظ على تكوينتها في مرحلة ما بعد السقوط  وهناك الأقليات من الكورد والعلويين والدروز والمسيحيين، ويبدو أن هناك ترتيب لتحالفات مستقبلية سياسيا وعسكريا بين الكورد والعلويين والأقليات الاخرى، وإضفاء هذه الصفة على حزب العمال الكوردستاني في سوريا سيجعل منه منارة للأقليات في المرحلة المقبلة وسيكون رديفا معقولا جدا للقوة الغربية في سوريا وبالأخص امريكا في وجه التيارات الاسلامية المتشددة، وبذلك سيدخل الكورد في حرب أخرى ليست حربهم القومية ولا حربهم الوطنية، بل ستكون ضريبة لابد منها أولا لاستمرار الحزب ولإكمال المشروع الكبير وبالطبع  سيكون للكورد نصيب وافر من الحرية القادمة الى الشرق.
بناءا على هذه القراءة يبدو أن القوة العسكرية والتفرد السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي هو خارج عن سيطرة إقليم كوردستان الذي بشكل ما يخلق للحزب غطاء سياسيا من خلال الاتفاقيات المستمرة!.
..... يتبع







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16545