صحوة أقليم كُردستان المُتأخرة
التاريخ: الخميس 07 تشرين الثاني 2013
الموضوع: اخبار




حسين جلبي

لم يترك الناشطون الكُرد السوريون منذُ بداية الثورة السورية وسيلةً ألا و أستعملوها للتنبيه إلى خطورة الأوضاع في مناطقهم و أنحدارها يوماً بعد آخر نحو الأسوأ و خاصةً منذُ اللحظة التي بدء فيها عناصر حزب العُمال الكُردستاني، و بتشجيعٍ من النظام السوري، بالتدفق عليها من خلال تدشين صالح مسلم و بضع عشرات من مُسلحيه للعملية، فقد عمل هؤلاء على قدمٍ و ساق، و بدفعٍ من النظام أيضاً، على عسكرة المنطقة وأستباحتها بعد السيطرة على الكُرد فيها و عزلهم عن مُحيطهم وتحييدهم إن لم يكن جعل بعضهم ينقلب على الثورة ويدير ظهره لها،


كل ذلك تمهيداً للأستفراد في ادارة المنطقة بالتوافق مع النظام الدكتاتوري، و بشروطه، و لصالحه، و ضمن أجندته الرامية إلى التحكم بالمكونات السورية من خلال جعلها تغرق في مشاكلها الذاتية التي صنع منها لكل مُكون ما يُناسب مقاسه، ألا أن تحذيرات كل هؤلاء الناشطين، التي عمدها بعضهم بدمائه، لم تلق آذاناً صاغية و ذهبت أدراج الرياح، رغم تصاعد أعمال الأغتيال و الخطف و النهب التي يقف خلف الكثير منها مُلثمي الحزب المذكور.
في الجانب الاخر من نهر دجلة حيثُ أقليم كُردستان العراق، المعني الأول بتلك الأستغاثات عبر رسائل مُباشرة و مفتوحة و من خلال تقديم أدلة و أمثلة أرسلها الناشطون، كانت ثمة حسابات أُخرى و سياسات قومية رومانسية لا تلامس خطورة ما يجري، فقد ظنت سُلطات الأقليم أن بامكانها أحتواء الوضع الكُردي السوري بكل أتجاهاته و تشعباته، متوهمةً، و من منظور أن بأمكان الواقف على قمة زاغروس رؤية أبعد نقطة في المنطقة الكُردية السورية، ألا أن الحسابات لم تكن كذلك فعلاً، فقد أخفت تلك المساحة الصغيرة غير ما أظهرته، إذ كان لهذا الشريط الكُردي المُحاذي للحدود التركية، و الذي حوى مُدناً و بلدات قليلة و قرى صغيرة مُبعثرة، امتدادات أقليمية وصلت خيوطها إلى دوائر أستخبارات أربع دول على الأقل هي: سوريا، العراق، إيران و تركيا.

رغم ذلك مضت سُلطات أقليم كُردستان في العمل بموجب هذه الرؤية الحالمة، فقد فتحت حدودها أمام كُرد سوريا بمختلف مشاربهم و توجهاتهم و أحزابهم، أشرعت أبواب فنادقها الفخمة و صالاتها الضخمة أمام الجميع و ضخت الأموال لدعم كل الفعاليات حتى الهامشية منها، على أراضيها، حتى أصبحت هولير المحج و الحلم، كما قامت تلك السلطات بتقسيم الكعكة بين أصحابها من خلال أتفاق هولير الذي رعتهُ رئاستها، و الذي لم يُطبق منهُ أي بند على أرض الواقع، حيثُ أُستعمل مثله مثل الهيئة الكُردية العليا التي أنبثقت عنهُ شماعةً علقت عليه مُختلف الأطراف تقاعسها و تجاوزاتها، و بقي رغم ذلك صوت هولير مُنخفضاً مُتردداً يرتفع أحياناً فقط للتغطية على أصوات الضيوف كلما أرتفعت و ذلك لتجنب أنتشارها و بالتالي نشر غسيلهم، و رغم فشل التحكم بذلك الجمع الغفير الغير متجانس فقد بقي أقليم كُردستان يتعامل مع الوضع بثقة غير مُبررة في ظل تزايد أعمال القتل و تصاعد المخاطر لدرجة وصلت معها أصوات أطلاق الرصاص إلى قلب الأقليم نفسهُ من خلال أغتيال و خطف و أهانة أشخاص من أقرب المقربين أليه، كان الردُ دائماً صمتاً مُطبقاً و دعوات خجولة للتعقل و حل المشاكل بطريقة إهالة التُراب على الجمر، فعندما حصلت المجاعة المُفتعلة في المنطقة الكُردية السورية كان رد هولير كرماً زائداً لم يصل إلى كل مستحقيه كونهُ لم يقف بعمقٍ على المسببات، و عندما حصلت هجرة كبيرة تجاوزت خلال أيام قليلة مئات الألوف من الكُرد السوريين إلى داخل الأقليم كان ردها هو تحولها إلى منظمة للصليب الأحمر، إذ وفرت الأغطية و الخيم على اللاجئين على أراضيها و أصبح الجميع بعد أيامٍ قليلة، و عندما أنتهت حفاوة الأستقبال، يراوحون في أمكنتهم و يغوصون في تبعات اللجوء، لكن الحقيقة التي لم تكن خافية عن أحد هي أن بعض الأجراءات البسيطة و الضغوطات الصغيرة الأستباقية كانت كافية لمنع كل تلك المشاكل و توفير أسباب العيش الكريم للمواطنين الكُرد السوريين في مناطقهم و بالتالي منع هجرتهم، لكن هولير لم تقم بأي شئ من ذلك، بل أثقلت كاهلها و بدت ماضية حثيثاً إلى عقد مؤتمر قومي كُردي.

لقد أفسدت أموال هولير أكثر مما أصلحت، فقد أرسل أحتضانها للجميع اشارات خاطئة ليس بمُساوتها بين من أنخرط في أجندة النظام و من هو ضحية لها و بين من تقاعس عن القيام بواجبه فحسب، بل من خلال وضع مقياس غريب، تمثل بمكافأة المُسئ حتى تكبر و تجبر و تحجيم من يعمل لقضية شعبه من مبدأ أنه مأمون الجانب و مضمون حتى وجد الأخير نفسهُ مُهمشاً لا يؤخذ على محمل الجد، و هكذا خُلقت طبقة من المتهافتين الإنتهازيين، و ألتحق المزيد من المُترددين بركب الأقوياء طمعاً في بعض المنافع التي بدت تلوح في الأفق.

في الحقيقة كانت سُلطات اُقليم كُردستان على علمٍ بدقائق ما يجري في المنطقة الكُردية السورية، فقد كان جزء من ترتيبات المشهد يجري، و إن لم يكُن تحت أنظارها، فعلى الأقل على جزء من أراضيها، من خلال الأجتماعات الثلاثية بين الجنرال الإيراني قاسم سُلطاني و زعيم قوات حزب العُمال الكُردستاني مُراد قريلان و ممثل أستخبارات النظام السوري، تلك الأجتماعات التي بدأت في وقتٍ مُبكر لإدارة الملف الكُردي السوري خلال الثورة، كانت تلك السُلطات تعلم بدون شك بصلات الحزب الآبوجي بالمُخابرات السورية التي قامت بتسليحه و تمويله و توفير كل الأمكانات لهُ ليكبر و يُسيطر و يتلاعب بالجميع و يشتتهم ليتسنى لهُ لعب الدور المرسوم لهُ بدقة، لم يُخفى على الأقليم كذلك مسؤولية الحزب عن عمليات أغتيال الناشطين و خطفهم و ضربهم و أعتقالهم و أرتكاب المجازر و تفريغ المنطقة الكُردية من سُكانها و حتى أهانة ضيوفه أنفسهم من خلال توقيفهم على حدوده كلما عادوا إلى بيوتهم من زيارات كان كثير منها بدعوات رسمية منهُ، هذا فضلاً عن عمليات فرض الأتاوات و تهريب الأشخاص و البضائع من و إلى الأقليم، و لكن كل ذلك قوبل بالصمت دائماً و بالنأي عن النفس، إذ مضى الأقليم في سياسة التعامل مع الجميع بالتساوي حتى ضاعت المنطقة الكُردية السورية و خربت و أصبحت الآمال ضعيفة في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في المستقبل القريب.

لكن فجأة، و بعد ثلاثين شهراً من بدء الثورة السورية، غيرت بضعة كلمات موقف أقليم كُردستان كله مما يجري في المناطق الكُردية السورية، فقد أنتشر مقطع فيديو قبل أسابيع قليلة على مواقع التواصل الأجتماعي يظهر فيه رئيس حزب الأتحاد الديمقراطي، التابع لحزب العُمال الكُردستاني، صالح مُسلم، و هو يقول أمام حشد من أنصار حزبه بأنهُ (سيُربي أقليم كُردستان إذا كان هو بصدد تربية حزبه) فقد غير الحادث من تعاطي سُلطات الأقليم مع ذلك الحزب و رئيسه، إذ أنقلبت آية التعامل رأساً على عقب، كانت تلك الأهانة بنظر سلطات أقليم كُردستان هي الجريمة الوحيدة التي أرتكبها حزب الأتحاد الديمقراطي منذُ بدء الثورة السورية و التي تمكنوا من الأطلاع عليها، و هكذا أدت تلك الأهانة الشخصية إلى أغلاق الأقليم لأبوابه في وجه مُسلم نفسهُ و فتح أبواب الأكتشافات الكثيرة على مصراعيها، أكتشفت سلطات الأقليم في تلك اللحظة فقط، بعد مسيرة طويلة شهدت سلسلة من الجرائم الفظيعة منها مجازر موصوفة، أن حزب مُسلم هو (حليف للنظام و يغلق أبواب النضال بوجه القوى السياسية الأخرى و سياساته لا تخدم المصالح القومية الكُردية)، و أشار أكثر من بيان صادر عن تلك السلطات أن على حزب الأتحاد الديمقراطي (أن يتطهر من الأساءات التي ألحقها بالشعب الكُردي و أن يعمل على تربية نفسه قبل أن يُفكر بتربية أقليم كُردستان)، هذه الأكتشافات العظيمة لم يكن من الصعب على أي مراقب معرفتها، و حتى تلك الأساءات التي أشارت أليها البيانات لم يسبق للأقليم و أن أشار أليها و كأنه لم يكن يعلم بها، لكن توقيت الحديث عنها، ألا و هو مجيئها بعد الأهانة الشخصية التي ألحقها مسلم بمسؤوليه، يُفصح بجلاء أنها كانت ستبقى طي النسيان و تُعتبر كأنها لم تكن لولا تلك الأهانة، أي لا علاقة لغضبة الأقليم بأكتشافاته و (لا من يحزنون).

و ماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد أن أغلق حزب صالح مسلم الحدود مع أقليم كُردستان رداً على خطوة الأخير بأغلاق حدوده في وجهه، هل ينبغي على المواطنين الكُرد السوريين أن يدفعوا ثمن الأهانة الشخصية التي ألحقها مسلم بالأقليم بعد أن دفعوا ثمن سياسات الطرف الأول و تهاون الأخير مع تلك السياسات عندما أغمض عينيه عن مُجمل أفعاله طوال تلك الفترة حتى تكبر و تجبر؟ أعتقد أنهُ لا بد من مُعالجة عقلانية للمسألة أو المُضي بالعقاب إلى نهايته، أي التشديد على ضرورة فتح معبر سيمالكا تحت طائلة أغلاق مقر حزب الأتحاد الديمقراطي في هولير في حال عدم فتحهُ و طرد جميع أنصاره إلى خارج حدود كُردستان خاصةً أن الجميع يتحدثون بلسانٍ واحد و يُفكرون بالعقلية ذاتها و لا يوجد أي خطورة على حياتهم في المناطق الكُردية السورية، حيثُ انهُم مُرحبٌ بهم من قبل السلطة السورية فيها، من جهة أُخرى ينبغي على سُلطات الأقليم تغيير أسلوب إدارة الملف الكُردي السوري و الأستماع بعد اليوم للصوت العقلاني، و لو من باب تقاطع المصالح، و دعم ذلك الصوت حتى لا يضيع وسط زحام المواقف، ذلك أن سياسة الثواب الشامل و معاملة الجميع بالتساوي قد أثبتت فشلها حتى الآن و أحدثت تقهقراً في مُعسكر العُقلاء الحريصين على شعبهم و أنتصار الثورة و الساعين لبناء علاقات أخوية مع أقليم كُردستان.
قبل ذلك ينبغي على الأقليم التفكير في حل الأرتدادات التي نجمت عن قرارهُ الأخير و التي أدت الى قطع أواصر العلاقات الكُردية ـ الكُردية و خاصةً في جانبها الأجتماعي و الأغاثي و الأقتصادي، و لا اعتقد أن الأقليم يعتبر أغلاق المعبر من جانب الطرف الآخر خطوة تناسبه أيضاً.

و مع ان الأهانة التي وجهها صالح مُسلم رئيس حزب التحاد الديمقراطي للأخوة في اقليم كُردستان مُدانة و تعبر عنهُ شخصياً، لكن يبقى السؤال: ماذا لو كان مُسلماً، قد قام منذُ اليوم الأول للثورة السورية بتوجيه إهانته تلك، ألم تكن الكثير من الوقائع المُزرية في المنطقة الكُردية السورية على غير ما هي عليها الآن؟
أُجيب بكل أسف: بلى.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16484