كردستان سوريا ولعبة المصالح
التاريخ: الخميس 15 اب 2013
الموضوع: اخبار



د.إسماعيل حصاف*

  إعتاد أعداء الكرد على اللعب بعواطف شعبنا، عبر إطلاق كلمات معسولة وتصريحات مبرمجة، ومن الخطأ جدا إطلاق الأحكام السريعة تجاه تصريح أو موقف صادرمن هذا القبيل من جهات سياسية، كما نفعله على الأغلب نحن الكرد .
  ففي الآونة الأخيرة، تتحول جميع الأنظار إلى إقليم غرب كردستان، بدأت بإرسال دولة الأسد وفدا كبيرا للقاء بقيادات كردية في قامشلو – حسب ما أشيعت إعلاميا-،تلتها الإهتمام الواسع من موسكو على الصعيدين الحكومي والإعلامي لدرجة أصبحت المسألة الكردية وعلى حين غرة الشغل الشاغل للدبلوماسية الروسية، الأمر الذي يذكرنا بموقف وزير خارجية الإتحاد السوفياتي أندريه أندريه غروميكو ضد تدخل السنتو (تركيا وإيران)


 إضافة إلى إرسال حكومة البعث في دمشف كتيبة مشاة ترافقها مدرعات بقيادة العقيد فهد الشاعر إلى كردستان العراق عام 1963، وتهديده للدول الأربع المقسمة لكردستان بالتدخل إن لم تنسحب تلك القوات من الأراضي الكردية مع عرض المسألة الكردية على هيئة الأمم المتحدة عبر حليفتها الإشتراكية آنذاك دولة منغوليا الشعبية. إذ أدان الإتحاد السوفياتي هذه الحرب القذرة ضد الشعب الكردي ، وفي يوم 2 تموز عام 1963 توجهت حكومة منغوليا رسميا بتكليف من موسكو إلى هيئة الأمم المتحدة بطلب إدراج مسالة "سياسة الإبادة الجماعية إزاء الشعب الكردي في العراق " في جدول أعمال الدورة العامة لهيئة الأمم المتحدة . ففي تموز عام 1963 أدانت الحكومة السوفياتية بحزم الأعمال العسكرية في كردستان وعبرت عن تضامن الشعب السوفياتي مع النضال العادل  للشعب الكردي في العراق من أجل حقوقه القومية وفي 9 منه  سلم وزير الخارجية السوفياتي اندريه غروميكو سفراء العراق وإيران وتركيا وسوريا بيان الحكومة السوفياتية ، حيث طالبهم بالوقف الفوري لمشاركة القوات الأجنبية في الحرب ضد الكورد محزرا من مغبة هذه الأعمال التي تهدد السلم في الشرقين الأوسط والأدنى وفي الوقت ذاته أرسلت الحكومة السوفياتية رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أشارت فيه " إلى العمليات الحربية الواسعة ضد المدن والقرى الكردية الآمنة من قبل القوات المزودة بالطيران والمدرعات التي تقصف بوحشية السكان العزل بمن فيهم الأطفال والنساء والشيوخ  محولة مناطق كردستان الواسعة إلى خراب ، مضيفا بأن الحكومة السوفياتية ترى ضرورة إبلاغ مجلس الأمن  بانه في حال إستمرار التدخل من قبل القوى الخارجية في الأحداث الجارية في شمال العراق (أي كردستان) قد يكون ضروريا الدعوة إلى إنعقاد  مجلس الأمن لإتخاذ الأجراءات اللازمة لإنهاء هذا التدخل وهو الموقف نفسه الذي يقوم به وزير خارجية روسيا الإتحادية سرغي لافروف الآن تجاه الكرد السوريين من خلال التنديد بالأعمال الإرهابية ضد الكرد العزل داعيا مجلس الأمن الدولي إلى إدانتها.

    من حيث المبدأ، وللوهلة الأولى، فإنه موقف إيجابي، لاسيما أن المسألة الكردية في سوريا تتحول إلى مادة حيوية في العلاقات الدولية، فروسيا دولة  كبرى جارة لكردستان، وبالتالي من حقها حماية مصالحها وأمنها القوميين، ولكن الروس ومنذ أن أبدت الإهتمام بالكرد وقضاياه منذ أكثر من (150) عاما وليومنا، لم تخرج سياساتها عن إطار حماية مصالحها الذاتية وإستخدام الكرد كورقة ضغط رابحة في عملياتها السياسية في الشرقين الأوسط والأدنى وغرب آسيا.
     فنظرة مقارنة بسيطة بين موقفين متناقضين للحكومة السوفياتية بين عامي 1963 و1975 من موقف الدفاع عن القضية الكردية في لعبة الحرب الباردة عام 1963وصمتها تجاه المؤامرة الدولية ضد ثورة أيلول في المرحلة الأخيرة للحرب الباردة (مرحلة الوفاق)، علما أن غروميكو كان طوال الفترة  هو نفسه حامل حقيبة وزارة الخارجية السوفياتية، تظهر بجلاء أن المصالح هي التي تحدد البوصلة السياسية. وقبل ذلك كانت الإتفاقية السوفياتية – الكمالية في أعقاب ثورة أكتوبر، والإتفاقية السوفياتية – الإيرانية (إتفاقية البترول والغاز) مقابل تضحية ستالين بالجمهوريتين الديمقراطيتين في إيران. ويبدو أن الحكومة السوفياتية حققت في الخفاء نجاحا دبلوماسيا ، حيث حصلت على موافقة الحكومة الإيرانية بالحصول على إمتيازات نفطية , لهذا فإن الجانب السوفياتي أعلن عن إستعداده للإنسحاب من الأراضي الإيرانية في خلال ستة أسابيع شرط إمتناع مجلس الأمن عن مناقشة القضية . وفي هذه الأجواء وقع رئيس وزراء إيران قوام السلطنة مع الزعماء السوفيات على معاهدة بهذا الخصوص . وإضطر السوفيات إلى سحب قواتهم سنة 1946 ، وذلك تحت ضغوطات الدول الإستعمارية ، وكذلك نتيجة لإمتلاك الولايات المتحدة السلاح النووي الذي لن تتورع عن إستعماله في حال تعرض مصالحها للخطر ، ولاسيما أن السوفيات لم يكونوا قد إمتلكوا بعد القنبلة الذرية إلا في عام 1949 .
  أن موقع الكرد الشرق أوسطية في المنظور الروسي لايتعدى أن سياسة روسيا الشرق الأوسطية تنظر إلى الكرد كجزيرة صغيرة جدا في محيط كبير، وبمعنى آخر تتحرك الدبلوماسية الروسية في إطار الإستراتيجيات العامة في عملية التوازنات الدولية، وإنطلاقا من هذه الفكرة تسعى الدبلوماسية الروسية ومعها إيران والمالكي – حلفاء الأسد- إلى جر الكرد بإتجاه النظام كخطوة أولية وتحت يافطة " ليتحد الجميع ضد العدو المشترك - الإرهاب الأسود"، تليها الخطوة التالية ضم الكرد إلى المعادلة الروسية – السورية في جنيف 2، في إطار مشروع التخلي عن إسقاط النظام لمواجهة "الإرهاب". ولايمكننا إستبعاد أن مايجري في مناطقنا هي بمباركة وتخطيط من جنرالات الإستخبارات السورية المختصين بالملف الكردي، وأن تلك المجموعات ليست سوى من نتاجاتها، وما تصريحات الصحافة السورية والموالية لها ومن ثم تصريح الأسد الأخير حول قرب تشكيل دولة كردية، سوى جزء من هذه اللعبة التي تهدف إلى زعزعة الإستقرار في المناطق الكردية وإثارة القلاقل والإضطرابات والصراعات القبلية والطائفية بين مكونات مجتمع كردستان، وإثارة الخوف لدى الأتراك والشوفينيين العرب من مخاطر تشكيل دولة قومية كردية، وصولا إلى خلط الأوراق وتفكيك ماتبقى من الثورة السورية وتشويه سمعتها وضربها.
   أما تركيا، فإضافة إلى أنها دولة مهمة في حلف الناتو، تتحرك دبلوماسيتها في إطار بعدين أخريين: وهما البعد الطوراني من خلال مجموعاتها التركية من تركة الإتحاد السوفياتي، والبعد الإسلامي، من خلال حزب أردوغان، وهو البعد الذي سخره القيادات التركية لمصالحها القومية العليا، كلما دعت الضرورة إلى ذلك. فتركيا هي الجارة الأقرب لغرب كردستان بحدود تمتد حوالي ألف كيلو متر، ناهيك عن شركاتها تسعى لنيل حصة الأسد في عملية البناء والعقود بعد سقوط النظام، ولاسيما ان تركيا تسيل لعابها وهي تنظر إلى الدخان المتصاعد من حقول رميلان والسويدية التي لاتبعد عن حدودها سوى بضعة كيلومترات قليلة، فأمن إقليم غرب كردستان مهم وحيوي بالنسبة لإستراتيجية الدولة التركية، وبالتالي تنحصر مضمون الدبلوماسية التركية إزاء كرد سوريا جرهم من خلال حزب الإتحاد الديمقراطي السوري إلى ما يعرف "بمشروع السلام" الدائر بين حكومة تركيا وحزب العمال الكردستاني.
وعليه لابد من الإشارة إلى نقاط في هذا الإطار:
-  تجري لعبة قذرة في مناطق غرب كردستان تشارك فيها الإستخبارات السورية وقوى دولية وإقليمية وعربية للعب بالورقة الكردية لأهداف سياسية وإستراتيجية مرسومة.
-   تسعى دمشق وبالتنسيق مع حلفاءها إلى إفراغ المناطق الكردية من سكانها، وعدم قيام السلطات بتوفير مصادر المياه ومنها – الشرب، ليس إلا خطوة في هذا المجال، لأنه يمكن التخلي عن الكهرباء، في حين لايمكن الإستغناء عن الماء (مصدر الحياة). ومن الضروري أن تقوم الأحزاب الكردية وخاصة PYD كإدارة حاكمة بتوفير مولدات لضخ المياه وتوفيرها للشعب، لإفشال المخطط.
-  حذارى من محاولات جر الكرد في غرب وجنوب كردستان إلى مواجهة القاعدة.
-   محاولات جر الكرد إلى حرب الأخوة أو حرب طائفية.
-    تركيا وإيران دولتان قائمتان على التوازن، متضادتان مذهبيا، ومتصارعتان على التوسع، لكنهما متفتان على الكرد وقضيته القومية، عندما تصل الأمر إلى الخطوط الحمر.
ومن هنا، فأن الحركة القومية الكردية، بأحوج ما تكون إلى وحدة الصف والمشروع، إن كانت صادقة مع مصالح الشعب، فالظرف دقيق جدا، والمنطقة على أعتاب تحولات تاريخية كبرى، فالقضية الكردية اصبحت عاملا دوليا مهما، لكن تحتاج إلى عمل مؤسساتي ووضع الأمر بيد تكنوقراط في غرب كردستان، وتفضيل المصالح القومية العليا فوق الإعتبارات الأخرى. وكلنا أمل أن تنجز المؤتمر القومي الكردي مهامها  التاريخية ووضع العربة على السكة الصحيحة في هذا المجال.
 
  وأخيرا، وليس آخرا، أجدد دعوتي لقادة الكرد وللدولة التركية التفكير بالعودة إلى عهد قبيل الإنتداب عبر العودة إلى وحدة ( شمال وجنوب وغرب كردستان) في إطار فدرالية أو كونفدرالية مع تركيا، وهذا مايجب أن يلاقي الدعم والمساندة من بريطانيا وفرنسا اللتان قسمتا كردسستان وضرورة تحمل مسؤوليتهما التاريخية، وتصبح كردستان جارة لأوربا، وبالتالي سيخيم الأمن والإستقرار على شعوب المنطقة لعقود من الزمن.
--------------------------------
*- أكاديمي مختص بالمسألة الكردية وسكرتير البارتي الطليعي الكردستاني – سوريا(PPKS) 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=16053