مشاهد لا تفارق الذاكرة .. (2)
التاريخ: الثلاثاء 13 شباط 2007
الموضوع: اخبار


روني علي

    حين كنا نمارس اللهو في الفضاءات الرحبة، ونحن في سن الطفولة، كان لكل منا مسنده، أو القوة التي يرجع إليها حين تقع الواقعة، أو حين يتعرض أحدنا إلى نوع من الدعكة والوعكة من قبل الآخرين، وإن كان واحدنا يتباهى بقوته الذاتية، أو يحاول الإيحاء على أنه يعتمد على ذاته في مواجهته لكل ما قد يعترض سبيله من محن ومآزق ..


   وحين تجاوزنا سن الطفولة، وانخرطنا في أتون الممارسة السياسية، وفقاً للمنظومات المستحكمة والمتحكمة بقرارنا وأقدارنا، أصبحت اللعبة تختلف باختلاف الحلبة وأطراف المبارزة، وإن كانت تستند أيضاً، إلى ما كنا نحمله من بذور الصبا، والعقلية التي ساهمت في تنشئتنا، من حيث السند والمسند ومراكز القوة، وكذلك الولاءات والإملاءات والإيحاءات، بحيث أن أحدنا لا يمتلك القدرة في أن يقرر لنفسه مصير اللعبة، أو حتى يقرر اللعبة التي يجد فيها ذاته، إلا إذا كانت مستحوذة على موافقة أولياء القرار والأمر والنعم، ومقررة بعقود وصكوك وبراءات، من أكثر من جهة وطرف، سلطوياً كان أم حزبوياً .. حتى بتنا أمام قناعة؛ بأن نشد الرحال ونبتعد عن اللعب وسط معمعان ذاك التهافت على تسلق سلالم التلاعب، حتى وإن كان على أكتاف الآخرين، وما أكثرهم؛ أولئك الذين يحملون بذور الصعلكة والارتزاق، لأن يقدموا أجسادهم وأكتافهم في أسواق النخاسة، لقاء حفنة من الاعطيات والامتيازات، وخاصةً المعنوية منها، وذلك بغية التخلص من عقدة النقص المجتمعي، أو الالتصاق بأذيال أولئك الذين يتسلقون السلالم، كونهم أصبحوا أرقاماً في فراغات الطموح الكردي، في خطوة كي يكون لهم أيضاً فسحة للتعبير عن ذواتهم، التي لا يمكن التعبير عنها إلا عبر الآخر، ومهما كان ذاك الآخر، وبأي طريقة تم إنتاجه أو طرحه على الصورة أو في المخرج، وإن جاءت النتائج كارثية في مواجهة الحقيقة وما يدعونها من مشاريع وأسطوانات ..
   ذاك هو القدر الذي يلاحق بني العشق ومنتسبي الفوبيا، في زمن ترسخ فيه أسطورة اليد التي لا تقدر عليه، قبله وضعه فوق رأسك .. وإن كانت الدعوات المتناثرة من جيل التغيير تصرخ بحثاً عن من يجاري الحقيقة، ومن لا يساوم عليها من أجل الارتقاء في سلالم الوهم، والتسلق فوق جدران الخيبة ..
   وبالطريقة ذاتها، وعلى المنوال نفسه، بتنا نحن معشر الخارجين من أحشاء ثقافة الاستبداد، صانعين لثقافة الولاء الأعمى، ومنتسبين لمدارس التابعين المتصوفين، وكأننا في ممارستنا لطقوسها، ننشد الحياة ونضخ الدم في شرايين الفعل النضالي، دون أن نستدرك بأن الطغاة والديكتاتوريات، هم أولاً وأخيراً من صناعة المجتمع وإنتاج ثقافتها ..
   نحن اليوم؛ وعلى وشك التحرش بمقدسات العروش، والتقرب من معالم منتوج، قد يدك المفاهيم السائدة في الخارطة الجيوسياسية التي ننتمي إلى إحداثياتها، لا نكف عن اللحاق بأذيال الوهم والخداع، ولا ننسى أن ندعي في صراعنا مع عقد الذات، بأننا من أنصار التغيير، دون أن نحاور بذور الفكر والمنطق القابعين في سبات العقد المتدسكة في دخيلة النفس، بأننا نحن الذين فرطنا العقد، وساهمنا بسلوكياتنا بنثر حبات مسبحة الطموح الكردي على شكل حزيبات منتشرة ومتناثرة هنا وهناك، كوننا قد وضعنا الفكر في سلة والمنطق في أخرى، ونحن نلتحق بالخواء الذي ينتج من المطابخ التي تدعي في أنها منشغلة ومشتغلة في السياسة ضمن البيت الحزبي، المهدد بالاندحار إذا ما جاوزنا عقدة الصمت وحاورنا المنطق، وفق أسس ومقومات الحزب ..
   وقد يخال للبعض؛ من الذين لا يروق لهم قراءة الحقيقة من خلال الوقوف على مثل هذه المشاهد، بأننا من أنصار العدمية، أو من دعاة انهيار فكرة الحزب، وبالتالي محوه من الوجود، خاصةً أولئك الذين لا يشكلون ذواتاً إلا في الفراغ الحزبي، وتحديداً في فراغ القيادة، كوننا وبكل بساطة، ندعوا إلى الإقلاع عن فكرة الأبوة والبنوة في ممارسة العمل السياسي، ونحرض العقل والمنطق كي ينأى بنفسهما عن الترهات، وما نحن عليه من عنة في ممارسة الفعل النضالي، دون أن ننسف الحقائق والوقائع التي تؤكد على ضرورة التأسيس للعقل الجمعي من أجل الخروج من الهاوية، ودون أن نبخس في أحقية وجود أطر منظمة ومنتظمة، وعلى أسس سياسية مستندة إلى حاضنة معرفية من أجل تجاوز المحن، وما يصيب الكرد من حيف واضطهاد، ولكن وأن تكون الحزبية قائمة على الولاءات، ودعم كل ما ينتج عن المركز من هفوات وأخطاء قاتلة من قبل التابعين، فذلك الذي لا يروق لنا ونقف عنده، لأن هذه الآفة هي التي تصيبنا في مقتل، وهي التي تبعثر الجهود والطاقات في وجه كل منعطف، وأمام خيارات الفعل، وذلك لافتقادها إلى آلية توحد الجهود وتنظم الطاقات، وهي التي تدفعنا كي نبتعد عن الحقيقة التي تصرخ لتقول؛ بأن ما يوحدنا هي القضية، وأن ما يفرقنا هي الامتيازات والأنانيات، فبقدر تعلقنا بأذيال رموز وأقطاب التناحر والتصارع، بقدر ما نبعد المسافة بيننا وبين قراءتنا للواقع ..
   وإذا بقي ما نقوله عبر رصدنا لهذه المشاهد، فهو قول وحيد وأكيد، ويتجسد في دعوتنا إلى البسطاء من شاكلتنا؛ العمل على تضافر الجهود من أجل ترسيخ الوجود، عبر ملامسة الواقع والتقرب إلى المنطق، وليس التعلق بما هو موجود، على مبدأ أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، من أجل الحفاظ على الشكل الموجود، والذي فيه مرتع لإشباع بعض العقد والهواجس، مع البعض من تضخم الذات ..
      
          







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1528