محمد الغانم مأثرة مربي ومأساة إنسان (حوار مع الكاتب والمربي السوري محمد الغانم – الجزء الأول)
التاريخ: السبت 10 شباط 2007
الموضوع: اخبار


 
حاوره علي الحاج حسين

محمد الغانم كاتب وصحفي سوري قضى شبابه في مهنة التدريس  يعلم الأجيال بمسقط راسه مدينة الرشيد. زوجته أيضا مدرسة وعنده طفلان أحدهم طالب في كلية الطب ومتفوق دراسيا. عرفه المقربون رجلا خلوقا صادقا مسالما يحمل هموم الآخرين إلى جانب همومه، عايش حالة التردي والهبوط التي حلت ببلده سوريا والمنطقة وتفاعل مع الأحداث بإيجابية من موقعه ككاتب وصحفي وله عدد من المؤلفات ومئات المقالات.


يصفه من عاشره أنه رجل شفاف أبيض القلب نظيف اليد واللسان وليس عنده ما يخفيه، حاضر الطرفة، غير مسرف في عباراته وتوصيفاته، حسن الكلام، لا يمله جليسه.
عيبه الوحيد أنه رجل جسور ولا يسكت على الخطأ وينتقد الفساد والاستبداد فجر له ذلك المصاعب والمتاعب بما في ذلك السجن والإهانة والطرد من العمل، الذي يشكل مصدر رزقه الوحيد. وكما هو معروف لا يعرف الرجال إلا الرجال، وليس مستغربا ألا يكون قيمة لرجل مثل عارف دليلة وفاتح جاموس وعمر قشاش ونزار نيوف  وأمثالهم عند أنصاف وأشباه الرجال، ومحمد الغانم واحد من هؤلاء الذين يدفعون الضريبة من حرمان وخوف وتشوه وأمراض وأذى جسدي ونفسي.. تلك ضريبة يدفعها بعضنا عنا جميعا.
وشى لي صديقه الشاعر الكردي ابراهيم اليوسف، وآخرون ممن عرفوه انه ورغم الاملاق والفاقة، جراء فصله من عمله لا يقبل المساعدة من الخارج ومموله الوحيد هو رجل مسن يصوغ العرائض للمواطنين على مدخل الدوائر الرسمية في الرقة، ذلك الرجل الذي ربما فقد الأمل من تأنيب ابنه كي لا يدخن، ينقده اليوم بعض القروش يشتري بها السجائر.
 نتحدث معه عن الحريات والديمقراطية، عن الفساد وأهله في سوريا، عن السجون والآلام والإهانات التي تعرض لها مع غيره من نزلاء السجن، فيسرد واصفا ما تعرض وغيره له من أذى ويتألم لحال من لم يرأف به ولا يكن حقدا ولا ضغينة  لجلاديه.
 كان لي هذا الحوار مع الاديب والمربي والسجين الاسبق محمد الغانم
 يقول محمد الغانم:

• لا انتمي لحزب معين، أنتمي لمجتمع مظلوم ومخوزق منذ أربعة عشر قرنا.
• اتهموني بتحقير رئيس الدولة، لكنهم اعتقلوني بسبب نقدي للفساد الرسمي.
• فجر ذات يوم ربيعي ونحن نيام قرع باب الدار، وفوجئت بالشباب "الطيبة" من المخابرات العسكرية بالرقة.
• جرى حوار على فنجان قهوة ، في داري بين الأقلية –أنا- والأغلبية المخابرات انتهى باقتيادي للسجن.
• قطعت برحلة العذاب 1500كم وزرت أكثر من 12 سجنا ونظارة، كلها أشبه بزرائب الحيوانات.
• كنت مذلا مهانا ومقيدا بالسلاسل كحيوان، وعروني من ملابسي كاملة في سجن دمشق- قلب العروبة النابض!.
• قمت بسياحة مجانية على حساب دافع الضريبة السوري، أغلبها تحت الأرض مليئة بالأوساخ ، والفاسدين من السجانين
• سجون لا تتوفر بها أي من الشروط الصحية والإنسانية ، وأسوأها سجن فرع فلسطين ( تحت الأرض ) لا تعرف الليل من النهار
• غرف السجن صغيرة لا تتجاوز عشرة أمتار مربعة زج بها بأكثر من خمسين معتقلا لا مكان للجلوس أو النوم.
• كل السجون والمعتقلات السورية تمارس التعذيب والضرب والإهانات ، وكنا نربط في سلاسل خلف بعضنا بعضا ونجر كالبهائم
• شربت الشاي ثلاث مرات مع أبو إبراهيم زعيم تنظيم القاعدة في سوريا ونعتني بالكافر.
• والله التعذيب في السجن الوطني أسوأ من سجون الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق .
• مزية في سوريا أن تعامل كمجرم ؟؟ !!
• أحلم أن تكون سوريا هي سويد الشرق الأوسط .
• فعلا أنا متعال على أهل السلطة لأني لم أتلوث بالفساد والمال العام والسرقة وهتك أعراض الناس ولم أجلد أحدا ولم أحمل في يدي قطرة دم مظلوم ، ولم أعتد على أي كان .
• عندما يخرج العرب الخازوق الإسرائيلي-الأمريكي من قفاهم عند ذاك أنا أتعهد بنزعه التركي أو الكردي أو الفارسي.
• لم أفعل شيئا أخجل منه أو أندم عليه، لن أمدح النظام ولا أي مسؤول. لست من محبذي موائد السلاطين وجلسائهم
• تم تعريتي في السجن من ملابسي بشكل تام، ونحمد الله أن السجانون هم سوريون أخوة لنا وليسوا أمريكان - يعني ما بنحل عليهم .
• ما يجري داخل السجون السرية للمخابرات مرعب.
• اخترعوا بساط الريح وكل سجين هو سندباد عليه تطير روحه من الألم حتى في مخافر الشرطة العادية.
• بساط الريح صناعة بعثية سورية حصرا، ركبته امرأة مسنة - والدة المعتقل عبد العزيز الجراح لدى الشرطة الجنائية ففقدت معه عقلها وهي، وهي تبول وتخرا تحتها وتدور في الشوارع .
• معزوفة الألم التي تخترق السماء وهي تنادي الله وملائكته وكتبه ورسله , وتطلب الرحمة من الجلاد الوحش وتستصرخه بعرضه وأمه وأبيه وأولاده ولكنه يستمر بالضرب والشتم البذيء جدا.
• يغمى على المعذب مرات ومرات ، ويبدأ بالاعتراف بقتل هابيل وقابيل وانه الأفعى التي أنزلت ادم للأرض وأنه شارك في قتل الحريري والإمام الحسين وووووووووووو الخ ونعتذر عن الإكمال هنا .
• أنا لم أوهن عزيمة الأمة، بل الذي يسرق ويجلد الناس ويسجنهم هو من أوهن عزيمة الأمة.
• الله يرحم الأمة اللي وأحد مثلي بيوهن عزيمتها، وهل ترك الظلم والعسف والفساد عند الأمة عزيمة؟؟!!
• إذا بدك أحلف لك على المصحف الشريف بأني ( مالي علاقة لا من قريب ولا بعيد بهذه التي أوهنت عزيمة الأمة !
• بعد السجن لم أعد أستطيع الوقوف منتصبا من شدة الديسك وآلام العمود الفقري ولم أعد أستطيع أن اردد مع مارسيل خليفة أغنية منتصب القامة أمشي..
• مجوع ما قضيته في سجون سوريا بسبب رأيي قليل جدا إذ ما قورن بعشرين سنة في السجن قضاها عميد سجناء الرأي في حلب عمر قشاش - أبو عبدو - أتوجه له بالتحية.
• عقلية الجلاد لا ترى إلا المتعة في إهانة الضحية، كلنا متساوون تحت البسطار.
• أشكر الأخوة طالب الجاسم ونجم هلال اللذان كانا معي في السجن وساهما بنقلي من جناح المخدرات إلى جناح هاديء ومشاكله أقل.
• السجون المركزية مليئة بالعصابات والمافيات والفساد، وهناك عمليات عصيان دائم ، ويضرب السجناء أنفسهم وبعضهم البعض بالشفرات .
• هناك معاملة خاصة وزيارات خاصة ويومية للمدعومين والدفيعة . اللي معو يدفع وله معاملة خاصة !
• كم من مدعي المعارضة مستفيد ومتبطر من هذه الجهة أو تلك.
• لم تعوضني الدولة عن الأذى ( وهاي حلب وهذا الذراع ) وتعالوا لنقيس من هو الكاذب؟
• أنا ضد سلب الناس هويتهم ، وتعريبهم بالصرماية.
• أناصر الشعب الكوردي لأن الكرة الأرضية تتسع لنا ولهم، ولهم حق تقرير المصير مثل الشعب الفلسطيني .
• لا أحد مستكرد ولن نقبل تعريب أحد وإلغائه عنوة .
• الشوفينية العربية مرض سرطاني مخيف، الشوفينية والفاشية إن اجتمعتا جرتا المنطقة للهلاك.
• للكرد حقوق واللي مو عاجبو يروح يحرث جبال آجري الكردستانية .
• قل صحبي بعد الخروج من السجن ، والبعثيون لم يعودوا يكلموني حتى على الهاتف.
• بغرض تحديث وتطوير السجون في البلد، وتحسين نماذج السجناء جعلت الدولة السجون تضاهي جامعاتنا بالكوادر والكفاءات والمثقفين..
• لا أعرف سببا واحدا يخيف النظام من حسيبة عبد الرحمن وعارف دليلة وفاتح جاموس وعبد العزيز الخير ورياض سيف ونزار نيوف وأمثالهم سوى أخلاقهم الرفيعة والعالية ، تحية لهم والحرية للدكتور عارف دليلة ولكل سجناء الرأي في سوريا .
 
نص الحوار:
س: حبذا تذكر أهم نشاطاتك الأدبية والثقافية وما هو عملك الأساسي؟

ج: بالنسبة للعمل الأساسي أنا معلم متخرج من معهد المعلمين بحمص عام 1975 م وكنت على رأس عملي حتى غاية اعتقالي من المخابرات العسكرية السورية . بالنسبة للنشاطات الأدبية والثقافية أنا أكتب القصة القصيرة ، والمقالات الأدبية من عام 1975 م ، وانشرها في أغلب المجلات والصحف العربية والسورية ، ولي كتابين مطبوعين هما رواية العاملي ، وقصص بعنوان مقتل الصمت ، وهناك رواية مشهورون لا يعرفهم أحد والتي كانت مرشحة لنيل جائزة الناقد للرواية في لندن عام 1991 م   ولم تطبع لغاية اليوم ، وهناك نصوص شعرية نثرية منها نشر في الدوريات ، كما عملت مع مشروع مجلة ألف ، ومجلة كراس ، وأسست موقع ( سوريون ) الاليكتروني ليكون صوتا حرا للسوريين الأحرار من مختلف مكونات الشعب السوري الدينية والثقافية والعرقية .

 س: ما هو لونك السياسي؟

ج: على سبيل المداعبة لوني ( كريم كراميل ) .أنا مستقل لا جماعة لي أو حزب ، ولكني متخرج من أكاديمية اليسار العربي ، وهو أقرب إلى نفسيتي وروحي بكل عجره وبجره .
وأنا مناصر لكل المظلومين في التاريخ ، لأني أنتمي تاريخيا واجتماعيا إلى مكون مظلوم (ومخوزق) عبر أكثر من 600 سنة ميلادية .

 س: ما هي التهمة التي أدت لاعتقالك؟

ج: . التهم التي وجهت لي هي : النيل من هيبة الدولة ، وتحقير   رئيس الدولة ، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية ..  وهي تهم ظالمة وكلها بسبب مواقفي في مواجهة الفساد الرسمي والاجتماعي ، وسلطة التفرد الشمولية للبعث السوري .
 
س: حبذا لو تصف بالتفصيل عملية اعتقالك، متى وأين وكيف ومن قام بها؟

 ج:   صباح يوم الجمعة 31 / 3 / 2006 م ونحن نيام قرع باب المنزل في مدينتي الرقة وكنا في يوم عطلة اسبوعية عادية ، فتحت الباب ، وفوجئت بالشباب الطيبة من المخابرات العسكرية بالرقة ، وطلبوا مني أن أ شرف معهم إلى المفرزة ، سألتهم هل معكم أمر قضائي من النيابة العامة ؟ قالوا : لا   ، فقلت لهم أنا مواطن يحميني القانون والدستور ، وأنا مواطن مدني وأنتم عسكر ولا علاقة قانونية بيننا . ثم دخلوا المنزل وجرى حوار على فنجان قهوة ، عملته السيدة زوجتي من آل عجان الحديد ، ولم نصل إلى نتيجة ، تطور الأمر إلى صياح بصوت مرتفع وبدأ الانفعال يسود بين الطرفين   أكثرية عناصر المخابرات والأقلية التي هنا هي أنا . وبعد حوالي الساعة والنصف وصل العميد ( أ – م ) ودخل المنزل وجلس معي وجرى حوار ( كان هذا الضابط خلوقا ومهذبا معي جدا وهذه أقولها للتاريخ صادقا )    . ولم أجد بد من الذهاب معهم رغم أنفي ، حيث وفى العميد بكل ما التزم به من أخلاقية في المعاملة باعتقالي ، ونقلي بكل احترام الى فرع مخابرات دير الزور العسكري ( شرق الرقة 150كم ) ولم أكن مقيدا في هذه الرحلة ، وكانت معاملتي حسنة ، وفي فرع المخابرات في دير الزور وضعت بالسجن ( انفرادي ) ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، تم تقييدي ونقلي من سجن المخابرات العسكرية بدير الزور إلى السجن العسكري بدير الزور ، حيث بدأت رحلة    العذاب والسياحة المجانية في السجون والنظارات السورية ، حيث قطعت 1500كم وزرت أكثر من 12 سجنا ونظارة ، كلها أشبه بزرائب حيوانات ، بل زرائب الحيوانات أفضل منها . مليئة بالفساد والقذارة والوسخ بلا نوافذ ، وبلا تهوية ، مقيد بالسلاسل كحيوان ، كنت مذلا مهانا ، حتى أنهم عروني من ملابسي كاملة في أحد سجون دمشق ( قلب العروبة النابض ؟؟ !!

س: هل حقا قمت بسياحة في العديد من المعتقلات، وهل لك أن تصف كل منها على حدة؟

 ج: نعم يا صديقي لقد قمت بسياحة مجانية على حساب دافع الضريبة ذلك المواطن السوري البسيط   في طول سجون البلاد وعرضها ، من أقصى الشرق إلى أقصى الشمال ، إلى الوسط والجنوب ، اثني عشر سجنا ونظارة أغلبها تحت الأرض مليئة بالأوساخ ، والفاسدين من السجانين ، وكلها تمارس التعذيب والضرب والإهانات ، وكنا نربط في سلاسل خلف بعضنا بعضا ونجر كالبهائم ووصل الأمر أحد المرات أن ربطنا أكثر من ثلاثين شخصا بسلسلة واحدة ، سجون لا تتوفر بها أي من الشروط الصحية والإنسانية ، وأسوأها سجن فرع فلسطين ( تحت الأرض ) لا تعرف الليل من النهار ، غرفة صغيرة حوالي عشرة أمتار مريعة زج بها بأكثر من خمسين معتقلا من مختلف التيارات ، لا مكان للجلوس أو النوم ، وقفت أربعة أو خمسة أيام طوال الليل لأنه لا مكان لنومي أو جلوسي   . كان معنا من القاعدة وجند الشام وغيرهم  ، في سجن القابون العسكري تم تعريتي من ملابسي أمام حوالي الأربعين إلى خمسين شخصا   ، السجون كلها متشابهة في السوء ، وكلها تستخدم الضرب والتعذيب الإهانات للسجناء ولا فرق بالسن أو نوع التهمة ، ولا فرق بين مجرم أو كاتب أو مثقف . الوصف على حدة يتطلب لوحده كتاب من مئة صفحة ، ولكن زرت سجون ونظارات هي إن لم تخذلني الذاكرة   ( سجن المخابرات العسكرية في در الزور - - السجن العسكري بدير الزور –  نظارة الشرطة العسكرية بالرقة  -- نظارة المحكمة العسكرية بالرقة   -- السجن العسكري بحلب – نظارة المحكمة العسكرية بحلب – السجن العسكري في ادلب وحماة مرور – سجن البالوني في حمص وهو أقذرها من حيث النظافة – نظارة الشرطة العسكرية بدمشق – نظارة القضاء العسكري بدمشق – سجن فرع فلسطين السيئ الصيت والمعروف للسوريين ، واسمه يثير الهلع في النفوس ، السجن العسكري قي القابون – سجن الرقة المركزي   وهو الوحيد الذي رأيت الشمس فيه ، وكانت معاملتي فيه حسنة بالمقارنة بباقي السجون . المسافة التي قطعتها في الرحلة المجانية السياحية كانت 1500 كم  ، وسيلة النقل كانت شاحنات الزيل المصندقة على شكل سجن ، النتائج الصحية الأولى هي أني لم أعد أستطيع الوقوف منتصبا من شدة الديسك وآلامه التي حركها بقوة النقل الحيواني لي بالشاحنات التي تقفز على الطرقات ، ولا زلت أتعالج لليوم من آلام الديسك . ولم أعد أستطيع أن اردد مع مارسيل خليفة   أغنية منتصب القامة أمشي  ، لأنه لم تعد لي قامة منتصبة بالمعنى الفيزولوجي الصحي ، ولكن كرامتنا ستبقى عالية عالية جدا بعلو صراخ السجناء المعتقلين من آلام التعذيب .
 
س: كم مجموع ما قضيت في السجن؟

 ج: الاعتقال الأخير  كان ستة اشهر وبضعة أيام ، أما مجوع ما قضين في السجون لأسباب تتعلق بالرأي تقارب السنة ، وهي مدة قليلة مقارنة بما قضاه مناضل كبير مثل المناضل عمر قشاش أبو عبدو شيخ مناضلي الساحة الوطنية السورية (عشرين سنة سجن) ، أتوجه له بالتحية عبر هذا الحوار ، له ولكل المظلومين وضحايا القمع والعسف للشمولية القومية الشوفينية البشعة .   
 
 س: باعتبارك ليس مجرم جنائي، ألم يؤخذ بالحسبان اعتبارك مثقف ومرب، متوسط في السن وسلمية دعواك فلماذا كبلت بالقيد وضربت؟  

ج :  لا لم يفعلوا ذلك ، لأنهم أصلا لا يحترمون إنسانية الإنسان فكيف يحترمون ما يسمى ثقافته أو سنه أو نوعية الجرم المسند له ، عقلية الجلاد لا ترى إلا المتعة في إهانة الضحية ،  كلنا تحت البسطار سواء ، وهذا الشيء الوحيد الذي لا يميز بين سجين وسجين . فقط اريد أن أوضح أنه اللي معو يدفع له معاملة خاصة !
 
 س: هل لك أن تصف العيش داخل السجن من حيث الأثاث والنوم والأكل والشرب والحرية الشخصية والنظافة وما شابه؟

 ج: لكل سجن ونظارة في سوريا مواصفات تختلف عن الأخرى من حيث البناء ، وإدارة السجن ، مثلا المعاملة سيئة في سجن القابون العسكري ، ولكن الطعام أفضل من باقي السجون . التدخين ممنوع في هذا السجن أو ذاك ولكنه يباع مثلا في سجن البالوني العسكري بحمص وسجن حلب العسكري .
 أثاث لا يوجد النوم على الأرض مع وجود بطانية قذرة جدا لكل واحد . الحرية الشخصية صفر بالمئة ، لا حمامات ولا تهوية ولا تشميس ، ولكن الأمر مختلف في السجون المركزية التي تتيع وزارة الداخلية ، حيث تتوفر الزيارة وساعتين تنفس ، مع وجود هواتف في السجن ، وزيارات أسبوعية لأفراد الأسرة ، يعني عند وصولي إلى السجن المركزي في الرقة رأيت الشمس لأول مرة بعد خمسة عشر يوما ، وتحدثت بالهاتف مع أفراد أسرتي ( وهنا أشكر الأخوة طالب الجاسم ونجم هلال اللذان كانا معي في السجن وساهما بنقلي من جناح المخدرات إلى جناح مرتب وأهدأ ومشاكله أقل ، وكذلك أشكر العميد ملاحفجي مدير السجن ، ومعاونه العقيد إبراهيم حلبي على حسن المعاملة ) ولكن السجون المركزية مليئة بالعصابات والمافيات والفساد بشكل عام ، وهناك عمليات عصيان دائم ، ويضرب السجناء أنفسهم وبعضهم البعض بالشفرات . وهناك معاملة خاصة وزيارات خاصة ويومية للمدعومين و( الدفيعة ) .
 النظافة في السجون المركزية مدفوعة الأجر ، حيث تدفع كل غرفة مبلغ خمسين ليرة أسبوعيا لقاء تنظيف الممرات والباحات ، والسجناء الفقراء يعملون بأجر متواضع عند السجناء ميسوري الحال وهلم جرا . فقط أقول إذا قورن السجن المركزي التابع لوزارة الداخلية السورية بسجن فرع فلسطين التابع للمخابرات العسكرية ، يمكن القول أنه انتقال إلى مكان مستواه أكثر إنسانية بكل المعايير ، أي انتقال من مرحلة المعاملة الحيوانية إلى مرحلة معاملة المجرم وهي مزية في سوريا أن تعامل كمجرم ؟؟ !!  الطعام بشكل عام رديء ومنهم من لا يقدم الطعام أصلا مثل سجن حلب العسكري لا يقدم طعاما بل يبيع الدخان والصندويش والشاي للسجناء ، والسجناء يكونون سعداء لتوفر الدخان .. ولاتهم نوعية الأطعمة .
 
 س: هل لك أن تصف النزلاء الآخرين في كل من هذه المعتقلات؟

 ج:   النزلاء الذين التقيت بهم مختلفين منهم جنائيين ومنهم سياسيين ومنهم أمنيين ، ومنهم حثالة ( لصوص صغار أو مغتصبين أو قتلة لأسباب وضيعة.
 في فرع فلسطين التقيت بزعيم تنظيم القاعدة في بلاد الشام ورفاقه وهو شاب عمره 36 سنة من حلب – دارة عزة وهو من أصدقاء الزرقاوي وكان نمرا وقويا واسمه أبو إبراهيم وعلى عكسهم كان جند الشام صبية صغار ضعاف الشخصية هادئون جدا ، جماعة القاعدة كانوا شرسين ولونهم تحول إلى الأصفر لطول مكوثهم في السجن تحت الأرض أكثر من ستة أشهر يوم شاهدتهم ، وهناك شباب متدين رائع ومتفهم وقابل للحوار مثل المهندس هشام الشيخ من منطقة مسكنة التابعة لمحافظة حلب ، قلت لزعيم القاعدة في سوريا السيد أبو إبراهيم بأني أرغب بحوار معك بعد خروجك من السجن ، فرد علي أنه لا يجري حوارا مع كافر ؟! ومع ذلك قدم لي الشاي ثلاث مرات . وهناك نماذج كثيرة وما لفت انتباهي هو نسبة الشباب في السجون التي زرتها ، وانتشار جرائم السلب بالعنف ، والاغتصاب في سوريا ، والسرقة والاتجار بالعملة المزورة والآثار وهي جرائم لم تكن معروفة سابقا في سوريا ، وأقصد هنا على نطاق واسع كما هي الآن .

 س: نسمع عن سجن أبو غريب الأهوال، لكنها سجون احتلال، فكيف عوملت في السجن الوطني قياسا؟

ج:   ما بتفرق خي علي ، الله وكيلك كلها غوانتانامو وأبو غريب ، والله التعذيب في بعضها الوطني هو أسوأ من سجون الإحتلال الأمريكي البغيض للعراق . يا سيدي تم تقييدي رغم أني مسالم وغير عدواني ومريض بالديسك والقلب ، وفوقها تم تعريتي من ملابسي بشكل تام في إحداها ، ونحمد الله أن السجانون هم سوريون أخوة لنا وليسوا أمريكان ( يعني ما بنحل عليهم ) .
 
 س: هل يعرف العالم الخارجي عما يجري داخل السجون وهل تزوركم منظمات حقوق الإنسان المحلية أو الدولية، وماذا قدمت لكم؟

ج: لا أبدا ، لا أحد يزورنا لأنه لا يسمح لهم ، ولم تقدم لنا شيئا لأننا نكرات بالنسبة لهم ، لا أحد يعرف ما يجري داخل السجون السرية للمخابرات ، وما يجري مرعب ، يا أخي لقد اخترعوا بساط الريح وكل سجين هو سندباد عليه تطير روحه من الألم ليس في المعتقلات فقط بل حتى في مخافر الشرطة العادية .
 يا أخي أخبرني عبد العزيز الجراح وهو محكوم بالإعدام أن الشرطة الجنائية وضعت أمه على بساط الريح وأكلت ضربا مبرحا فقدت معه عقلها وهي امرأة مسنة ، وهي تبول وتخرا تحتها وتدور في الشوارع . لقد جنة من متعة الطيران على بساط الريح السوري ( صنع في سوريا البعثية حصريا ) .  
بساط الريح يتألف من قطعتين من الخشب لها ثقوب وفيها حبال تشبه إلى حد ما الصليب يربط المعذب عليها من يديه ورجليه وتطوى عليه بحيث تصبح قدماه فوق رأسه وهو ممدد ويشد بالحبل ، ثم تبدأ حفلة الفلق بكبل الرباعي ورش الماء البارد ، ومعزوفة الألم التي تخترق السماء وهي تنادي الله وملائكته وكتبه ورسله , وتطلب الرحمة من الجلاد الوحش وتستصرخه بعرضه وأمه وأبيه وأولاده ولكنه يستمر بالضرب والشتم البذيء جدا ، يغمى على المعذب مرات ومرات ، ويبدأ بالاعتراف بقتل هابيل وقابيل وانه الأفعى التي أنزلت ادم للأرض وأنه شارك في قتل الحريري والإمام الحسين وووووووووووو الخ ونعتذر عن الإكمال هنا .
 يقال أنك تجاوزت الخطوط والدوائر الحمراء المرسومة حول أعناق السوريين، فهل لك أن تصف هذه الخطوط من حيث العرض والطول؟
 
 س : قيل أنك تحرر صحيفة معادية ولديك مشاريع تخريبية توهن بها عزيمة الأمة وتنال من هيبة الدولة وسمعتها بافتراض انه مازالت لها سمعة، فمن يمولك من الخارج؟

ج: الذي يسرق ويجلد الناس ويسجنهم هو من أوهن عزيمة الأمة ، نعم كان لدي مشروع يقول سوريا أولا وطن خال من الفساد والاستبداد.مع احترام كامل حقوق السوريين من مختلف الأعراق والطوائف بدا من السنة وانتهاء باليزيدية ، مرورا بالعرب وانتهاء بالآشوريين السريان والكلدانوالارمن والكرد والتركمان وووووووو
من يمولني ؟ أنت أخ علي ما رأيك بالجواب ؟ أنا راتبي 300دولار شهريا قبل أن تكف يدي عن العمل   وموقع سوريون لم يكن يكلف خلال سنة أكثر من 330 دولار ، أي راتب شهر في سنة وجميع كتابه متطوعون ومجانا .. موقع سوريون كان صوت السوريين الأحرار بدون تميز في العرق واللون والدين والمذهب  . موقع سوريون كان موقعا وطنيا حرا مستقلا بامتياز .

س: تقول بعض المتفرجين ممن تمكنا من سؤالهم أنك ثري وتكاد تمارس مهنة التعليم ترفا، فما هي مصادرك المالية وما هي أملاكك؟

ج: الحمد لله صيت غنى ولا صيت فقر ، وماهو الترف الذي أعيشه وأنا واقف على قدمي طوال اليوم بدون غياب وتهرب من العمل .. كم من مدعي المعارضة مستفيد ومتبطر من هذه الجهة أو تلك ، هناك أناس ليس لهم سوى الأذية لأن الأذية من طباع العقرب ، أملك شقة أعيش فيها مع زوجتي وأولادي  
لا مصدر مالي لي سوى راتبي المتوقف خلافا للقانون ، أنا رجل شفاف يدي نظيفة وقلبي ابيض وليس عندي ما أخفيه .
زوجتي مدرسة وعندي طفلان أحدهم طالب في كلية الطب سنة ثانية متفوق دراسيا ، أنا واضح كالشمس صاف وعذب كالحقيقة .

 س: قال لنا عاملون في مؤسسة ترعاها السلطة وتنشط في الحقل الحقوقي أنك قبضت مرتباتك عن كامل فترة قعودك في السجن دون أن تبذل جهد ولا عناء، فكم المبلغ الذي استلمته؟

ج: لو كان هذا الكلام صحيحا لماذا أقيم دعوى على الدولة يتولى الدفاع عني فيها الأستاذ عبد الخليل عضو جمعية حقوق الإنسان في سوريا ومدينتي الرقة صغيرة هي ليست نيويورك أو طوكيو أو حتى القاهرة وكل الناس تعرف بعضها ( وهاي حلب وهذا الذراع ) وتعالوا لنقيس من هو الكاذب هنا . رقم الدعوى أصبح الآن بعد تدوير الدعاوى هو / 62 / لعام 2007 م أمام محكمة البداية العمالية بالرقة وجلستها القادمة ستكون في 26 / 2 / 2007 م .

 س: إلى أي تيار سياسي تنتم، أو كيف تصنف نفسك سياسيا؟

ج: ليس لي حزبا سياسيا أنا مستقل ، وكما قلت سابقا متخرج من أكاديمية اليسار السوري بعجره وبجره . أنا سياسيا ديمقراطي حر ومستقل ميال إلى اليسار مع ليبرالية اقتصادية ، أحلم أن تكون سوريا هي سويد الشرق الأوسط .

س: هل أنت فعلا متعال على أهل السلطة ولا تصفهم بخير مع جلسائك، وتهز العرش بكلماتك التي توهن عزيمة الأمة؟

ج: أنا متعال عليهم صح لأني لم أتلوث بالفساد والمال العام والسرقة وهتك أعراض الناس ولم أجلد أحدا ولم أحمل في يدي قطرة دم مظلوم ، ولم أعتد على أي كان . 
ولكن السلطة أيضا دايرة ظهرها لنا ( وماهي مطنكرة لحدا ) .. الله يرحم الأمة اللي وأحد مثلي بيوهن   عزيمتها ، وهل ترك الظلم والعسف والفساد عند الأمة عزيمة ؟؟!!

 س: لا شك ستنكر أنك أوهنت عزيمة السلطة، لكن هل ستنكر أيضا مساندتك الشعوبيين، وما حقيقةأستكرادك غير المبرر، وقد علمونا منذ الصغر أن الكورد خنجر سامة في خاصرة الأمة؟

ج:   طبعا وإذا بدك أحلف لك على المصحف الشريف بأني ( مالي علاقة لا من قريب ولا بعيد بهذه التي أوهنت عزيمة الأمة ! أما مساندة الشعوبيين فهذه والله عجيبة ، أنا ضد سلب الناس هويتهم ، وتعريبهم بالصرماية ، يا أخي أنا إنسان أولا وسوري من أصل عربي ثانيا   . ولا أقبل أن يظلم كائن من كان على وجه الأرض ، ناصرت الأرمن ، وجدي لأمي التركي ناصر الأمن وحماهم وهم كتبوا عنهم في تاريخهم  جدي التركي السني كان إنسانيا ، وجدي لأبي العربي والذي يدعي أنه من أحفاد المهلب بن أبي صفرة ومن متقدمي قبيلة المهالبة زوج ابنته لكردي من الجزيرة .
أنا أناصر الشعب الكوردي لأن الكرة الأرضية تتسع لنا ولهم ، ومحدا أحسن من حدا ، ولهم حق تقرير المصير مثلهم مثل الشعب الفلسطيني . أنا مع حق الأرمني والسرياني والتركماني واليزيدي والصابيء   وووو كل خلق الله . 
أما مقولة أن الأكراد خنجر سام في ظهر الأمة ، هو كلام فارغ ومن منطق عنصري شوفيني ، أليست العروبة هي من تأمر على الدولة العثمانية السنية ( خلافة ) ؟ من أحضر الإنكليز إلى غرف نومنا أليست الثورة العربية المباركة عام 1916 م   ، من أعترف وصنع إسرائيل ؟ أليس من فعل ذلك هم الأنظمة العربية العتيدة من مصر إلى سودان نميري ومغرب الحسن وموريتانيا والسعودية والأردن ودول الخليج وعلى رأسها دولة ابن سعود ( وكأن الناس لم يقرأوا مدن الملح ).
يا أخي علي عندما يخرج العرب الخازوق الإسرائيلي الأمريكي من قفاهم عند ذاك إن كان هناك خنجر تركي أو كردي أو فارسي ، أنا أتعهد بنزعه لوحدي   ! هذا إن وجد الخنجر أصلا . لا يعقل أن تهضم حقوق شعب ونرفض نصرته بأضعف الإيمان بالكلام . لا أحد مستكرد ولن نقبل تعريب أحد وإلغائه عنوة . 
الشوفينية العربية مرض سرطاني مخيف ، الشوفينية والفاشية إن اجتمعتا جرتا المنطقة للهلاك . للكرد حقوق واللي مو عاجبو يروح يحرث جبال آجري الكردستانية .

س: ما هو حجم الأضرار النفسية والاجتماعية وانعكاسها على أسرتك وصحبك؟

ج: كبيرة وندفع ثمن مواقفنا ، الوضع المادي خلق إشكالا عائليا مع الزوجة والأولاد ، ونحن نعيش خوف الاعتقال في لحظة وموقف نقوله .. الأصحاب أكثرهم من أصحاب نظرية أبعد عن الشر وغني له ، الناس بدها تعيش وما بدها وجع رأس ( هكذا يقولون ) .
 نفسيتي عصبية واعاني من قلة النوم والارهاق الدائم . ونعتمد على الله وحده وبعض الأصدقاء الذين صاروا قلة والحمد لله .

 س: وماذا عن الدائرة الأوسع، الزملاء والأصدقاء، هل صرت مرضا معديا يتحاشاه محبو الهدوء والسكينة؟

ج: الزملاء لم يزرن أحد ؟ ممن يعملون معي ، والبعثيون لم يعودوا يكلموني حتى على الهاتف ، والناس مصالح وصارت الروح الانتهازية وفكرة الخلاص الفردي هم أوساط كبيرة من المجتمع السوري . لقد نجح الفساد والاستبداد في تفكيك العلاقات الإنسانية والمجتمعية ، بل فكك العائلة نفسها .

س: من سيصاحب مثلك..! أنت "خريج حبوس"، وراءك المصائب، فكيف ينظر لك اجتماعيا بعد خروجك من السجن، وهل يلام من هجرك من الأصحاب وكل يبحث عن النجاة؟؟

ج : كثير مثلي خريجي حبوس والطيور على اشكالها تقع . كلا لا ألوم أحد لهجري ، الناس تخاف ونحن كذلك نخاف . اجتماعيا ينظر الناس لي من خلال موقعهم السياسي  ، لم أفعل شيئا أخجل منه أو أندم عليه ، والناس أحرار في حياتها وخياراتها .

  س: ما تفسيرك لهذه المفارقة والتي تنفرد فيها سوريا عن سواها،   فصارت سجون النظام السورية تضاهي جامعاته بالكوادر والكفاءات والمثقفين المسالمين مثل حسيبة عبد الرحمن وعارف دليلة وفاتح جاموس وعبد العزيز الخير ورياض سيف ونزار نيوف ولن أتمكن من سرد القائمة، فما الذي يخيف الاستبداد من هؤلاء وهم مسالمين؟

ج:   ربما السبب من اجل تحديث وتطوير السجون في البلد ، وتحسين نماذج السجناء ونوعيتهم   .. ربما . 
لا أعرف سببا واحدا يخيف النظام من هؤلاء سوى أخلاقهم الرفيعة والعالية ، تحية لهم والحرية للدكتور عارف دليلة ولكل سجناء الرأي في سوريا .

س: هل تراجعت وأبديت ندما وتبت توبة نصوحا "وما عاد تكررها" وماعاد تجيب سيرة النظام غير بالمدح أم أن من شب على شيء شاب عليه؟

ج: لا ..لا أبدا ، لم أفعل شيئا أندم عليه والحمد لله ، وأنا لن أمدح النظام ولا أي مسؤول إلا عندما يأخذ موقفا صحيحا حين ذاك ننطلق من عقل وقلب مفتوح . لست من محبذي موائد السلا طين وجلسائهم .
______________________






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1515