اللجوء السوري بنسخته الكُردية*
التاريخ: الخميس 07 اذار 2013
الموضوع: اخبار



حسين جلبي

تعتبر المنطقة الكُردية السورية من الأمكنة التي تُحير المرء، فهي تكاد تكون المنطقة السورية الوحيدة المعادية للنظام التي لم تقع فيها حرب متواصلة مثل تلك التي تُشن على باقي سوريا، إذ لا قصف للطيران عليها، أو للدبابات أو المدافع، و مع ذلك تبدو منطقة منكوبة. و هي منطقة لم تصبها كارثة طبيعية، إذ لا تسونامي و لا جفاف أو زلزال أو حتى بركان، و مع ذلك لا يجد سُكانها رغيف الخبز بسهولة رغم أن منطقتهم زراعية تسمى سلة غذاء سوريا. و هي منطقة تعيش على بحرٍ من البترول لا زال  يدر الملايين على النظام، و مع ذلك لا يجد الناس فيها ما يتدفأون عليه أو يطهون عليه طعامهم (هذا إذا وجد هو قابلٌ للطهي أصلاً)، كما أن هؤلاء يعيشون في ظلامٍ دامس و معزولون عن العالم رغم أن شبكتي الكهرباء و الهاتف غير متضررتين. و هي منطقة تتواجد فيها المدارس و المعلمون و الطلاب بكثرة، و مع ذلك أصبح التعليم من الماضي، فقد أغلقت معظم المدارس أبوابها.


و فوق كل ذلك يهرب منها الناس ليستبدلوا الشئ الوحيد الذي بقي لهم، سقوف بيوتهم و حيطانها، بخيمٍ لا تقي من حر الصيف و قر الشتاء، رغم ما يُقال عن تحرير منطقتهم من سلطة النظام.
قضية اللجوء في المناطق الكُردية السورية إذاً هي من تداعيات الثورة التي تثير الإستغراب، ففي الوقت الذي نزح فيه الكثير من السوريين جراء الحرب الشعواء التي يشنها النظام عليهم إلى تلك المناطق التي كانت تشهد بإستثناء مدينة (سريه كانْيه) هدوءاً نسبياً، نجد بأن عشرات الآلاف من أبناء المنطقة يغادرونها صوب إقليم كُردستان للعيش هناك في خيمٍ لا تتوافر فيها مقومات العيش الكريم، فما الذي يجدهُ بقية السوريين في تلك المناطق ليلتجأوا إليها، في حين لا يجد تلك الأشياء ذاتها أهلها أنفسهم. 
و هنا فإن ثمة من يقول متذمراً: إن أوضاع اللاجئين العرب السوريين في الدول المجاورة لسوريا، مقارنة بأوضاع الكُرد السوريين في إقليم كُردستان ـ و هو المركز الرئيس الذي إستقطب هؤلاء اللاجئين ـ هي على خير ما يرام، فالأولون يتلقون الدعم و الإغاثة بجميع صورها و من كل حدبٍ و صوب، بالإضافة إلى أن هناك مواد إغاثية تدخل إلى المناطق العربية المحررة أو حتى تلك التي تنوء تحت الحصار و القصف. ثم ينهال ذلك البعض المُتذمر بالشتائم على الدول و المنظمات لتجاهلها الكُرد و التمييز ضدهم، و لكونها لا تقوم بعمليلت إغاثة في المناطق الكُردية أسوةً بالعربية، حيثُ أصبحت الأولى بسبب فقدان المواد الأساسية و غلاء المتوافر منها مناطق منكوبة.
و الواقع أن الحاجة إلى اللجوء و كذلك الإغاثة تنشأ حسب المعايير المحلية و الدولية عندما تكون هناك خطورة على حياة الإنسان أو حريته، و من المعلوم أن اللاجئ الذي تكون حياته أو حريته عُرضةً للخطر يضطرُ أحياناً إلى الركض حتى في حقول الألغام للنجاة بنفسه، و قد يتعرض للملاحقة و حتى إطلاق النار من الجهة التي تلاحقه، كما شهدنا مراراً و تكراراً عند الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا أثناء فرار أهلنا أمام قوات النظام الأسدي.
لكن الأمر يبدو في المناطق الكُردية السورية و كأن هناك من حول قضية اللجوء بمعناها الإنساني المعروف و كحاجة إستثنائية طارئة إلى عملية تجارية رخيصة جداً، فأفرغها من محتواها و أساء لها عندما جيرها لخدمة أجنداته البعيدة كل البعد عن إنقاذ حياة البشر و حرياتهم، و ذلك عندما إستغل ظروف أناسٍ يتواجد بعضهم فعلاً في مأزقٍ كان بعضه من تخطيط الجهة ذاتها التي تستفيد من تصعيد قضية اللجوء حتى و إن أدت إلى تفريغ المنطقة من سكانها.
فاللجوء في المنطقة الكُردية هو في مُعظمه مُجرد رحلات روتينية تتم في وضح النهار، حصرياً على الحافلات العائدة لجهة حزبية ما، و ذلك على الخط الذي يربط جميع نواحي المنطقة بنقاط العبور إلى إقليم كُردستان، و يدفع اللاجئ المُفترض ألفي ليرة سورية أو أكثر لتلك الجهة حتى تتركه يخرج مما يُفترض إنه منطقة خطر عليه، و تحت طائلة عدم السماح له بالمغادرة في حالة عدم الدفع، و يمكن لهذا اللاجئ العودة في اليوم التالي إذا لم تعجبه الرحلة أو المُقام في موطن اللجوء أو لم يلقَ عملاً فيه، و ذلك بعد دفع المعلوم مرة ً أخرى  للجهة ذاتها، مع ضرورة إستعمال وسائل مواصلاتها حصراً، كل ذلك دون أن يتعرض لأية مُلاحقة من الجهة التي من المفترض أنهُ فر من ملاحقتها.
و السؤال الذي يطرحُ نفسهُ هنا هو: هل شاهد أحدٌ ما، قوةً ما، مثل الجيش الحُر أو أية مُنظمة أُخرى عسكرية أو مدنية و هي تعترض طريق الفارين من المناطق العربية، إلى تركيا أو غيرها من الدول المجاورة، لتطالبهم بالمال مقابل السماح لهم بعبور الحدود السورية تحت طائلة عدم السماح لهم بتجاوز تلك الحدود في حالة عدم الدفع؟ أم كان أفراد الجيش الحُر يقومون في مثل تلك الحالات بتأمين الناس و مساعدتهم على الخروج من مناطق الخطر، مُعرضين حيواتهم للخطر في أحايين كثيرة. كان الأمر على هذه الشاكلة أيضاً أثناء الهجرة المليونية للكُرد العراقيين إلى تركيا في تسعينيات القرن الماضي، إذ لم تعترض قوات البشمركة وقتها الهاربين الكُرد لتطالبهم بألفي دينار لتركهم يتابعون عبور الحدود إلى تركيا، لقد كانت تلك القوات بين الناس تساعد الضعفاء منهم على الوصول، و حتى أثناء العودة، لم يسمع أحدٌ أو يشاهد أن البشمركة قد إفتتحوا شركة نقليات، إحتكروا إعادة الناس إلى بيوتهم على عرباتها!؟
هناك مسألةٌ أُخرى في غاية الأهمية، ألا و هي عدم منح صفة لاجئين للكُرد السوريين من سكان مخيمات اللجوء في كُردستان العراق، و قد ساهم ذلك في حرمانهم من الرعاية الدولية التي يتمتع بها اللاجئون، إضافةً إلى أنهم يُلاقون صعوبات أصلاً من التمتع بضيافة (الأخ لأخيه)، بعد أن أصبحوا عبئاً ثقيلاً على الأقليم و نافذةً لإستنزافه بأشكال شتى أقلها السياسي، هذه الصورة المرتبكة، الغامضة لتواجد هؤلاء في إقليم كُردستان ساهمت في إلحاق المزيد من الأذى بهم بما لا يُقارن بأوضاعهم في سوريا، و ساهمت كذلك في عدم وضعهم على أجندة المنظمات الدولية التي ترعى شؤون اللاجئين، و حتى في الزيارة اليتيمة لسفيرة النوايا الحسنة السيدة (إنجلينا جولي) إلى تلك المخيمات وجدنا اللاجئين و قد نجحوا أيما نجاح في إبراز فولكلورهم و ثقافتهم و عاداتهم الإجتماعية، إضافةً إلى رضاهم بالأوضاع هناك و إمتنانهم لسلطات الإقليم، لكن الشئ الوحيد الذي فشلوا في تقديمه، أو حتى لم يرغبوا في إظهاره هي أوضاعهم الإنسانية السيئة جداً، و إحتياجاتهم.
حسين جلبي
* المقال منشور في الشبكة العربية العالمية، و العدد الأخير من القلم الجديد (بينوسا نو) الصادرة عن رابطة الكُتاب و الصحفيين الكُرد.








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=15149