ثقافة الاستبداد لا تسقط معه
التاريخ: الخميس 07 شباط 2013
الموضوع: اخبار



حيدر عمر  

في الوقت الذي يزور مدينة رأس العين/سرى كانيي وفد مفوض من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة السورية برئاسة الشخصية الوطنية المستقلة ميشيل كيلو لإجراء حوار مع الهيئة الكردية العليا بُغية تهدئة الوضع المتأزم في المدينة، و إيجاد مخرج منه،يخرج على الملأ المجلس العسكري الثوري في محافظة الحسكة  ببيان أقل ما يمكن أن يُقال عنه إنه بيان استفزاوي، من شأنه أن يجعل الوضع أكثر تأزماً، علاوة على أنه يحمل نفساً استبدادياً يسعى المجلس العسكري من خلاله إلى الاستئسار بالمدينة، و تطويبها باسمه متجاوزاً في ذلك حتى الائتلاف الوطني السوري الذي هو، حسبما جاء في البند الأول من البيان "الجهة المعنية الوحيدة لإدارة البلاد سياسياً و إدارياً".


و مع إقراره بكون الائتلاف هو المعني بإدارة البلاد، فإن ما يلي ذلك من بنود أوشروط تتناقض كلها مع هذا الإقرار، فهو يذهب في البند الثاني إلى أن " الجيش الحر هو الممثل الشرعي لمدينة رأس العين و ريفها  ممثلاً بالمجلس العسكري"، دون أن يعرف الناس أي جيش حر هو المعني. فمن المعروف أولاً أن الكل، بمن فيهم الائتلاف و المجلس الوطني السوري الذي هو أحد أكبر مكونات الائتلاف، و كذلك الجيش الحر نفسه، قالوا و كرروا مراراً إن ما هو موجود في رأس العين و يثير القلاقل فيها ممن يسمي نفسه بـ(الجيش الحر) لا يمت إلى الجيش الحر بصلة، بالإضافة إلى أن ما أصبح معروفاً لدى السوريين، و لدى الثوريين الذين يتصدون لقوات النظام المجهزة بأعتى الأسلحة بصدورهم العارية، هو أنه ليس هناك جيش حر واحد، بل ثمة جيوش، فعن أي جيش حر يتحدث البيان؟ وإلى أي منهم ينتمي المجلس العسكري الثوري في محافظة الحسكة؟
و يذهب البيان إلى أن هذا الجيش الحر، الذي لم نعد نعرف أياً هو من تلك الجيوش، "هو المسؤول عن المعبر الحدودي بصفته الممثل الشرعي للمدينة"، مما يدعونا إلى التساؤل عن مصدر شرعيته، من أين استقى هذه الشرعية، التي جعلها وقفاً عليه مستبعداً أبناء المدينة و ريفها من ضرورة مراقبة المعبر الذى عبرت منه جبهة النصرة و غرباء الشام و غيرهما من الكتائب التي لا تخفي ارتباطها بتنظيم القاعدة، و يحمل أفرادها على صدورهم و رؤوسهم شارة تنظيم القاعدة، و التي لا يخلو صفوفها من الجهاديين القادمين من العراق و ليبيا و أفغنانستان و غيرها،و هي الكتائب نفسها التي تبرأ منها الجيش الحر كما جاء على لسان قادته من مثل العقيد الأسعد و العقيد مالك الكردي و كذلك المجلس الوطني السوري. ثم كيف يمكن لأهالي المدينة أن يطمئنّوا لأمثال هؤلاء مراقبين و حراساً للمعبر، في الوقت الذي هم يستوردون من خلاله الساعين إلى الجنة مروراً بالدم السوري؟.
إن أخطر ما في البيان هو لغته و الجهة التي أصدرته. فمن حيث اللغة، هو بيان تهديد مفعم بالغطرسة، و من حيث الصدور، فهو صادر عن جهة عسكرية، من المفترض أنها تعرف الأصول الديمقراطية التي يدعي أصحاب البيان أنهم يقاتلون من أجلها. إن الديمقراطية أينما كانت تقتضي أن تتلقى الجهات العسكرية أوامر و تعليمات القيادات السياسية، و ليس العكس. إلا أن أصحاب البيان تجاوزوا هذا الأمر، ليس عن عدم معرفة، بل تعمُّداً. أقول تعمُّداً لأنهم إلى الأمس القريب كانوا خاضعين أذلاء لقيادات النظام و أجهزته الأمنية، و لم يكن أحدهم، على الرغم من رتبته التي تزين كتفيه و نياشينه التي تتدلى من صدره،  يجرؤ على رفض أوامر عريف في أية جهة أمنية، بل كان يقف أمامه باستعداد، و لم يكن يجرؤ على الارتخاء إلا بأمر منه. و أقول تعمُّداً، لأنهم في مستهل بيانهم، في البند الأول منه أقروا بكون " الائتلاف الوطني السوري" معنياً بإدارة البلاد سياسياً و إدارياً. أي أنهم يقرون بالقيادة للائتلاف، و هو جهة سياسية تقود القوي العسكرية في الأنظمة الديمقراطيه.
إن أصحاب البيان، على الرغم مما يدعون من حيث أنهم ثائرون على الاستبداد، يمارسون الاستبداد نفسه الذي هم كانوا ضحاياه قبل غيرهم، إنهم يمارسون الاستبداد قبل أن تصير الأمور في أيديهم، و تؤول إليهم حكومة البلاد. تُرى كيف سيديرون البلاد إن صاروا حكاماً؟!
و يُظهر البيان مدى النفس العنصري الذي يحمله أصحابه حين يذهب إلى منع رفع أي علم في مدينة رأس العين  سوى علم الاستقلال، و هو يقصد العلم الكردي الذي يتقدم المظاهرات الكردية منذ أول أيام الثورة، مشرعاً الباب أمام إحداث فتنة بين المكونات الأثنية للمدينة أولاً، و بين الكرد و العرب لاحقاً، لأن أصحاب البيان يدركون تماماً مدى تعلق الكرد بعلمهم الذي يرمز إلى وجودهم.
 إن ثقافة الاستبداد لا تسقط مع سقوط الاستبداد، بل تظل متعششة في العقول ردحاً من الزمن ، يطول و يقصر تبعاً لنشاط القوى المدنية و الديمقراطية، كلما كانت قوى المجتمع المدني و الديمقراطي أسرع إلى تجفيف منابع الاستبداد، كلما قصَّرت بذلك من عمر ثقافة الاستبداد، و إلا فإن تلاميذ الانقلابات العسكرية، الذين كانوا مغلوبين على أمورهم، و اعتادوا الخضوع لا بد أن يبحثوا عن متنفَّس لما يعانونه من كبت لازمهم سنين طوالاً، و ذلك عن طريق الاستبداد بالآخرين، وفق ما هو معرف عن تقليد المغلوب ثقافة الغالب،  و هذا البيان بمضمونه و شكله المنشور تحت صورة تجمع ضباطاً تلمع النجوم على أكتافهم، و النياشين على صدورهم في ظرف ثوري عابر للرتب، يحمل مؤشِّرات لجدولة ما ثار السوريون علية.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=14977