يوميات الحصار
التاريخ: الثلاثاء 25 كانون الأول 2012
الموضوع: اخبار



صبري رسول

اقترح أحد الأصدقاء كتابة يوميات الحصار
بما أن الحياة تتجه نحو الكارثة في الجزيرة
حيث الحصار يضرب بمخالبه في تفاصيل الحياة اليومية
النص الخاص بهذا اليوم أصبح جاهزاً تقريبا
لكن الكهربا لا تترك لك الفرصة للتنفّس
فلم نرَ الكهرباء إلا نصف ساعة منذ يومين
سأترك أصدقائي حتى يأتينا تيار الكهربائي التعيس


يوميات الحصار(1) الأحد 23/12/2012

وجبة غداء 
ابني (ذات ست سنوات) جائع، طلب مني (حوجك) أكل (سندويتشة)
وبيتنا أصبح كهفاً، لا غاز، لا كهرباء، لا ريحة (دفءٍ) 
ركضت إلى مطعم الشرق، طلبتُ خمس سندويتشات (حوجكات) فلافل. 
قال العامل هناك: راح يطوّل يا أستاذ، بدك تنتظر لأنّ الكهرباء مقطوعة، وقنينة الغاز بـ(3000 ل.س) مافي كمان، عم نجهّز فلافل على (بابور كاز) حتى الكاز مو متوفر يا زلمة!!!
انتظرتُ ساعة ونصف ساعة، لأن نصف سكان الحارة ينتظرون مثلي، فمطابخهم المنزلية أصبحت كمطبخنا، ومطبخ بيتي يشبه أيّ شيءٍ إلا المطبخ، وتشمّ أيّ شيءٍ فيه إلا ريحة الطبخ.
أكلُ الفلال (طعمية بلجهة أهل مصر) نعمةٌ مقارنة بالذين لا يجدون حتى الفلافل.


يوميات الحصار(2) الاثنين 24/12/2012

أمام الفرن
وصلتُ أمام الفرن في الساعة الثالثة والنصف ليلاً، أو لنقل فجراً، هناك طابوران (رتلان) من الرجال، أحدهم من فئة مَنْ يريد الحصول على الخبز بعشرين ليرة، كان عددُ هذا الطابور اثني عشر رجلاً، والآخر من فئة خمسين ليرة، وعددُهم يزيد عن خمسين رجلاً، وجدتُ الرتل الأول أقصر لأرجع مبكراً حيث لدي دوام صباحي في السابعة والربع، وفي الجانب الآخر هناك طابوران للنساء.
انتظرنا ساعة ونصف قبل أن يبدأ الفرن بالعمل، عندما بدأ العمل، كان ضجيج النساء يشبه خلية نحل، ولا أفهم منهن شيئاً. أحياناً يأتي شخصٌ ما، فيدخل الفرن ونحن ننظر إليه بحسرة، وبعد قليل يخرجُ حاملاً ربطة ضخمة من الخبز، تفوح رائحته متسللة إلى أنوفنا، الخبز أنفاس الجوع.
استمرّ الرتل بالاضمحلال لكن ببطءٍ شديد. اقتربنا من الكوّة بعد ساعتين، يفصلني عنها رجلان، فخرج أحد العاملين بجعير هائل معلناً: لم يبقَ الخبز يا ناس. فبدأ الضجيج، وهاج الناس. صاح أحدهم: أنكم لم توزّعوا غير 200 كلغ، أين الباقي؟؟ ردّ أحدهم: إنهم يبيعون نصف حصتهم من الدقيق، الكيس بـ(2500ل.س) يعني خمسة أكياس ب،(12000 ل.س). بعد معركة كلامية بلا فائدة رجعنا نجرُّ أذيال الخيبة، كانت الساعة تشير إلى قرب موعد الدوام.


يوميات الحصار(3) الثلاثاء 25/12/2012


لمبة (كاز)
الشمعات الرفيعة المسكينة لا تمنح ضوءاً كافياً لغرفتي، ولا ننسى أنّها من حيث أسعارها لاتناسبني، فهي ليست بنصف ليرة مثل أيام زمان، بل (دزينتها) بـ(180) ليرة، وكل يوم نحرق دزينة، لجأت إلى مصباح الكاز (لمبة) أيام جدي وكوخه الشبيه بكوخ العم(توم)، تشتغل هذه اللعينة على (الكاز) وبما أن الكاز وأخواته المشتقات من المستحيلات، طلبتُ من جارٍ قديم لي كمية من المازوت، ثم اشتريتُ لتراً من النفط( ما يشبه الكاز) وخلطة الكاز والمازوت مع الملح تفي بالغرض؛ ابتسامات الرضى تراقصت على وجوهنا عندما صارت اللمبة تنثر ضوءها في أرجاء غرفتي التعيسة، وقبل غياب الابتسامة اليتيمة ركضَتْ الفتاة قائلة: بابا ليس لدينا الماء، والخزّان فارغٌ، والمضخة المائية لاتعمل على اللمبة، ((بدها)) كهرباء. 
تحوَّلَت قسماتُ وجهي إلى حجرٍ (خفّان) والابتسامة انتحرت على كآبة وجهي.
http://www.facebook.com/sabrirasol






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=14721