القفا ولعبة الخازوق الكردي
التاريخ: الجمعة 22 حزيران 2012
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

من الصعب على أي كردي ادّعاء أن قفاه، سواء قبل الآن أو في هذه الأيام، أو سيمتد به لاحقاً، قد سلِم  وسيسلم من خازوق" تحفة" يتناسب وقفاه الشخصي والاجتماعي والثقافي والسياسي...، وما يتركَّب عليه قفاه في المكانة، وما يحلم به قفاه من موقع لاحقاً. إنني أنا نفسي لا أستطيع إحصاء الخوازيق التي" أكلتها" بمناسبة وغير مناسبة، إلى درجة أن قفاي اعتاد هذه الخوازيق وهو يحصيها، كما لو أن عبارة تقول بمنطق لا يناقَش: أنت تتخوزق إذاً أنت كردي!


طبعاً، لا يجب أن يُطلق الكلام على عواهنه، حيث إن العلاقة بين القفا والخازوق تاريخية، وتنوعت أشكالها ومراميها لدى كل شعب وفي كل بلد تبعاً لنظامه السياسي، وصيَغ التعامل بين أفراد مجتمعه. تقول القاعدة الخازوقية: بقدر ما يفصح المجتمع عن تخلفه، بقدر ما يؤكد تنامي عدد الخوازيق وبراعة الذين يتفنَّنون في صنعها، كونهم خازوقيين حرفةً!

هنا لا بد من التمييز بين " آكل" الخازوق، ومن يحضّر الخازوق، ومن يسمسر خازوقياً! إذ يسهل ترجمة كل موقف قائم بين اثنين يراوغ فيه أحدهما الآخر، أو مشهد تمثيلي، أو تنويمي، لا يخلو من خداع، على أنه لعبة أقفية وخوازيق!

ولعلّي حين أتحدث بالوضوح الصادم، فلأنني لا أخفي تنوع خوازيقي ذات الدمغة الكردية خصوصاً، وهأنذا أفصّل فيها!

إذاً، لنقرّب الموضوع أكثر، وفي الشأن الكردي:

إن كل تأكيد من قبل الكردي الذي يزعم أن ثمة وعوداً لم يُوفَ بها من قبل صاحب الوعود: الخصم، العدو، يعني في الحال، أنه قد تخوزق، وأنه بدوره عندما ينقل هذه الوعود إلى الساحة الكردية، معلِماً جمهوره، أو من يتابعه من موقع الاهتمام والحرص والتمني، ينقلب إلى مخوزَق ومخوزِق، كما لو أنه يقول: طالما أنني تخوزقت فلأخوزق أيضاً!

ولا بد من الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية خازوقياً، وهي أن الخازوق الكردي ذائع الصيت وتاريخيٌّ منشأ وإنتاجاً، لأن التاريخ الذي وجِد فيه الكردي الحصيف، ومن يعتبر نفسه في موقع المسئولية، حتى لحظة كتابة هذه الكلمة، لم يكن أكثر من سلسلة مفتوحة، ولائحة طويلة ومتفاوتة من الخوازيق: فكل مؤامرة خوزقة، وكل خيانة خوزقة، وكل تسويف خوزقة، وكل
تمسيح جوخ خوزقة، وكل توسل خوزقة، وكل مجاملة في وضع جدّي خوزقة، وكل نفاق خوزقة...الخ.

ويمكن هنا، وببساطة( وآمل أن تتم متابعة التالي بروية وعمق، كوني معايش تجارب خازوقية مختلفة)، أن نلجأ إلى وضع جدول ندرج فيه أنواع الخوازيق، والأقفية التي تناسبها وتتمحور حولها، وبنوع من الترتيب:

السياسي الكردي، حاصل على أكبر قدر ممكن من الخوازيق. إذ لا بد أن قفاه يتسع لذلك، لأنه في الواجهة طبعاً، كما أن حركته وتحركه هنا وهناك، يدلان على مدى استقباله السفلي للخوازيق، وأن معاناته التي لا يحسَد عليها، لا بد أن تعايَن من خلال التفاتته إلى المهتمين به: رفاقاً وأنصاراً ومهتمين به، وهو يحاول توزيع خوازيقه عليهم تبعاً للمرتبة والقرابة.

في هذا الملتقى الخوازيقي، يمكن رؤية العلاقة الوجدانية: الآلمة والمؤلمة بين جموع المتخوزقين، بين المتخوزق، ومن يتهيأ للخازوق، بين متلقي الخوازيق، وهو غير دار ٍبها، ولكنه يتحمل المسئولية، خصوصاً وأن التلقّي الخازوقي يتكرر معه، وما في ذلك من غفلة وحتى غباء، ومن يلقى خازوقاً، ويتكرر ذلك من أقرب المقربين إليه وهو في ذهول.

ليتحول كل ذلك إلى نوع من الثقافة الخوازيقية، حيث يسهل إيجاد من يتباهى بينه وبين نفسه، بينه وبين مقرّب منه، أنه لا يدّخر جهداً، في تسهيل مهمة الخازوق واختيار الأقفية المتناسبة. إن الشطارة الكردية ليست أكثر من خوزقة للآخرين، وهم كرد، ويعني ذلك أن شكوى أي كان من سواه، ليس أكثر من كونه تخوزقَ على يديه، أو بتسهيل من عنده..

بتعبير آخر، يمكن رسم خط متعرض لحركة الصادر والوارد في لعبة الخازوق الممهور كردياً:

السياسي الذي يضع نفسه في الصدارة، يتناسب خازوقه ومطلبه، وكونه حتى الآن إخفاقياً، فهو سرعان ما يبحث عن مرجع أو مصدر للتخلص من خازوقه، في الأقرب إليه في مكتبه، وهذا يوجّهه بعد حين إلى القاعدي، وليشترك الجميع في البحث عن تجمع جماهيري معين في لعبة خوزقة جماعية وسط تصفيق وتهليل، تعبيراً عن نشوة خوازيقية لامرئية!

إن القيام بأبسط عملية حسابية من قبل متخصص خوازيقي، لا بد أن يباغته الكم الهائل من الخوازيق المعدَّة كردياً، أو ذات الشأن الكردي، خوازيق مصنَّعة من قبل معنيين بإدارة أمن البلد، وأمن الكرد، من خلال اجتماعات أو مؤتمرات أو ندوات أو تشاركات مختلفة، دون الوصول إلى نتيجة، وهذا يعني أن المحقَّق الوحيد هو: الخوزقة!

ولا بد من التشديد على أن الذين يعتبرون أنفسهم كتَّاباً، ويتحركون بحثاً عن فرص للظهور في هذا الوسط الموبوء، إنما يكونون مخوزَقين من أكثر من جهة، وناقلي عدوى خازوقية، كونهم يستشعرون لسعة الخازوق، وبالتالي، فإنهم يريدون المزيد من الضحايا وطلاب الخوازيق برغبة ما أو دونها، إحساساً منهم أنهم ينتقمون من طرف ما، وأنهم بالطريقة هذه يضيّعون الأثر
الخوازيقي عليهم، ويحُولون دون النظر في أقفيتهم المدمَّاة، حيث إن انشغالهم بفرصهم الرخيصة وسعيهم إلى الظهور الأضوائي ينسيانهم تلقي الصدمات الخازوقية، ولِعمَاهم، يستدرجون سواهم ليتخوزقوا مثلهم، وكل ذلك يمثّل أسلوباً مستهجناً من مدّعي الثقافة، بقدر ما يشكّل مرآة بليغة لإظهار أقفيتهم المخوزَقة عالياً وأمام الملأ وقباحتهم الوجهية!

ولعل من نافل القول التنويه إلى أن رفض الكردي، ومن يعتبر نفسه في الصدارة، وحتى بالنسبة للفهلوي، ومن يترك في الوسط، لأي ضرب من ضروب الخوزقة، عبارة تفصح عن مفارقة الحالة، لأن اعتراف الكردي بأنه مركَّب على خازوق تاريخي، ويمكن وصفه بدقة، هو صحوته، واكتشافه للعبة التي يكون ضحيتها من قبل المتحكم به، كما أن استمرار هذه اللعبة في وسط عام، مهزلة كبرى، حيث يواجه أولو الأمر جماهيرهم، ويتحدثون عن كل شيء، دون أن يرفَّ لهم جفن، غير عابئين بأنواع الخوازيق التي أكلوها ويأكلونها ليتسنَّى لهم تعريض المتحلقين حولهم بخوازيق من ذات المعيار، بقدر ما يوحون إلى أنهم تكيفوا مع هذا المشهد الخازوقي، وليس لديهم أدنى استعداد كما يظهر، للتحرك أو التفكير، خارج خاصية الخوزقة التي يعيشونها، ربما لأن ثمة فراغاً سفلياً هائلياً لا يُسد، يتهيبونه، ليعتبروا ذلك امتحاناً لكفاحهم القوموي.

إن الاعتراف بوجود الخازوق وفي أنواعه ومقاييسه ومواده والمستهدف من كل نوع، حالة صحية، رغم أنها تبعث على الأسى والسخط، ولكن ذلك لم يحصل حتى الآن، وهو تأكيد ما، على أن الخازوق الذي يخصَّص للسياسي والواثق من نفسه، يبلغ من الضخامة والنفاذ والأثر الكيميائي، درجة، لا يعود جرَّاءها قادراً على تسميته.

بالطريقة هذه يظل القفا الكردي في معرض الخوازيق الكردية وغير الكردية ولعبتها التي تضيّع عليه معرفة الجهات!

--------

ملاحظة خازوقية: الخازوق، على وزن " فاعول"، وهو، كما يبدو، من الخزْق، أي الطعن، كما في الرمح أو السنان. واللافت أن الخازوق يأتي في الموضع الذي يصل صاحبه بالأرض، أي فتحته السفلية، وكأني بالخازوق، يسد الفتحة، ويبعد صاحبها عما هو أرضي ليذيقه ما لا يشتهي، وبه يُعرَف بالمقابل كونه المشير إليه، مخترقاً ما يعلوها" أي فتحته"، حيث الخزْق يتناسب وطبيعة الخازوق، ولعلّي أجد أن الخازوق يتجاوب مع الخاروق تماماً، والخاروق من الخرْق، حيث الأخرق يكون الأحمق، والخَرِق: هو الثوب البالي، وبالتالي، فإن الجسد الأخرق هو فاقد صلاحية الحياة، والعاجز عن الدفاع عن نفسه، ولهذا يسهل خزقه، فيتداخل الخاروق والخازوق واقعاً...

هنا أترك الصورة المتخيلة لذوي الخيال والإدراك في تبين الحالة المريعة ودلالتها في المتداول كردياً هنا وهناك..

=========







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=13186