جملة من التساؤلات تطرح نفسها , ماذا لو حدث التدخل الخارجي فعلا , وأية قوى خارجية ستتواجد في مناطقنا الكوردية , كيف نتعامل مع الحالة الجديدة , و ماذا عن الدور التركي , الدولة المتاخمة لحدودنا والمتضررة من أي تطور إيجابي لحل القضية الكوردية وهي الحاضرة بقوة هذه المرة في مسرح الأحداث الجارية في سوريا و مساهمة في حركة التغيير , مستفيدة من الأخطاء التي وقعت بها في الحالة العراقية وإخراج نفسها من اللعبة آنذاك , أو إذا جرى حل سياسي للأزمة السورية بتوافق وبقدرات الشعب السوري الذاتية رغم صعوبة ذلك .
لا بد من تفاهم كوردي - كوردي وتوزيع الأدوار و تبادل للمواقع , بشيء من الهدوء و الكثير من الوعي وبعد النظر لأن ما هو قادم أعظم , وفقا للمصلحة الكوردية العليا التي تسمو فوق أي مصلحة حزبية ضيقة , لا تأخذ بعين الاعتبار أهمية المرحلة التي دفعت بالقضية الكوردية في سوريا الى الواجهة, واضعا إياها على طريق الحل متقدمة بذلك على وضع الأخوة الكرد في كوردستان تركيا , بالرغم من النضال الذي خاضوه هناك خلال عدة عقود , و أية محاولة للتفرد أو خطأ في الحسابات للتعامل مع مفردات المرحلة سوف يعطّل أو يؤخّر على الأقل هذه الفرصة التاريخية .
وأخص بالذكر هنا الأخوة في حزب (P.Y.D) عليهم توخي الحذر, وعدم الوقوع في خطأ الحسابات , مستندين الى قوة السلاح الذي يملكونه لوحدهم حتى الآن , لحل القضايا السياسية و الميدانية و فرض أنفسهم (كسلطة أمر واقع) بمفردهم , نتيجة لعبة خبيثة يلعبها النظام من خلال فتح ثغره أمنية في المناطق الكوردية , داعيةً بذلك و بشكل غير مباشر جهة معينة بعينها , على أمل ملؤها لوحدها دون مشاركة الأطراف الأخرى و التفرد بالعمل الميداني , بهدف خلق شرخ أفقي و عامودي في بنية المجتمع الكوردي هنا , (يجب عليهم الانتباه إلى اختلاف الظروف الذاتية و الموضوعية التي أظهرتهم كقوة فاعلة ومن غير منازع هناك) .
هذا ما بدأ يحصل بالفعل على ارض الواقع, و ما نراه و نشهده من مضايقات و المشاحنات و الحواجز الأمنية المنتشرة في كل مكان , و الأخطاء المرتكبة من قبل بعض عناصرهم المسلحة من عفرين الى منطقة ديريك , ما هي إلا إرهاصات لأخطاء أكبر سوف تدفع بالجميع الى التفكير في حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم, فاتحين بذلك باباً جديداً للحوار الكوردي – الكوردي, حوار البندقية عندما تنغلق أفق الحوار السياسي و( الشبه المنغلق أصلا) , و بالتالي ستنجر الساحة الكوردية إلى مواجهات لا جدوى منها كما حصلت على أراضي كوردستان العراق , حتى أدرك الطرفان أنه لا جدوى من الاقتتال الداخلي و لا بد من العمل المشترك , و إذا وقعنا نحن في نفس الخطأ كم من الوقت و الضحايا و نزيف من الدماء يلزمنا لندرك نفس الحقيقة , ونقتنع ان هذا الجزء لا يمكن لطرف واحد التفرد به ولا بديل عن العمل المشترك .
سأرد هنا مثالين عالميين عن الشراكة دون الخوض في التفاصيل معتمداً على فهم القارئ
أولاً - عسكري عن حالة حلف النيتو القائم على قاعدة الشراكة بين الدول الاعضاء , ليس خافياً على احد أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية لوحدها توازي قوة جميع شركائها في الحلف تقريباً , و بالرغم من ذالك تحتضن بلجيكيا بمقر الحلف على أراضيها و تتمتع بكامل حقها في الشراكة و هي الدولة الأصغر والأضعف في هذا الحلف , و بمراجعة مجمل العمليات العسكرية التي قام بها الحلف سنجد دولاً شاركت بعشرات الجنود و أحياناً بأقل من هذا العدد و كانت تسمى شريكاً , هذا من الناحية العسكرية
ثانياً - أما من الناحية السياسية فالإتحاد الأوربي خير مثال على حالة الشراكة السياسية والاقتصادية , فرنسا و ألمانيا و بريطانيا يعتبرون عمالقة , بشرياً واقتصاديا و سياسياً ومساحةً بالنسبة إلى دول مجهريه مشاركة في الاتحاد الأوربي , مثل إمارة ليختن شتاين و موناكو و لكسمبورك وبلجيكيا و غيرهم , علماً عندما تم توحيد العملة الأوربية و إنشاء منطقة اليورو خسرت اقتصاديات الدول القوية أمام اقتصاديات الدول الضعيفة , طبعاً كانت هذه الخسارة مقبولة لدى الشعوب الأوربية بعد عرضها عليهم في استفتاءات عامة مقابل أنجاز مشروع أعظم , وإذا تعرضت أي دولة في الاتحاد إلى الاعتداء مهما كانت طبيعة تبادر الدول الأخرى باتخاذ مواقف وإجراءات عملية و لا تنتظر لحين عقد مؤتمر على مستوى القمة (سؤال هل نستطيع خلق شراكة كوردية مستفيدين من تجارب الآخرين و نضيف عليها بشيء من الخصوصية الكوردية لتكون تجربة رائدة للعالم أعتقد أننا نستطيع في حال توفر الإرادة السياسية الجادة مبتعدين عن الأنا الفردية و الحزبية ) .
أضع جميع التساؤلات و المخاوف والتحذيرات ألأنفة الذكر , برسم جميع قوى الحراك السياسي الكوردي في سوريا من كتل وأحزاب وتيارات و حراك الشبابي وفعاليات اجتماعية للإجابة عليها بكل مسؤولية , و أدعوهم إلى لقاء عاجل حول طاوله مستديرة لوضع إستراتيجية سياسية موحدة و وضع قواعد للعبة سياسية كوردية تأخذ بعين الاعتبار تبادل المواقع وتوزيع الأدوار و (الشتائم أن لزم الأمر) بشرط أن يكون متفاهماً عليها خلف الكواليس و مسيطراٌ عليها بغرفة عمليات مشتركة , و عدم التفريط بأي قدرة مهما صغرت أو كبرت لأية جهة و وضعها موضع الصحيح , اخذين بعين الاعتبار من سيدخل في المعادلة ويتفاعل معها و من يبقى خارجها بانتظار ما سيحدث , وعدم الإخلال بتوازناتها وكذالك عدم الشذوذ او الابتعاد عن قواعد اللعبة الدولية العامة .
و هنا أعتقد أن هناك مسائل ثلاث يجب الحوار حولها و التباحث فيها حتى لا يبقى كلامي مجرد حالة تحليلية او روىء نقدية من غير تقديم حل لما تقدم , ولكي لا يزداد القارئ تشاؤم او أبدو وكأني متحامل على الحركة السياسية الكوردية , ولا اعتقد ان أحداً منا بريىء من هذه الحركة الى حداً ما , لذا اقترح على هذه الأطر السياسية و الإطراف الباقية خارجها بسبب إقصائها او تجاهلها الدعوة الى عقد لقاء لمناقشة ثلاث نقاط أساسية تهم الشعب الكوردي في الصميم , وتعتبر منطلقاً لإستراتيجية سياسية موحدة حتى نخرج بما يريحنا جميعاً .
أولا- الاتفاق على الحق الكوردي و ماذا نريد لنواجه به أي مفاوضٍ كان بموقف موحد على طاولت المفاوضات بكل وضوح وفق نص براكماتي واضح الصيغة ضمن الرؤية الدولية و توجهاتها لحل مشاكل المنطقة و منها القضية الكوردية التي أصبحت تطرح نفسها بقوة في هذه السنوات كقضية حل و عدم التفريط و المساومة على الحق الكوردي , طبعاً أخذين بعين الاعتبار جميع أطراف المعادلة وطنياً وإقليمياً و دولياً .
ثانيا- الاتفاق على كيفية حماية المناطق الكوردية و إدارتها على قاعدة مشاركة الجميع في هذه المهام كلا حسب إمكاناته قبل سقوط النظام و بعده وعدم محاولة التفرد بهذا الشأن , و ترك مسألة من يمثلني لمرحلة لاحقه تفصلُ فيها صناديق الاقتراع , و شعبنا الكوردي وفي يدرك ويعي من قدم له خدمات جليلة في أوقات عصيبة وعلى أساسها سيختار من يمثله (ومن يثق بنفسه لا يخش شيءً و يمشي ملكاً و بخطوات ثابتة)
ثالثا- كيف نساهم في بناء سوريا الجديدة و تثبيت مواقعنا فيها على الصعيد الوطني , و أن لا نحشر أنفسنا في شريط جغرافي ضيق حسب مفاهيم قوميه أضيق يخنقنا سياسياً , ويعزلنا عن العالم الخارجي قبل أي شيء أخر لأنها لا تقل أهميه عن الصعيد القومي , وتلازم المسارين مرتبطان بعلاقة جدلية و الفصل بينهما يعتبر خطأ سياسياً إستراتيجياً يجب أن لا نقع فيه مغلقين على ذاتنا الأبواب والنوافذ لنتلمس الأشياء في العتمة فاقدين لزمام المبادرة , فجميع شعوب المنطقة محكومة بالشراكة و التعايش
إذا استطعنا الاتفاق على النقاط الثلاث الأساسية , و حسب سياسة الخطوة – خطوة من غير أن نغرق أنفسنا في التفاصيل منذ البداية , نستطيع بعدها الاتفاق على رؤية سياسية متكاملة حسب ما تم طرحه أو تطويرها أو رؤية أخرى ربما تكون أفضل , و يبقى الوصول إلى حل المسائل الباقية أسهل ولن تأخذ منا وقتاً وجهداً كبيرين .