أوهام الأكراد: حول كتاب الأستاذ عبدالمسيح قرياقس «المسألة الكردية في سوريا»
التاريخ: الجمعة 08 حزيران 2012
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

 يستوقفك أمران اثنان منذ البداية، لحظة الانتهاء من كتاب الأستاذ عبدالمسيح قرياقس (المسألة الكردية في سوريا" برؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي) طبعة 2012، رغم عدم وجود اسم مكان الطبع وتاريخه، وكان لا بد من تثبيته:
الأمر الأول: ذلك القدر الكبير من الود الذي يظهره المؤلف للأكراد، باعتبارهم شعباً طيباً في أصوله التاريخية.
الأمر الثاني، ويتناقض مع الأول: ذلك التحفظ على هذا الود، بسبب انجرار الأكراد وراء الذين يتحكمون بمصيرهم من بينهم، ووقوعهم في شرك أعدائهم ومن يعيشون معهم جغرافياً، سعياً إلى كردستان تعنيهم وهنا منشأ أوهامهم الكبرى.


ولأن الكتاب حديث الظهور جداً، كما أن المؤلف عاش مع الأكراد، ولا زال يحتفظ بعلاقات مختلفة معهم وفي مستويات مختلفة، في قامشلي وغيرها، لا بد من التوقف عنده، وقراءته بهدوء، والفصل بين المنحى الإنساني في لغة الكاتب، والمنحى الآخر، والذي يدفع بالكردي إلى الواجهة لمحاكمته، لأنه يتجاهل حقيقته ومصلحته مع المحيطين به عربياً.
ولكي لا أكون وصياً على القارىء، ممثل أحد، كردياً كان أو غيره، أبادر إلى القول، ونظراً لحساسية المثار في الكتاب، بأنني أتحدث هنا باسمي الشخصي كباحث في تاريخ آخر يكون الكردي موضوعه، وأنا كردي وسوري هنا، وأن لا بد من الإصغاء جيداً إلى هذا الآخر: وهو المؤلف، بالمزيد من الرويَّة، ومعرفة أن ثمة ما يصدم القارىء الكردي من حقائق لا بد أنها ستستفزه، ولكنها حقائق لا ينبغي عليه التنكر لها تاريخياً، وأن أي رد مباشر، يؤكد هذا الجانب، وبالتالي لا بد من الحوار وتفعيله هنا وهناك، لجعل المثار أكثر وضوحاً على صعيد مختلف النقاط التي شكَّلت جوهر الكتاب.

عتبة انطلاق

إن أول ما يمكن، أو حتى ما يجب أخذ العلم به، هو المحدَّد في عنوان الكتاب بالذات تالياً، وليس العنوان نفسه، أي" برؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي". إن هذا التحديد يساعد أي قارىء في تعيين علاقته مع الكتاب باعتباره مكتوباً من منظور ثقافي وإيديولوجي واضح، هو" رؤية حركة الإحياء العربي الديمقراطي"، وهي تتحدد في إطار الوطن السوري، إنما في نطاق الوطن السوري الذي يتشكل عربياً في بنيته وثقافته الجوهريتين.
ما هي هذه الحركة؟ (إن حركة الإحياء المولودة حديثاً والعتيقة الأيام، أولت وتولي الآن المسالة الكردية اهتماماً يستحقه هذا الشعب الطيب وتعتبر رؤيتها هذه مؤشراً على عمق فهمها لشكل الوطن السوري الديمقراطي الجديد...ص 16).
إن النقاط العشر التي يوردها المؤلف باسم هذه الحركة وهو يمثّلها، وفي نهاية الكتاب، "صص 120-135"، تركّز على الأكراد باعتبارهم شعباً له لغته وثقافته، وتسعى إلى "تحريره" من استغلال قياداتهم وإيقاظهم من "أوهامهم" تلك المرتبطة بما هو كردستاني، وإعادتهم إلى موقعهم الصحيح، والحيلولة دون وقوعهم في فخاخ الغرب وغيره( فليكن الشعب الكردي في سوريا الجرس الذي ينبه الأكراد في كل العالم بالمطالبة بتوحدهم مع جوّهم الوطني..ص133).
إذاً، من هذا المنطلق يمكن بلورة فكرة عما ينبني عليه الكتاب، في سياقه الثقافي والسياسي العربي، لأن ثمة تحديداً آخر، هو ما ورد في أسفل الكتاب" دراسة سياسية تاريخية"، وهي في بنيتها: عربية ومن منظور عربي بالمقابل، ولهذا كان العنوان الرئيس" المسألة الكردية" مفصحاً عن مضمون آخر، وليس" القضية الكردية" بدلالتها الأوسع.
إن الذي يمكن أن يثار بداية، وينبغي التذكير به، هو أن المؤلف لا يخفي إخلاصه للمبدأ الذي سار عليه، وأوقف عليه حياته، وهو أنه بعثي، وينتمي إلى فصيل العراق، وسجن بسب أفكاره ومبدأه 17 عاماً" ص8"، وبدءاً من أواسط
سبعينيات القرن الماضي*، ويعني ذلك أن أي قراءة للكتاب لا يجب أن تفصل بين الوارد هنا وما عُرف به عقيدياً.
ثمة نقاط كثيرة تتطلب التوقف عندها، ولأهميتها، ولأن المؤلف" ابن البلد والمدينة الواحدة: قامشلي"، لا بد من مقاربة الكتاب في النقاط التالية التي من شأنها إنارة الكتاب، ولا أقول مساجلة الكاتب ووضعه في الصورة الصحيحة، لأن هناك ما يجب الاعتراف بصحته بالنسبة لدور الكردي تاريخياً، وما يجب التأكد منه، لأن ثمة تعقيداً في الموضوع لا يُفك بسهولة، وما ينبغي توضيحه، كون الكاتب لم يشر إليه، وهذا يهمنا جميعاً في النهاية:

في المقدمة
المقدمة ليست مدخلاً إلى الكتاب فقط، إنما توضيح مساره البحثي والفكري أيضاً. ثمة تحديد للمكان الذي جاء منه الكاتب، وفيه تكون الإشكالية الكبرى، وما يحيط بالمكان تاريخياً (بعد دفاع أسطوري عن مدينتهم وقلعتهم (أزخ) وانتصارهم فيها، غادرها أهلي، بعد أن وضعتها اتفاقية سايكس بيكو ضمن الحدود التركية، هربوا من الظلم التركي والخوف الأزلي من جوارهم الكردي، وجاؤوا إلى "عين ديوار"... وهناك وجدوا أنفسهم يتقاسمون عين ديوان الجبلية الجميلة ... مع من هربوا منهم وخافوهم" الأكراد". وبعد عيش مشترك وحذر دام اثني عشر عاماً، وأثمر أطيب العلاقات، ولدت بالعام 1941 لأورخ لميلاد علاقة من المحبة والتفاهم بين أهلي والأكراد..ص4)..
الذي يستوقف هنا هو ما يشير إلى (الخوف الأزلي من الجوار الكردي)، وما فيه من تعميم وإنشائية، لأن التالي ينفي ذلك، والأكثر من ذلك حين يتحدث بعاطفة لا يمكن الشك فيها، إنما السؤال عن مسارها، عندما يشير إلى سكنى أهله في قرية" كاسان" الكوجرية الكردية (خمسون عائلة كردية، وعائلة مسيحية واحدة شكلت كاسان الجديدة بالعام 1983..)، ثم (لم نعد أكراداً ولا مسيحيين، بل كنا" أهل كاسان".. كانت لي والدتان" أمي إيلي" و"جازو" زوجة المختار صبري..ص5).
إنها الوحدة التي تسمى في سياق جغرافي واحد: سوري المنشأ، ولحظة إثارة مفهوم القومية الكردية، يلتغم المفهوم..
لكنه المفهوم السوري العربي والأقرب إلى صفة القومية، كما هي عقيدة المؤلف.
في هذا المنحى يمكن سؤاله: لو أنه سكن مع أهله في مدينة تركية، أو أبعِد مع أهله إلى جهة تركية، بعد الخروج من آزخ، وهو سرياني، هل كنا نشهد كل هذا الحديث عن البعد القومي والعربي للمكان وتاريخه وفي حركة " إحيائه"؟
لو أنه حدد السورية، دون تسمية هذه الحركة، ولأنه لم يمارس أي نقد لتاريخه الحزبي أو لعقيدته الإيديولوجية، أي لبعثيته، ولم يورد اسم صدام كلياً في الكتاب، رغم حديثه المتشعب عن العراق ونظامه، وأهوال نظام العراق داخلاً وخارجاً.. لو أنه لجأ إلى ذلك ولو بإيجاز، لما كان مثل هذا الكتاب وهذا الكلام تماماً من جهة.
من جهة ثانية، ليس من حقي وحق أي كان في أن" يحاكم" المؤلف على انتمائه العقيدي وانحيازه إلى ما هو عربي، ومن خلال تقريظه لميشيل عفلق، وهو الأستاذ عنده" ص 57-59"، وهذا من حقه طبعاً، إنما أن يتخذ من ذلك عتبة رؤية فكرية وثقافية وإيديولوجية لكل من حوله سريانياً أو آشورياً أو كردياً بصورة خاصة، فهذا شيء مخالف تماماً.
أعتقد أن ثمة صورة سلبية لما هو كردي في واعية الأستاذ قرياقس، حتى بالنسبة للكردي الطيب، كما في إشارته إلى قرية كاسان حيث حل فيها أهله (كانت قرية في حالة سبات..ص10)، ومن ثم (كانت كاسان في عهدنا عروساً حقيقية مقبلة على الحياة..ص 12)، وهذا يذكّرنا بمواقف استشراقية من الشرق، أي يفصح عما هو سلبي في القرية الكردية دون مراعاة ما هو تاريخي، رغم أن المؤلف أشار قبل ذلك إلى مدى حرص أهل كاسان الأكراد على حماية بقايا كنيسة مسيحية قديمة في قريتهم، وأن صغارها كانوا يقبّلون يد القس (وهذا ما لم نكن نفعله مع الملا" سيدا" عبدالحليم.ص7)، إذ إن ذلك يعبّر عن الموضوع ليس بمثل هذا التفريق، أو تبيان" تخلف" أهل كاسان.. إنما هو وعيهم التاريخي للمكان، كما أفصح عن هذا التحول الاجتماعي والثقافي والإسهام الحضاري فيما بعد..

الأكراد في الواجهة الساخنة
على امتداد صفحات الكتاب المتبقية ( ص 16، وما بعد)، حتى الصفحة" 143"، يتشكل الكتاب في محورين مترافقين:
المحور الكردي الذي يعبّر عن حضور الكرد، وهم أكراد عنده بالصفة الشعبية وليس القومية.
المحور الكردي الاستفزازي للآخرين، حين تكون قياداتهم في المجمل، ورموزهم: البارزاني، الطالباني والذين يمثّلونهم الآن، وهو أساس الداء والبلوى، والحل هو في كيفية إبقاء الأكراد في المحور الأول لا الثاني، إذ يظهر أن الأكراد لم يتعظوا من دروس التاريخ، بقدر ما كانوا ألعوبة في أيدي الآخرين: في دول الجوار، وفي الغرب، وأميركا، وحتى بالنسبة للنظام السوري، من قبل حافظ الأسد وتحريكهم منفعياً لصالح النظام ضداً على الآخرين: العرب والسريان مثلاً" ص58".
وحيث إن الذي غيّر وجه البلد هو سعي الأكراد ومن جهة قياداتهم إلى الاستئثار بالمكان: شراء عقارات، الدخول في الوظائف، حيث الأكثرية من الأكراد، والتنافس الاقتصادي... الخ ( ص68-99..)..
لا يتحدث هنا عما كان صدام حسين، مثلاً، يلجأ إليه في مناوراته أو محاولاته الالتفاف على الأكراد، حتى في علاقته السيئة الصيت في غزوه للكويت وغير الكويت، وهو الذي يؤكد مدى التحيز الصارخ في رؤية الكاتب لما هو كردي، وحتى بالنسبة لمفهوم" حركة الأحياء العربي"، باعتباره مفهوماً يحمل دمغة حزبية: بعثية عفلقية، إذ يكون المثال العراقي الذي احتضن عفلق، بمثابة الغائب الحاضر في تفكيره.
في كتابه (في سبيل البعث-ط2/1963) لميشيل عفلق، ثمة ما يصلنا بالمثار في كتاب مؤلفنا، حيث يتلمس القومية في العروبة، والدين في الإسلام" ص 43"، وهو الذي أسلم، وهو الذي قال، أي عفلق( لا أحد يمنع الأكراد أن يتعلموا
لغتهم شريطة أن يكونوا خاضعين لقوانين الدولة ولا يشكلون خطراً على الدولة.ص98).
الكاتب لا يسأل عما يفعله الطرف الآخر، وما إذا كان الذي ينتهجه سياسياً يدخل في نطاق الديمقراطية حقاً، ولماذا يكون البحث عن القومية كتمثل تاريخي وتربوي وثقافي امتيازاً عربياً وبطبعته البعثية دون غيره؟!
حتى بالنسبة للحديث عن تاريخ كردي، ثمة تناقض بين نقطة وأخرى: عندما يتحدث عن الخوف من الجوار الكردي، ولاحقاً يقول (إن الأكراد عبر تاريخهم الطويل في العيش مع سكان هذه الأمة لم يسجل لنا التاريخ- حتى منتصف القرن العشرين أنهم قاموا بأي عمل فيه إساءة أو إضرار بتاريخ هذه الأمة.. ص 17)، ولا ينسى أن يشير إلى مدى مقاومة الأكراد لسلطة الإمبراطوريات القديمة وتماسكهم تالياً" ص 21"..
وتاريخياً، يكونون مصدر أُلْهية وعبث بهم من قبل الآخرين، حيث يعيش الأكراد (من فوهات بنادقهم، وأصبحوا بندقية جاهزة للإيجار، يعتاش منها زعماء عشائرهم بدرجة أساسية..ص 19)، وفي الصفحة ذاتها يشير إلى البعض فقط.
الأمر الذي يكون مصدر استفزاز للآخرين حتى أحداث 2012، وما يجري راهناً من جهة الانقسام الكردي بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام.. " ص 109، مثلاً"..
أكون مع المؤلف في الكثير من نقاطه حول تصرفات لا مسئولة من قبل قيادات كردية، ومن جهة روح اللامسئولية لدى نخب كردية وحتى أطراف كردية في خلق الفوضى وإخافة الآخرين من حولهم، وفي كيفية تفهم المستجدات، إذ إنهم" أي
رموز الأحزاب، وضمن الأحزاب الكردية" وعلى صعيد ثوراتهم، ثمة تنافر أو عدم تطابق وجهات نظر، لا بل وعدم بلورة وعي تاريخي سياسي واجتماعي وثقافي منتج تماماً لديهم، ولهذا ينتقل الأكراد من فشل إلى آخر (ألم يسمّ جوناثان راندل الفصل الأول من كتابه" أمة في شقاق": كردستان أرض الألف ثورة والألف حسرة؟).
ولكن الوجود القومي شيء آخر، كما أن التفتيت الجغرافي لم يتعهده الأكراد، إنهم ضحيته، إنما ما جرى على أعقاب معركة جالديران قبل خمسمائة عام، وحتى بالنسبة لاتفاقية سايكس بيكو الغربية التي توقَّف عندها المؤلف دون دخول
في التفاصيل، على الأقل أنها غربية، وأن العرب أنفسهم انخرطوا في اللعبة الغربية" مع مراسلات حسين – مكماهون"، وبدَّلوا الدين بالقومية، في المعتبرة ثورتهم ضد العثمانيين، فلماذا كان هناك تصرف عفوي وطبيعي، ولدى الأكراد خيانة لأخلاقية الجوار العربي وغير العربي، وإجراء في غير محله؟!
ألم يشر غسان سلامه نفسه، في كتابه (المجتمع والدولة في المشرق العربي-1987)، إلى أن (الأكراد من أكبر المجموعات العرقية في العالم التي لم تحصل على كيان سياسي خاص بها،ولكن مشيئة الدول (وانقسامات الأكراد الذاتية المتعددة) وزعتهم على عدد كبير من الدول الحديثة..ص75)..
إنهم لم يستكينوا لأحد، حتى بالنسبة لدخولهم في الاسلام، لم يكن بمثل هذه العفوية أو البساطة التي تصورها المؤلف " ص 17"، على الأقل وأنا أشير إلى شاكر خصباك في كتابه( الأكراد-1972)، وقوله( ولقد تحول الأكراد إلى الإسلام نتيجة إخضاع الدولة الإسلامية لبلادهم..ص 485)، وما جرى لاحقاً يكون في سياق آخر..
من جهة أخرى، كيف يمكن تقبّل كلام المؤلف حول" تكالب " الأكراد على الوظائف أو العمران، وكأن ثمة قوى خفية داخلية  وخارجية تحركهم؟ بعيداً عن الحراك الاقتصادي والاجتماعي، كما لو أن ظلم السلطة لا يطالهم، وأن ليس في الإمكان الحديث عن تكالب الأنظمة التي تتحكم بهم، واتفاقها معاً في كيفية تشتيت قواهم وعدم إيجاد حل لوضعهم السياسي والاجتماعي وحتى القومي، وهو الوضع الذي يشهد انفجارات في الجهات التي يستقر فيها الأكراد، وأن تحركهم الجغرافي يتبع ما كانوا اعتادوه قبل اتفاقية سايكس بيكو، وبالتالي فإن التجريد من الجنسية إجراء سياسي عربي عنصري وليس من قبيل محاولة الردع والفصل بين الكردي السوري والكردي المهاجر والمتسلل من تركيا، وجاء هذا العقاب على خلفية فشل الوحدة السورية المصرية، ومن قبل السلطة (في حال عبدالباقي نظام الدين، وأخيه توفيق، مثلاً...)..
إن هذا يحتّم علينا البحث في حيثيات السلطة ومواقع الأكراد وكفاحهم الديمقراطي في الواقع السوري وخارجاً، وقبل قيام الوحدة السورية- المصرية التي يسهب المؤلف في الكلام عنها" ص44"، دون أي اعتبار لحيثيات القضية، والموقف السلبي للقيادة الناصرية من الأحزاب في سوريا وحتى مصر، وضمناً الأكراد..
المؤلف في سرده التاريخي عما هو كردي، يضع كرة التاريخ الملتهبة دائماً في المرمى الكردي المليء بالقش، إفصاحاً عن أن ثمة لعبة مموهة تجري في الملعب المخطط له كردياً.
ولكم كنت أتمني، ولو في إشارة عابرة، أن يشير إلى جانب من الغبن لحق بالأكراد ، مثلاً، على خلفية أحداث 2004، من جهة الذين فجَّروا الوضع أولاً ودور السلطة وافتعالها لهذه الأحداث ثانياً، لأن ثمة أزمة كانت تعيشها وتبحث عن مخرج منها في المجتمع وحيثيات السلطة، هي التي استمرت ولم تزل قائمة سياسياً، وهذا لم يحدث، أن يسمي استفزازاً واحداً تمثَّل في طرف ثان تجاه الأكراد، على الأقل لئلا يظهر الكردي بمظهر الجلاد والضحية، على طول الخط، وذلك أضعف الإيمان طبعاً.
إن كل تحرك كردي محل شبهة في سوريا والعراق، وكل رمز قيادي كردي مشكوك في ولائه الوطني غالباً، حيث الاستعمار أو التوجيه الإمبريالي الغربي والأميركي حاضر هنا، مع البارزاني ومسعود وطالباني في العراق، كما لو أن
العراق عرّف به كردياً، وأن الذي كان يجري في العراق مثَّل خلاصة الديمقراطية العربية بعثياً، وأن ما جرى في سوريا يبقي الكردي في الواجهة على صعيد الإدانة، باعتباره بيضة القبان في مضرب السوء، الأمر الذي يشطب على كل ما نوَّه إليه المؤلف بصدد نوعية العلاقات رفيعة المستوى مع الأكراد، كونهم تعرضوا لاستنساخ قوموي وتحزبي، وهذا مرعب، بقدر ما يقرّبنا من الطريقة الارتجالية وإحادية الإتجاه في كتابة المؤلف وتصوره لموضوعه وهو شائك أكثر مما نتصور.
هنا، سأنطلق مما هو معاش، وفي مدينتنا المشتركة قامشلي، حيث عومل متعلمو الكرد ونخبهم بمزيد من القسوة والإهانة على الصعيد الرسمي والأمني، وحتى من جهة التوظيف، ليكون عدد مهاجري الكرد أكثر من أي طرف آخر جرَّاء هذا
العنف القومي والاجتماعي، وأن الإقبال على الوظائف والعمران كان عاماً، ولم يتصرف الأكراد انطلاقاً من خطة مبرمجة للاتفاف على كل شيء، وفي المناحي التي رأى الأكراد أنهم قادرون على الحضور فيه، أي يمكن الحديث عن
العنف السلطوي الذي طال الجميع وفي مستويات ودون استثناء هنا.
وليس رد الفعل القومي العفوي والشارعي الكردي" دون أن أغيّب جوانب سلبية طبعاً ذات صبغة شعاراتية وفوضوية تسيء إلى الآخرين: شركاء المكان: العرب، والسريان، والأرمن وغيرهم" إلا نتاج احتقانات تكون السلطة مسئولة عن ذلك، ولا أظن أن الأستاذ عبدالمسيح قرياقس بقادر على إثبات العكس، إلا بالالتفاف على حقيقة الوضع، من جهة الحرمان من اللغة وفي التمثيل الاجتماعي والمؤسساتي وتأكيد الحضور القومي دون منافسة سلبية لغيرهم، ولعله أورد بعضاً فاعلاً من ذلك في نقاطه العشر الأخيرة في الكتاب..
مثال ذلك، في مدينة قامشلي ثمة عدة مدارس متجاورة تقريباً، هي (العروبة، زكي الأرسوزي، عربستان، النابغة الذبياني...)، ترى ما ضير لو" أقول لو" أن أسماء أخرى أطلقت عليها، مثل (أبو تمام، مار أفرام السرياني، أحمد
خاني، كيفورك زوهراب..)، وحتى  بالنسبة لأسماء الشوارع التي تفصح عن هذا التوجه العنصري وكذلك القرى...الخ.
أكون مع الأستاذ عبدالمسيح قرياقس، عن خوفه على ما يجري ومما يجري، حتى بالنسبة لمواقف مختلفة تسيء سلباً إلى علاقات التعايش في المنطقة (القامشلي التي كانت سويسرا الشرق في الخمسينات، كما ذكرها هو في كلام جانبي بيني وبينه يوم الخميس بتاريخ7-6/2012، وفي مكتبه بالذات)، وهي نقاط فاعلة تستحق التوقف عندها، إنما لا بد من البحث عن أس المشكل، أي السؤال عما يدفع بالكردي إلى هذا" الشقاق والتمرد"، وليس يفعل هكذا فقط..

ختام مفتوح
أولاً، على صعيد الكتابة، رغم أن المؤلف أورد قائمة بأسماء المراجع المعتمدة في نهاية كتابه، وضمناً كتاب لي، إلا أنها غير مفيدة بالطريقة هذه، لأنه لم يشر إلى أي منها في المتن، بغية الاستفادة منه ومن باب التوثيق بالتأكيد، وخاصاً في عمل يتطلب المزيد من الدقة والتروي في التحليل والمقارنة كالذي نحن بصدده.
ثانياً، وهذا يخص كيفية التعامل مع الكتاب، أي لا بد من قراءته بهدوء، وبعيداً عن الاستفزاز، إن حصل، يؤكد ما ذهب إليه المؤلف نفسه، ودون الطعن في نقاط كثيرة أوردها تبدو( أقول: تبدو) مستفزة، وقد ذكرتًها، ولكنها كانت وقائع ملموسة، وهنا يمكن الاستفادة مما أثيرَ، لأن الحقيقة التاريخية أكثر من كونها كردية أو عربية أو سريانية، إنها عامة..

ثالثاً، لا بد أن أشكر الأستاذ عبدالمسيح قرياقس الذي قدَّم لي كتابه هدية، إضافة إلى نسخ أخرى قدَّمها لي لأهديها باسمه إلى أصدقاء وأصحاب لي، بنيَّة الاطلاع والتحاور، وهذا ما يؤسس لحوار أكثر فاعلية عبر الكتاب وخارجه، وأن ليس أجمل من التحاور في ملتقى مفتوح يحضره كل المعنيين بالمكان الجميل" قامشلي" رغم كابوسية المعاش سورياً، إنما – أيضاً- الجمالية الثرة للمأمول من وراء الجاري بغية تحقيق الأفضل تالياً..
إنما شرط أن يعلم كل منا أنه ينتمي إلى أرومة واضحة، وأن قائمة الأرومات يمكن أن تجمل المكان وأهليه مهاً.
رابعاً، يحتاج الكتاب إلى مزيد من المتابعة والتحاور، ولا أقول السجال حصراً، وفي أكثر من مستوى، مما يعني ترك باب القراءة والحوار والمناقشة مفتوحاً، وأظن أن الكتاب سينطبع في ذاكرة كل مطَّلع عليه لاحقاً، بغضّ النظر عن الموقف منه، ولعلّي فيما تطرَّقت إليه طال نقاطاً دون أخرى، وتحديداً في مقال يراد نشره انترنتياً وقراءته بيسر أكثر..
===========
*- أحدد هذا التاريخ للتأكيد على علاقة شخصية لي بالمؤلف، فلقد كان أستاذي في مادة التاريخ في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ومدير مدرستي " انوية عربستان"، وعلاقتنا استمرت فيما بعد، وحتى الآن لما تزل قائمة رغم أوجه الاختلاف وحتى الخلاف فيما بيننا، إذ لا بد من الاعتراف الشخصي بأنه كان فالحاً في درسه، ولافتاً في ثقافته حينذاك، ومتنوراً ومجبوباً في الوسط الطلابي الذي كنت أنتمي إليه وقتذاك، رغم أنه كان حزبياً: بعثياً في ذلك الوقت..








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=13040