بعيدا عن التقليد
التاريخ: الخميس 30 اذار 2006
الموضوع: اخبار



بقلم: د.شمدين شمدين

أغلب الناس في العالم يحبون ويرجون التغيير ، وينسحب هذا التغيير على معظم مجالات الحياة, بدأً من الثياب إلى الألوان أصناف الطعام إلى الورود والألعاب وحتى إلى النساء ، ولكن من الملاحظ في منطقتنا إن هذا الأمر لا يكون كما في العالم فمعظم الناس يعشقون ويركضون وراء التقليد الأعمى ويبررون هذا التقليد بعدة مبررات كالموضة والتحضر ومواكبة التقدم العالمي ولسنا هنا في وارد مناقشة هذه التصرفات والأعمال فالناس أحرار فيما يعشقون وما يستسيغون ولكننا نستغرب اشد الاستغراب حينما يشمل هذا التقليد مجالات مهنية وسياسية


فكما هو معروف لدينا نحن الكرد في الجزيرة إن المرء لا يكاد يرى صديقه أو جاره يقوم بعمل ما وينجح فيه حتى يبادر بشتى الوسائل ومن منطلق الغيرة والحسد إلى الإساءة إلى ذلك الشخص والعمل على الحط من قدره وقدرته وإبداعه في عمله ،كما يعمل جاهدا لتقليد ذلك العمل والتقدم فيه من اجل مكتسبات مادية أو اسم بين الناس وهذا ما بدا واضحا من إرسال الآباء لأبنائهم إلى روسيا في بداية التسعينات من القرن الماضي من اجل جلب شهادات في الطب والصيدلة دون أي اهتمام برغبات أولادهم أو المستقبل الاقتصادي والمهني لهذه الفعاليات وكان من نتائج هذا العمل التكدس الحاصل في الشهادات الجامعية وقلة الوارد المادي بحيث أصبح معظم الأطباء لا يحصلون من عملهم إلا على قوتهم اليومي وكل هذا من اجل أن يقال إن ابن فلان هو دكتور وياللاسف فأمة تكدس الشهادات وتعلقها على الحيطان لن تتقدم أبدا وهذ ا ما يبدو واضحا من الصراعات الداخلية بين مختلف القوى والفعاليات الكردية وكيف لا يكون ذلك والكل يعتبر نفسه زعيما أو قائدا أسطورياً .
وآخر ابتكارات التقليد الأعمى هو في الجانب السياسي فقد تمخض عن الغيرة والحسد الحزبي وكما هو معروف الانقسامات الشتى داخل الأحزاب الكردية حتى بات العموم الكردي لا يعرف من أي حزب سوى اسم الزعيم دون أية معرفة ببرنامج هذا الحزب الفكري والعملي والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها أو الاسم الذي يحمله هذا الحزب ، وبعد أحداث 12 آذار وما رافق ذلك من دماء وضحايا وما تلا ذلك من أحداث مؤسفة ولا سيما قضية مقتل الشيخ معشوق الخزنوي ،والذي استطاع من خلالها الكرد الغير متحزبين وبشكل عفوي من إيصال صوتهم وصراخهم إلى الرأي العام العالمي وهنا أدركت الأحزاب الكردية المشتتة والمبعثرة ضرورة أن تحجز لنفسها مكانا في قطار التغيير القادم فبدأت بنشر البيانات وإعطاء المقابلات الصحفية والاشتراك في البرامج والندوات التلفزيونية ،إضافة إلى الجلوس إلى طاولة المؤتمرات التي أخذت تعقد في بعض العواصم العالمية لحل القضية الكردية في سوريا ،محتكرين بذلك صوت الشارع الكردي والتي لم يتم التحقق بعد من مدى شعبية هذه الأحزاب أو مدى تمثيلها لمتطلبات وتطلعات الشارع الكردي في سوريا ،وعلى نفس المنوال وبعد أن أطلق العالم الحر دعواته لمساعدة مؤسسات المجتمع المدني لتقوم بدورها الفاعل بين الجماهير ،هذا الدور الذي لا تستطيع الحكومات والأحزاب المرتبطة والتابعة سياسيا أن تقوم به فعمل هذه المؤسسات يتطلب الحيادية والموضوعية والعمل بعيدا عن العاطفة والنوازع والمصالح الشخصية ، وسرعان ما قامت بعض أحزابنا ومن مبعث التقليد للآخرين بإنشاء مؤسسات للمجتمع المدني تحت لوائها بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك بغية تحطيم أو الإساءة إلى بعض المؤسسات القائمة منذ زمن بعيد ، وقد تناسى أصدقاؤنا الكرام إن أي مؤسسة متى أصبحت تابعة لحزب أو جهة ما فإنها لن تستطيع العمل بحيادية وهم بعملهم هذا إنما يقلدون بعض الأنظمة التي دأبت على الاحتيال على الديمقراطية بإنشاء وزارات لحقوق الإنسان والمرأة والشباب ، هذه الوزارات التي ثبت فشلها في إيصال صوت ومطالب الطبقات والفئات التي تمثلها.
إن العالم المتحضر يبحث دائما عن الجديد ،وان منظمات وهيئات المجتمع المدني هي في قمة أولوياته وهي قمة ما توصل إليه الإنسان العصري حيث أخذت هذه المؤسسات تملئ شيئا فشيئا الفراغ الذي أحدثته الأنظمة والتيارات السياسية المختلفة وما سببته هذه التيارات من فقدان للامان على الحاضر والمستقبل وفقدان لثقة الجماهير في إمكانية الحيادية والابتعاد عن المصلحة الفردية أو الحزبية أو الطائفية أو العائلية أو القومية ،وان هذه المؤسسات تحتاج إلى أشخاص يتمتعون بالكفاءة والجرأة والبعد عن الأنا والعمل ضمن مجموعات متفاهمة وقابلة بالعمل التطوعي الذي لا يرجى منه إلا خير البشرية والإنسان الذي هو غاية العمل السياسي والفكري والاقتصادي ، ومن هنا فانه ينبغي لمجتمعنا الكردي وكجزء من هذا العالم الكبير أن يبتعد عن التقليد الأعمى لكل شيء وعلى أحزابنا المحترمة أن تقوي نفسها وحركتها ضمن شرائح المجتمع المختلفة وان تترك لغة الشعارات والمناوشات والصراعات الجانبية على المناصب والكراسي وان لا تحتكر كل شيء في هذا المجتمع والأفضل لكل منها العمل ضمن إطارها السياسي والتوحد فيما بينها وترك مؤسسات المجتمع المدني لمن تتوفر فيهم الحيادية والروح الجماعية والبعد عن الأنا الذاتية أي ترك الخبز لخبازه أفضل من أن يحترق كله .






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=130