وصية الكاتب
التاريخ: الأربعاء 30 ايار 2012
الموضوع: اخبار



إبراهيم اليوسف

إذا كانت وصية الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز المفعمة بحب الحياة، تحض على التفاؤل، وتعد في جوهرهاوصفة لاستثمارالحياة، على أكمل وجه، فإن أولى وصية لكاتب عربي ظهرت بعدها، كانت للروائي السوري حنا مينة، الذي كانت حياته أشبه بحيوات أبطال روايته، هؤلاء الذين كانوا يترجمون قولة سانتياغوبطل رواية الشيخ والبحرلأرنست همنغواي"الإنسان قد يتحطم لكنه لايستسلم" تلك العبارة الخالدة، التي أصبحت أيقونة الواقعية الاشتراكية، إلى وقت طويل، وإن كانت وصية حنا مينةالتي نشرها قبل أعوام، في إحدى الصحف السورية،قد دعا فيها إلى قطع كل مظاهرالحزن عليه بعد رحيله، وتسليم جسده إلى أحد مكاتب دفن الموتى، على اعتبارأن أهله لم يكترثوا به في حياته، كما أنه طلب من وسائل الإعلام ألا يشيروا إلى ذلك،ليمرموته الذي طال انتظاره له، إلى تلك الدرجة التي لم يعد يصدق فيها أنه سيموت، بصمت وهدوء، ودونما ضجيج.


وبالرغم من أن وصية مينة، كانت مشبَّعة بالألم والحزن، وجاءت، بكل تأكيد نتيجة رد فعله تجاه المجتمع، على إهمالهم له،إلا أنها في الوقت نفسه كانت بمثابة رسالة إلى مجتمع الشاعر،الصغير، والكبير،على حد سواء، لعلها تدعوإلى لفت النظرإلى المبدع، الذي طالما يتم نسيانه. بيدأن ما نشره مؤخراً الباحث السوري إبراهيم محمود تحت عنوان" منشورغيرسياسي معمم" يعد وصية استفزازية من قبل كاتب كبير، واسع الشهرة،  له الكثيرمن الدراسات الفكرية المتنوعة، والشعر، والرواية، والقص، والنقد، وبأكثرمن لغة، من بينها لغته الكردية الأم، ويعتبره بعضهم من أهم الباحثين الذين تناولوا القضايا الحساسة، والإشكالية، بمزيد من الاجتهاد والعمق، لدرجة أن كثيراً من دراساته تعدالأكثرمبيعاً في عدد من المعارض العربية، باعتبارجزءاً مهماً من بحوثه الفكرية صدرت عن دارالريس اللبنانية المعروفة، وإن كان هذا المفكريعيش ظروفاً استثنائة، جد صعبة، بالرغم من عطاءاته الهائلة، في تلك المجالات كافة.

إن لحظة الشعوربالأسى، تبلغ حدها الأعظمي لدى إبراهيم محمود الذي يذهب أبعد من ماركيز، وبما يشبه طريقة حنامينة الذي طاالما تناول إبداعه من قبل، في دراسات خاصة، شأن غيره،حيث دون اسمه الكامل، واسمي والديه، وتاريخ ولادته، مشيراً إلى سوء الحال، والوضع الصحي، وعدد كتبه المطبوعة حتى الآن، والتي بلغت الخمسين، طالباً بدوره ألا يتناول أحدهم نتاجه بالدراسة والتقويم، بعد موته، مستثنياً  قلة من أصدقائه المقربين، ومن نقدوه في حياته، وأنه سليل أسرة لم يعرف لها ماض في الحروب والمعارك، بل إن ما ميزالوصية الإبراهيمية، هوأنه دعا صراحة إلى أن يكتب على شاهدة قبره "ولِد منبوذاً وعاش منبوذاً ومات منبوذاً! تلك هي رغبتي الكبرى تسميةً فقط، فقط! " ولعل في ذلك الرد الواضح على التناقضات الهائلة التي تظهرمن قبل بعضهم، من حوله، وهم الأكثردراية بأموراهتبال الفرص، والانتهازية، والزيف، دون أن يقدموا لأهليهم، أيما فائدة، والآلم من ذلك أنه يذكراسم سلفه د. نورالدين ظاظا الذي كان قدأوصى من قبل قائلاً" إذا مت فدعوا جنازتي تمشي وحدها، وكان قد قالها، قبل حوالي نصف قرن، نتيجة ردة فعل ذات أرومة مماثلة، من بعض الزائفين وتجارالوطنية والمواقف من حوله.

إن وصية إبراهيم التي ظهرت مؤخراً، هي رثاء استفزازي، واخز للضمير، وللذاكرة، وهي ليست مجرد لسان حال  مثقف استثنائي كبير، فحسب، وإنما تجسد مأساة علاقة المثقف السيزيفي بمن حوله، على اعتبارها، أزلية، مستمرة، متواصلة، مادام أنه مصرعلى تحقيق شرطه الثقافي، بعيداً عن أية ممالقة، أوذيلية لمراكزالثقل البراقة، التي لا أهمية لها، ولا مستقبل، إذا قورن الأمر، بعظمة ما يفعله المثقف المجرِّب، حامل رسالة أهله، ووطنه، والإنسانية جمعاء...
elyousef@gmail.com    







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12936