منشور غير سياسي معمَّم
التاريخ: الأثنين 28 ايار 2012
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

 أنا الموقّع أدناه، وأنا بكامل قواي العقلية: إبراهيم محمود بن محمد، ابن وسيلة بنت سليمان، والكردي بن الكردي بن الكردي والكردية، الكردي بن الكردية بنت الكردي والكردية وبشهادة الشهود. الأب متوفٍّ قبل اثنين وعشرين عاماً، والأم متوفّية حديثاً جداً، تاريخ التولد 1956، ومكان التولد، قرية خربة عنز، والتابعة لمنطقة قامشلي، محافظة الحسكة، حيث أحيلَ مكان البيت فيها خراباً حتى البوم عافه ، وهي التابعة لقامشلي، والمقيم حالياً في قامشلي في بيت معرَّض للهدم، والحالة الصحية ليست على ما يرام شأن الحالة المادية، أعترف بما يلي:


أعترف أنني أنتمي إلى عشيرة لم تكن عشيرة حرب أو منازعات أو تحالفات، أدرتُ لها ظهري منذ زمان، باحثاً عن عشيرتي الكبرى : الكردية وما هو أكبر من الكردية في نسبها الإنساني، وعلى أوسع نطاق تلبية لندائي الروحي، شأن غيري من المتميزين بهذه العلامة الفارقة، خرجت من قرية، مَُّنَّ علي فيها حتى بالمساحة الضئيلة للبيت الذي سكنتُ فيه مع أهلي، كما هو حال بيتي الراهن قامشلاوياً، ولا أدري متى يحين أجل هدمه. 
 ورثتُ عن أبي الكثير من نكده وبؤسه وحبه لحياة بخلت عليه كثيراً، كما ورثتُ عن أمي دروشتها، وضعف حيلتها، إنما ورثت عنهما مجتمعين أيضاً قناعة ما، حول أن الحياة يمكن أن تعاش في أوضاع مختلفة وبسعادة.
 ليس لي سهمٌ أي نصيب من مخترة أو نصيب من وجاهة قديمة موروثة قديماً أو حديثة، وأعتقد أنني لم أكن ابن حرام أو نصَّاب، أو صاحب مكائد مضرب المثل، أولم أتلق علماً من زئبقي في مواقفه أو نشَّال عواطف يمكن العثور عليه بيسر في وسطي ولا تدرَّبت على يد ديماغوجي ليحسب لي الآخرون حساباً. إني ضعيف الصلات بالآخرين الذين يطلبون أجراً لقاء أي علاقة تضعك في الواجهة: فهلوة وطولة لسان ووجه مُتَمْسح ثابت في لونه.
فشلتُ في تربية نفسي، رغم أنني حاولت المستحيل لأجعلها، كغيري من الذين نالوا حظاً من العلم والثقافة، وتنوع العلاقات الاجتماعية، وانخرطوا في رباطات مختلفة ليكونوا مجسّدي طموح إنساني ، وصاروا رموزاً.
لم أنخرط في حزب أو تنظيم اجتماعي أو تحالفات جانبية، لأعوض عن عشيرتي المسماة، وليكون لي صيت عبر علاقات أكون الفاعل الرئيس فيها، أو بالتشارك، لأنال ما دون الصفر في علاقات كالتي نشهدها، وحيث لم أحسنْ بيع نفسي للشيطان، وقد تكاثر الشياطين إلى درجة الدفع بالشيطان الأصلي إلى الاعتراف بلاشيطانيته.
كما فشلت في تمثّل دور الديك، في الوقت الذي تكاثرت الديكة التي تصيح على مزابل تزكم الأنوف بروائحها.
لا أخفي أنني حاولت أن أكون كغيري، من خلال الوعود المنتظَرة والمزيَّنة لي، لحظة التقدم إلى الحزب، لأكون في موقع لافت تحت الأضواء، ثملاً بوجود جماهير ترمقني بإعجاب، بينما يتحرك لساني كالمنشار جيئة وذهاباً، من خلال كلمات رنَّانة، عن الثورة والتحرر والعدالة والمساواة والكردايتي، لكنني رسبتُ في أول امتحان نظَّمتُه لنفسي، لأن لساني تخشَّب، ويدي تنملت، وذاكرتي راوحت مكانها، وصرت في حيص بيص، وكان ثمة من يُسمِعني صوتَه: يا هذا، لست أهلاً لأن تكون عضواً في حزب شأن غالبية أعضائه، على الأقل هنا وهناك، فكيف بالمراكز القيادية؟ كيف لك أن ترسم مستقبلاً زاهياً لمن حولك، وأنت تفكّر في نجوميتك، وكيف تشير إلى أن كل شيء على ما يرام، وهو في خراب، وأنت على النقيض في المواصفات المطلوبة شارعياً؟
 وكيف عليك أن تنجح في اختبار: نافق نافق نافق حتى يُصادَق على نفاقك باعتباره حقيقة؟ وكيف تتفنن في بهرجة المواقف صباح مساء، مبرّراً كل ما تقوله وتقوم به عبر النيل ممَّن تكره وتخاصم، وكأن الحزب أنت، والجماهير المثلَّجة بيادق شطرنج، وتنتقل من حالة لأخرى، على أنها التقدم بعينه، وهو غير صحيح إطلاقاً.
العضو الحزبي واقعاً وغالباً ليس قليل الشأن في مزاياه المرافقة من تدبير حيل، وتدريب على اللف والدوران، ورفع شأن الذات، وخداع أقرب المقربين من الرفاق، ونيل المكاسب تلو المكاسب، إنه المرور في خرم الإبرة.
 أمعنتُ النظر في يمين الحزب ويساره، فاختلط علينا الاثنان، إلى درجة أنه تلبَّس علي الحياد الذي ثمَّنته ولم أزل!
حاولتُ البحث عن طرق أخرى، ليكون لي شأن، واكتشفت الكثير منها، وكلها تطلبت مرونة في التحرك، وقدرة سحرية في الحوار وليَّ عنق الحقائق، وتجميل القبيح وتقبيح الجميل، دافعاً بكل شيء في سوق المساومة دون التفاتة إلى الوراء، غير عابئ بالضمير أو الوجدان، فيكون الثراء وكيلُ المدائح إثر صوت مرخَّم: أبو فلان!
أعياني التقدم في هذا المضمار، رغم أنني تميزت بقراءة كتب كثيرة بهذا الخصوص، تعرَّفت إلى أصولها، لكنني ضيَّعتُ الطريق إلى البداية، كما لو أنني صرت أصم أبكم أخرس إزاء ذلك، فتراجعت مرغماً عن كل ما تقدَّم.
ما أصعب أن يبقى الكردي كردياً ومنتمياً إلى التاريخ الحي للآخرين!
صارت كرديتي ذاتها جرَّاء المتداول باسمي في شك من أمرها، حيث لمعايير الكردية قانونها الخاص كردياً!
أثقلتُ على زوجتي كثيراً، وهي تحمَّلت ضغوطاً نفسية وغير نفسية، جرَّاء هذا الموقف الحدّي مما يحصل.
أثقلت على القلة القليلة من أصدقائي وقد تحملوني فيما أنا عليه ولما يزالوا، وأنا في عجزي المتتابع عن تحقيق التفاعل مع وسطي، كما لو أنهم أرادوا أن يختبروا قواهم النفسية من جهتهم ناحية هذا التشدد في الجاري باسمي.
 اكتفيت بالكتابة، الكتابة وليس سواها، وهي صنعة العاطلين عن العمل، كما يبدو، والذين لا قدرة لديهم في كسب النفوس أو تطريتها، واخترت الهوامش، لأن المتون نبذتني، رغم أنني كنت مهمَّشاً، أو لأقل: منبوذاً منذ البداية، دون أن أفلح في تغيير هذه اللعنة، فاستحققت الأمرَّين: مرُّ الحالة التي كانت، ومر الحالة التي صرت إليها.
ولأنني أفتقد إلى اللياقة، ومعرفة أين تؤكل الكتف، تقاسمت الأوجاعُ كتفيَّ وما بين جنبيّ، عندما أطلقت سراح خيال لساني، وراعيتُ الكلمات التي اعتقدتُها مجدية باعتباري شاهداً على الدائر، فكانت علي وبالاً وتأخرتُ حتى عن أولئك الذين يشحذون الحرف هنا وهناك، إذ صاروا نجوم الذين مثَّلوا وجاهات مجتمعهم، لأنهم عرفوا سريعاً كيف يحتمون بظل العربة المقعقِعة، دون السؤال عن ظلهم، المهم، هو أنهم تقمَّصوا بنجاح ما يوعز إليهم.
لكَم رثيت نفسي وهي تكابد ما أنا فيه، وكلماتي تتفجع يومياً بي، حيث أقلق ممن كان يجب نيل رضاهم.
ولم أحسن، ولا تهيأ لي الجلوس في الكرسي الأول في الصف الأول في مناسبة كردية الطابع، لأنني لم أنل شرف عضوية الانتماء إلى الصف الأول بعد، لأن راحة يدي لم تتدبق، أو تتشعر بعد، وتاريخي العائلي لا يشفع لي.
لدي حتى الآن، قرابة خمسين كتاباً، لم تنل بدورها موافقة جهلاء الكرد وسعادينهم فكيف بعقلائهم العقلاء..
لم أفكّر في موتي وكيف سيكون، ولكني لا أريد أن أكون في خانة أيٍّ من هؤلاء الذين يموتون ميتة طبيعية أو يصنَّفون في دائرة الشهادة، حيث وزّعت رتب الشهادة وألقابها ودرجاتها والعلامات الفارقة لكل منها، لي رغبة وحيدة أن أموت دون أي احتفاء، دون أن يحمل صورتي أحدٌ أحد لاحقاً، أريد لصورتي الأخرى أن تقيم في وجدان أحبتي الأقلة والكرماء بحبهم جداً، وأنا محرَّر من وطأة جثة الكردايتي التي ينهشون فيها هنا وهناك.
 آخر ما يمكنني قوله وأشدد عليه: لكَم ثري أنا، لكم ثري أنا، لكم ثري أنا، دون كل الذين تحدثت عنهم!
 أهَمُّ الأهم فيما يمكنني قوله، هو ما تردَّد على لسان الراحل نورالدين ظاظا، والممثَّل فيه حتى اللحظة، وقبل وفاته طبعاً: إذا متُّ، دعوا جنازتي تمشي بمفردها، وحذارٍ من أن يمشي في جنازتي من يتاجرون بالدم الكردي والوطن الكردي والثقافة الكردية سياسياً أو ثقافياً، حذار أن أسمع من تحت التراب صدى صوت منافق أو بوَّاق أو مرتزق ويحمل صورتي دعيٌّ مثعلب ومتقلب لم أعهد فيه، وأنا على قيد الحياة سوى كل ما هو وضيع ودناءة نفس وشوبشة رخيصة طبعاً وصمت مخز ٍ، ومسيء إلى الكردية والإنسانية جمعاء، وأن يتعرض لاسمي بكلمة مديح بعد صمت دام طويلاً ليبوق لغاية في نفسه، ويسمّم تراب قبري، أما أن يقول خلاف ذلك فليكن.
 أستثني هنا حصراً من تعرَّضوا لي نقدياً بحق في حياتي، وأصدقاء معدودين على الأصابع حصراً أيضاً، وأن تحمل شاهدة قبري العبارات الثلاث وهي تلي المدوَّن: هذا قبر المتوحد مع روحه إبراهيم محمود، والذي: ولِد منبوذاً وعاش منبوذاً ومات منبوذاً! تلك هي رغبتي الكبرى تسميةً فقط، فقط!








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12901