كيف نفهمُ الحرّية مع عالم الطفولة ؟؟!! الحلقة (16)
التاريخ: الخميس 21 كانون الأول 2006
الموضوع: اخبار


نارين عمر

محاولة التّسرّب إلى عالم الطفولة والبحث في خفاياه ومجاهله تعتبر مغامرة بحدّ ذاتها لما لهذا العالم من خصوصية تميّزه عن العوالم الأخرى لنا كبشر على الرّغم من أنّها محاولة لذيذة وممتعة,فأينما توجهنا نلقى ما هو أسمى وألذ حيث البراءة والابتسامة والخفة والرّقة ولكن يبدو إنّ ما قد يعكر صفو هذا العالم الملائكي نحن الكبار حين نتوه عن قواعد التربية السّليمة ونحاولُ أن نحدّد مساراً معيّناً لهذا الطفل ليسلكه ويكون في رأينا سليماً وصائباً وهو في الأساس خاطئ ومغلوط وخاصة الوالدين اللذين يحاولان أن يعوّضا ولديهما عن كلّ ما حُرما منه في طفولتهما ومن والديهما فنجدهما يربيان طفليهما بعكس الطريقة التي نشأا عليها في طفولتهما كالطلاقة والجرأة والشّجاعة والثقة بالنفس وقوّة الشّخصية

ولكن مع الأسف كثيراً ما تعطي هذه الطرق في المعاملة نتائج سلبية تنعكس على الطفل نفسه أوّلاً من خلال سلوكه في الحياة وتعامله مع الآخرين والأهل والمحيط الاجتماعي ككلّ فقد تتحوّل الطلاقة والجرأة إلى وقاحة حتى مع الوالدين وباقي أفراد الأسرة والشّجاعة قد تتحوّل إلى عدوانية واعتداء على الآخرين من أقرانهم بسبب وبدون سبب,والثقة المفرطة بالنفس وقوّة الشّخصية إلى أنانية وعناد ورفض الآخر أيّاً كان هذا الآخر وهكذا حتى يفقد الأهل زمام القدرة على التحكم بولدهم الذي تحوّل ونتيجة لأفكارهم وتكهناتهم اللامسؤولة إلى نقيض الولد المرسوم صورته في خيالهم لتبدأ من هنا معاناتهم التي تكبر وتنمو كلما نما الطفل وكبر وتتسع مساحة الشّكوى من تصرّفاته التي باتت تثير القلق والأرق لهم.
أمّ تشكو تصرّف ولدها ومزاجه المتقلب الحادّ وحين تناقشها في الأسباب والدّوافع تتأوّه بحسرةٍ وأسف وتقول: أعرف جيّداً أنّنا السّبب في كلّ ما آلت إليه حال ولدنا /أنا وأبوه/ فقد حاولنا أن نمنحه كلّ ما حرمنا منه ونحن أطفال وصغار وتعاملنا معه بطريقة كنّا نظنّ أنّها سليمة وصحيحة ولم نعرف أنّ نتائج تربيتنا ستنعكس سلباً علينا.
أبٌ يقول: حاولنا بكلّ الطرق والأساليب أن نؤسّس لولدنا أساساً متيناً من الجرأة وقوّة الشّخصية التي طالما حرمنا منها فما زلتُ أتذكر نفسي(على الرّغم من وضعنا المالي الجيد) وأنا واقفٌ أمام والدي أو أي كبير في العائلة أو المعلم في المدرسة بعيون منكسرة ورأس مائل إلى الأرض مع رجفةً تنتابني من رأسي حتى قدميّ فلم أرغب في أن أرى ولدي بتلك الحالة بل كنت آمل أن أكون الأب الحنون والصّديق الصّدوق ولكنني أخطأت كلّ الخطأ في حساباتي.
امرأة تنوح:مازالت حالتنا ونحن صغار تتداخل صورها في مخيّلتي صورة تلو أخرى من فقر وحرمان نفسي ومادي وعائلة كبيرة ووالدين يركضا من أوّل النّهار حتى آخره لتأمين مستلزمات الحياة لنا فحاولت مع زوجي أن نمنحه من الوقت ما يشعره بحنان الأمومة وعطف الأبوّة الحقيقيين ونوفر له كلّ أسباب الرّاحة والرّفاه وإن كان على حساب رفاهيتنا وراحتنا الشّخصية والنفسية ولم نعلم أنّ أسلوبنا هذا سيولد في نفسه حبّ الذات والأنانية وعدم تقدير الظروف.
العديد ممّن طلب إليّ أن أخصّص هذه الحلقة للحديث عن الطفل والطفولة أكدوا على أمور ومقترحات تكاد تكون متطابقة من أبرزها:
أن يتأنّى الأهل كثيراً في تربية أطفالهم وأهمّ الأسس التي تخلق شخصية مستقيمة للطفل وتساهم في تكوينها القويم ألا يحاول الأهل فرض زمانهم على زمان الطفل فكثيراً منهم يجمّدون أنفسهم ضمن قوالب الزّمن الذي يعيشون فيه وبعد أن يرزقون بأطفال يحاولون بكلّ الوسائل إجبار أولادهم على التكيّف مع هذا الزّمن متجاهلين أيّ تطوّر يطرأ على الزمن الذي يعيش مراحله المتعاقبة ممّا يولد صراعاً وعراكاً بينهم وبين الأولاد بمجرّد انفتاحهم على العالم الجديد لزمنهم فيجدونه مغايراً بشكل أو بآخر عن العالم الذي فرض عليهم ليضاف إلى عراكهم مع الأهل عراكٌ آخر مع تغيّرات العصر وتطوّراته.
مسؤولية الطفل تقع على الأسرة أوّلاً وعلى المدرسة فيما بعد فليس بالضّرورة أن تصدر وزارة التربية أو المعارف والشّباب قوانين وأنظمة تربوية وتوجيهية بل يتوجب عليها أن تراعي طبيعة التربويين والتوجيهيين ليكونوا مهيّئين نفسياّ وتربوياّ للقيام بمهامهم وطبيعة مَنْ تُوجّه إليهم تلك التربية فيكونوا مستعدّين بدورهم لأنظمتها وقوانينها.
يجب أن يكون هناك توافق وانسجامٌ بين ما تصدره الجهات المعنية بتربية الأطفال والشّباب وتنشئتهم وتعليمهم وبين البيئة التي تنشئهم وتعلمهم.
علينا أن ندع الطفل يسرح ويمرح في ساحة الحرّية التي من المفترض أن تمنح له لا أن نفرض عليه سلوكاً قد تقوّض من حدود حرّيته أو تزيدها اتساعاً إلى حدّ الانفلات.







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1276