قراءة في تقرير بيكر – هاملتون
التاريخ: الثلاثاء 19 كانون الأول 2006
الموضوع:


محمد موسى محمد *

بداية نود أن نؤكد أنما جاء في التقرير الذي قدمته المجموعة الأمريكية للدراسات ( بيكر – هاملتون ) لا يعني أبداً ترك المنطقة وشانها بل يعني التقرير أول ما يعنيه التبدل في السياسات الأمريكية على الصعيد التعامل مع القوى التي كانت تعتبر في نظرها قاعدة ارتكاز في تمريرها لمشاريعها وهذه المسألة في اعتقادنا ليس بالأمر الجديد والمفاجئ فأعداء اليوم ليس بالضرورة أن يبقوا أعداءً إلى اللانهاية وهكذا بالنسبة للأصدقاء والأمثلة في التاريخ كثيرة وفي أكثر من موقع، ألم يكن شاه إيران من أقرب المقربين لأمريكا والغرب عامة ..؟ إن مراجعة السياسية الغربية عامة وفي مقدمتها الأمريكية نرى أنها تستند إلى مرتكزات أساسية أولها ( المصالح الاقتصادية ) البراغماتية بمعناها العميق والواسع وما عدا ذلك يبقى ثانوياً ومتحولاً وحتى القاعدة النفعية البراغماتية ليس بالضرورة أن تكون ثابتة فهي أيضاً خاضعة لمتحولات تتحكم فيها الظروف وتشابك المصالح الدولية والإقليمية بين الدول المتنافسة، ومن هذا المنطلق يجب أن لا نفاجئ بما كان بالأمس وما يصدر اليوم وما قد يصدر غداً فهذه هي طبيعة الرأسمال المتحولة.

فأمريكا التي خرجت منتصرة من الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية بدأت تبحث عن مواقع جديدة على صعيد المعمورة وبدأت بتمرير أياديها على رؤوس أصدقاء الأمس الذين باتوا يشكلون مراكز قوى قد تشكل عقبة أمام مشاريعها المطروحة في هذه المنطقة أو تلك، وترافق ذلك بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، مما خلقت حالة تشبه القناعة لدى الشعوب والجماعات القومية والدينية والمذهبية بأن ذلك لا بد له أن يخلق متنفساً بعد التضييق على أنظمة الاستبداد في المنطقة.
إلا أن المسألة باتت أخطر مما كانت متوقعاً فالقوى التي بدأت بالأساس بمساعدة أميركا والغرب لم تعجز عن تجميع قواها لمواجهة الهجوم الأمريكي وحتى مواجهة أي برنامج تغييري يمس وجودها أي كان مصدره.
إن مؤشرات التغيير في السياسة الأمريكية في اعتقادنا بدأت مع الزيارات المتتالية والتصريحات التي أطلقت من قبل رموزها ( رامسفيلد – كونداليزا رايس ) وكانت زيارة جورج بوش الأخيرة تتويجاً لها ومن أهم أهدافها تتطمين دول المنطقة ( على علاتها ) بأنها غير مستهدفة وأنها يجب أن تعبأ ضد المد الشيعي المسنود إيرانياً في المنطقة.
وإذا كان البعض قد فسرها بأنها مسألة أولويات إلا أن المسألة باعتقادنا أبعد من ذلك بكثير نظراً للوضع المتشابك والمعقد والمتفجر في المنطقة وبشكل خاص بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل والصراع الدائر في فلسطين ولبنان والعراق والتقدم الذي أحرزته القوى والتيارات المتشددة الإسلاموية والعروبية .
ويأتي تقرير بيكر – هاملتون ليحدد ملامح السياسة الأمريكية في المنطقة وإن كان التقرير غير ملزماً إلا أن المهم في الأمر والذي يستحق وقفة جادة أن هذا التقرير أو هذه الرؤية جاءت بعد التقدم الذي أحرزه الديمقراطيون في أمريكا ومع إن الرئيس الأمريكي قد وصف التقرير بأنه ( تقويم قاس ) ألا أنه أكد بأنه سوف يتعاطى معه بجدية.
فالتقرير بمجمله ينسف ما تم بناءه على الصعيد العراقي ويفتح المجال واسعاً أمام الدول الإقليمية ويعيد إليها الروح لتلعب دوراً في حل القضايا حسب ما جاء في التقرير، ولتطلق لها العنان ليس فقط فيما يتعلق بالشأن العراقي بل وحتى حماية مصالحها هذه المصالح المتناقضة أصلاً إضافة إلى التناقض العميق بين مصالحها ومصالح الشعوب المضطهَدة وفي مقدمتها الشعب الكردي.
وفي جانب مهم منه يؤكد التقرير على مركزية السلطة في العراق ويتناسى بالمطلق أية إشارة إلى ما تم إقراره دستورياً ( الفيدرالية ) وحقوق الشعب الكردي أو القضية الكردية باستثناء إشارة عابرة إلى حقوق الأقليات القومية والدينية والمذهبية، ويبقى الحرص الشديد على وحدة العراق السمة البارزة للتقرير وكأن هذه الوحدة مهددة من قبل أهل العراق الأكثر حرصاً على وحدته وجاء من ينقذ العراق من التشتت.
وفي البند الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع يؤكد التقرير على تشكيل مجموعة دولية لدعم العراق التي هي بالأساس مصادرة للقرار العراقي الوطني وتجاوزاً سافراً لحكومته المرتقبة، أما نظام الحوافز الذي يقترحه التقرير في بنديه الثامن والتاسع وبشكل خاص بالنسبة لإيران وسوريا يثير تساؤلات كثيرة في ذهن القارئ، أولها أي نوع من الرشاوي يقترحها التقرير؟ هل هي اقتصادية ؟ أم أنها تتعلق بالقضايا الجوهرية التي لا زالت معلقة تنتظر حلولاً وفي مقدمتها القضية الكردية التي طالما عانت من تقاطع المصالح الدولية والإقليمية وكانت الضحية في أكثر من مرحلة وظرف.
إلا أنه والحق يقال فبيكر – هاملتون، لم ينسيا قضية كركوك التي تسيل لعاب القوى الإقليمية ليتركاها طعماً معلقاً لهذه الدول، تلوح بها كما تشاء، لذا أنهما يريان تأجيل هذه القضية في وقت تؤكد المادة / 140 / من الدستور العراقي على حل هذه القضية وشكلت لجنة خاصة بهذا الوضع.
إضافة إلى أن التقرير في مجمله يقترح نظام وصاية على العراق وحركته الوطنية والديمقراطية التي لم تبخل أبداً بتقديم مئات الآلاف من الشهداء على طريق الحرية خلال أكثر من نصف قرن وتأتي توصيات أصحاب التقرير لتهمش دور هؤلاء وتفتح المجال أمام من عاثوا فساداً وتدميراً .
لا شك في أن المصالحة الوطنية أمر يفرضه الواقع المعاش ولكن ليس على طريقة الثنائي بيكر – هاملتون، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وفي خضم هذه التفاعلات المتسارعة أين نحن من هذه التقرير كشعب كردي وحركة كردستانية ؟ .
إن ردة الفعل الأولية جاءت رافضة لمضمون التقرير وبشكل خاص ما يمس منها القضية الكردية سواء كان على صعيد إغفال التقرير للوجود الكردي في المنطقة، أم مضمونه الذي يؤدي بالنتيجة إلى طمس هذه القضية مجدداً وتركها لقوى معادية تنهش منها ما تشاء، وقد تجسد هذا الرفض في تصريحات القادة والرموز الكردستانيين وفي مجمل التوضيحات والتقييمات التي قدمت من قبل القوى والأحزاب الكردستانية، ألا أن الأهم في الأمر هو ما يجب القيام به على أرض الواقع، فالمسألة ترتكز بالدرجة الأولى على الفعل النضالي للحركة الكردستانية في مجمل ساحاتها.
إن صيحات الرفض بالرغم من أهميتها لا تفي بالغرض وبات من الضروري رسم إستراتيجية كردستانية موحدة لتحويل هذا الرفض إلى رفض شعبي عارم للحؤول دون المساس بما تحقق حتى الآن ولتحقيق المزيد من المكاسب.


* سكرتير الحزب اليساري الكردي في سوريا





أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1265