الدولة اللامركزية
التاريخ: السبت 05 ايار 2012
الموضوع: اخبار



أعداد:موسى موسى ـ ماجستير قانون دولي.

يقصد باللامركزية في دولة ما، اللامركزية الادارية، وتنص دساتير بعض الدول عليها، كما ويقصد بها البعض باللامركزية السياسية دون سند دستوري، ومن الخطأ فهم أو تأويل مصطلح الدولة اللامركزية باللامركزية السياسية،  ومن خلال مراجعة دساتير أكثر من ثلاثين دولة لم  نشاهد ما ينص على مصطلح اللامركزية السياسية، ومع ذلك سنعرض في هذه الدراسة على اللامركزية بشقيها الاداري والسياسي علنا نستطيع الاجابة على بعض الطروحات بهذا الشأن.


أولاً: اللامركزية الإدارية
هي نظام إداري تتخذه بعض الدول لتخفيف أعباء الإدارة عن السلطة في المركز في الاقتراح والإقرار، وهي نظام ينسجم في الدول الحديثة مع الدولة الديمقراطية التي تعتمد في بعض قراراتها الادارية على مصالح وطموحات الشعب عن طريق ممثليه في إقرارها وتنظيم كل ما لم تتولى السلطة المركزية تنظيمه.
والسلطة التنفيذية كونها تتولى مهمة الحكم الذي لا يقبل التجزئة في الدولة البسيطة أو الموحدة (غير اتحادية) كما تتولى السلطة التنفيذية مهمة الإدارة أيضاً التي تشكل عبئاً لها سلبياتها على حياة المواطنين إذا ما كانت الدولة مركزية وخاصة في الدول الكبيرة، لذلك تتجه الدول الحديثة بالأخذ بنظام اللامركزية في الإدارة، ذلك النظام الذي لا يجزء الدولة بل يبقي على وحدة الدولة من خلال وحدة السلطة التنفيذية ووحدة السلطة التشريعية ووحدة السلطة القضائية.
واللامركزية الإدارية تعني توزيع الوظيفة الإدارية (التي هي بالأساس من مهام السلطة التنفيذية في الدولة ) بين سلطات المركز في العاصمة والهيئات الأخرى المتمتعة بالشخصية المعنوية، ورغم توزيع الوظيفة الإدارية إلا أن ممارستها من جانب الهيئات الأخرى (الموصوفة قانوناً) لا تكون مستقلة بل تكون تحت رقابة ووصاية السلطة التنفيذية في المركز، ونظام اللامركزية الإدارية لا يرتبط بنظام الحكم في الدولة بقدر ما هو مرتبط بتوزيع الوظيفة الإدارية في الدولة وبهذا التوزيع لا يمس نظام اللامركزية الإدارية وحدة الدولة ولا يشكل استقلالاً سياسياً بل هو اسلوب للتنظيم الإداري في الدولة تقتضيه المبادئ الديمقراطية في الدول المعاصرة كما ان اتخاذ دولة ما بنظام اللامركزية الإدارية لا يعني ان الدولة المعنية لا تستطيع العدول عنه، فبإمكان الدولة المعنية من خلال التشريع العدول عنه واتخاذ اسلوباً آخر من أساليب التنظيم الإداري.
اللامركزية الإدارية في دساتير الدول العربية:
1 ـ نص الدستور السوري لعام 1973 في المادة 129 الفقرة1 بما يلي: " مجالس الشعب المحلية هيئات تمارس سلطاتها في الوحدات الإدارية وفقاً للقانون". ومن خلال مراجعة الدستور السوري نجد خلوه من مصطلح اللامركزية ومع ذلك نص في مادته المذكورة باللامركزية الإدارية( الوحدات الإدارية) بمعنى ان خلو الدستور من المصطلح لا يعني عدم أخذه بالنظام اللامركزي، ومن خلال المادة المذكورة يتبين أن النظام المأخوذ به في سوريا هو نظام اللامركزية الإدارية بغض النظر في ضيقه أو اتساعه.
أما عدم استقلالية الوحدات الإدارية فقد أكدتها المادة /2/ فقرة /1/ من اللائحة التنقيذية لقانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 15 تاريخ 11/5/1971 بما يلي: " تمارس المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية والأجهزة التابعة لها مهامها وصلاحياتها تحت اشراف ورقابة السلطة المركزية في حدود الاختصاصات المخولة لها ".

علاقة المجالس المحلية في سوريا بالوظيفة الإدارية وعلة انتخابها :
إذا كان نظام اللامركزية الإدارية يعني توزيع الوظيفة الإدارية بين سلطة المركز والوحدات الإدارية إلا أن ذلك الاسلوب في التنظيم الإداري لا يعني عدم مشاركة الشعب في تلك الوحدات الإدارية في ممارسة الوظيفة الإدارية، واقتصارها على فئة الموظفين أو العاملين في الدولة، فعلة المشاركة الشعبية هي ان سلطة المركز لا تستطيع تقدير مصالح المواطنين فيما يخص مصالحهم في مناطقهم، لذلك كان المبدأ الديمقراطي يستدعي تلك المشاركة بدرجات متفاوتة بين دولة وأخرى ضيقاً واتساعاً، لذلك نصت المادة/6/ من اللائحة التنفيذية بأنه:" يتولى كل من المجالس المحلية سلطة التنظيم في كل أمر لا تتولى السلطة المركزية تنظيمه مباشرة ولا يدخل في اختصاص المجالس والسلطات المحلية الأخرى".
2 ـ نص الدستور اليمني لعام 1994 في المادة /146/ :"تتمتع الوحدات الإدارية بالشخصية الاعتبارية ويكون لها مجالس محلية منتخبة انتخاباً حراً مباشراً ومتساوياً على مستوى المحافظة والمديرية وتمارس مهماتها وصلاحياتها في حدود الوحدة الإدارية وتتولى اقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية .....وذلك بمراعاة اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية والمالية كأساس لنظام الإدارة المحلية".
يتبين ان المشرع اليمني اتخذ منهجاً غير المنهج الذي أخذ به المشرع السوري، فالدستور السوري أوكل تنظيم المجالس المحلية الى القانون، أما المشرع اليمني فقد نظم ذلك في الدستور، كما ان المشرع اليمني أطلق صراحة مبدأ اللامركزية الإدارية ذلك المبدأ أوالنظام الذي توخى المشرع السوري من الافصاح عنه صراحةً، كما ان المشرع اليمني نص صراحة في الدستور ولاية المجالس المحلية كما في المادة المذكورة وهي نفسها ولاية المجالس المحلية في سوريا الواردة في مواد اللائحة التنفيذية لقانون الادارة المحلية كاقتراح البرامج والخطط والموازنات الاستثمارية للوحدة الإدارية.
3 ـ نص الدستور الاردني النافذ في المادة /121/ على ان :" الشؤون البلدية والمجالس المحلية تديرها مجالس بلدية أو محلية وفاقاً لقوانين خاصة".
بخلاف المشرع اليمني، ووفاقاً للمشرع السوري أوكل المشرع الاردني تنظيم المجالس المحلية في قوانين خاصة كأسلوب من أساليب التنظيم الاداري في الأردن، وهذا ما يشير بأنه يمكن للدول الإفصاح عن اللامركزية الإدارية سواءً بإدراج المصطلح في الدستور أم في القوانين الخاصة، كما بإمكان الدول اتباع الاسلوب اللامركزي في الإدارة دون الإفصاح عن المصطلح وفي هذه الحالة(حالة عدم الإفصاح عن المصطلح)لا يعني بأن الدولة لم تتبع اسلوب اللامركزية الإدارية وخاصة إذا ما كان هناك إشارة دستورية للمجالس المحلية.
4 ـ في المادة/15/ منه نص الدستور الجزائري على أن:" الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية والولاية. والبلدية هي الجماعدة القاعدية".
كما نص في المادة /16/ على:" يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية".
والمادة السابقة من الدستور الجزائري أشارت بالعبارة الصريحة على لامركزية الدولة في الإدارة.
5 ـ أما في مصر فقد أحال دستوره النافذ للقانون طريقة تشكيل المجالس المحلية واختصاصاتها كما جاء في المادة/163/ منه بأنه:" يبين القانون طريقة تشكيل المجالس الشعبية المحلية واختصاصاتها ومواردها المالية".
كما نص الدستور في المادة /162/ على ان المجالس المحلية تشكل عن طريق الانتخاب المباشر.
أما قانون نظام الإدارة المحلية المصري لعام 1979 نص في المادة/2/ على أن:" تتولى وحدات الإدارة المحلية في حدود السياسة العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة في دائرتها".
ويستنتج من كل ما ذكر بأن توزيع الوظيفة الإدارية لا يكون بين سلطة المركز والدوائر والأقسام التابعة لها لتنفيذ القرارات المتخذة في المركز، بل لتلك الوحدات سلطة الانشاء والتخطيط والتوجيه ضمن حدود صلاحياتها ضيقاً واتساعاً من دولة لأخرى.
ملاحظة(1): الدول السابقة التي تم التطرق الى نظامها الإدري اللامركزي هي دول بسيطة أي موحدة وباختصار شديد هي دول غير اتحادية أي غير فيدرالية. ولكن هناك نموذج آسيوي وهو العراق رغم انه كان دولة بسيطة الى ان تحول الى دولة اتحادية اعتباراً من عام 2003 وبعد  التحول الدستوري منذ عام 2005 إلا انها ـ دولة العراق ـ قننت نظاماً للحكم الذاتي للكورد منذ عام 1970 . وكذلك السودان رغم انه كان دولة بسيطة إلا أنها ـ دولة السودان ـ أيضاً نظمت حكماً ذاتياً لجنوب السودان، انهما نموذجين للدولة البسيطة في حينه مع تنظيم لحكم ذاتي، لذلك لا بد من التطرق لهذين النموذجين أيضاً قبل الانتقال الى دولة بسيطة  في اوربا تتمتع بعض أقاليمها بالحكم الذاتي وهي اسبانيا.
6 ـ نصت المادة/1/ من دستور السودان لعام 1973 على :" جمهورية السودان الديمقراطية جمهورية ديمقراطية موحدة ذات سيادة وهو جزء من الكيانين العربي والافريقي". ان المادة الدستورية السابقة أكدت على ان السودان دولة موحدة(بسيطة) بمعنى غير اتحادية فالسودان كدولة في تلك الفترة لم تختلف عن سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن أو السعودية أو مصر فكلهم دول موحدة بسيطة غير اتحادية.
المادة /6/ من نفس الدستور أكدت على النظام اللامركزي كما يلي:" تدار جمهورية السودان الديمقراطية على نظام اللامركزية وفاقاً لما يحدده القانون".
ورغم لامركزية الدولة الاداري فإن المادة/8/ من الدستور نصت على أن:" يقوم نظام للحكم الذاتي الاقليمي في الاقليم الجنوبي على أساس السودان الموحد وفقاً لقانون الحكم الذاتي الاقليمي للمديريات الجنوبية ...والذي يعتبر قانوناً أساسياً لا يجوز تعديله إلا وفقاً للنصوص الواردة فيه".
كما ونص الدستور في المادة/182/ الفقرة ب بأنه:" لا يكون في قيام الحكم الاقليمي مساس بوحدة السودان...".
وعلينا أن نعلم بان الظروف الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والإثنية في ولايات جنوب السودان والحركة الشعبية التي ناضلت طويلاً سياسياً وعسكرياً، أثرت على السلطات السودانية لكي تمنحها حكماً ذاتياً، بخلاف الدول العربية الأخرى التي لم تشهد حركة نضال سياسي ومسلح معاً في مواجهة الأنظمة باستثناء العراق الذي مر بظروف مشابهة فأضطر النظام العراقي عام1970 لمنح الكورد حكماً ذاتياً، كما هو نفسه الظرف الذي مرت فيه اسبانيا فمنحت بعض أقاليمها حكماً ذاتياً كما سنأتي إليه لاحقاً.
7 ـ من المعروف ان النظام العراقي خضع في اصداره لقانون الحكم الذاتي للأكراد عام 1970 لتأثير الحركة الوطنية التحررية الكردية التي استمرت في نضالها عقوداً من الزمن سبقت استقلال العراق أيضاً،  ولم يكن قانون الحكم الذاتي إلا ثمرة للنضال والكفاح السياسي والمسلح معاً الذي خاضه أكراد العراق لسنوات طوال، لذلك جاء نص المادة /8/ الفقرة ج من الدستور العراقي لعام 1970 على:" تتمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الأكراد بالحكم الذاتي وفقاً لما يحدده القانون".
رغم ان الظروف غير الطبيعية المتمثلة بالنضال أثرت على النظام العراقي في اصدار قانون الحكم الذاتي للأكراد لكن المشرع العراقي وتحت تأثير السلطة السياسية في العراق استطاع أن يخول السلطة المركزية رقابة واسعة وشديدة على إدارة الحكم الذاتي فباستطاعة رئيس الجمهورية بموجب القانون إعفاء رئيس المجلس التنفيذي من منصبه، الأمرالذي يجعل المجلس التنفيذي كله منحلاً بموجب القانون، كما ان قرارات المجلس التنفيذي لمنطقة الحكم الذاتي لا تصبح نافذة إلا بعد استحواز موافقة وزير العدل، بالإضافة الى قيود أخرى كثيرة تخرج قانون الحكم الذاتي من محتواه، وهذا إن دل على شئ إنما يدل على ان الأنظمة في البلدان العربية لم تقدم حلولاً للمشاكل التي كانت تواجهها ديمقراطياً وعلى أسس مصلحة الأقاليم وسكانها أو على أسس من المصلحة العامة بل أتتبعت سياسة القمع، لذلك لم تستجدي الحلول التي أقدم عليها كل من النظام السوداني والعراقي في حينه نفعاً.
8 ـ تعد اسبانيا استثناءاً كنموذج الدولة الموحدة البسيطة التي تكون مظاهر السلطة فيها موحدة من خلال وحدة سلطة التشريع، فاسبانيا رغم طبيعة الدولة البسيطة يتعدد التشريع ويتعدد المشرع ( نظام لامركزية واسعة) في بعض أقاليمها ذات النزعة الانفصالية مثل كاتالونيا وغاليس والباسك والتعدد التشريعي فيها كان نتيجة للنضال ورفع راية الانفصال مما اضطر النظام الاسباني منح تلك الأقاليم ميزات لا تتمع بها أقاليم أخرى في البلاد، فقد نصت المادة/2/ من دستور عام 1978 على أنه:" يرتكز الدستور على قاعدة الوحدة الغير قابلة للتجزئة للأمة الاسبانية، وطن مشترك لكل الاسبان غير قابل للتقسيم، ويعترف ويضمن الحكم الذاتي للجنسيات والأقاليم التي تؤلفه والضامن بينهم جميعاً".
يتبين من النص السابق بأن المتمعين بالحكم الذاتي هم أصحاب الجنسيات المختلفة وأقاليم مختلفة وذلك الاختلاف يعود واقعياً الى الاختلاف في اللغة أي على أسس قومية.
كما واعترفت المادة/152/ من الدستور بحق هذه المجموعات المستقلة أي المتمتعة بالحكم الذاتي في تشكيل برلماناتها وحكوماتها على أن يتم تسمية رئيس الحكومة من قبل الملك.
رغم الاستثناء الاسباني بشأن التعدد التشريعي في الدولة الموحدة إلا أن رسم سياسة الدولة والعلاقات الخارجية وكل ما يتعلق بالقرار السياسي يعود الى السلطة المركزية ويعد الدستور هو القانون الأسمى في الدولة ويبقى موحداً حيث لا تملك الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي بدستور خاص يتبع تلك الأقاليم، ويبقى الدستور والقانون الوطني هما اللذان يفصلان في كافة النزاعات، وبهذا حافظت اسبانيا على وحدة الحكم رغم تجزئة الهيئة التشريعية.
هذه النماذج الثلاثة في آسيا حيث العراق. وأفريقيا حيث السودان. وأوربا حيث اسبانيا نصت دساتير تلك الدول الثلاثة في حينها على الاعتراف لبعض أقاليمها بالحكم الذاتي و لم يكن ذلك الاعتراف إلا نتيجة للنضال المتواصل السياسي والمسلح ولم يكن نتيجة الأيمان بأن منح تلك الحقوق مستند على أساس حق الشعوب والأقليات المختلفة إثنياً في تقرير مصيرها أو من منطلق الايمان بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.
اللامركزية السياسية:
بعد هذا العرض للامركزية الإدارية في الدول المختلفة والتي يتميز بتوزيع وتجزئة الوظيفة الإدارية ووحدة التشريع والهيئة التشريعية (اسبانيا استثناءً) ووحدة سلطة الحكم في الدول الموحدة يمكن فهم اللامركزية السياسية بأنها توزيع للوظيفة السياسية والحكم وبالأخص هيئتها التشريعية، وعندها نكون أمام دولة غير موحدة، أي سنكون في تلك الحالة أمام دولة اتحادية (فيدرالية)، فما يميز وحدة الدولة هو وحدة السلطة السياسية بهيئاتها التنفيذية والقضائية والتشريعية التي تتولى وظائفها وفقاً لدستور واحد وقوانين موحدة، وإذا ما أسلمنا بالاستثناء من الناحية التشريعية كما في حالة اسبانيا رغم بعض القيود إلا أن وحدة السلطة السياسية بهيئتها التشريعية هي الأهم و لا تعتبر تجزئتها استثناءً، فبتجزئتها سنكون أمام دولة اتحادية (فيدرالية).
كما أن نظامي الإدارة المحلية والإدارة الذاتية يخضعان للقانون الوطني كون مناطق الحكم الذاتي ومناطق الإدارة الذاتية لا يتمتعان بالشخصية الدولية، بعكس النظام الإتحادي الذي يكون للقانون الدولي صلاحية النظر في الكثير من المنازعات الحاصلة بين الإقليم الإتحادي والمركز.
وإذا ما أسقطنا الدراسة على الوضع السوري فمن الصعوبة (إن لم يكن من المستحيل) راهناً الأخذ بها وخاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار النضال السياسي السلمي للمجموعات القومية، وغياب الثقافة والممارسة الديمقراطيتين الحقيقية لدى الشعب السوري نتيجة أنظمة القمع التي كانت سبباً لتشوهات وتصدعات حقيقية للمجتمع السوري المتنوع، كما ان التداخل الكثيف بين القوميات المختلفة في المناطق الكردية له تأثيره الكبير في الأخذ بذلك النموذج. واللامركزية السياسية مصطلح رغم تداوله لكنه ينطوي عملياً ودستورياً على نماذج معينة ومحددة دستورياً كالاتحادي، أو الفيدرالي. أما الحكم الذاتي والإدارة الذاتية فهما شكلان أو اسلوبان من أساليب التنظيم الإداري أي اللامركزية الإدارية (لايهم ضيقاً أو اتساعاً) كما ينطوي على جانب من الحكم أيضاً، ومن الجائز  منح الإدارة الذاتية والحكم الذاتي لإقليم، أو لمجموعة بعينها إذا ما كانت  مختلفة عن المجموعات الأخرى في الدولة. ففي اسبانيا تم منح الحكم الذاتي لبعض الأقاليم على أساس نظام الأقلمة ، وقد تم نظام الأقلمة على اعتبارات معينة وليس على أساس إداري.
ففي سوريا يمكن منح الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية لإقليم معين كمحافظة الحسكة أو محافظات أخرى، كما يمكن منح قومية ما إدارة ذاتية أو حكم ذاتي على أسس قومية، وكلا الحقين سواءً على أساس قومي أو على أساس إداري لا يعتبران لامركزية سياسية باعتبارهما لا يجزءان السلطة السياسية وخاصة بهيئتها التشريعية.
واللامركزية السياسية تنطوي على تجزئة السلطة التشريعة بين المركز والاقاليم، حيث تتمتع الأقاليم  بدستور خاص وهيئة تشريعية تسن القوانين بجانب دستور الدولة والهيئة التشريعية التي تسن القوانين في المركز، وفي هذه الحالة نكون أما دستور وهيئة تشريعية في المركز ودستور  وهيئة  تشريعية بحسب عدد الأقاليم، وهذه التجزئة لا يمكن تصورها في الدولة الموحدة البسيطة بل في الدول الاتحادية أي الفيدرالية، وبهذا يكون هناك تطابق بين مصطلحي اللامركزية السياسية والفيدرالية مع فارق ان مصطلح الفيدرالية أو الدولة الاتحادية هو شكل من أشكال الدول وتعبير دستوري تنص عليه دساتير الدول التي تتبنى ذلك الشكل، أما مصطلح اللامركزية السياسية فهو مصطلح تفسيري سياسي أكثر من كونه  دستوري ولا يعبر عن شكل الدولة ـ دستورياً ـ كما لا تنص عليه دساتير الدول، بل يتم استعماله في الأوساط السياسية كتعبير سياسي عن الدولة التي يكون قرارها السياسي موزعاً بين أكثر من جهة، وهو مصطلح حديث نسبياً ينم عن ترف لغوي في الشروحات السياسية،

ملاحظة(2): تم اعداد هذه الورقة  بعد مراجعة أكثر من ثلاثين دستوراً وقانوناً بالإضافة إلى مراجعة بعض مواضيع القانون الدستوري والقانون الإداري المتعلقة بالموضوع لكبار فقهاء القانون العام. وقد استحق الموضوع بالتطرق إليه أكثر عمقاً واتساعاً لكنني توخيت ذلك الاتساع وأوليت الإهتمام بإختزاله ـ الذي لم يعد بالإمكان اختزاله أكثر من ذلك ـ حفاظاً على تحاشي الملل في قرائته وبنفس الوقت الحفاظ على مضمونه، رغم انه من الصعوبة جداً اختزال هكذا موضوع في صفحات قليلة دون أن يفقد بعض جوانبه المهمة التي آثرت أن أحافظ عليها.
المصدر: جريدة آزادي، الجريدة المركزية لحزب آزادي الكردي في سوريا، العدد 442، تاريخ 03/05/2012.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12634