إن الإطار الدستوري والقانوني هو الذي يحدد مستوى وقابلية الاندماج الوطني في أية دولة. فإذا بني على أسس العدالة والمساواة والشراكة واحترام الهويات والخصوصيات، وقبل هذا وذاك على المواطنة الكاملة، فإن هذا كفيل بتحقيق الاندماج الوطني والتماهي في النظام السياسي الحديث. من هنا فإن الدولة ذات التعدد القومي والديني والثقافي يجب أن تنأى بنفسها عن أن تكونم ملك لجماعة قومية بذاتها، أو لدين بعينه، وعليها أن تنبذ سياسيات الاستعلاء والاحتكار، أو فرض هوية واحدة على الجميع، واستبعاد الجماعات والأقليات الأخرى. وعليها بدلا من ذلك القبول بأن يكون المواطنون متساوون بالكامل في الحياة السياسية من دون الاضطرار إلى إخفاء أو إنكار هويتهم القومية أو الثقافية أو الدينية الخاصة بهم.
وتنطلق المنظمة الآثورية الديمقراطية في مقاربتها للمسألة الوطنية في سوريا من احترام الدولة السورية بحدودها الراهنة المعترف بها من الأمم المتحدة، بما في ذلك الجولان المحتل، باعتبارها وطنا نهائيا لجميع أبنائها، وتدعو لتسمة الدولة ب"الجمهورية السورية" بدلا من "الجمهورية العربية السورية"، لتكون للعربي والكردي والأرمني والآشوري السرياني. وهذا لا يلغي عروبة مواطنيها العرب، مثلما لم يلغي عدم ورود صفة العروبة في دول الأردن والعراق والجزائر وتونس عروبة مواطني هذه الدول, كما تعمل على إعادة الاعتبار للرابطة الوطنية السورية وتنميتها وتعزيزها، وبناء هوية وطنية سورية جامعة، تنهل من حالة التعدد القومي والديني والثقافي التي يتصف بها المجتمع السوري، هوية وطنية عصرية تتجاوز حالات الانقسام المجتمعي سواء على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو مناطقي، كمدخل لا بد منه لمعالجة الخلل والشرخ الكبير في الرابطة الوطنية، وتحويل حال التنوع إلى عامل غنى وثراء وطني، بدلا من أن تكون عام تمزيق للهوية السورية ومهدد لوحدتها الوطنية, وهذا يستدعي من الجميع رفض كل أشكال التعصب والتطرف والاستعلاء القومي والديني، والعمل على أشاعة ثقافة المواطنة والاعتدال والتسامح والقبول بالآخر، وجعل الحوار قاعدة أساسية للعلاقة بين مكونات المجتمع والتيارات السياسية والفكرية المختلفة، كما تفرض على القوى السياسية القومية والدينية التحلي بالواقعية، والتخلي عن أجنداتها ومشاريعها المثالية التي تحيل البلاد إلى مجرد قطر أو ولاية في منظومة متخيلة لا تجد صدى لها في الواقع، وعليها الانصراف إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة قادرة على تحقيق الرفاه والازدهار لمواطنيها، وقادرة على التفاعل والتكامل مع محيطها الإقليمي والمجتمع الدولى وفق سياقات عصرية ومتطورة تلبي مصلحة شعبها ومصلحة الوطن عموما .
رابعا: رؤية للمرحلة الانتقالية
برأي منظمتنا قبل الشروع في التفاوض حول المرحلة الانتقالية لتأمين انتقال هادئ وسلمي للسلطة، لا بد من توفير البيئة المناسبة لإطلاقها وهذا يقتضي:
أولا: وقف جميع أعمال القتل والاعتقال، سحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والبلدا السورية، الإفراج عن كافة المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة، إيصال المساعدات الإنسانية للمدن المنكوبة دون إعاقة، السماح بعودة اللاجئين والمنفيين عودة آمنة وكريمة، السماح لوسائل الإعلام العربية والدولية والمنظمات الحقوقية والإنسانية للعمل بحرية في سوريا، محاسبة المسؤولين عن قتل المواطنين السوريين.
ثانيا: البدء بمرحلة انتقالية تقوم على:
- تشكيل حكومة مؤقتة من كافة أطياف المعارضة مع قيادات من المؤسسة العسكرية ممن لم تتلوث أيديهم بالدم والفساد لتسيير المرحلة الانتقالية وحفظ أمن البلاد ووحدتها حال سقوط النظام
- تدعو الحكومة المؤقتة إلى مؤتمر وطني جامع لا يستثنى منه أحد، لوضع برنامح وملامح المرحلة الانتقالية مع ممثلي المجتمع السوري من كافة الأطياف
- تتولى الحكومة المؤقتة مهمة توفير المناخ المناسب لتنظيم الحياة السياسية في البلاد، وتوفير الشروط الملائمة لإطلاق حرية عمل الأحزاب والنقابات، ووضع قوانين ديمقراطية وعصرية للإنتخاب والإعلام
- تنظم الحكومة المؤقتة خلال سنة كحد أقصى، انتخابات حرة بإشراف عربي ودولي لانتخاب جمعية تأسيسية مهمتها وضع دستور جديد للبلاد، يتم إقراره عبر استفتاء شعبي، أو يناط ذلك بالجمعية التأسيسية كما جرى في دساتير سورية سابقة
- تجري انتخابات نيابية حرة في مدة أقصاها ستة أسهر وفقا للدستور الجديد
- ينتخب البرلمان رئيسا للجمهورية
- تشكيل حكومة دائمة تناط رئاستها بالحزب أو الكتلة الفائزة في الانتخابات النيابية
- الافراج عن المعتقلين والتحقيق بمصير المفقودين، وتعويض أسر الشهداء والمنكوبين وسائر المتضررين
- تشكيل هيئة قضائية مستقلة مهمتها تلقي الشكاوى من المواطنين والتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري وإحالة مقترفيها إلى القضاء
- تشكيل هيئة مصالحة وطنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والمتطوعين من أجل إزالة رواسب الاستبداد والإفساد وقطع الطريق على حالات الثار والانتقام
خامسا: المبادئ العامة الناظمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا الجديدة
- سورياالجديدة دولة ديمقراطية علمانية، نظامها جمهوري برلماني، السيادة فيها للشعب، ويقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل السلطات وتداول السلطة سلميا، وسيادة القانون وحماية الأقليات وحقوقهم, وهي تضمن لمواطنيها ما ورد في الشرائع الدولية من حقوق للإنسان، والحريات الأساسية في الأعتقاد والرأي والتعبير والاجتماع والإعلام وغيرها، كما يكون جيمع مواطنيها متساوين في الحقوق والواجبات دون أي تمييز على أساس القومية أو الدين أو الجنس
- تطبيق نظام اللامركزية الإدارية وإعطاء صالاحيات واسعة لمجالس المحافظات والمجالس المحلية بما في ذلك انتخاب المحافظين ورؤساء مجالس المدن
- المساواة التامة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات، وإلغاء كافة أشكال التمييز والعنف ضد المرأة، وسن قوانين تضمن تمثيلا عادلا للمرآة في كل المؤسسات والسلطات
- الاعتراف الدستوري بحالة التنوع القومي، وضمان الحقوق القومية للأكراد والآشوريين السريان وغيرهم,
- تحييد الجيش عن العمل بالسياسة وحصر مهمته في الدفاع عن الوطن وحمايته
- إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وحصر مهامها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطن
- الالتزام بخطط طموحة للتنمية الاقتصادية والبشرية، وبمكافحة الفقر، وإيلاء الاهتمام بالمناطق المحرومة وتحقيق مبدأ الإنماء المتوازن في كافة المحافظات
- تحقيق العدالة في توزيع الثروة الوطنية، بحيث تكون الموارد الوطنية ملكا للسوريين جيمعا، وتوحيه ثمار التنمية نحو رفع مستوى حياة جميع المواطنين
- الالتزام بالقضاء على ألأمية والارتقاء بمستوى التعليم في كافة مراحله، وتحرير المناهج الدراسية من الخطاب العاطفي، والتحول نحو خطاب علمي وعملي للاندماج في مجتمع جديد يحقق الخير والأمان لجميع المواطنين
- تحرير الإعلام والسماح بإقامة مؤسسات إعلامية خاصة ومستقلة، تلتزم بمعايير المهنية والنزاهة، وقادرة على مراقبة تطبيق القانون وتقويم أداء المؤسسات الحكومية
- ضمان حق المرأة والطفل وحماية الأسرة، وتوفير الضمان الصحي لكل أفراد المجتمع وسن قوانين عصرية للتضامن والتكامل الاجتماعي ورعاية أصحاب الاحتياجات الخاصة
- العمل على استعادة السيادة الوطنية على الجولان المحتل استنادا على القرارات الدولية ذات الصلة
- اتباع سياسة خارجية تستوحي مبادئ وقواعد القانون الدولي القائمة على احترام سيادة الدول، وصيانة السلم الأهلي، وإقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية ودول الجوار الإقليمي وبقية دول العالم بما يخدم ويحقق المصالح الوطنية لسوريا
ختاما نشكر إدارة مركز القدس للدراسات السياسية على مبادرتها وجهودها لإقامة هذه الورشة، ونأمل أن تكون هذه المبادرة خطوة على طريق نقل بدلنا لحبيب سوريا إلى شاطئ الأمان، ويجنبها المزيد من المآسي والآلام، ويؤمن لشعبنها وأجيالها مستقبلا جديدا، تنتفي منه كافة أشكال الظلم والقهر والاستبداد، ويسود فيه الأمن والاستقرار والعدل والمساواة والحرية والديمقراطية التي يحلم بها السوريون جميعا.
* ورقة مقدمة من بشير اسحق سعدي مسؤول "مكتب العلاقات العامة في المنظمة الآثورية الديمقراطية" لورشة العمل التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية بعنوان المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية نحو توافق وطني حول دستور جديد لسوريا التي عقدت في البحر الميت بالأردن
في الفترة من 25-27 آذار 2012