عندما يتحول الحزب السياسي، من وسيلة إلى غاية
التاريخ: السبت 16 كانون الأول 2006
الموضوع:


بقلم : خالص مسور
xalis@myway.com

الحزب السياسي هو مجموعة من الناس، يجمعهم الإيمان بمجموعة مباديء معينة بغية تحقيق أهداف محددة. من خلال هذا التعريف المبسط يمكن القول: بأن مجموعة من الناس وجدوا أن لهم مطالب لا يمكن تحقيقها وهم في حالة من الفوضى، لا يجمعهم جامع ولا يربطهم ببعضهم رابط، ولذلك انتظموا في حزب واحد لغرض تحقيق هدفهم عن طريق هذا الحزب أو التنظيم. وقد يكون هذا الهدف إما تحرير شعب يعاني من إحتلال أراضيه أو للإستحواذ على السلطة في دولة ما، أو لتولي مناصب فيها بطرق مشروعة وغير مشروعة (إنقلاب)، حيث يرى هؤلاء الأفراد أنفسهم جديرين بتطوير دولتهم ورفع مستوى شعبهم، بما يحملونه من أفكار يرونها صالحة لازدهار وطنهم ودولتهم... وفي كل الأحوال يكون الحزب وسيلة وليس غاية بحد ذاته.

ولكن الشيء الأخطر في الحزب هو أن يتحول من وسيلة إلى غاية، أي من وسيلة للتحرير واستلام السلطة ديموقراطياً يعمل على التحديث والتطوير، إلى مؤسسة تضع نفسها قبل مصلحة الوطن أو قبل أي اعتبار آخر، بل يعمل على إزاحة الأحزاب الأخرى عن طريقه والإستفراد بالسلطة ومقدرات البلاد والعباد، أو يتحول إلى مطية لتحقيق غايات وطموحات شخصية، لفرد أو مجموعة من الأفراد، يركبون تيار الحزب ويعملون على تحقيق مصالحهم وأهدافهم الخاصة، أي تأتي أهدافهم ومصالحهم الشخصية قبل مصلحة الحزب والوطن معاً. وفي الأحزاب الكردية شأنها شأن غيرها من الأحزاب العالمثالثية تكون كردستان هي الكلمة الرابعة من حيث التسلسل المصلحي البراغماتي، في سلم أولويات معظم هذه الأحزاب والحزبيين المنتسبين لها. حيث تأتي المصلحة الشخصية أولاً، والمصلحة الحزبية ثانياً- ثم المصلحة الوطنية آخراً- وهذا هو التسلسل الذي قلنا عنه بالخطير في مسيرة أي حزب سياسي، وجميع الاحزاب السياسية في الدول النامية تسير على هذا المنحى ولا تخالفه.
وفي هذا الصدد، يقول جرجيس فتح الله المحامي من خلال خبرته وتجربته الحزبية في كردستان العراق يقول: خلال كل الإجتماعات الحزبية التي كانت تعقد في كردستان العراق، وخلال كل مراحل النضال – كان مصلحة الحزب تاتي قبل مصلحة الوطن. ولكن لايخلو الأمر هنا وهناك من قادة وفئات نخبوية مضحية وغيورة على مصلحة أوطانهم وشعوبهم كالشخصية الثورية نلسون مانديلا مثلاً، والبعض من القادة والزعماء الكرد الذين تفانوا في خدمة بلادهم وشعبهم. وقد يكون البعض من هؤلاء المخلصين مهمشين في الغالب أثناء اتخاذ القرارات الحزبية، حيث الإنتهازيون أقدرعلى حبك المؤامرات والدسائس عن طريق ثلة من الإنتهازيين وتكتلاتهم الدائرية ضمن الحزب، لمنع زملائهم الآخرين من تولي مناصب قيادية قد يجري استبعادهم منها لاحقاً، وهو ما يعكس طموحاتهم في اعتلاء سدة الحزب أو مناصب قيادية بارزة في الدولة للأحزاب الدولتية مثلاً. وفي العادة نرى أن النخبة الحزبية الحاكمة - ككل الساسة في العالم الثالث- مخلصون للحزب ولمبادئه مادموا يتولون زمام المسؤلية فيه، ويطالبون الآخرين بالإخلاص له، ولكن حالما يتم تجريدهم من مناصبهم الحزبية يتحولون إلى أناس آخرين ويقومون بحبك المؤامرات، وإنشاء التكتلات ضمن أحزابهم ليستعيدوا مناصبهم القيادية المفقودة. وهو ما يجري كذلك ضمن الأحزاب التي لم تتول السلطة بعد.
ومن هنا تفتح أبواب الإنشقاقات حينما يرى الإنتهازيون أنهم لايستطيعون إستعادة مناصبهم عن طريق التكتلات الحزبية، وهؤلاء قد يقودهم قائد واحد إلى الإنشقاق وتمزيق الحزب، وفي بعض الحالات قد يرى أحدهم نفسه مغبوناً وأنه أكثر كفاءة وأكثر إخلاصاً لمباديء حزبه، وقد لاتعجبه تصرفات رئيس الحزب وكتلته المتعاونة معه، وفي الحالتين حالة الإنتهازي الذي يبغي الوصول إلى السلطة الحزبية، وحالة الإنسان المخلص الذي يرى نفسه أصلح للقيادة وأكثر براغماتيكياً من الآخر الإنتهازي الذي تولى منصبه القيادي عن طريق التكتلات الحزبية، ولكنه يصطدم بجدار الدوغمائية العقائدية والتنظيمية، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية لتشتيت الحزب، وفي كل الحالات يكون الإنشقاق هو الحل البديل لكل مايجري في السر والعلن.
 يقول لينين بما معناه: ألانشقاق شيئيء محزن ولكنه - وفي كل الأحوال- قد يكون هذا الإنشقاق لمصلحة الحزب الذي سيخرج منه الإنتهازيون وأصحاب المصالح الأنانية الضيقة.... وهذا هوعين مانراه يجري لدى الأحزاب الممتدة على الساحة الكردستانية أيضاً، والتي انقسمت ولاتزال تنقسم بمتوالية هندسية..! إلى مايقارب الأربعة عشرحزباً ويزيد، ولهذا نرى الإنشقاقات هي ديدن هذه الأحزاب الكردستانية جميعها. فحينما تنشق مجموعة عن حزب معين، نرى سرعان ما تنادي هذه المجموعة بالوحدة - من جديد- مع الحزب الذي انشقت عنه نفسه، وذلك كوسيلة لفرض آرائها والتخفيف من غلواء الفرد المتحكم بأمور الحزب عن طريق كتلته القوية مثلاً، أوأن هؤلاء المنشقون يحاولون الإنضمام إلى حزب سياسي آخر في سبيل تحقيق مكاسب شخصية لديه، والذي سينشقون عنه بعد فترة وجيزة وهكذا.
ولاغرابة في ذلك فالإنشقاقات لدى الاحزاب القومية التحررية أشبه بزواج الممثلين السينمائيين وطلاقهم نظراً لكثرة المغريات وسهولة التنفيذ والتعديل، ولهذا قد نرى الكثيرين من أفراد هذه الأحزاب يجيدون لعبة القطة والفأر، والكر والفر، وينغمسون في المناقشات الحامية والخداع والمراوغة والتبرير، ويتقنون لعبة الجيدو اليابانية لإلقاء الخصم أرضاً والخصم دوماً هو كردي آخر مثلهم، ويجيدون المهارة في المناقشات والجدل التهكمي على طريقة سقراط. فمتى ما التقيت بأحدهم ممن تمرسوا في العمل السياسي، قد تقرأ في سيمائه وملامح وجهه الوادعة والتواضع وهو مايخفي شيئاً غير قليل من الخبث والدهاء، فيظهر نفسه بمظهر الحمل الوديع والآخرون غيره ذئاباً أو خونة وعملاء وهو وحده الطاهر الشريف. هذه الأمور كانت أشد إيلاماً فيما مضى، ولكني اعتقد ان آثارها قد خفت اليوم بعد ازدياد الوعي والإحساس بنبل الموقف الذي نذر نفسه الحزبي الكردي الحديث لها وما هو مطلوب اليوم هو تحديث العقل الكردي، وإجراء تطهير أرسطي له من كاريزمات الإنشقاق والأنانية والمصلحة الشخصية الضيقة، والإنعزالية والتقوقع، والبحث عن الشهرة لدى البعض من المثقفين الكرد على حساب زملائهم الآخرين، والعمل على بناء صداقات سياسية ومبدئية مع عناصر شريفة من الشعوب التي يعيش الأكراد معها في وطن واحد، أو ممن تتحكم حكوماتهم بمقدرات كردستان ولا تعترف حتى بوجود الكرد، وذلك عن طريق التثقيف والمثاقفة وترسيخ الوعي السياسي بالدرجة الأولى، والذي يميز المناسب من الأنسب والقبيح من الرديء... . هذا وباعتقادي يمكن إرجاع السلبيات الحزبية التي أتينا إلى ذكرها آنفاً إلى عدة أسباب منها:
1- إن الاكراد لم يشكلوا دولاً مستقلة منذ العصور القديمة، ولهذ فلم يتمرسوا في الممارسة السياسة بما فيه الكفاية، وافتقدوا المقومات الستاتيكية في الشخصية السياسية.
2- لقد كان الكردي - على الدوام- نكرة في مجتمعه الدولتي، فلم تسمح له القوميات الأخرى بإشباع رغباته وطموحاته في المناصب وحرية الكتابة والتعبير، وإنما كان ولايزال هذا الفرد الكردي - رغم كفاءته المعرفية والسياسية- يرى نفسه مهمشاً في الحياة الإجتماعية- السياسية- الإقتصادية، وإنه يرى دوماً فوق رأسه فرد من القوميات الاخرى يقمعه ويقف في وجه طموحاته المشروعة في السياسة والصحافة والكتابة وحتى العمل اليومي الحر، أوفي تولي المناصب الحكومية وغيرا الحكومية، فيبقى هكذا مغموراً رغم مؤهلاته العلمية والثقافية وغير الثقافية.
3- وعندما أحس الفرد الكردي مؤخراً بوجود هامش - ولو بشكل ضيق ومحدود- للحراك الثقافي والسياسي يتحرك فيه، كان همه الأول البحث عن مقومات شخصيته المفقودة، ومن ثم البحث عن الشهرة ورؤية علمه ورسمه في الصحافة والفضائيات الكردية أو العالمية، وأن يظهر اسمه في الجرائد والمجلات ومواقع الإنترنيت حالياً وهذا هو حقه المشروع أسوة بغيره من مثقفي وكتاب الشعوب الأخرى، ولكنه يستخدم في كثير من المرات العنف التجادلي  ويهاجم زملاءه الآخرين كطريقة وحيدة لإزاحتهم عن طريق شهرته، فيزاحم ويجادل حتى درجة العراك بالايدي مع غيره من المثقفين الكرد على مركز المثقف الأعلم والأكثر شهرة، وطبعاً سيكون هذا الجدال والتنافس بين المثقفين الكرد طبيعياً لو بقي ضمن إطار المنافسة العلمية الشريفة، ولو لم تمتد إلى الإساءات الشخصية ذاتها. وهنا لاأعني أن كل الساسة والمثقفين هكذا، فهناك استثناءات ونخب جيدة ومضحية كما قلت منذ البداية وأكرره الآن، وهذا شيء بديهي في المجتمع الكردي المتصف بالأخلاقية والإنضباط الإجتماعي.
ولهذا أؤكد - وبشكل عام- على وجود حالة غير طبيعية في المشهدين السياسي والثقافي الكردي، رغم أنني قد لا ألوم المزاحمين على الشهرة والمناصب القيادية من هؤلاء المثقفين والساسة معاً، لو لم يكن ذلك - مرة أخرى- على حساب عرق جباه الآخرين وكدهم وأتعابهم وعلى حساب مصالح الكاريزمات الوطنية، ولا أقول هنا أن الذنب كله هو ذنب هؤلاء المثقفين أو الساسة أنفسهم، فهناك عوامل تاريخية وسياسية ساهمت في إيجاد مثل هذه الظاهرة السلبية لدى هذه الشريحة السياسية والمثقفة كذلك. لأنهم لهم طموحات لاحدود لها وئدت وتطلعات مشروعة دفنت، ولهذا كانوا كأصحاب الكهف والرقيم نيمتهم الإضطهادات المتتالية على أيدي الحكومات المتعاقبة التي تضطهد الكرد في كل أماكن تواجدهم، ولكنهم استيقظوا اليوم وهم يترنحون من أثر النوم الطويل ويبحثون في فضاءات سكر وأحلام لذيذة عن شانهم ومستقبلهم. فالشخصية الكردية المثقفة بشكل خاص تريد أن تعرف الآن أين هو موقعها في مجتمعها وفي العالم أيضاً سواء بسواء، وهذا حق من حقوقها المشروعة التي سلبت منها، ولكني أؤكد – مرة أخرى- على ألا يكون بالطريقة التدافعية المحبطة والمهلكة في آن، فالتدافع يهلك حتى حجاج بيت الله الحرام في أقدس الأماكن وأطهرها.
فلدى الكرد اليوم كوادر لابأس بها، بل حتى نخب متميزة من السياسة والمثقفين في جميع أجزاء كردستان، وهم محل تقدير واحترام، ومخلصة لقيمها السياسية ولثقافتها الأصلية، وإن لم تكن معظمها خالية من كاريزمات المصالح الشخصية الضيقة أحياناً.
4- عرفت هذه الأحزاب نقطة الضعف الأثيرة لدى بعض المثقفين الكرد، فبدأوا يستميلون معظم أفراد هذه الشريحة المثقفة بشتى الإغراءات والوسائل المتوفرة لديهم، بالولائم والعزائم، وبفضائياتهم وجرائدهم وندواتهم ومهرجاناتهم...الخ. وخاصة أن الكثير من هؤلاء المثقفين هم - ومع الأسف- من أصحاب المطامح الشخصية غير المحدودة ومستعدون لتبويس لحى السياسيين في سبيل حضور مهرجان أولقطة فضائية مثيرة، بينما يتهربون وبكل بساطة من أبسط واجباتهم الوطنية اللهم إلا إذا كانوا هم في الطليعة دوماً.
وبتوضيح أكثر نقول: تأتي استمالة المثقفين من قبل السياسيين لهدفين اثنين.
الأول: هو جعلهم مداحين لههم ولأحزابهم، ومروجي أفكار وأدلاء على نشاطات هذه الاحزاب ولو لم ينتسبوا إليها، وهكذا أصبح المثقف تابعاً للسياسي وليس العكس وهي ظاهرة مقلوبة مثل جدلية (هيجل) التي وصفها ماركس يوماً ما، بأن رأسها في الأسفل ورجليها في الأعلى .
والثاني: هو إن لم يصبح المثقف مروجاً لنشاطات هذا الحزب أو ذاك، فلن يصبح على الأقل معادياً له، ويسلم الحزب من شروره وسلاطة لسانه. وهكذا فمجمل ما أتينا على ذكره، قد يكون سبب مانراه اليوم من مهاترات ونقودات للجوانب الشخصية تصل إلى حد الشتم والسباب بين بعض المثقفين الكرد المندفعين بحماسهم الزائد نحو الشهرة الزائفة لاغير! وأعتقد - مع الأسف- أن شعباً هذا هو سياسيوه ومثقفوه وعيونه فلن يفلح في تحرير نفسه على المدى المنظور، ولهذا يجب البحث عن الحلول والتحديث والتجديد للعقلين الثقافي والسياسي الكردي عاجلاً وليس آجلاً، وقبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة، وعندها ستحل المصيبة الكبرى، لأن العالم في حالة عولمة سريعة وإذا لم يكن الأكراد مؤهلين وجاهزين لها فستفوتهم قطار الحرية والأمل.
وأقول هنا ومن منظوري الخاص: لايشتهرالعبد الذي لا يتطلع إلى الحرية إلا بالمزيد من العبودية، والمثقف الذي لا يتطلع إلى حرية شعبه أولاً، فلن يكون سوى عبد زادته ثقافته احتراماً لدى أسياده!. وهكذا تجري اليوم تشويه فضاءات السياسة والثقافة الكرديتين، والتفريط بالخطاب النقدي السياسي والثقافي الأصيلين، حيث ليس هناك من يسلط سلاح النقد البناء على ممارسات السياسيين ونتاجات المثقفين والأدباء الكرد، وجل مانراه على هذه الساحة هو ثقافة الردود والمهاترات بكل عنفوانها وضراوتها، أي ما يمكن أن أسميه بالإقتتال الثقافي، والنقد الشخصاني المسلح والمتأصل في سيكولوجية المثقف المقهورمن نفسه أولاً، والمقهور من حكومته ومن وسياسييه ومن منافسيه ثانياً!.
وما نعلمه اليوم هو، أن ظاهرة نكران الجميل والمحسوبية والمحاباة هي من كاريزمات الأحزاب والمجتمعات العالمثالثية بامتياز، وعلى سبيل المثال فالذي لا ينتسب إلى حزب معين لا يعد حتى كردياً من الدرجة الأولى لدى أفراد هذا الحزب أو ذاك، بل ربما يذهبون به إلى أبعد من ذلك فيعاملونه على مبدأ، الكردي هو من يكون معك وفي حزبك، ومن في الحزب الكردي الآخر هو عدو محتمل، وقد يكون أي شيء إلا أن يكون كردياً مخلصاً، فاقداً لشخصيته الإعتبارية، فمقياس الوطنية لدى الحزبي العالمثالثي هو فقط من ينتسب إلى حزبه. ولهذا فالوطنية الكاملة لدى الأحزاب السياسية الكردية هو أن تكون منتسباً إلى ذاك الحزب دون غيره. ليتحول الحزب باقتدار إلى غاية وليست الوسيلة، وأن قيمة كل امريء في حزبه وحزبيته، وهذا هو سبب رئيس في تخلفنا وتقدم الآخرين.
         






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1249