يا عالم، هذه صراعات حزبية وليست مسيرات كردستانية ..الكرد والثورة براء من هذا الصراع
التاريخ: السبت 21 نيسان 2012
الموضوع: اخبار



د. محمود عباس

  البحث عن الذات الضائعة، في جغرافية مَلكَها الكرد، أي كان مدارك الإنتماء ل "جغرافيا قائمة حديثاً، أو مدمّاة تاريخياً " وإعتماداً على تاريخ سطر بالكوارث، يعد من أحد أعظم الأهداف، لكن طرح الشعارات إسماً شكلياً، وماهية التحزب يلوح في سماء الساحات في الواقع العملي، ليغطي على الوطن والأمة والقضية الكردية، وتبقى الشعارات الرئيسة مهمشة أمام وجود شعارات التحزب، وإن وجدت، يكون وجوداً متلكأ خجولاً، وعليه فلا عجب، أن تصبح الجغرافيا في حلقة الصراع، والإنكار، والتاريخ المدماة في ماوراء الذاكرة الحاضرة، ضمن مجريات التهميش.


    المصيبة المقارنة، هي الذات الشاردة للإنفرادية في العمل، وخلق الضياع عمداً، وتشتيت خلفيات مدارك الجيل الثائر كردياً، وتحييدأ لمفاهيمهم عن الصراع من أجل الغاية الكردية، إلى الصراع من أجل الوجود الحزبي والذات الحزبية، وخلق ثقافة الحزب في الفرد الكردي، بعد إن كان ثقافة العائلة، والإنتماء إلى العشيرة، مع ضبابية القناعة بوجود الوطن والأمة، والقضية الكردية ، واسباب عدمها.

  الصراع في المناطق العربية والمدن الساخنة  في سوريا يدور بين جبهتين واضحتين،  الشعب  وفي مقدمتهم رواد الثورة الشبابية، والنظام الحاكم بكل رموزه، الكل يعرف ويعي الخطوط الرئيسية في هذه المسيرة، وأي الجبهات هي التي تحويه ويدافع عنها.
    لكن في المناطق الكردية، يتصارع الكرد على عدة محاور، الثورة الموجهة ضد النظام، كما هي في الواجهة عند الحركات الشبابية، لكنها عند الأحزاب السياسية مطمورة، ولا تزال في الخفاء، حسبما يقال " ضد النظام " وليس مع شعار " إسقاط النظام " والتي هي بينة للجميع، والكل ساكت على التكتيك!.
  مأساة التلاعب بالمفاهيم والأهداف، والشعارات، والوطنيات، التي يتزاودون بها على البعض لتمويه وعي الشعب. ما بين المجلسين " المجلس الوطني الكردي " و " مجلس الشعب " الكردي، سكوت ظالم مشوب بالخداع، على الصراعات المؤلمة بين الشارع الكردي والشارع والكردي، بين الأحزاب والأحزاب، وبين شباب الثورة والأحزاب، بين المثقفين والأحزاب، بين قوى كردية خارج إطار جغرافية سوريا في ساحات كردستان الغربية. الصراعات معظمها، ربما حتى اللحظة، كلامية يعبر عنها بمسيرات متناقضة، والشكوك متناثرة بإنها تعدت السجالات وإحتلال الشوارع، والسيطرات الشكلية من خلف ستار السلطة لبعض الساحات.
    بدون تكاتف الكل الكردي، ستكون المواجهة أو الدفاع عن الذات هزيلة وضعيفة حتى بين الكرد نفسه، وسوف تؤدي هذه إلى صراع كردي كردي مأساوي في القادم من الزمن! الحراك بهذه الطريقة الفردية الآن وبدون التفاهم والشراك الكلي، الحزبي والمستقل والشباب الثوري، ليست سوى محاولة لسيطرة بعض الأحزاب على أحزاب  أخرى، علماً بأن الكل كردي بالأسم والكلام والشكل، لكنهم حزبيون، لا قضية للكل الكردي أو لجغرافيا كردستانية فيه وجود، بل الحزب هو الموجود والمصارع، والثائرون معظمهم من أجل الذات الحزبية قبل أن تكون وطنية أو قومية! أصبح الكردي هنا قطعة شطرنج، سهلة نقله من هنا إلى هناك، والتضحية به لإنقاذ ملك ذاتي أو أجندة خارجية، الصمت على هذا الإيمان الأعمى بالموجود الحزبي، والقناعة بدون إدراك وتأويل، ترسل بالكردي إلى هاوية الفشل، سيلاحقه فشل كردستاني، أو ربما هي إستمرارية لديمومة الفشل الكردي سابقاً.
  المسيرات التي جرت على جغرافيا الوطن الكردي، تحت شعار " هنا كردستان " يعتبر أجمل وأقوى تعبير يمكن ارساله إلى الخارج الكردستاني، إلى ذاك الوجود الذي لا يكن إعترافاً بالقضية أو حتى بالوجود الكردي. لكن ما شوه ويشوه جمالية إثبات هذه الذات الكردية في الشخص الكردي وعلى جغرافية يرفضها الآخر عداوة، حتى ولو حكمنا جدلاً بإنها جغرافية في الخيال مستقاة من تاريخ دخل العتم، أو الماضي المركب، أو المستقر في ذاكرة الكرد ( كما يقولها الأخ " إبراهيم محمود " والتي هي محل محاورة  فكرية قابلة للطعن، والخلاف معه على طرحه، من حيث الكل، أو من حيث الوجود المادي المثبت بتكامل التكوين الديموغرافي – الطبوغرافي وليس الفلسفي الروحاني أو المنطق التأويلي الفكري  لجغرافية الحاضر المقارن لجغرافية  الماضي حيث البعض يؤمن  ويعتنق هذا، وآخرين ذلك... ) وعدم تقبلها من حيث الموجود المفروض حاضراً قبولاً أو إرضاخاً ثقافياً. مع هذا فالتناقضات الصارخة في الحضور، التي ظهرت وتظهر على الساحات الكردستانية، أو الكردية سورياً ! حضور يتصارع، ويتناقض مع الرغبة الحقيقية، أو الغاية النهائية للكرد.
    البعض ظهر خالياً من منطقه الكردستاني بشكل كلي، ولم يبين أو يحمل سوى ذاته الحزبية، بعكس المطلوب من الجمهور، قبل القيام بالمسيرة. أعلام حزبية ملئت المكان، مع غياب شبه مطلق لكردستان وجوداً، حتى ولو رمزياً، لا علم لكردستان، أي كان شكله! في المسيرات التي سيطرت عليها ب ي د في جمعة " هنا كردستان "، وهي تتناقض ومنهاج الحزب ذاته، تأكيد واضح لإنكار وجود يعترف به، ربما الكل، رمزاً كردياً، ولا يوجد البديل بعد في قرارات الحزب، حتى ولو كان هناك البعض ينكر هذا الرمز كرمز كردستاني، إضافة إلى ماهية  وإستعراضات حزبية  بحتة مؤلمة، تذكر الفرد بمسيرات أحزاب شمولية سيطرت على المجتمع بلون واحد وتسريحة واحدة ولباس واحد وألاف من الأعلام ، كل مظاهر السيطرة والطغيان الحزبي، وليس الطغيان ذات البعد الكردستاني " لا شك بأن تحليلات الأخ " إبراهيم محمود " حاضرة الوجود هنا ومنطقه واضح وهذه التحركات تثبت على صدقها  وحقيقة وجودها، رغم إختلافنا معه ما بين الوجودين المادي والفلسفي، أو الواقعي والتأويلي " لكن هذا المنطق المترسخ لدى معظم قادة المجلسين إن كان في الوعي أو اللاوعي  مرفوض كردياً، لأنه تأكيد على تركيز المنطق الشمولي في الوجود الحزبي، والذي يؤدي إلى ألغاء الآخر، وبدوره إلى تثبيت هذه المفاهيم في مدارك الجيل القادم، ومنه سيخلق الأنا المطلقة، والأخر المهمل أو الملغي، الإنتماء للحزب ومحاربة المنافسين كردياً، وستبقى القضية الوطنية وحلولها حاضرة من خلال الذات الحزبية بدون تأويل وطني، والتي تكاد أن تكون خارج مفاهيمهم، وهذه معضلة مرت بها معظم الأحزاب الشمولية وكانت مصيرها جميعاً الإندثار الذي لم يؤسف له، بعد إن خلفوا شبه دمار لثقافة المجتمع وبنية الوطن، الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، والأمثلة حاضرة في جغرافيتنا الضيقة، ومنها ما أندثرت مع التاريخ.
  شاهدنا المسيرات الكردية وكإننا ننظر إلى مسيرات حزب الله عندما حاولوا السيطرة على لبنان بترعيب الجماهير بوجود حزب مذهبي عسكري يملى عليه الإجندات.
  طرحنا هذا لا يأتي على خلفية الألوان والأعلام، والمجلسين في كفتين متوازنين، نقدنا أو ربما البعض سيسميه إنتقادنا، أبعد من هذه المظاهر، حديثنا يتجاوز المبان شكلاً، وينجرف إلى حيث المفاهيم التي تلقن لجيل من الكرد، والثقافة التي تبنى لهؤلاء الشباب، حيث سيكونون ذاتهم على ضحالة مفاهيم الإنتماء التحزبي، تربية جيل على مدارك لا يرى سوى عبادة الحزب غاية، والإنسان المتأله كياناً أوحد لا بديل له، يعد تنصل مباشر من النضال الوطني ببعديه الكردستاني والسوري، وتحريض لإبعاد الشباب الثوري من تبني القضية الكردية بشكل سوي.
    أحزاب تتصارع على السيطرة على مناطق كردية، الحارة الغربية في القامشلي لمسيرات البعض و الشرقية لمسيرات الآخرين، عامودة للبعض وديركا حمكو لآخرين، عفرين وحلب بحاراتها قسمت ووزعت، من المسيطر في الساحة الكردية؟! وعند حضور الآخر الغير الكردي الكل مشتت وضعيف، يقبل المسيطر راضخاً... وإذا أردنا البحث في القوى االمسيطرة المرئية نكون قد تجاوزنا الإدراك للواقع، والأفضل عدم تأويل ما يجري وما يقال، مختصراً كل ما يبان إستقواء الكرد على الكرد، والمحرك الرئيسي المستفيد هناك في الأبعاد المخفية يتباهى بقدراته على تذليل الكرد بين بعضهم.
  اجتمع الشارع الحزبي الكردي بأغلبيته، لكن الإتفاق على كردستانية المسيرات، كان تمويهاً! كان هناك غياب الوطن الواضح، الكردستاني في بعضه والسوري في بعضه الاخر، رافق هذا التخفي الشعار المشترك "هنا كردستان " لتمويه الحقيقة في القرارات الضامرة في نوايا قادة الأحزاب، وهي محاولة السيطرة على الشباب الثائر، وعزلهم عن شعار الثورة الأساسي  " إسقاط النظام " مثلما سيطرت عليهم المجلس الوطني الكردي في قرار الإنسحاب من المجلس الوطني السوري، والذي وجدنا فيه رجحان الإيجابيات على السلبيات، مع تحفظنا على غايتهم من إخراج السيد " سيدا " من اللجنة التنفيذية لغاية ذاتية وليست كردستانية وطنية! وهم الآن يدخلون المباحثات  مهملين معظم أولئك الذين رجحوا معهم كفة الإنسحاب الكلي من المجلس الوطني السوري.
    الكل يدرك بأن الأحزاب الكردية المشكلة ل " المجلس الوطني الكردي" و " مجلس الشعب " بمجملهما، بصراعهم المموه هذا، ومحاولاتهم في عزل الحركات الشبابية عن الساحة الثورية، سيبقي الوجود الكردي في " مدمّاته التاريخية " سائبة بدون هادي، وسيجعلون من الجغرافيا الكردستانية محطة للتلاعب بأبعادها، ليس فقط من قبل برهان غليون، وغيره، بل وفي سوريا القادمة كما كانت في سوريا الماضية والحاضرة.
   الكل يدرك الوباء، والكل يعرف الدواء، لكن ليس الكل بقادر على تجرعه، هناك الآمر والناهي. كرد جغرافية الثورة الحالية، حيث الكردستان المرفوضة، لم يرتقي قادة أحزابهم ولا المستقلين والمثقفين إلى مراكز القرار الذاتي، مع العلم إنهم لا يحتاجون سوى إلى طفرة نوعية.
   الحزب هو الوسيلة للوصول إلى الغاية، والغاية ليس تبجيل الحزب وتأليه القادة، بل تكوين الوطن جغرافياً، كياناً مادياً، ليس فقط كرغبة لتموج أبداً في الذاكرة.
  على الكل، الشراكة في الحوار مع الآخر، وفرض بناء كيان ذاتي متكامل. لابد من دمج المجلسين، وإشراك المنظمات الأخرى، حتى ولو كان هناك تنافر فكري أو منهجي، فالوجود الكردي وجغرافيته لا يمكن تثبيته بدون الشراكة، لا محيض من التلاقي والتفاهم على الأساسيات، وذلك بإزالة نوازع عدم الثقة بينهم، غير هذا المنطق في الثورة السورية الحالية، يعد فشلاً مؤكداً للكرد، كغيرها من الإخفاقات في التاريخ، وسيشمل هذا الضياع الكلي الجميع، عندها سيكون الكل الحزبي، وخاصة قادتها، أوائل المذنبين.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com   







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12478