الكردي في سوق النخاسة
التاريخ: الأربعاء 18 نيسان 2012
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

بعكس أمم وشعوب وجماعات بشرية كثيرة، يمكن للقائل أن يقول بأريحية، أي دون تلكؤ: حلال للكردي على الكردي: دمه وعِرضه وماله، حلال للكردي على الكردي، أن يجعل سواده بياضاً بشكل غير مسبوق، وأن يحيل سواده بياضاً بشكل غير معهود. حلال للكردي على الكردي، أن يجرّده من انتمائه الكردي في طرفة عين، أو في حكم، أين منه حكم القراقوشي، فقط لأنه يختلف عنه ومعه. حلال للكردي على الكردي، أن يذمَّه ذماً: شتماً ورجماً وطعناً في سيرته، لأنه لا يفكر على طريقته، وأن يتباهى بحليبه الذي رضعه فاسداً، ويهدد ويتوعد من يريد، لأن هناك أزلاماً أين منهم أزلام نظام نافذ بجبروته، وأن يسخّر كل فنون القول والفعل بغرض الإساءة إليه.


إنها إحدى كبريات تجليات العبودية غير المطروحة للنقاش في أدبيات سلوك الكردي الحربوق هنا وهناك! نعم، ليست العبودية أبداً في أن يتم امتلاك المرء، واستلابه قوته أو حريته أو تمثيله الذاتي، في سياق جدل السيد-العبد، إنما هي أكبر من ذلك، إنما هي أخطر من ذلك، وذلك حين يتصرف أحدهم بملء إرادته في النيل من سواه، كما لو أنه عبده التاريخي بالنيابة عن طرف آخر، فتكون لدينا عبودية مركَّبة: المستعبَد، ومن يستعبده باسم آخر.
 تاريخياً، وعلى أكثر من صعيد، حيث كان الكردي ممارسَ هذا الدور المزدوج في العبودية الاستثنائية والقاهرة: حين ينال من كرديّه باعتباره المتنفذ والآخر دونه، وحين يكون من هو في موقع المتحكم مستفيداً منه: يعمل الكردي المستقوى بغيره ضد كرديّه المستضعف في حزبه وخارجه، يعمل آناء الليل وأطراف النهار، دون النظر في تاريخه الطويل في انقسامات تاريخه، غير عابئ بتناقضاته: حين يشهّر في عدوه أو خصمه في الخارج، مستفظعاً ذاك الذي يقلّل من أهميته، من موقع عنصري، أو دونية مشدَّد عليها( حيث العنصرية تتعدى نطاق ثنائيتها، عندما نعايش عنصرية تحزبية، أو عشائرية، أو تكتلية، أو فيما بين الأفراد، فتكون لدينا عنصرية الاسم الشخصي والنسَب والنفْس، كما عنصرية التعامل مع الآخر بتسفيهه وحيونته مثلاً..)، وحين يتصرّف على المنوال ذاته، في تشكيل تكتلات ورسم سياسات أقلها: ضرب الحابل الكردي بالنابل الكردي، فقط لأن ثمة غريزة وحام تسيُّدية أو مخترة ناخرة، فقط لأن ذلك يسهّل عليه أمره في لفت الأنظار، فقط لأن وحامه النفسي أو التحزبي، أو التصفوي لغة وسلوكاً وحتى كتابة شاردة، واردة، يلقى قبولاً واستحساناً من قبل عدوه الأول في محيطه مباشرة، أو ذاك الذي لا يكف عن تسميته، بينما ما يقوم يمدُّ في عمر نظامه النافذ فيه ويخرمه.. ليس كالكردي على الكردي في الكردي" في النموذج المستهل به" نظير أو مثيل، انطلاقاً من حجم المأساة التي يعيشها في ملاينه الكاثرة وتعدد ألسنته الفارضة أو المكتسبة، على حساب لسانه المنكوب والمنكود به، حيث يقيم أو يتنقل أو ينام أو يطلق العنان للسانه ذي الفلقتين، متحمساً في منشّطاته الذيلية، مأخوذاً بهوى الذيلية، مستمرئاً شهوة الذيلية، مستزيداً الذيلية فيما يؤول إليه مسلكاً، كما لو أنه برْمج تكوينه مذ وجِد في تاريخه الطويل، على أن يكون مضرب المثل لدى خصمه اللدود في الانقسام والاحتراب المتبادل والهتك المتبادل، وفي الخرس المتبادل، وفي التسابب والتقابح والتضفدع في مستنقع السلوك اليومي صيفاً شتاءً، والبيانات النافقة سريعاً.
يتحرك الكردي في سوق النخاسة غير المسمى، كما لو أنه موصَّى عليه، كما لو أنه شغوف، يسترضي من يستهدفه، وهو يستمر في تسميته خصماً وعدواً، ولكنه واقعاً، ينوع سوق نخاسته، إذ يعرض عليه قواه، بقدر ما يؤمّن له العمالة اللازمة كردياً: قبضايات بالجملة، عظايات الكلام المدون، والشعارات النافجة، والاجتماعات المعلَن عنها قبل أوانها في نتائجها، وطمأنة العدو السالف بأن كل شيء على ما يرام إلى إشعار آخر..
 تلك هي العبودية الغفل من الاسم في الأدبيات الكردية، حيث يبرز نشاط سوق النخاسة الكردي على مذبح شهوات الآخرين فيما هو معلوم به في شبكة الأحزاب المعطَّلة، وبانوراما الألقاب المستحدثة، وألاعيب لا تضحك حتى الصغار لغياب عنصر المفاجأة، لأن مهندسي اللعبة يتلمظون حين يخططون ويتنادون إلى هذا المؤتمر أو الندوة أو الاجتماع المعتبَر مصيرياً، عبءٌ على أصول الهندسة، وكون الثقافة هي الكلمة الضائعة في أرشيفهم الذي يثير ضحك التاريخ الفعلي تاريخ الآخرين الذين يعرفون أنفسهم، لأنهم خارج سوق النخاسة التي أشَرنا إليها، كما لو أن كردنا المميّزين أولائك لا يجدون أنفسهم على أنفسهم إلا في هذا المقام البائس فقط فقط!








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12451