استقالة قادة الأحزاب الكردية بالجملة «النبأ العظيم»
التاريخ: الأحد 08 نيسان 2012
الموضوع: اخبار



 إبراهيم محمود

 إنه لنبأٌ عظيمٌ ذلك البيان الموقَّع من قبل قادة الأحزاب الكردية، والذي ينصُّ على التقدم الطوعي والمباشر من قبـَلهم على الاستقالة من ممارسة أي نشاط سياسي لاحقاً، وبدءاً من تاريخ صدوره، وترك أحزابهم لمن هم أكفأ في القيادة اختياراً أو عبر الانتخاب، وقد ذيّل البيان بتوضيح هو الأول من نوعه في تاريخ الحركة السياسية الكردية، حيث جاء بالشكل التالي: (نعترف نحن الموقعين أدناه، قادةَ أحزاب ٍكردية بالجملة في سوريا على امتداد أكثر من نصف قرن، أننا لم نستطع تحقيق آمال شعبنا الكردي وطموحاته، بل غلَّبنا الولاءات الشخصية على المبادئ القومية والوطنية وأسأنا إلى شعبنا الكردي الذي ولانا كامل ثقته طوال عقود زمنية، بعدم تمثيله كما يجب،


 ولهذا نتقدم باستقالتنا بالجملة مع كامل كل الاعتذار لكل كردي، رجلاً أو امرأة، صغيراً أو كبيراً، تاركين الطريق لمن يمتلكون روحاً قيادية أكثر تجاوباً مع التحديات الراهنة.) وفي الأسفل تسلسلت قائمة الأسماء بدءاً بالأقدم، وفي جوار كل اسم توقيعه المعروف والذي لا يزوَّر أبداً.

 لقد استوقفني هذا البيان المعتبَر تاريخياً حقاً، كثيراً ، كثيراً، بقدر ما أغاظني في صياغته، إذ إن الذي عمد إلى ذلك لم يكن أكثر من صحفي مبتدئ، متأثر بثقافة الانترنت وفضائياتنا التي تصدع الرؤوس، وهو متحمس لما قام به. إذ لا يليق به أو بغيره أن يولّف بياناً على الشاكلة هذه، وفي هذا الظرف الحرج الذي نمرُّ به، بدعوى الترويح عن النفس والسخرية، لأن هذه تمثّل ثقافة أصيلة لدى كل شعب، تعبيراً عن مفارقات واقع، يُتصدَّى لها أحياناً هكذا، وأن علينا الاصطبار زمناً آخر، حتى نتذوق السخرية كالذين تقدَّمونا، وحينها، نعرف كيفية استعمالها بصورة مفيدة لنا جميعاً. قرَّعته بطريقة أدبية حتى لا يولّف بياناً آخر وبالقوة ذاتها في نطاق اتحاد الكتاب الكرد، واستقالتهم قبل استقرارهم الفعلي فيه، وأعلمته، أن قادة أحزابنا الكردية ليسوا مادة سهلة للسخرية، ولا يجوز النيل منهم بالطريقة هذه:
 أولاً، لأن ثمة ثباتاً في المواقف الأكثر حراجة، لا أحد بقادر على أن يزحزح أياً منهم في موقعه، وتحديداً حين يمضي على خطأ، مبرّراً وضعه هذا بأنه نفي للتردد، وأن هذا الثبات ميزة مجمل قادتنا الحزبيين طبعاً.
 وثانياً، لأن كل مسئول حزبي يجد في نفسه مشروع قائد تاريخي، ويتصرف من موقع القيادة، وبالتالي، يندر وجود من يتوقف عند موقف معين له، مهما بدا خطورةً، بدعوى ثبات الموقف، وخصوصاً في وجه نظيره الحزبي الآخر.
 وثالثاً، لكي يثبت هذا المتلمس فيه وللغرباء قائداً تاريخياً، أنه ماض ٍ في موقفه، ولو أنه تصرَّف عكس المنصوص عليه في البيان الداخلي للحزب، ولو صار الشعب مزقاً، فالشعب حيث يكون قياديوه وليس العكس.
 قلت له، كان عليك أن تبحث عن صيغة أخف سخرية، وأبعث على المرونة والتفكير النقدي!
 رد علي: وهل من مرونة فكرية لدى هؤلاء؟ هل استمرار الانقسامات كان بسبب المرونة الفكرية أم جمودها؟ ألا يتصرف أيٌّ منهم، على أن الخطأ هو دائماً في الطرف الآخر، وأنه من الخطأ اعتبار أحدهم معرَّضاً للخطأ، لأن مسيرته تكشف عن أن تاريخه التحزبي هو كيفية الابتعاد عن الصواب أكثر فأكثر.
 سألته: لكن أليس البيان المولَّف بمثابة ترك الشعب في العراء كبيضة القطا؟ رد علي: هو دائماً في العراء، هذا إذا كان هناك حرص على البيضة، وفي الوقت الذي لا يحسن أحدهم إدارة مدجنة! قلت له: لا يليق بك، ولا بمن تتحدث عنهم، أن تربطهم بمدجنة دواجن، هذه إهانة بحقهم وتاريخهم النضالي! أجابني بهدوء، وبتهكم: تمهَّل، تمهَّل! تُرى هل إدارة مدجنة ما بالأمر السهل؟ خصوصاً أننا اعتدنا لحم الدجاج والفرّوج والبيض، ويصح الحديث هنا عن دجاج الشعب وفرّوج الشعب وبيض الشعب.  ثم إن المدجنة مألوفة لدينا، إذ من خلال تعاملنا معها وباسمها، تعلَّمْنا معنى التدجين، وعرفنا أكثر ما يكونه الدجاج والفرّوج وموقع الديك من كل ذلك. ثم بصيغة سؤال: هل رأيت ديكاً في مدجنة؟ كلا! إناث الديك هي التي تدجَّن وتبيض وتذبَح، وإذا تحدَّثت عن بيضة الديك، فلك ذلك، وإنما في الأكثر صدمة وعلى غير توقع لأهل الديك ومَن حوله كذلك، نعم، يمكنك أن تتحدث عن ديكة تبيض بيضاً خاصاً في المناسبات الطارئة والمستجدات، والكرد من بين أكثر الشعوب تعاملاً مع ديكة من هذا النوع، لا ربما ليس من ديَكة بيّاضة مناسباتية كديكتنا على حلبات صراع الآخرين! وعليك الآن أن تتصور كيف يصير الشعب دجاجاً وفرّوجاً وبيّاضاً، وكل ذلك بفعل ديكة تشتهي السفاد، وتكاكي بغرور لا مثيل له على بعضها بعضاً، لا بل إن غرورها أنساها وظيفتها في الحراسة والسفاد، وسلَّمت نفسها للثعالب والواوية في محيطها، وليكون كل ديك في قفص، ورغم ذلك يكاكي ويصرُّ أنه ديك وسفَّاد دجاج أيضاً، أليس هو الأَولى بالذبح، أو معالجته مما هو فيه، أي اعتباره ديكاً منزوع الديكية والديكنة والتديُّك؟ ثم ألم تقرأ قصيدة الراحل جكرخوين عن دجاج الكوخ وموقف الديك من كل ذلك في وجه المخاطر؟ سألته، وقد استأنست بردوده: وماذا يحصل في حال الاستقالة الكاملة من قبلهم؟ رد سريعاً: حينها سندخل التاريخ، سنكون على بيّنة أن لدينا وعياً تاريخياً، وأن رياح التغيير لا تمر بزاوية بيتنا المتصدع إنما تجتاحه، وأن الذين تعششَ في أدمغتهم داء العظمة على الطريقة الكردية، ليسوا أفضل من غيرهم، من هؤلاء العتاة الذين حاولوا تأبيد أنفسهم، وها هي شعوبهم تزلزل قناعاتهم، وأن قانون التغبير لا بد أنه شاملهم أيضاً، وبالتالي، فإن البيان لا يقوم على سخرية، وإنما على مرارة واقع، ومن لا يتحرر من طغاته المباشرين لا يستشعر الحرية، كما أنه لا يمكنه التحرك ومواجهة طغاة أكثر عنفاً وإرهاباً لشعوبهم.
 هنا توقفت، وأنا أحصي طغاتنا المباشرين، وكيف يستعذبون طغيان الأقوى فيهم خارجاً، ويكونون قدوتهم على أهلهم!








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12357