عن اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية
التاريخ: السبت 31 اذار 2012
الموضوع: اخبار



حسين عمر ٭

    أثارت دعوة المجلس الوطني الكردي في مؤتمره إلى «بناء دولة علمانية ديمقراطية تعددية برلمانية وعلى أساس اللامركزية السياسية» في سوريا تساؤلات وردود فعل عديدة ومتباينة حول اللامركزية السياسية ساهم في إطفاء الطابع الجدلي عليها تبنّي المجلس لحقّ الشعب الكردي « في تقرير مصيره بنفسه ضمن وحدة البلاد» دون سابق نقاش أو حوار في هذين المبدأين بين النخب السياسية والثقافية الكردية أو غير الكردية في سوريا. سنحاول هنا أن نقدّم مطالعةً حول اللامركزية عموماً واللا مركزية السياسية تحديداً.


    - اللامركزية مفهوماً:

  اللامركزية كمفهوم هي نظام لإعادة توزيع الصلاحيات والموارد بين المركز والكيانات المحلية كالأقاليم والمقاطعات المتمتعة بالصفة القانونية المشروعة. وتتفاوت درجات اللامركزية تبعاً لاتساع أو ضيق مدى الصلاحيات الممنوحة للأطراف. وبطبيعة الحال، كلّما توسّعت صلاحيات الأطراف، تقلّصت صلاحيات المركز وبالتالي أصبحت الدولة أقلّ مركزية وأقلّ صلابة. يتم اللجوء إلى النظام اللامركزي كوسيلة لحلّ حالات الاستعصاء التي تواجهها الدولة المركزية سواءً على المستوى الإداري أو السياسي أو الاقتصادي من جراء تمركز الصلاحيات والموارد في المركز الأمر الذي يفضي إلى خلق حالة من اللا توازن في المشاركة السياسية أو المخصصات المالية في الموازنات العامّة أو المساهمة في إدارة القطاعات المختلفة من مرافق الدولة. والتمادي والاستمرار في ترسيخ حالة اللاتوازن هذه قد تؤدّي إلى نشوء أزمات تتعمّق بمرور الزمن وتضع مسألة كيان الدولة نفسه على المحك. هذا إذا كنّا نتحدّث عن المسار المنطلق من حالة المركزية إلى اللامركزية، أي المسار التفكيكي لبنية الدولة الصلبة المصمتة. أمّا على المسار المعاكس، أي المسار التوحيدي الذي ينطلق من حالة التجزئة إلى حالة الاتحاد، فتكون الدوافع مغايرة وتتّصل بمتطلبات تحويل الضعف إلى قوّة أو الانتقال من حالة قوّة إلى حالةٍ أقوى وذلك بتشكيل إطار اتّحادي بين كيانات كانت متمتعة باستقلالها التام فتتنازل عن جزءٍ من مظاهر استقلالها بانضمامها إلى الكيان الاتحادي لقاء التمتّع بمزايا ومنافع يؤمّنها وضعها الجديد. وتتّخذ اللامركزية أشكالاً متعددة تبعاً لحجم وطبيعة السلطات التي يفوّضها المركز للأقاليم.
الفرق بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية:
ثمّة فارق كبير بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية. فاللامركزية الإدارية (déconcentration) هي تقنية لتنظيم الإدارات تقوم على توزيع الاختصاصات داخل المؤسسة نفسها أو انطلاقاً من الإدارة المركزية نحو إداراتها اللا ممركزة وذلك في تعارضٍ مع مفهوم التمركز كنظامٍ إداريٍّ تتكثّف فيه سلطة اتخاذ القرارات في قمّة هرم الدولة أو المؤسسة، وبهذا المعنى تكون اللامركزية الإدارية هي نظامٌ للإدارة المحلية أو للإدارة الذاتية مع الإبقاء على وحدانية السلطة السياسية وخاصّة وحدانية سلطة التشريع. ويتيح هذا النظام مرونة وسهولة في اتخاذ القرارات الإدارية من قبل مؤسسات أو أشخاص على دراية وخبرة أفضل بالأمور والشؤون المحلية من سلطات المركز والقائمين عليها. ويمكن اعتماد هذا النظام لاعتبارات عديدة مختلفة من اقتصادية أو جغرافية أو ديمغرافية.....
  أمّا اللا مركزية السياسية (dévolution) فتعني تفويض السلطة السياسية أو نقلها من كيانٍ إلى آخر وتكون عموماً من كيانٍ أعلى إلى كيانٍ أدنى ويتمّ ذلك غالباً بتخويل السلطات الدستورية المحلية الصلاحيات اللازمة للقيام بوظائف أو مهام معينة أوكلت إليها.  وهي تستند أساساً على مفهوم الأيلولة أو نقل الوصاية (dévolution) وهو مصطلح أنكلو-سكسوني يفترض أن تحظى الكيانات المحلية بسلطة سنّ التشريعات.
  واللا مركزية السياسية كأحد مظاهر تنوّع النظم السياسية تقترب من الفيدرالية حيث يكون للإقليم اللامركزي سلطة التشريع أي يستلزم وجود سلطة تشريعية محلية (برلمان محلّي) وسلطة قضائية وبالتالي سلطة تنفيذية تكون وسيلة لتنفيذ ما يصدر عنهما (حكومة محلية). ويُعتَمَد هذا النظام السياسي اللامركزي في الدول التي تتّسم بتنوّع ثقافي أو أثني على نحوٍّ خاص بغية تحقيق توازن بين مصالح المكوّنات المختلفة للدولة عبر ضمانات دستورية تحيل دون طغيان مكوّن على آخر خاصّة في حالة تباين التناسب بين حجم هذه المكونات.
  إذاً، اللامركزية الإدارية، كنظام للإدارة تمارَس فيه سلطة القرار في آنٍ واحدٍ من قبل الدولة ومن قبل أشخاص اعتباريين مستقلين خاضعين للرقابة، تبعاً لمبدأ الشرعية والسلطات الدولتية، تشتمل على نقل بعض صلاحيات الدولة إلى أقضية أو مؤسسات مختلفة عنها ومتمتّعة بالشخصية القانونية، تحت رقابتها، وتتطلّب نوعاً من الحكم الذاتي في الإدارة قد يتوسّع هامشه أو يضيق تبعاً لدرجة اللامركزية، مثلما تتطلّب ميزانية خاصّة ولكنّها تبقى تحت رقابة الدولة التي تمثّل السلطة الوصائية.
هذا النقل للسلطات من المركز إلى الأطراف ينطلق من مبدأ إقرار السلطة المركزية بمصالح متمايزة للأطراف والتي تحصل بعض كياناتها على سلطة إدارة شؤون خاصّة بها فتحصل بالنتيجة على الشخصية القانونية، أي إمكانية إصدار مراسيم قانونية والوسائل الضرورية للإدارة، إلاّ أنّ ليس للأقضية اللامركزية أي سلطة لتنظيم ذاتها. فالمشرّع وواضع القوانين هو الذي يؤسّس الأقضية وهو الذي يلغيها وينظّمها من خلال قدرته على استرداد صلاحياته حيث لا يمكن المسّ باللامركزية القضائية التي تبقى موحّدة في الدولة. 
  أمّا في نظام اللامركزية السياسية، المقترب من الفدرالية حيث يمكن أن تكون للكيانات الطرفية حكومتها وتشريعها وسلطتها القضائية، فلا يمكن للمركز أن يستردّ من الأقاليم الوضعية القانونية التي تتمتّع بها بموجب الدستور الاتحادي الذي يعدّ الضامن لبقاء الدولة الاتحادية من خلال التزام الأطراف الداخلة في المتّحد السياسي طوعاً بنصوصه وأحكامه.  
وبالتالي، يمكن أن يكون هناك نظام سياسي مركزي يشمل عموم بلادٍ ما تحت السلطة ذاتها والتشريع ذاته والنظام القضائي ذاته، مع وجود نظام للا تمركز الإداري يخضع لرقابة السلطة المركزية. في حين أنّ اللامركزية السياسية تستتبع بالضرورة نظاماً إدارياً لا مركزياً بل وحتى لا مركزية اقتصادية تعني تفكيك السيطرة الممارسة من قبل السلطة المركزية وتحقيق توازن الصلاحيات بين السلطات المركزية  والمحلية من خلال نقل السلطة إلى وحدات محلية من شأنه أن يتيح مشاركة حقيقية وتقسيم مناسب للسلطة حتى بين الحكومة والمجتمع المدني على المستوى المحلّي.
إنّ نظام اللامركزية السياسية يُطرَح كحلّ لمشكلة الهوية في دولة ما. وعدالة هذا النظام هي تكفل وتضمن بقاء الدولة موحّدة بإرادة مكوناتها المشتركة حينما تعبّر الدولة في شكلها ومضمونها عن كلّ هذه المكونات ومصالحها.
٭: مترجم وكاتب سوري






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=12276