الأقليات والشعوب، أمام تسونامي العولمة الموازية، أو عولمة الدولة الواحدة
التاريخ: الأربعاء 29 شباط 2012
الموضوع: اخبار



خالص مسور:

علينا قبل كل شيء ورغم تكرار الموضوع، أن نعرف القراء الكرام وباختصار شديد على ماهية العولمة بشكل عام وما هي أبعادها الحضارية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية على كل ما يمس جوهر الحياة البشرية في عالم أصبحت مزرعة صغيرة وليست حتى قرية.
فالعولمة اليوم هي ظاهرة ديناميكية موضوعية نشأت بفعل هيمنة التطور الإقتصادي والتكنولوجي المذهل في الغرب ونتيجة لظاهرة التنافس الرأسمالي الغربي، وهي تعني وحسب المفكر السوري الدكتور برهان غليون: ديناميكية جديدة تبرز دائرة العلاقات الدولية من خلال تحقيق درجة عالية من الكثافة والسرعة في عملية انتشار المعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية والحضارية.. يتزايد فيها دور العامل الخارجي في تحديد مصير الأطراف الوطنية المكونة لهذه الدائرة المندمجة وبالتالي لهوامشها أيضاً.



هنا يرى غليون في العولمة جانباً إيجابياً وديناميكية جديدة في العلاقات الدولية وانتشاراً للمعلومات والمكتسبات التقنية والعلمية والحضارية. بينما نرى من جانبنا أن العولمة جائحة إقتصادية عالمية بالدرجة الأولى، يتم فيها انقسام العالم إلى قاعيون في الأطراف وقمميون في المركز باحثون عن الثراء والتربرجز، لها جانب سلبي كالتفكك الأسري والتوحش الرأسمالي، وإغراق شعوب العالم المتخلف بالمنتجات الغربية والمنجز الغربي، قد يؤدي الى نمذجة وتنميط مجمل الحالات الثقافية لتلك الشعوب مؤدية بخصوصيتها القومية والحضارية وتحطيم معالمها التراثية العريقة، أو وقفها عند حد معين ليس بإمكانها تجاوزه، وجانب آخرإيجابي بامتياز ويتمثل بفيض المعلومات العلمية والتقنية والمنجزات الحضارية والثفافية، والتقدم الطبي والإتصالات والتطور الاقتصادي والسياسي والتكنولوجي...الخ. لكن هناك في العالم المتخلف من يحكم على العولمة من جانبها السلبي فقط ويتناسى الإيجابي منها، تقول ليلى شرف: واذا صح لوصف العولمة التنفيذ وفقا للنزوات الأمريكي...قد يؤدي ذلك (شيئا فشيئا إلى القضاء على التنوع الحضاري والتعددية الثقافية التي تثري الحضارة الانسانية، وستكون له آثار في قولبة الفكر الاجتماعي الاقتصادي السياسي للشعوب). انظر مجلة المعرفة السورية-501-2005- 119.
لكن ما نود أن لا ينساه أحد ويتذكره هو وجود ما اصطلحنا على تسميته بالعولمة الداخلية أو المحلية أو الموازية أو الميكرو عولمة أو العولمة بالقهر، وهذه العولمة الموازية تكون انطلاقتها من مركزالدولة الواحدة نتيجة ممارسات حكام شعوب الشرق الأوسط ومن ضمنها البلاد العربية تحديداً وأفريقيا عموماً، أي أن هذه العولمة الموازية هي لعبة مسلية وصورة ميكرووية مصغرة لما يمارسه حكام الدول الطرفية القومويون تؤازرهم نخبهم المثقفة، في محاولة يائسة منهم للقضاء على ظاهرة التعدد الإثني والثقافي والحضاري للأقليات والشعوب التي تعيش معها في دولة واحدة وتحاول صهرها ومحقها في بوتقة القومية المتحكمة والأكثر عدداً وعدداً ووفق منهجية مدروسة مسبقة الصنع والتصميم. وأوضح نموذجين صارخين تتجلى من خلالهما آثار العولمة الموازية هما تركية في ظل استبداد العسكر ولايزال ولو بشكل أقل تحت حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ثم سورية البعث، وذلك كدليل على حالة من ازدواجية المعايير لدى حكام هذه الشعوب ومعها النخبة المثقفة القوموية الموالية لها والمنفذة لأجنداتها . كحال الكثيرين من مثقفي العالم النامي أو الطرفي ومنهم الإستاذ الجامعي الجزائري سلطان بلغيث الذي يبين مدى تأثير العولمة الغربية على الشعوب المستضعفة في مقاله المعنون بـ(العولمة بين معزوفة الخطاب وصدمة الواقع) من مجلة المعرفة السورية عدد-501- عام 2005م. ما يلي: (ويثور الناس في كل أنحاء المعمورة ساخطين على هذا النظام الجائر الذي تسبب في نهب ثرواتهم، ومصادرة سيادتهم، وتهميش تاريخهم، ودفن اعتزازهم بتراثهم الثقافي والحضاري، وتغريبهم عن إنيتهم وأصالتهم، وطمس انتمائهم، وتذويب هويتهم). هنا عالج السيد بلغيث جانباً واحداً من العولمة وهو الجانب السلبي منه وأغفل جانها الإيجابي، ولم يرفع الصوت في وجه حكومته التي تمارس عولمة مصغرة ضد التعدد الإثني والثقافي في الجزائر، كحالة مزرية من ازدواجية المعايير لدى هذا المثقف وأمثاله الذين يتغافلون عن العولمة الموازية أو الداخلية في دولهم.
ولكننا نقول، أن هؤلاء المعولمون (بكسر اللام) بالقهر والذين يكيلون بمكيالين رديئين هم لزائلون مع معاييرهم المزدوجة لا محالة، لأن مايفعلونه في بلدانهم ضد التعد الثقافي للشعوب والأقليات المستضعفة من ظلم وإجحاف هو ما يخالف الأخلاق الإنسانية والشرائع الأرضية والسماوية كلها، في الوقت الذي نراهم يستنكرون فيه الآثار الضارة للعولمة الغربية على تراثهم القومي وتعددهم الثقافي والحضاري. يقول المفكر السعودي عبد العزيز التويجري في حق هؤلاء من الحكام والنخبة المثقفة الموالية لهم في كتابه (العولمة والحياة الثقافية في العالم الإسلامي) صفحة 59مايلي: فدروس التاريخ علمتنا أن (كل نظام ظالم للإنسان، او عقيدة قاهرة للفطرة، أو منهج يفرض الهيمنة على الإرادة الإنسانية ويتحكم في أشواق النفس البشرية الروحية وتطلعاتها الثقافية وطموحها الحضاري، هو إلى انهيار وزوال، لأنه يصادم سنة الله في خلقه، ويتنافى مع فطرة الله التي فطر الناس عليها).  
وفي هذه الحال وبما أن العولمة الخارجية أوالمركزية تشكل خطراً على الثقافة القومية وتراث البلدان الطرفية وتعمل على تنميط المجتمعات العالمثالثية وصبغها بصبغة واحدة غربية أو تنحو بما يدعوه المتضررون بأمركة العالم، كان على هؤلاء المتضررين من العولمة المركزية وهم يدقون ناقوس الخطر في كل محفل وناد، أن يتذكروا في الوقت ذاته أنهم يمارسون عولمة موازية على الشعوب والأمم الأخرى التي تعيش بين ظهرانيها في الدولة الواحدة، ويعملون مع حكامهم على طمس لغات تيك الشعوب وتزييف هوياتها القومية وخصوصياتها التراثية والثقافية.
وهذه الحالة هي ما أسميناها بالعولمة الداخلية، أو المحلية، أو الموازية، أو العولمة الطرفية، أوالميكرو عولمة. لأن ما نشاهده بالفعل هو قيام حكام الشعوب التي تشكل الأكثرية في الدول العربية والإفريقية بشكل خاص بفرض وتطبيق ثقافة الشعب الواحد على حالة التنوع الإثني والتعدد الثقافي والحضاري لتلك الشعوب التي تعيش معها في دولة واحدة لكن بالقوة وبالإكراه هذه المرة، وتستميت النخب الحاكمة في هذه الدول للقضاء على هذه الخصوصية ودمجها الكلي في بوتقة القومية ذات الأكثرية العددية. ثم أليس هذا هو نفس ما تطبقه الدولة الجزائرية ذات التعدد الإثني والثقافي والحضاري..؟ ألا يحاول حكام هذه الدولة وبكل عنجهية وعلى شاكلة عولمة مصغرة أوموازية طمس الهوية الأمازيغية القومية الأقدم في المنطقة، والإشتغال على محاربة اللغة والتراث والثقافة الأمازيغية بدون هوادة، وتنميط حياة المجتمع الأمازيغي وصهرهم ضمن بوتقة الأكثرية الجزائرية في عملية شبيهة وموازية للعولمة الخارجية تماماً، حيث لم تعترف الجزائر باللغة الأمازيغية إلا منذ مدة ليست ببعيدة ؟.
وفي سورية يتعرض الشعب الكردي لعولمة ميكرووية موازية متخلفة وجاهلة منذ أكثر من خمسين عاماً من قبل من دأبوا على العزف على أوتار محو الثقافة الكردية من الوجود وطمس الهوية الكردية بمنتهى الصفاقة والتخلف. حيث يحاول الحكام القومويون الذين يمثلون اليوم ظاهرة رجعية وعقبة كأداء في مسيرة الشعوب النضالية في سبيل التقدم والتطور، يحاولون بل حاولوا على الدوام وبخطى حثيثة فرض عولمتهم الداخلية وصهر القومية الكردية ضمن الأكثرية الحاكمة، علماً بأن الشعب العربي بمجمله براء مما يفعله هؤلاء الحكام وما يمكرون. فعمدت الحكومة البعثية إلى إصدار قرارات متلاحقة بهذا الشأن كان آخرها القرار(49) الذي منع بموجبه سكان المناطق الحدودية وهم في معظمهم من الكرد من تسجيل ممتلكاتهم وعقاراتهم بأسمائهم تمهيداً لتجريدهم من كل ممتلكاتهم وتهجيرهم إلى حيث لايرحب بالمهاجرين، وفي المدارس هناك قرار ممنوع التكلم بلغة غير عربية أي أنهم يترفعون حتى عن ذكر اسم القومية الثانية في سورية كتعبير مباشر عن سياسة الصهر والذوبان والقضاء على التعدد الثقافي في سورية الغنية بتعددها اصلاً، والعمل على مصادرة الأراضي ومحاربة اللغة الكردية وعدم السماح بفتح أندية ثقافية كردية أو حتى تداول الكتب المكتوبة باللغة الكردية، ومنع تشكيل أحزاب كردية ومصادرة حق الرأي والتعبير وتغيير أسماء القرى والحواضر الكردي الأثرية، في خطوة تعتبر تعدياً صارخاً على تراث الإنسانية كلها...الخ. أما في تركية فقد ظهرالشعار العنصري الشهير ( السعيد هو من يقول أنا تركي)، وهو ما يعني أن ليس في تركية سوى شعب واحد هو الشعب التركي فقط، في عملية مماثلة لتطبيق ما أسميناه بالعولمة الموازية أو الميكروية الشبيه بالعولمة الغربية تماماً، ويراد بها القضاء على التعدد الإثني في الداخل التركي وإزالة القومية الكردية بسكانها العشرين مليوناً من الأنفس. وهناك أيضاَ بالإضافة إلى الكرد قوميات أخرى في تركية كاللاز والشركس والعرب...الخ. حيث تمارس الحكومات التركية عولمة موازية وسياسات صهر عنيفة ضد هذه القوميات وخاصة الأكراد منهم الذين يخشى الحكام الأتراك من تطلعاتهم القومية وتوقهم إلى الحرية والتحرر، وقد مورس ضدهم على الدوام أبشع أنواع سياسات القمع والذوبان، حتى بات الكثير من الكرد يتكلمون وهم في بيوتهم باللغة التركية فقط وخاصة في الميتروبولات التركية البعيدة عن كردستان ذاتها.
فعلى سبيل المثال منذ أيام ذهب أحد سائقي التاكسي الكردي إلى أحدى المحلات التجارية في مدينة أزمير التركية ليشتري أغان كردية مسجلة على سيديات، فما كامن من صاحب المحل وإلا وانهال عليه مع مجموعة من الأتراك المجاورين له وأشبعوه ضرباً ولكماً، لمجرد تلفظه بكلمة/كردي/ أو مجرد رغبته في الإستماع إلى الأغاني الكردية.
وفي الصحراء المغربية جاهد البوليساريو ضد الحكومة المغربية للحفاظ على الهوية الصحراوية ضد عولمة القمع المغربي للثقافة والتراث الصحراويين. وفي السودان هناك حرب شعواء يشنها حكام السودان في دارفور ضد التعدد الإثني والثقافي في الدولة وضد تراث وقومية شعب الفور، وكانت العولمة السودانية الموازية نفسها تجري في جنوبي السودان حتى استقل الجنوب مؤخراً. ومن هنا نقول، أن من يطالب الغرب من حكام ومثقفي الدول النامية أو بالأحرى المتخلفة التخفيف من آثار العولمة الغربية والحفاظ على التعدد الثقافي والإثني والحضاري لشعوبهم فهو محق في هذا وندعمه ونؤيده، ولكن على أن يكون ذاك الحاكم أو المثقف صادقاً مع نفسه ويتخلى عن ازدواجية المعايير ويطالب بوقف العولمة الموازية ضد الشعوب والأقليات الداخلية، وينتقد ممارسات حكوماتهم المتخلفة والوقوف بوجه العولمة الموازية ضمن الدولة الواحدة وضد تطلعات الشعوب المغلوبة على أمرها في هذه الدول والتي تحكمها نخبة قوموية في منتهى الشوفينية والتخلف، وإلا فما هي المعايير والفروق هنا بين العولمة الخارجية أو المركزية أو الأمركة كما يقولون وبين العولمة الموازية التي تجري ضمن الدولة الواحدة إذاً...؟ فكما قال المفكر السعويد التويجري مرة أخرى حول من يمارسون عولمة موازية داخل الدولة الواحدة: (فمصير الكل إلى زوال لأنهم يعملون ضد الفطرة والإنسانية وتعمي أبصارهم (الإستحقاقات) القوموية الضيقة، ويتكلمون بلغة الشعب الواحد واللغة الواحدة، فمن ينادي بهذا الشعار عليه ألا يلوم العولمة الغربية وإلا فهو مثقف العنصرية بامتياز). ويهاجم الدكتور فيصل سعيد من سورية العولمة المركزية الغربية وينسى عولمة بلاده الداخلية أوالموازية بحق الأثنيات الأخرى ويقول: (إن عالمية النظام المزعوم ليست من نوع العالمية التي دعت إليها الأديان السماوية والفلسفات ذات النزعات الإنسانية تلك التي تقر بالمساواة بين الأمم والأفراد وتدعو إلى العدالة والتعددية والديموقراطية). ولست أدري هل أن من يصدر قرارات ممنوع التكلم بلغة غير عربية ويحاول طمس الهوية الكردية بصلافة زائدة هي من الفلسفات ذات النزعة الإنسانية أم لاء...؟  
.............................................................................    







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11880