المرجعية الكوردية و المواقف المفتعلة
التاريخ: الأثنين 04 كانون الأول 2006
الموضوع: اخبار


  محمود حسين

يبد و أن بعضاً من الأحزاب الكوردية تحاول العودة إلى الوراء أربعين سنة ، لنعيش مجدداً حالة من السجالات و المناظرات التي إن دلت على شيئ فإنما تدل على عجز حقيقي لهذه الأحزاب ، أو بالأحرى لأحزاب الحركة الكوردية مجتمعة في الجزء الغربي من كوردستان ، إذ أنها و بدلاً من   أن تفيق من غفلتها و تنهض بالأعباء الملقاة على عاتقها و تواكب الأحداث ، و تؤكد على حضورها ، و على أنها على مستوى المسؤوليات المناطة بها ، تنشغل بأمور جانبية لا طائل من ورائها ، و لا تثير اهتمام الجماهير الكوردية التي انتظرت طويلاً لكي تهتم أحزاب هذه الحركة بالقضايا التي تشغلها حقيقة ، و التي تؤرق عليها حياتها و تزيد من معاناتها مع مرور الزمن .


  و إن نحن تأملنا هذا الجدل الساخن الذي كان من المفروض ألا يأخذ هذا الشكل من الحدة ، و لا أن يجد طريقه إلى أدبيات هذه الأطراف ، و أقلام كتابها ، سنلاحظ دون عناء أن الحدث أعاد نفسه بشخوصه ،و أطرافه ، و أسمائهم ، و طريقة إدارتهم و معالجتهم لمثل هذه الأمور غير الجوهرية – على الأقل حسب اعتقادي – فإننا سنجد أن هذين الطرفين – التقدمي من جهة و الفصائل الثلاثة المؤتلفة في لجنة التنسيق و الخارجة مجتمعة من عباءة ما كان يعرف وقتها باليسار من جهة أخرى – لم تتغير كثيراً في طريقة مواجهتها لمسائل تنظيرية  .
فقد ظل السجال وقتها حامياً حول واقع و طبيعة و حقيقة الوجود القومي الكوردي في الجزء الغربي من كوردستان ، و فيما إذا كان الكورد يشكلون أقلية أم شعباً ، و على ذلك ما هية الحقوق القومية المشروعة المترتبة على هذين المصطلحين .

و مع أن هذه الطروحات أصبحت جزءاً من الماضي ، و أن الجميع قد تجاوزوا هذه العقدة ، و أن أحزاب الحركة الكوردية في الجزء الغربي من كوردستان لا تختلف برامجها و مناهجها من حيث الجوهر ، و إن اختلفت في الصياغة و التقديم و التأخير ، إلا أن من الواضح أن هذين الفريقين لم يتخلصا بشكل كامل من رواسب الماضي .

ففي الوقت الذي ترى فيه أحزاب الحركة الكوردية  أن ظروف المرحلة تتطلب و بإلحاح بناء مرجعية كوردية توحد الخطاب الكوردي ، و تعيد إليه القوة و الثقة ، و على ما يبدو فإن حوارات أخذت طريقها في هذا الاتجاه بين فصائل هذه الحركة و وجدت أرضية من القبول ، خرج أطراف التنسيق بمصطلح جديد - قضية أرض و شعب – و تمسكت بهذا المصطلح و اعتبرته من الثوابت القومية ، التي لا يمكن التفريط بها ، مما أثار حفيظة التقدمي ، و اعتبره آخر مسمار يدق في نعش المرجعية المنشودة ، و التي كان من الممكن لها أن ترى النور ، لو لا هذه المواقف المستفزة من هذه الأطراف التي تلتقي في طروحاتها مع القوى الشوفينية في السلطة ، التي تبحث هي الأخرى عن ذريعة تشد بها الخناق على رقاب الشعب الكوردي ، و تمعن في إجراءاتها التعسفية .

و على ذلك  فإن من حقنا  أيضاً أن نقول كلمتنا طالما أن هذا السجال يمسنا جميعاً ، فهو يجدد جراحات قديمة ستعمق من الشروخات الموجودة أصلاً  بين فصائل هذه الحركة ، و يدخل هذه الحركة في متاهات جديدة كانت بغنى عنها ،  و هو يعطل مبادرة مهمة كان من الممكن أن يكتب لها النجاح .
و من هنا فإننا نتساءل : هل صحيح أن القضية الكوردية في الجزء الغربي من كوردستان هي قضية أرض و شعب ؟
و هل صحيح أن الاتجاهات الشوفينية في النظام كانت تبحث عن ذرائع من هذا القبيل ؟
و أين موقع الجماهير الكوردية من هكذا سجالات ، و قضايا جانبية لا تدخل دائرة اهتماماتها ؟ .
بداية لا بد من التأكيد على أهمية و ضرورة و وجوب بناء مرجعية سياسية  للحركة الكوردية في الجزء الغربي من كوردستان ، إذ أن  إيجاد إطار حقيقي يضم الفصائل الكثيرة لهذه الحركة : يوحد صفوفها ، و يجمع إمكاناتها و طاقاتها ، و يوحد خطابها ، و بالتالي يزيد من وزنها و دورها و تأثيرها في الساحة السياسية ، و فوق هذا و ذاك يعيد الثقة المفقودة بين هذه الحركة و الجماهير الكوردية .
 و لكن ألم تكن لهذه الحركة مرجعية اكتمل بناءها في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي ، واستظلت بظلها ، و قبلت برنامجها معظم الفصائل الفاعلة في الحركة ، و كان من الممكن أن تجد البقية الباقية من التنظيمات السياسية مكانها في تلك الخيمة ، فلماذا تم تخريبها سنة 1996 ؟ ، و هل كانت عملية تعطيلها مصادفة أم سوء تقدير ؟ .
أما أنا فأعتقد غير ذلك و أدعي أن عملية تعطيل و ترقين تلك المرجعية جاءت عن عمد و عن سابق ترصد ، و أن الذين ساهموا في ذلك كانوا يعرفون ماذا يفعلون ، و إذا ما تجاوزنا هذا الرأي القاطع ، فإن من المؤكد أن الأطراف المؤتلفة في تلك المرجعية كان بإمكانها أن تتجاوز الأزمة ، فتعيد إليها دورها و فاعليتها ،  و لكنها لم تبذل ما يكفي من جهد ، و في كل الأحوال فإن تلك الفصائل تتحمل مجتمعة تبعات تعطيل تلك المرجعية ، فلماذا تعيد مرة أخرى المحاولة ؟ و هي تعرف أن وضع هذه الحركة بات أكثر تعقيداً مما كان عليه قبل عقد من الزمن .
فقد شهدت السنوات الأخيرة نشوء و ظهور و بروز أحزاب و تنظيمات جديدة في الداخل و في الخارج ، بحيث أصبح من الصعب علينا أن نتذكر أعدادها و أسماءها ، و حتى لو سلمنا جدلاً بأن هذه التنظيمات كلها اتفقت حول رؤية مشتركة و برنامج عريض جامع ، فما الذي يحول دون فرقتها مرة أخرى ؟ و ما الذي يضمن التزام هذه الأطراف بوحدة الصف الكوردي التي بدونها تدخل الحركة في حالة مستمرة من المراوحة ، إن لم نقل من الجمود و التهميش ، و التخلف عن مواكبة الأحداث ؟
و نحن عندما نطرح هذه الأسئلة فإننا لا نبشر بمستقبل أسود لهذه الحركة ، و إنما ننطلق من تجارب لها ليست ببعيدة ، و لا تزال تفاصيلها ماثلة في أذهاننا ، و ننطلق كذلك من هذا السجال الحالي و الحامي حول مصطلح ( أرض و شعب ) الذي لا يستحق هذه الخصومة ، و لا يشكل مسألة مهمة من شأنها وضع العصي في عجلة التقدم نحو الأمام لإقامة المرجعية المنشودة ، و لا يستحق إيلاءه كل هذا الاهتمام ،.
 و في الحقيقة  فإن هذه الخصومة الجديدة القديمة هي في حقيقتها مواقف مفتعلة ، يراد لها ترسيخ الفرقة و التنافر و التناحر بين الفصائل الكوردية ، و بالتالي تجريدها من مقومات الحركة لمواكبة الأحداث ، و مجابهتها و أداء دورها ، و إلا ما معنى أن يتم اقتباس مصطلحات و ابتكار شعارات و تلبيسها على الواقع الكوردي على أنها تعبير عن مرحلة جديدة من النضال الكوردي و مستجدات الوضع السياسي في المنطقة و العالم ، و اعتبار أن أي مساس أو تشكيك بذلك ، أو أي تجاهل لها بمناسبة و بغير مناسبة لا يعني إلا شيئاً واحداً و هو المساومة على الحقوق المشروعة ، و التنازل عن الثوابت القومية .
فنحن نعلم أن مصطلح أو شعار ( قضية أرض و شعب ) طرح أول ما طرح في الساحة السياسية الفلسطينية ، و من قبل الاتجاهات المتشددة في الحركة السياسية الفلسطينية على وجه التحديد ، و نحن لن نتناقش في مشروعية إطلاقه فهذا يعود إلى الشعب الفلسطيني ، و لكننا نعرف ما الذي عنى به أصحابه .  فالخلاف الفلسطيني  الإسرائيلي يتمحور في شقه الأول حول الأرض ، حيث يكون الخلاف في بعض الأحيان على أمتار منها ، و في شقه الثاني حول حق العودة لملايين الفلسطينيين في الشتات ، و لذلك برز هذا المصطلح ، و ما كان من بعض العاملين في السياسة الكوردية ، إلا أن تلقفوا هذا المصطلح ، ففصّلوه على الواقع الكوردي في هذا الجزء من كوردستان ، و أصبح فاتحة الصلاة لأطراف لجنة التنسيق ، تلوح به  ، و تعمل على إلزام الأحزاب الكوردية الأخرى بالتقيد به ، و تضمينه في كل برنامج أو بيان على أنه من الثوابت القومية و على أن أي  مفرط به سيتحمل تبعات ضياع الحقوق القومية للشعب الكوردي ، و أنه لا يمكن لأي مصطلح آخر أن يفي بالغرض لأن هذه المرحلة تتطلب هذا الشعار ، و ليس غريبا على هذه الأطراف  أن تتهيأ منذ الآن لإعداد مصطلح آخر يتم التلويح به لحظة بروز مستجدات سياسية جديدة ، و تكون القضية الكوردية وقتها ( قضية تاريخ و جغرافيا ) طالما أن الوقت وقت التسابق على الشعارات ، و طالما أن الأولوية تكون للتنظير و ليس للالتفات إلى تحرك عملي ، نحدد فيه المهم و الأهم ، و نؤكد فيه على عوامل التقارب بدل الدخول في  مواجهة جوفاء تعمق الجراح ، و تعيق الوفاق .
إلا أنه و من جانب آخر فإنه من غير المفهوم أن يصاب التقدمي بمثل هذا التشنج ، دون غيره من الأحزاب الكوردية ، في كل مرة يقدم فيها فصيل كوردي على ممارسة عمل سياسي يعتقد أنه يخدم القضية الكوردية ، أو يرفع شعاراً يرى أنه يحقق مطامح و تطلعات الجماهير الكوردية في هذا الجزء من كوردستان ، فتثور ثائرته ، و يلجأ مباشرة إلى نظرية المؤامرة ، و الخلفيات المشبوهة ، فيحمل هذا الفصيل و من يقف في صفه مسؤولية كل فشل أو تآمر حل بالقضية الكوردية ، و يتصرف كما لو  كان  وصياً على هذه الحركة و على المنضوين تحت لوائها ، و هو الوحيد الذي من حقه أن يفكر و يقرر أسلوب التحرك و شعارات المرحلة ، و أي خروج عن رؤيته و مواقفه يعتبر عملاً مندساً ، و يساهم بشكل مباشر في إطالة أمد عبودية هذا الشعب ، و استمرار معاناة أبنائه، و أن الأمور كانت ستسير في الاتجاه الصحيح لولا دخول هذه الفصائل على الخط و إفسادها لمواقف و إجراءات عملية إيجابية كان النظام على وشك الإقدام عليها ، فقد بين التقدمي سابقاً أن مشكلة الاحصاء كانت على وشك  الحل لولا أن حزبا كوردياً رفع شعار حق تقرير المصير ، و اليوم يرى أن هذا الشعار الجديد قد أيقظ العناصر الشوفينية في السلطة من رقدتها ، لتتذرع به فتمعن في تضييق الخناق على الجماهير الكوردية ، و يتراجع النظام عن كل وعد قطعه على نفسه .
أما أنا فلا أرى أن النظام يحتاج إلى ذرائع يتحجج بها للاستمرار في سياساته العنصرية ، و إن هو بحث عن ذرائع فهو لن يعدم الوسيلة ، مثلما أنني لا أرى أن تحولاً جذرياً كان على وشك الحدوث في سياسة النظام حيال القضية الكوردية في كوردستان الغربية  ، فجاءت هذه المواقف لتعيق هذا التحول أو لتلغيه ، إلا إذا كان التقدمي يعلم بخبايا الأمور مما لا علم لنا بها ،  فقد تم تجاهل الوجود القومي لشعبنا على وطنه منذ تشكيل دولة سوريا الحديثة  ، و فيما بعد فإن سياسة عنصرية منظمة تم تبنيها بهدف القضاء على هذا الوجود ، و كانت البداية في تطبيق المشروعين العنصريين ( الحزام و الاحصاء ) فهل كان هذان المشروعان ردة فعل لسياسات و مواقف تبنتها الحركة الكوردية في تلك المرحلة ؟ و إذا كان الأمر كذلك فإن على التقدمي أن يعتذر عن مواقف و ممارسات سياسية تسببت في فقدان مئات الألوف من الكورد لأرضهم و لحقوقهم المدنية ، لأن التقدمي يعتبر نفسه الوريث الشرعي للحزب الأم الذي تأسس في الرابع عشر من حزيران سنة   1957  .
إننا في هذه المرحلة من النضال في سبيل الحقوق القومية المشروعة لشعبنا الكوردي في هذا الجزء من كوردستان ، و في مراحل سابقة ، و في مراحل لاحقة أيضاً بحاجة ماسة و ضرورية إلى توحيد صفوف الحركة الكوردية ، و إلى توحيد خطابها ، و إلى تجميع قدراتها ، في مرجعية تجد جميع فصائل هذه الحركة مكانا لها فيها  ، و تعيد الثقة المفقودة بين الأحزاب الكوردية و جماهيرها ، بعيداً عن التهويل في الخطاب ، و التسابق على العبارات و الشعارات ، و بعيداً عن نظرية المؤامرة و التخوين ، و التخويف ، و الوصاية ، و بحيث تدخل أحزاب هذه الحركة مجدداً في  مساجلات في التنظير ، تبتعد بها عن تحرك جدي و مسؤول ، تعطى فيها الأولوية للقضايا التي تشغل الإنسان الكوردي ، و تثير اهتمامه ، و تلامس جوهر القضية الكوردية ، التي هي قضية شعب له الحق في حياة حرة كريمة على أرضه ، و التي هي قضية سياسية لشعب مستعبد مسلوب الإرادة ، و التي هي قضية حق هذا الشعب  في تقرير مصيره بنفسه ، و التي هي إحدى قضايا الديمقراطية ، و التي هي قضية أرض و شعب ، و التي هي هذه القضايا كلها منفردة و مجتمعة








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1176