هل سيلتقي البابا مع أوجلان
التاريخ: الأثنين 27 تشرين الثاني 2006
الموضوع: اخبار


خالد عيسى

ستكون القضية الكردية غائبة عن برنامج زيارة الحبر الأعظم الى قسطنطينوبل. و الزيارة المرتقبة لقداسة البابا بينيدوكتوس السادس عشر إلى تركية العلمانية الإسلامية والعسكرية, لن تحقق بشكل كامل الأهداف السياسية الأساسية المرسومة لها أو المأمولة منها من قبل السلطات في تركية.
فلن تفلح الدولة التركية في تسويق نفسها في أوربة عبر زيارة الحبر الأعظم إليها. إذ أن أوربة المسيحية معارضة شعبياَ لانضمام تركية الإسلامية إليها. كما أن شهادات حسن السلوك التي قد تبتغيها السلطات التركية من قداسة البابا قليلة التأثير في المؤسسات السياسية الأوربية.

فالسياسات الأوربية هي محصلة   توفيقية  لسياسات الدول الأوربية, وهذه السياسات قائمة في النهاية على المصالح الوطنية  لهذه الدول.
تضم الدولة التركية, وبحكم ظروفها التاريخية, العديد من الجماعات الدينية والقومية. فتقتضي المصلحة الوطنية التركية استبعاد تبني المنطلقات الدينية والقومية كمصدر للشرعية, والمركزية كأسلوب للحكم. وتقضي العدالة والمصلحة إقامة نظام ديمقراطي مبني على مبدأ المشاركة المتكافئة لكافة مكونات الشعب في مقدرات البلاد. وهذا يقتضي الاعتراف  بالتعددية القومية والدينية وبالمساواة في الحقوق. 
و الهوية الإسلامية لغالبية سكان الدولة لا يمكن تمويهها أو طمسها بالادعاءات العلمانية في الأوساط الرسمية. و انتماء الأغلبية إلى الإسلام يجب أن لا يقلل ولا يزيد من أهمية بقية سكان الدولة التركية, سواء من أتباع الديانة المسيحية أو من معتنقي الديانات الأخرى, سواء كان لهم سند خارجي يدافع عنهم أم لا.
وإذا كانت النخبة المسلمة السنية التركية قد استطاعت ضمن شروط تاريخية معينة التفرد بالحكم, واستبعاد النخب الأخرى من مركز القرار, فان شروط استمرارية هذا الواقع المجحف لم تعد قائمة.
فإذا كانت تركية دولة, وإذا كانت هذه الدولة فعلاَ جمهورية, وإذا كانت هذه الجمهورية فعلاَ علمانية, فيفترض أن يتمتع كل المواطنين بحقوق متساوية بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والقومية. والحالة التركية مختلفة تماماَ, وذلك في الكثير من المجالات. بل ترفض السلطات التركية الاعتراف بالمجازر التي اقترفتها ضد الأرمن, و تلجأ هذه السلطات إلى استعمال السلاح ضد مواطنيها الأكراد.
فأي تفاهم جديّ  يمكن  توقعه أو تحقيقه بين السيد رجب طيب أردوغان زعيم الحزب الإسلامي  الحاكم في تركية و قداسة الحبر الأعظم الذي يرأس أعلى مؤسسة دينية كاثوليكية ؟. أم أن قداسته سيأتي ليستمع إلى السيد رئيس الأركان الفريق الأول  بيوكآنيت وهو يتباهى بالمنجزات العسكرية التي  تحققها القوات التركية ضد الوطنيين الكرد المطالبين بالعدالة والسلام. 
إن أهم مشكلة تعاني منها الدولة التركية هي عدم قبول القائمين على أمرها بوجود حوالي 18مليون كردي ضمن حدودها. وما لا تريد فهمه السلطات التركية إن الإصرار على الإنكار لا يلغي الحقيقة. واللجوء إلى العمليات العسكرية لحل القضايا الوطنية تعقد الأمور. و التفوق العسكري لا يعني الانتصار السياسي.
ولقاء تعنت السلطات التركية في اضطهاد الأكراد ورفضها لحل المشكلة الكردية بالطرق السلمية, لجا الأكراد بقيادة حزب العمال الكردستاني إلى الكفاح المسلح منذ عام 1984. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن عرضت القيادة الكردية عدة مبادرات لإيجاد حل سلمي وعادل للقضية الكردية ولإشادة الديمقراطية في تركية, إلا أن كل هذه المبادرات لاقت الرفض ومزيداَ من القمع من جانب السلطات التركية.
ولما جلبته العمليات العسكرية من مآس وضحايا في الأرواح والأموال, أعلنت قيادة حزب العمال الكردستاني عن وقف لإطلاق النار من طرف واحد اعتبارا من الأول من شهر تشرين الأول من العام الحالي. وكانت هذه المبادرة استجابة لطلب العديد من المنظمات الإنسانية, ورغبة الكثير من القوى الداخلية و الإقليمية والدولية, وتلبية لنداء من الزعيم الكردي السيد عبد الله اوجلان الذي خطفته وتعتقله السلطات التركية منذ سبع سنوات. ومرة أخرى رفضت السلطات التركية التعامل بايجابية مع المبادرة الكردية, ولازالت تشن العمليات العسكرية الدموية في المناطق الكردية.
من أجل تصفية القضية الكردية, وبعد فشل العمليات العسكرية,  تلجا الدولة التركية إلى الاستنجاد بالقوى الخارجية بدون أي تمييز. فتتوسل الأوساط المنفذة في الدولة التركية الأمريكان تارة, وتستعطف آيات الله العظمى الشيعية الإيرانية, تارة أخرى. وتطالب هذه السلطات القوى العلمانية الأوربية دعم سياساتها, وفي الوقت نفسه تحاول كسب عواطف المسيحيين عبر ترميم الجسور الشكلية مع الحبر الأعظم المسيحي الأوربي.
إن حل القضية الكردية, وإشادة نظام لامركزي يعتمد على المشاركة الجماهيرية الواسعة في القرار,  هو الشرط الأساسي لإقامة السلم الذي يدعو له الجميع مع قداسة البابا, ولإقامة نظام ديمقراطي يعيش فيه بأمان وحرية وبمساواة, المسلم والمسيحي و الازيدي واليهودي والعلوي والتركي والكردية واللاز والعربي والأرمني والآشوري, وكل الطوائف والقوميات القاطنة ضمن حدود الدولة التركية.
وثبت للجميع بأن أي حل عادل للمشاكل القومية والدينية في تركية لن يمر إلا عبر الحوار الداخلي. وهذا الحوار يفترض قبول الجميع بمبدأ المساواة في الحقوق مع الاختلاف في الانتماءات القومية والدينية. فالقيادة الكردية عملت وتعمل من أجل إشادة السلم والحل الديمقراطي لمختلف القضايا القومية والدينية في تركية, وتطالب هذه القيادة بفتح الحوار داخل الدولة التركية. 
وفيما إذا كان لقداسة البابا رغبة في دعم السلام والعدالة والخير في الدولة التركية,  وهذا ما لا يشك فيه كثيرون, فعليه عدم اختزال زيارته وضرورة الاستماع إلى ممثلي جميع الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية التركية. وتتطلب الحكمة أن يحث الحبر الأعظم المسؤولين الأتراك على قبول العرض السلمي الكردي.
وتشجيعاَ للجهود السلمية, يتناسب والمقام العالي لقداسته زيارة الزعيم الكردي عبد الله اوجلان في معتقله, ومطالبة العسكر بالإفراج عنه.
قد تحقق زيارة قداسة البابا تعزيزاَ للتواصل الديني بين المؤمنين والكنيسة الكاثوليكية, وبين هذه الكنيسة والمؤسسات المسيحية الأخرى. وقد يحاول قداسته , عبر هذه الزيارة, تحسين صورته المتدهورة في الأوساط الإسلامية, وقد يتمكن قداسته من انتزاع بعض التنازلات لصالح المؤمنين المسيحيين وخاصة الكاثوليك منهم, لكن لن تكون لهذه الزيارة آثار كبيرة , لا على الصعيد التركي ولا على الصعيد الدولي ما لم تشمل هذه الزيارة القضية الكردية.
 








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1147