في اخفاقات «الثالوث» الشمولي
التاريخ: الأحد 25 كانون الأول 2011
الموضوع: اخبار



صلاح بدرالدين

    أطلق البعض من الاعلاميين تسمية "المصدومون" على فئة من الناس التي أعادت تقييم ثورات "الربيع العربي" وخلصت الى نتائج معاكسة لتوقعاتها السابقة الخاطئة بعد تقدم الاسلاميين في المشهد الانتخابي وقد يكون هذا البعض محقا في ماذهب اليه خاصة اذا ظلت القوى الديموقراطية والليبرالية في بلدان الثورات المنجزة أو المرشحة في وضعها السكوني المأزوم وحالتها التنظيمية المبعثرة وضياعها الفكري وعلى مسافة كبيرة من الحراك الشعبي وبعيدا عن الميدان العملي وقلب الحدث اليومي تاركة المجال لتيارات الاسلام السياسي لركوب موجات الثورات والانتفاضات بل وقيادتها في بعض الساحات ماتلبث أن تقطف ثمار الانتصار عبر التحكم بالمفاصل الأساسية العسكرية منها أو الجماهيرية أو من خلال صناديق الاقتراع وخاصة في مناطق الريف التي تزنر مراكز الحضر وتتفوق عليها بالعنصر البشري في معظم الحالات.


  بشأن انتصار ثورتنا الشعبية السورية على نظام الاستبداد البالغ الأهمية لمستقبل موازين القوى في المنطقة برمتها ومفتاح العديد من القضايا العالقة مثل فلسطين ولبنان والعراق والعمل العربي المشترك والعلاقات العربية التركية والايرانية ومسائل الارهاب والصراع الطائفي ومن أجل ضمان شروط الانتصار والنجاح في تحقيق أهداف السوريين ببديل وطني ديموقراطي تعددي يتوافق مع طبيعة المجتمع السوري المتعدد القوميات والأديان والمذاهب بعيدا عن هيمنة التيارات الأصولية بشقيها الاسلامي السياسي أو القومي الشوفيني وفي سبيل المضي باعادة بناء الدولة الحديثة والتفرغ للتنمية في اجواء السلم الأهلي والتشارك والتكامل بين كل مكونات الشعب السوري وحتى لا يصاب أحد با " الصدمة " لابد من معالجة العديد من المسائل منذ الآن وفي المقدمة المواجهة الفكرية والثقافية والسياسية مع جماعات الاسلام السياسي الأصولية التي تجهد من أجل ركوب الموجة الثورية والامساك بمفاصل _ المعارضة الخارجية - وهي لاتحمل مزايا تذكر في تاريخها الحديث – المعارض – المطعون أصلا لانعدام الثقة بسلوكها الاشكالي خلال التعامل مع أكثر من طرف وجبهة خاصة خلال عهدي الأسد الأب والابن ومسيرتها الملتوية في اخفاء الحقيقة عن – حلفائها – المفترضين بالسير في طريق التحاور مع ممثلي أجهزة النظام عبر وسطاء من التنظيم الدولي لحركات الاخوان في مصر والأردن ومانتج عنه من – تجميد معارضتها – بذريعة التفرغ لتحرير غزة !! وأخيرا عبر الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا القائم حتى الآن رغم التأجيل بين الحين والآخر ومن دون توضيح ما جرى ويجري أو ممارسة النقد الذاتي أو الاعتراف بما اقترفتها من أخطاء وخطايا سابقا ولاحقا ومما يزيد الطين بلة وفي هذه المرحلة بالذات وماتحمل من أخطار وتحديات لامثيل لها نلمس لمس اليد استمرار قيادة الاخوان المسلمين في السير في مسلك اللف والدوران مع حلفائها المفترضين مما يؤكد بما لايدع أي مجال للتردد بأن تيارات الاسلام السياسي ماضية في نهجها السابق من دون أي تغيير أو مراجعة أو تصحيح رغم كل مايصدر عنها على الصعيد الاعلامي من ادعاء بالالتزام بالديموقراطية والحكم المدني " يعتبره الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي كحفلة تنكرية لها " .

لقد كان الاختبار المفجع الأخير لهذه الجماعات خلال المفاوضات والمشاورات التي تمت خصوصا في استانبول والقاهرة والدوحة عندما وقفت حجر عثرة أمام انبثاق الاطارالموحد المناسب المطلوب لكافة قوى ومجاميع المعارضة الوطنية واصرارها على نزعة الهيمنة  وباستقواء واضح بأوساط الحزب الاسلامي التركي الحاكم – وليس الدولة التركية -  لانبثاق مجلس وطني شرعي جامع لكل المكونات والتيارات ويحظى بدعم واسناد وتأييد كل تنسيقيات الانتفاضة الثورية في الداخل وليس قسما منها عندما ناورت وتهربت من التزامها في اللحظة الأخيرة من مشروع اقرار لجنة تحضيرية من مراكز ( أنقرة واستانبول والدوحة والقاهرة وباريس ) بمعرفة ومباركة الداخل وبتمثيل حقيقي لكل المكونات الوطنية السورية بما في ذلك التمثيل الكردي النضالي المقبول من الحركة الكردية وتنسيقيات شبابها وليس عبر التعيين لبضاعة فاسدة لاتليق بالكرد حجما ودورا من جانب الاسلاميين ومن ثم عقد اللجنة اجتماعها في القاهرة والتوصل الى انشاء مجلس وطني شرعي موحد واعلانه من هناك وليس من أي مكان آخركتجسيد للبعد العربي  .
   ان هيمنة جماعات الاسلام السياسي على أطر المعارضة الخارجية تعزز مواقع السلطة مباشرة أولا وتدعم مزاعمها الاعلامية بكون الصراع في سوريا بين ( القومي العلماني والاسلاميين ) أمام العالم وتوهن أواصر الانتماء الوطني ويزيل الطمأنينة من قلوب المكونات غير العربية وغير المسلمة التي تشكل مجتمعة أكثر من 45% من المجتمع السوري من كرد وقوميات أخرى ومسيحيين وعلويين ودروز واسماعيليين مما يؤخر ساعة الخلاص ويزيد من معاناة السوريين كما ان احد التفسيرات التي يأخذ بها البعض في ظاهرة الصعود الاعلامي المدروس لهذه الجماعات ومحاولات تصدرهم للمشهد المعارض هو" نشوة الاخوان بالاعتراف الأمريكي الغربي بهم " أو بعبارة أدق التعامل مع نتائج الانتخابات التي يتصدرها الاسلامييون للوهلة الأولى .
  في الندوة الفكرية حول متغيرات المنطقة وتحولاتها في خضم ربيع الثورات المنعقدة قبل اسبوع بدهوك – اقليم كردستان العراق وبعد مداخلتي حول الدور السلبي لجماعات الاسلام السياسي في ثورات المنطقة عامة والسورية على وجه الخصوص قال محاوري من – الاتحاد الاسلامي الكردستاني " الاخوان المسلمون " – بمامعناه أن المدارس القومية والاشتراكية سقطت في امتحان تسلم الحكم والبديل هي المدرسة الاسلامية فاختبرونا واحكموا علينا بعد ممارستنا للحكم وقد غاب عنه أن تجارب حكم جماعات وتيارات الاسلام السياسي كانت أكثر كلفة وأشد وطأة وسقوطها كان أكثر دويا من التجارب المدمرة للمدرستين السابقتين اعتبارا من حروب – المجاهدين – ضد الكيانات الوطنية على شكل أدوات بأيدي الامبريالية وعدوانيتها ومرورا بتجربة نظام آيات الله في ايران وحكم طالبان الظلامي ودور حزب الله الرجعي في محاربة جهود اعادة بناء الدولة اللبنانية المدنية الديموقراطية وموقع سلطة حركة حماس المتخلفة في ضرب وحدة الأراضي الفلسطينية واشاعة الارهاب ضد جميع أنواع الحريات في غزة والدور التخريبي لاسلاميي الصومال والاسلام السعودي المثير للجدل وانتهاكات الأحزاب الاسلامية العراقية الحاكمة لحقوق الانسان وتهديدها لوحدة العراق ووقوفها الى جانب نظام دمشق المستبد ضد الثورة السورية وهي تجارب تكفي لادانتها والحكم عليها بالفشل الذريع على مختلف الصعد : ادارة الدولة والاقتصاد والمسألتان الوطنية والقومية والتنمية والثقافة والعلوم والبناء وحقوق المرأة والقوميات والأديان والمذاهب أي أن المدارس الثلاث الشمولية أثبتت فشلها الذريع والآن شعوب المنطقة بصدد تجربة جديدة قوامها الشباب الثائر وبدون جميع أنواع وأصناف الآيديولوجيا بل عبر الحركات الشعبية العفوية السلمية باتجاه التغيير واعادة البناء وانتزاع الحرية والكرامة ونشدان الحياة الكريمة في اطار التعايش السلمي بين جميع المكونات على أساس العدل والمساواة .








أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11113