محللون سياسيون(1) خلفية –منهج- غاية
التاريخ: الثلاثاء 20 كانون الأول 2011
الموضوع: اخبار



محمد قاسم " ابن الجزيرة "
m.qibnjezire@hotmail.com

يفترض –كمنهج منطقي وعلمي- أن نشخص الأفكار ، بتحديدها كمعايير-  ثم نقيس عليها ما نحن بصده من بحث عن موضوع بعينه.
أولا: الشخصية المفترضة طبيعيا...(توازن في القوى المودعة فيها أصلا ككائن عاقل مميز).
وفقا للتكوين-والنمو الطبيعي-الفطري- فالمفترض أن الشخصية الإنسانية هي: شخصية طبيعية تعبر عن ذاتها، في فعالياتها المختلفة عبر طاقاتها، وقواها المودعة فيها، ووفقا لما يفترضه التكوين والنمو الطبيعي لها.


يعني هذا، وجود توازن في القوى النفسية التي تسكنها؛ من عقل، وميول، وغرائز، وانفعالات، وفعاليات..الخ.
ولا أظن أن عاقلا يتجه نحو تغليب القوى العمياء في الإنسان على القوة العاقلة البصيرة، كتحليل نظري منطقي...-بغض النظر عن السلوك العملي الميداني لأي كان. ومن يفعل ذلك فهو –حتما، وبمقاييس المنطق – مرتبك نفسيا، ويحاول أن يلج باب التوازن في شخصيته-نفسيا- عبر هذه البوابة المُغالِطة أو المغلوطة.
 وهذه قضية نفسية معروفة- قانون- لمن له اطلاع على علم النفس العام عموما ، وعلم الاضطرابات السلوكية خصوصا.
ثانيا: الشخصية  في واقعها... (ودور المؤثرات التربوية القاصدة أو غير القاصدة-العفوية، في سياق الحياة الاجتماعية).
من المعلوم لكل مهتم، أن الحياة فيها تعقيدات كثيرة، بحكم ظروف مختلفة؛ منها: ظروف طبيعية ومناخية وتضريسية...الخ.
ومنها: ظروف صنعية ، تكوّنت نتيجة نمو في  بيئة اجتماعية معينة ، لها خصائصها التي تميزها عن غيرها، سواء في الجوانب السلبية، ام في الجوانب الإيجابية، وأسميناها صنعية، لأنها تأتي بتأثير تربية قاصدة –أكاديمية، أو تأتي بتأثير تربية غير قاصدة، من المجتمع، وحراكه في مختلف تجلياته.
 فتأتي الشخصية –هنا- متأثرة بهذه التأثيرات المختلفة؛ كل شخصية بحسب ظروف خاصة بها، تكوينا ونموا وتحديدا...الخ.
فمن الطبيعي –إذا- أن هناك دائما بعض خلل، أو قلق، أو ارتباك، أو نقص ...في جوانب من تكوين الشخصية ، ومن ثم، فهي تؤثر على طبيعة تفكيرها، وسلوكها، فنجد الشخصية المؤدلجة مثلا، ونجد الشخصية الموضوعية، ونجد الشخصية المتماسكة،ونجد الشخصية القلقة، أو الممزقة، أو المريضة نفسيا...الخ.
 ولا تعد الشخصية مريضة نفسيا إلا عندما تفقد القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وتصبح في حالة ما يمكن تسميتها: انفصام الشخصية عادة، أو ازدزاجها، وربما هناك تجليات أخرى غير ذلك.
 والملفت هنا، أن المريض نفسيا؛ غالبا ما، لا يعترف بحقيقة حاله، مما يصعّب –وربما يجعل مستحيلا- معالجته. (مبدأ معلوم في علم النفس العلاجي).
لماذا هذا التقديم؟
أردنا  أن نقول: إن الشخصية المثالية قد لا تكون موجودة واقعيا، في ظروف المدنية- أو المدينية-  التي جعلت الشخصية متأثرة بالمؤثرات المختلفة، والتي تزيد من المؤثرات الصنعية فيها على حساب الخصائص الطبيعية فيها، وهذا طبيعي في ظروف تعقد الحياة، وخصائص المدينية-المدنية- ومن ثم تستوجب ما يسميها علماء النفس والاجتماع، بالأقنعة -وهي متعددة- لكي تتمكن الشخصية من تفاعل واقعي مع الحياة الواقعية اجتماعيا. وإلا فعليه أن ينزوي، ويعتزل المجتمع، وهذا ما فعله  –ولا يزالون- الزهاد، والمتعبدون -ومنهم متصوفة- وربما متأملون من الفلاسفة والمفكرين –ديوجين الذي سكن الخابية- وقوله المشهور للملك ابتعد عن الشمس التي تضيئني -أو تدفئني- وهؤلاء لا ينزوون بالضرورة عجزا عن التكيف، بل لاستثمار الوقت والظروف لما يؤمنون به من جهود يسعون الى تحقيقها.
و هناك عاجزون عن التأقلم مع الأحوال الاجتماعية بدرجات مختلفة ... وهؤلاء هم الذين يمثلون الشرائح العاجزة والتي تكون سببا لإشكاليات ومشكلات اجتماعية. بالمقابل هناك من تظهر عليهم مظاهر التفاعل الاجتماعي بحيوية، لكنها  تخفي  خلف هذا المظاهر؛ نفسا قلقلة، أو مرتبكة في مظهر القوة –ولقد أحسن الكاتب إحسان عبد القدوس في تحليل وتوصيف هذه الشخصية في أحد أهم أبطال روايته المعروفة للمهتمين "شيء في صدري".
إن مقتضيات التفاعل مع المجتمع، تفرض تعدد الأقنعة –كما يسميها علم النفس الاجتماعي- لأن الناس والجماعات ليسوا على سوية من التفكير، والسلوك، والطباع عموما...من هنا انبثقت كلمة الحكيم كمفهوم. ويعني، ذلك الذي يضع الأمور في نصابها، ومنها الحكمة.
 وكان "الحكيم"  تسمية تطلق على الفلاسفة في العصور الأولى...ولا زالت التسمية تطلق –خطأ –على الأطباء، لاسيما بعد الإمعان في التخصص والاتجاه نحو ما يسميه احد الفلاسفة " الإنسان ذو البعد الواحد".
الحكيم قديما كان يجمع كل العلوم الموجودة في عصره-و تعرف الحالة بالموسوعية- ويبدو أن هذه الحالة -الآن- لم تعد ممكنة إلا نادرا بسبب تشظي العلوم وكثرتها، والحاجة الى التخصص فيها...
من الناس شريحة برزت في ظروف انتشار الفضائيات خاصة ، غالبا ما دعمتها –وقد اختارتها –مؤسسات مختلفة، كمستشارين، وخبراء...ودعمتها... لتجنيدهم في  مساعدة مؤسساتهم بالخبرة والمشورة لنجاحها ...
ولكن  شريحة من هؤلاء ، تخصصت بتوجيه من هذه المؤسسات- شركة،او حزبا، أو منظمة..أو نظام حكم...- فانتهجت منهجا مغالطا، لا يراعي المعايير المنطقية، ولا المقاييس الأخلاقية، لقاء أجرة وارتزاق...
و الأنظمة الأيديولوجية ،والمستبدة، بطبيعة نشأتها، وتكوينها الأيديولوجي-الذاتي...هي الأكثر اعتمادا على هذا النهج وهؤلاء المحللين المجندين بطريقة لا تخطئ كشفها .
لذا نجد في هذه الشريحة لسانا يحترف الحديث شبه الآلي، لكثرة ما ردد من أفكار هي عينها –باعتبارها ضمن دائرة  أيديولوجية مغلقة، فيتقنون المهنة بفهلوة فاقعة ، وتجاوز للحقائق بلا خجل –لأنها تكون فاقدة لخصوصيتها الحرة .
ولو أنها توقفت عند كونها مأجورة لفهمنا أمرا هو، إنها ترغب في عيش مرفه، فوجدت هذا الارتزاق وسيلة إليه، فهي بعد انتهاء أدائه- مباشرة- تتجه نحو منتزه تتعاطى الخمور، والمخدرات، وتغازل الغواني.. وتعيش وفقا لهواها حياة مرفهة  كما تراها... أو غير ذلك من أشكال الحياة .
لكن الكارثة هي في أنها تحاول في معظمها أن تمارس دورا مزدوجا:
· الارتزاق –ربما كمظهر، أو غطاء أيضا.
·  خدمة أجندة خاصة - لأهداف أيديولوجية- أيا كانت- دينية، أو قومية، أو طائفية...الخ.لكن الأيديولوجية الغالبة فيها ذات خلفية سياسية عادة.
لذا لا يخفى على المتابع مثل هذا المنهج في أسلوب هؤلاء الذين يُدعون "محللون سياسيون" وهم في حقيقتهم مرتزقون، يخدمون أجندات ظاهرة للعيان، ويمكن تصنيفها بسهولة عند التدقيق والمتابعة...أو ربما يخططون لن يكونوا مرتزقة بما يظهرون من اتجاه ومنهج معين.
والخطورة في هؤلاء، أن موقعهم المعزز من جهات متنفذة –حكام خاصة- يفرز نوعا من الثقافة –ودعنا نسميها لغوا-  لا تنتمي الى الموضوعية والمعايير المنطقية، والحقائق العلمية...وإنما هي مجرد تلاعب بالألفاظ والحقائق، هدفهم التشويش على التفكير، والتحليل،  وفرض حالة الغموض الذي يمررون عبره أجنداتهم العبثية،  والمرذولة اجتماعيا وأخلاقيا...
وقد ابتليت المجتمعات المتخلفة بالكثير من هؤلاء، فتسهم بقوة  في تشويه الثقافة عن عمد -مع أمثالهم في أي موقع كانوا-.






أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=11060