أحمد الزاويتي: طبعا أنا كإنسان أراقب عملي، لكن إذا تقصدين مراقبة من ناحية القص والحذف من الآخرين بالنسبة لي كصحفي اعمل تقارير فليس هناك شيء من هذا القبيل، لان التقرير الذي اعمله يكون عبارة عن مشروع أقدمه للقسم الذي أكون تابعا له في الجزيرة وهذا القسم يقيم المشروع ويعطي الإيعاز بعمل تقرير او خبر او شيء آخر منه، ثم ابدأ عملي للقيام بالواجب، بعد ذلك هناك مجموعة أقسام أخرى تكون لها علاقة بالعمل المذكور بالتنسيق معي طبعا، والعلاقة هذه هي علاقة فنية أكثر من كونها علاقة سياسية أو فكرية، يعني التقرير الذي اعمله يكون نسبة 95% خالصة لي كفكرة ومعلومات و5% لمجموع الأقسام الأخرى وعلاقة هذه الأقسام منحصرة في الأمور الشكلية اللغوية والأكاديمية والتحريرية، وبعد ذلك يكتمل العمل لدي ثم أرسله للجزيرة فعندما يصل إلى هناك لا يحتاج العمل إلى قص وحذف، إلا إذا خالف التقرير الأسلوب الفني المتبع لدى الجزيرة..
ثم هناك بعض التكليفات من الجزيرة للقيام ببعض ما يرونه مناسبا في كردستان العراق، فأقوم بالواجب وفق ما أرى حقيقة الحدث في ارض الحدث، ولا من اعتراض من الجزيرة..
طبعا أنا أجد نفسي الآن كمراسل تلفزيوني، لكنني أميل إلى الأدب والفن والكتابة، ويمكن للآخرين أن يقيمون أدائي كمراسل أما أنا فتقيمي لنفسي هو درجة الوسط، وأتمنى أن أتطور..
مصادري عبارة عن تصريحات وبيانات سواء حكومية أو حزبية أو من مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى الصحافة المحلية بالنسبة للأخبار المحلية، والانترنيت والوكالات، هذا من ناحية ما يكون خبرا في عرف الجزيرة، أما من ناحية القصص غير الخبرية فيمكن أن يكون أي شخص أو فكرة في المجتمع مصدرا لي..
نعم أجد أحيانا صعوبة في الحصول على المعلومة، فهناك تخوف من مصادر المعلومات من إعطاء المعلومة للجزيرة إلا إذا كانت المعلومة ايجابية بالنسبة لهم، فمثل هذه الأحيان استغل علاقاتي الشخصية مع بعض الشخصيات التي نتعامل معها للمساعدة في الحصول على المعلومة، وفي الأحداث الطارئة والتي تتأخر الجهات الرسمية من إعطاء البيانات نضطر نحن كصحفيين لأخذ المعلومة من شهود العيان وننسب المعلومة لهم حتى يصدر شيء رسمي من المصادر الأمنية..
أحمد الزاويتي: نعم لقد كسرت حاجز الخوف لكن الحذر يلازمني عندما أعمل! كسرت حاجز الخوف من نقطة أن الخوف لم يعد يوقفني عن عمل ما، لكن يبقى هناك خوف يلازمني عند التفكير في عمل ما وعند القيام به وحتى عند عرضه وبعد عرضه، لكن ذلك الخوف لا يمنعني من القيام بالمجازفة وعمل ما اشعر بأنه قد يسبب لي مشاكل أو إحراجا من جهة ما، بل أحيانا هذا النوع من الخوف هو الذي يدفعني إلى العمل، الخوف الذي دائما أشعر به هو الخوف المسئول، أو الشعور بالمسئولية، وهو الخوف من ضرر ما قد يلحق بطرف ما نتيجة خبر أو تعليق، أنا لا أشعر بالخوف بتاتا لضرر قد يلحق بي نتيجة خبر ما أو تعليق ما أو تقرير أو أي عمل صحافي آخر، لكن اشعر بالمسئولية من منطلق تخوف إلحاق الضرر بالآخر نتيجة سوء فهم للمعلومة المعطاة..
أريد القول أن المعلومة عندما تكون أصلا موجودة ولم تعرض إعلاميا ربما لا يتخوف منها أحد لكنها عندما تعرض تصبح مرمى العيون والمواقف المختلفة، ومرمى التفسيرات المتعددة الصحيحة والخاطئة وبالتالي النتائج التي تثمر عن هذه المعلومة، لذا يبقى الخوف الداخلي أو يقظة الضمير تضغط علي من الداخل بدءا من القيام ببعض الأعمال وأثناء العمل وبعد العمل أيضا نتيجة الترقب بحذر من التفسيرات والمواقف المختلفة من المعلومة المعروضة إعلاميا، ولكون الجزيرة أكثر قناة مشاهدة وأكثر قناة تثير ردة الأفعال لدى المشاهدين ولدى القوى والأنظمة المختلفة، فأكون بالتالي أكثر من غيري شعورا بالمسئولية وأكثر يقظة للضمير وبالتالي أكثر شعورا بخوف داخلي يؤثر علي نفسيا لفترة ما وتزول بعد ذلك...
لذا كثيرا ما اسمع من زوجتي عندما انهمك بعمل صحفي على أنني تغيرت كثيرا في الوجه والجسم والملامح، طبعا التغيير السلبي لا الايجابي، وأصبح جسمي أكثر ضعفا مما كنت قبل العمل، أي تظهر علي ملامح التعب النفسي والقلق لكن سرعان ما يزول كل ذلك بعد الشعور بنجاح العمل.. أنا الآن سعيد جدا بأنني لم أندم حتى الآن بأي عمل قمت به خاصة للجزيرة، وهذا دليل على نجاحي وشعوري بالسعادة..
أكبر عمل قمت به حتى الآن في الجزيرة هو ( دولة الجبل ) الفلم الذي عملته من داخل أخطر مواقع في المنطقة، من بقعة تثير القلاقل لأربع أكبر دول المنطقة ( تركيا، إيران، العراق، سوريا ) خضت هناك أكثر من أسبوع بلياليها أقسى تجربة صحافية لي وهي الحياة وسط الثلوج في الجبال والكهوف في شريط حدودي يتعرض للقصف والقتال بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، والفلم بعد عرضه حرك أكبر جيشين في المنطقة وهما الجيش التركي والإيراني نحو الحدود لهما مع العراق وأعقب ذلك قصفا للدولتين على مواقع حزب العمال، وعمل الدولتان ضغوطا على العراق كان العراق في وضع تغنيها عن هذه الضغوط بشأن قضية حزب العمال وتواجده في شماله، فكيف لا تريدينني أن أخاف، أو أقلق! كنت أحس بأن النتائج ربما ستكون خطيرة لكن ذلك لم يمنعني من المجازفة والمخاطرة، وكانت النتائج كذلك، لكن الفلم كان أكثر ما أثار جدلا في برنامج ( تحت المجهر ) للجزيرة وهو من أفضل البرامج برأي الكثيرين، وأكثر حلقة استقبلت الردود عبر عنوانها في الانترنيت..
أسرد هنا بالمناسبة حادثة طريفة وقعت لأسرتي بعد دولة الجبل، فأنا أسكن دارا للإيجار في اربيل، وحصل غلاء فاحش في أسعار الدور في المدينة، فجاء صاحب الدار الذي نؤجره إلى دارنا ولم أكن موجودا فقال لزوجتي بأنهم سيرفعون إيجار دارنا بنسبة 50% واعترضت زوجتي على ذلك قائلة له نحن لا نتمكن من دفع هذا المبلغ، فقال صاحب الدار ( زوجك بتقرير واحد حشد أكبر جيشين على الحدود العراقية ولا يستطيع دفع هذا المبلغ؟! ماذا تقولين يا امرأة؟! )
كان فلم ( دولة الجبل ) فرصة ذهبية لي للكشف عن مواهبي الأدبية والفنية، لأن التقارير الصحفية لا تعطي الفرصة لهذه المواهب، وقلت سابقا أنني أميل للفن والأدب قبل الصحافة، لذا فلم أجد نفسي حتى الآن في التقارير الصحافية التي لا تتجاوز الدقيقتين والنصف ويكون لي في هذه الفترة القصيرة جدا حق الكتابة لدقيقة واحدة فقط والبقية تكون لثلاث ضيوف يتكلمون حول موضوع التقرير!! لم أجد نفسي هناك مثلما وجدت نفسي في فلم دولة الجبل! الفلم الذي فسح لي المجال لمجموعة المواهب الأدبية والفنية والصحافية أن تنطلق، لكنها لكون التجربة الأولى لي في فلم وثائقي طويل كنت أشعر بخوف كبير أن لا أنجح فيها النجاح المرجو، لكن والحمد لله كنت موفقا ونجحت نجاحا لم أكن أتوقعه.. وهذا ما شجعني على المضي في مثل هذه التجارب، لذا أخوض الآن تجربة عمل مشابهة لا زلت لم أكملها ولا أريد التحدث عنها الآن حتى يراها المشاهد من على شاشة الجزيرة إنشاء الله..
محور رقم (2)
أحمد الزاويتي من يكون ؟
لافا خالد: من هو أحمد الزاويتي، وما هي الخلفية التي دفعته لاقتحام عوالم صاحبة الجلالة؟
أحمد الزاويتي: أحمد الزاويتي ربما لا يختلف كثيرا عن أقرانه من الشباب الكرد الذين قضوا ما يقارب من ثلاثين عام من حياتهم في وسط مغلق مخيف مراقب محروم من وسائل التطوير في المجالات العلمية والأدبية والثقافية عموما، فقد ولدت عام 1966 في بغداد من أب وأم كردية كانا قد تركا كردستان العراق بحثا عن الحياة وهربا من الموت منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي.. إلا أن العائلة تلك تعود إلى كردستان العراق تاركة رفاهية بغداد في ذلك الوقت بعد بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 الذي منح الكرد في العراق رسميا حكما ذاتيا، ليعيشوا في ظلال هذا الحكم، لكن ما لبثت الأمور أن تطورت إلى حرب بين ثورة يقودها ملا مصطفى البارزاني وحكومة تقودها حزب البعث في العراق عام 1974 ويأخذنا والدي إلى الجبال ليشترك في الثورة ويترك عائلته المكونة من والدتي وستة أولاد مناصفة بين ثلاث بنات وثلاثة بنين كنت أنا في الثامنة في حينه أتوسطهم عمرا، يتركها مرمى لقصف الطائرات والمدافع العراقية في الجبال والكهوف.. كنت في ذلك الوقت في الصف الثاني وانتقلت إلى الثالث الابتدائي في مدرسة بامرني، أتذكر كان والدي يأتي لي ببعض الأشعار يكتبها بعض رفاقه، عندما يعود كل شهرين مرة من القتال الدائر فأنقل تلك الأشعار إلى الأناشيد واتلوها في الاصطفاف الصباحي في المدرسة.. وكنت أُكَرَم من قبل إدارة المدرسة على تلك المحاولات..
منذ ذلك الوقت عشقت الأدب وعشقت الشعر وعشقت الفن إلا أن الظروف المعيشية والدراسية والسياسية لم تمنحني فرصة خوض هذه المجالات بقوة إلا بعد عام 1991 وانسحاب الإدارات العراقية من بعض محافظات إقليم كردستان العراق، والشعور لأول مرة بحرية أن تكون شاعرا أو فنانا أو أديبا..
عند فشل الثورة الكردية عام 1975 بعد مؤامرة الجزائر، لم تكن ظروف والدي المادية تساعده للهجرة إلى ايران مثل اغلب الثوار لذا سلم نفسه للقوات العراقية بعد صدور عفو منها، إلا انه نفي دوننا إلى الحدود السعودية في عرعر وبقي هناك حتى عام 1980، كنت في تلك الفترة مع إخوتي ووالدتي نسكن غرفة إيجار من تراب في أحدى دور مدينة دهوك، وكنت مجبرا على العمل بعد الدراسة بدأ من التاسعة من عمري أي وانأ في الرابع الابتدائي، لأساعد والدتي في دفع إيجار تلك الغرفة.. ولا أنسى قط ذلك المشهد الذي اعتبره أجمل مشهد في حياتي وأنا استلمت نتيجة السنة الابتدائية الرابعة من دراستي ويرافقني ابن صاحب الدار الذي نسكن غرفة منه وهو راسب وأنا الأول على الصف، و بعض أبناء حينا واللذين سقطوا في امتحاناتهم الدراسية فتلومهم أمهاتهم لعدم نجاحهم ونجاح ابن الفقيرة بترتيب الأول على الصف، واحتضنتني أمي باكية، وطبعت قبلة على خدي الطفولي وقالت ومن سيبارك لابني النتيجة ووالده ليس هنا؟!! ودموعها الساخنة كانت تبلل خدي البارد..
بعد أن يعود والدي من النفي عام 1980 يبدأ الحرب العراقية الإيرانية، حينها أكون في مرحلة المتوسطة والحس القومي الكردي يبدأ من جديد بين أوساط الشباب الذي بدأت مرحلته لتوي.. تلك مرحلة أغاني (شفان به روه ر) وأشعار (مؤيد طيب) وموسيقى (دلشاد محمد سعيد) كنت دخلت حينه بعد منتصف عقدي الثاني من عمري وأنا أميل لكل شعر اقرأه وكل موسيقى اسمعه وكل أغنية تثورني وكل مسرحية تدغدغ حسي القومي.. أتذكر عندما قدمت لجنة برئاسة المخرج المسرحي في دهوك ( آزاد عبد الله ) لمتوسطة كارة في دهوك واختبرت التلاميذ للمشاركة في مسرحية (مه م و زين) كنت في الثاني متوسط في حينه، وتقدم الكثير منهم للاختبار إلى أنهم كانوا يفشلون فلما جاء دوري وصعدت خشبة الاختبار إذ أجد نفسي في حالة انفعال تمثيلية أخاطب وأخاطب فاندهش المختبرون لجرأتي في ذلك فاختاروني للمسرحية منذ ذلك الوقت شعرت بالجرأة وأنا أتقدم لأي اختبار فني، حدث لي ذلك ثانية في مرحلة الإعدادية وكنت في إعدادية كاوة عام 1983 عندما جاءنا الفنان الموسيقي المعروف دلشاد محمد سعيد وطلب كورسا غنائبا لفرقة دهوك للاحتفال بمناسبة نوروز كذلك تمنى الكثيرون النجاح للاشتراك في هذه الفرقة وكنت بين القلائل الذين تجاوزا الاختبار...
إلا أن كل ذلك لم يكن يأخذني كليا إلى الأدب أو الفن وذلك لاهتمامي الكبير بدراستي ولعدم تشجيعي من قبل الأهل بخوض هذه المسالك إلا أن المرحلة تلك ولدت في قلبي حبا لم يثمر إلا بعد عام 1991 وكما أشرت إلى ذلك..
اهتماماتي في مرحلة الشباب كانت متشعبة بين الرياضية والأدبية والفنية كلها من جهة والدراسة العلمية من جهة أخرى، فالعادة عندنا في عموم العراق في ذلك الوقت أن الطلبة المتميزين يتوجهون للسلك العلمي أما السلك الدراسي الأدبي فكان يبقى للطلبة غير المتميزين، وهذا كان خطأ كبيرا بل قاتلا للمواهب فكم من طلبة متميزين تكمن في ذواتهم مواهب أدبية أو فنية إلا أنهم يتوجهون للدراسة العلمية التي تبعدهم عن مواهبهم..
أنا كنت كذلك فرغم حبي للفن والأدب توجهت إلى الدراسة العلمية التي أغرقتني في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات في مرحلة الإعدادية وبعدها علوم الأرض الغريبة العجيبة في كلية العلوم جامعة الموصل والتي أنهيتها عام 1990 بعدها التحقت بالخدمة العسكرية في الشهر العاشر من عام تخرجي من الكلية لكنني هربت من الخدمة بعد اقل من ثلاثة أشهر من الالتحاق لاعتقل في الموصل وأُسَفِّرَ إلى بغداد ويفرج عن كل العسكريين السجناء بعد أول قصف أمريكي لبغداد في حرب إخراج العراق من الكويت، وكنت من بينهم، أسبوعا في الاعتقال العسكري دفعني لكتابة ذكرياتي في وقتها لأحولها إلى رواية ( الهروب إلى الحياة ) طبعت في بيروت عام 2003 من قبل دار الوراق للنشر والتوزيع وتكون بذلك أول عمل أدبي لي باللغة العربية..
بعد خروجي من الاعتقال في بداية عام 1991 وهروبي ثانية حاولت التخفي داخل مدينة دهوك حيث تسكنها عائلتنا، وما يلبث الوضع طويلا لتتطور الظروف، فيخرج الجيش العراقي خاسرا من الكويت وتبدأ الانتفاضة في كردستان وحصة مدينتنا ( دهوك ) من هذه الانتفاضة كانت يوم الرابع عشر من آذار عام 1991 لنعيش لأول مرة أسبوعين دون إدارة من الحكومة العراقية، أسبوعين فترة قصيرة بأيامها إلا أنها كانت مليئة بأحداثها وتقلباتها وحلاوتها ومرارتها ففي الوقت الذي اعتبرناها نصرا وتحررا رأينا فيها فوضى عارمة من النهب والسلب تجتاح المؤسسات ولم يتمكن أحد السيطرة عليها، لكن مع ذلك اعتبرناها حالة لا تدوم ويحتاج الأمر إلى استقرار، إلا أنه وقبل استقرار الأوضاع تقدم الجيش العراقي ثانية على كردستان العراق لتحدث بعد ذلك الهجرة المليونية التي كانت المأساة الكردية الأولى التي تستطيع هز الضمير العالمي ليتدخل بقوة لوضع حد للمآسي الكردية المتكررة..
الهجرة المليونية والتي لم تكن مخططا لها، بل حالة جماهيرية عارمة للهروب من موت قادم لا يبقي ولا يذر إلى الجبال والثلوج والأطيان والأنهار في شتاء كردستاني لا يرحم، شهرا من هذا النوع من الحياة وقبله أسبوعين من حرية لم تدم، وقبلها أشهرا في انتظار مجهول غير واضح المعالم بعد توقعات بخسارة العراق في حرب الكويت كلها كانت أشباحا أو كوابيسا أو صورا فنية تهجم على ذاكرة تكونت على مواهب فنية وأدبية طمرت سريعة لتخرجها بقوة.. حالفني الحظ في أن اشتاق لتسجيل ذكرياتي في تلك المراحل المتقلبة مرحلة الاعتقال ثم مرحلة الانتفاضة ثم الهجرة المليونية ثم العودة ثانية إلى الديار، لأتصفح تلك الذكريات بدأ من نهاية التسعينيات وحتى الآن لأخرج منها بين كل فينة وأخرى عملا أدبيا بين قصة ورواية كردية وعربية..
تلك هي الخلفية لتوجهي المتواضع نحو الأدب والفن، والأدب والفن بالتالي كانا البداية لتوجهي للصحافة السمعية ثم المقروءة فالمرئية..
الزاويتي الكاتب بعد الهجرة المليونية..
لافا خالد: إذن تريد ان تقول أن المعاناة والحرمان ولدت فيك موهبة الفن والأدب، خبرنا عن قصتك في الكتابة والفن والأدب بعد الهجرة المليونية، أي بعد 1991؟
أحمد الزاويتي: أسسنا مع مجموعة زملاء فرقة كردستان الفنية، عام 1992 وأعددت منذ ذلك الوقت مسرحية ( به هيا بى ده نك ـ التعزية الصامتة ـ ) كانت عن مأساة حلبجة وتأثيرها على طالب جامعي يعيش في دهوك ويؤدي به الحالة إلى الإعدام من قبل السلطات، قمت بكتابة نص المسرحية وأداء دور البطولة وكذلك الإخراج والمبرر في قيامي بكل ذلك، هو لم أجد بين الزملاء من يجد دور البطولة ولم أجد في تلك الأيام من يقدم نفسه لإخراج المسرحية، قدمت عرضا للمسرحية في مدينة دهوك عام 1992 وآخر في مدينة حلبجة عام 1994.. ثم كتبت مسرحية ( الكرسي ولعبة الموت ) والتي قدمت إذاعيا، بين عامي 1994 و 1995 ، ثم اصدرنا جريدة في مدينة دهوك باسم ( ره سه ن ) وبدأت أكتب قصصا بعنوان ( من ألواح معرض طريق جه لى ) والتي تطورت فيما بعد الى كتاب في جزئين طبعا باللغة الكردية في مدينة دهوك الجزء الأول عام 1999 والجزء الثاني عام 2000 ، وفي عام 1999 ايضا بدأت بطباعة سلسلة رسائل تربوية باللغة الكردية بعنوان ( الإنسان والحياة ) و( الإنسان والمجتمع ) و( مؤمن آل فرعون )، وطبعت رسالة أدبية باللغة الكردية عام 2001 بعنوان ( من وحي الاشتياق ) ثم ترجمتها الى اللغة العربية لكن لم يطبع حتى الآن، وطبع لي من قبل دار الوراق للنشر والتوزيع في بيروت كتابين أدبيين باللغة العربية الأول ( الهروب إلى الحياة ) عام 2003، والثاني مسرحية ( مؤمن آل فرعون ) طبع عام 2006
الزاويتي كأديب لمن يوجه الخطاب؟
لافا خالد: كتبت في مجال الأدب ولك مؤلفات لما لم تجد سبيلها للنشر ما هي مشاريعك, من هو الجمهور الذي تخاطبه حدثنا عن هذا المجال ؟
أحمد الزاويتي: كما أشرت كتابتي في الأدب سبق عملي في الصحافة وبداياتي في الأدب ترجع للكتابة في المسرح فالقصة ثم محاولات في مجال الرواية، وبدأت بتحويل مذكراتي في المعتقل قبل الانتفاضة والهجرة المليونية بعد الانتفاضة إلى قصص بدءا من عام 1995 وطبع لي بعد ذلك كتابي في جزأين ( ريكا جه لى ـ طريق جلى ـ ) وهو عن الهجرة المليونية الكتاب باللغة الكردية، ثم طبعت لي رسالة أدبية أخرى أيضا باللغة الكردية بعنوان ( ز هايدانا خه ريبى يى ـ من وحي الاشتياق ـ ) ونشرت لي كل خواطرها الأدبية وعددها 20 باللغة العربية في بعض المواقع العربية، وكذلك نشرت لي بعض قصص من كتابي الأول باللغة العربية وحاولت أن أحول كتابي الأول بجزأيه إلى رواية باللغة العربية لكنني لا أريدها أن تكون ترجمة لها بل أريد أن تكون كتابا آخرا جديدا في إطار رواية عربية مستمدة من كتابي باللغة الكردية ..
طبع أيضا لي في بيروت عام 2003 أول كتاب باللغة العربية وهي ( الهروب إلى الحياة ) وهي مذكرات جندي عراقي يحاول الهروب، وطبع لي مؤخرا من بيروت أيضا أول مسرحية لي وهي بعنوان : ( مؤمن آل فرعون ) ونشرت لي مسرحيتين في بعض مواقع الانترنيت وهما : ( طفل ينهض أمة ) وأخرى بعنوان ( قاطع وذلك اضعف الإيمان ) والمسرحيتين عن فلسطين، إضافة إلى ترجمة مسرحية ( الجوع والكلمة ) للدكتور عماد الدين خليل إلى اللغة الكردية..
أما الجمهور الذي أخاطبه فهو جمهور متنوع فمثلا العمل الذي اكتبه باللغة الكردية أخاطب به طبعا الجمهور الكردي، أما العمل الذي أكتبه باللغة العربية فبالتأكيد أخاطب به الجمهور العربي، لكني أخاطبه لا كعربي أخاطبه ككردي، وأنا الآن أفضل أن استمر في كتابتي باللغة العربية لأن للأسف لم يسمع الجمهور العربي عن الكرد إلا من خلال من يكرهون الكرد، لذا فعلينا أن نبادر ولو كنا متأخرين للكتابة للعرب ليفهموا الكرد على حقيقتهم ويتفهموا المآسي التي عاشته الكرد عبر التاريخ، وكي لا يتصورون الأكراد كإسرائيل ثانية بل كفلسطين ثانية، أو على الأقل كردستان ككردستان لا إسرائيل ولا فلسطين ثانية!
الزاويتي كصحافي..
لافا خالد: وكيف بدأت مع الصحافة العربية والدولية؟
أحمد الزاويتي: أما قصتي مع الصحافة العربية الدولية فتبدأ من بداية دخول الانترنيت إلى كردستان العراق وبالتحديد عام 2001 حيث شاركت في كم من المنتديات الحوارية العربية وكانت لي مشاركات كثيرة وصلت إلى ما يقارب من 3000 مشاركة بين مواضيع سياسية وأدبية وتقارير صحفية إضافة إلى حوارات وتعقيبات على بعض المواضيع لكتاب آخرين، فيما يقارب من عشرين منتدى وموقع عربي، طبعا وبعدة أسماء مستعارة حيث طغت العادة المشاركة في هذه المنتديات بأسماء مستعارة.. هذا النشاط المكثف من 2001 إلى بداية 2003 ربطني بشبكة واسعة من العلاقات بين أدباء وصحفيين ومثقفين عرب وهذه العلاقات أوصلتني إلى شبكة إسلام أون لاين حيث عملت لها رسميا كمراسل في كردستان العراق من الشهر العاشر عام 2002 وحتى أواسط 2003 كتبت لها كم كبير من التقارير الصحفية وبعض البحوث وأدرت للشبكة مجموعة حوارات في الانترنيت حول الوضع السياسي في العراق، والعلاقات نفسها أوصلتني لإذاعة صوت ألمانيا باللغة العربية وعملت لها مراسلا أغطي الحرب الأمريكية على العراق واستمرت علاقتي معها حتى نهاية عام 2003 وتركتها واسلام أون لاين بعد ان عينت رسميا مراسلا للجزيرة..
واقع الصحافة الكردية
لافا خالد: شهدت أروقة التحرير الصحفي نقلة نوعية في الإعلام المرئي والمطبوع والإلكتروني بفضل التكنولوجيا المتطورة والانترنت الذي قدم فائض من المعلومات المتدفقة هل أثر ذلك على العمل الصحفي الكردي أو غير من آلية الخطاب الإعلامي والإخراج الصحفي بمختلف الوسائل الإعلامية الكردية ؟
أحمد الزاويتي: بالتأكيد أثر هذا في العمل الصحفي الكردي كما اثر في عموم العمل الصحفي العالمي، لكن تبقى المشكلة في أن الاستفادة من هذا التطور التقني والالكتروني من قبل الصحافة الكردية لم تكن في مستوى هذا التطور، أو لنقل ليس بنفس الاستفادة التي حصل عليها الآخرون غير الكرد كالعرب مثلا.. لا يزال الصحافة الكردية في طور التقليد لم يستطع كون أسلوب خاص به، في جميع مجالاته طبعا!! ولا يزال أمام الصحفي الكردي الشيء الكثير الذي يجب أن يقدمه حتى يمكن أن نتصور أن الصحافة الكردية سلكت مسلك التطور..
ممكن القول إن الاستفادة من هذا التطور ظل في إطار الشكل لا المضمون!
الخطاب الإعلامي لا يبدو عليه بوادر التطور، فلا يزال الخطاب الحزبي مثلا عندنا في كردستان العراق يطغي على الإعلام بمختلف مجالاته المرئية والمقروءة والمسموعة، هناك خطوات متواضعة للخروج من إطار الإعلام الحزبي، لكن الأحزاب تتسارع للاستحواذ على هذه المحاولات أيضا، وطالما لم يستطع الإعلام أن يكون مستقلا فهو لا يستطيع التطور ولا يستطيع حتى أن يكون أكاديميا على الأقل..
التجربة الإعلامية الكردية
لافا خالد: كيف تقييم تجربة كرد العراق على الصعيد الإعلامي ؟ ما هي حدود حرية الصحافة عندكم ؟ هل الإعلام الكردي يعيش أزمة وهل هي ذاتية أم أزمة موضوعية ؟
أحمد الزاويتي: يمكن وصف تجربة كرد العراق الإعلامية على أنها مرحلة الثورة الإعلامية الكردية بكل معنى الكلمة، فهناك العشرات من قنوات التلفزة المحلية وللأفكار والأحزاب المختلفة، ومثلها من محطات الإذاعة والمئات من الجرائد والمجلات والدوريات المختلفة، وكذلك هناك العديد من القنوات الفضائية، والحبل على الجرار، لكن الثورة تكون حالة إيجابية عندما تحقق أهدافها، فكما تعرفين فالكثير من الثورات لا تحقق أهدافها، أو تعيش حالة الثورة الدائمة وهذه الحالة غير إيجابية، لأن الثورة يجب أن تكون حالة مؤقتة ضرورية تؤدي بالتالي إلى أهداف معينة..
الصحافة عندنا في خط سيرها من حيث الكم في تزايد وكثر، أما من حيث النوع والمضمون والفكرة والرسالة فهي بطيئة في خط سيرها للأمام، وأنا بتصوري أن المهم الآن هو التفكير في النوع، أي لا داعي أن افتح محطة تلفزة أو إذاعة أو جريدة أو مجلة لتكون مجرد إضافة رقم ما لعدد المحطات أو الإذاعات، بل أفكر كيف أفتح مؤسسة إعلامية رائدة، إذن البحث عن الإبداع الآن هو يجب أن يلح على المهتمين في الحقل الإعلامي الكردي، لا مجرد البحث عن أن أكون موجودا فقط..
هناك طابعين سلبيين يسيطران على الصحافة الكردية في كردستان العراق حاليا وهو طابع الخطاب الحزبي، والطابع الآخر هو الطابع الكلاسيكي، لا تزال الصحافة عندنا تعيش حالة التقليد، سواء التقليد لبعضها البعض أو التقليد للصحافة التي تصلنا من الآخر وخاصة الصحافة العربية..
أما موضوع حرية الصحافة فالمشكلة التي يتم التحدث عنها خارج كردستان العراق من كتم للحريات ومنع للأقلام أو اعتقالها وسجنها من قبل السلطات، فلا وجود لمثل هذه المشكلة في كردستان العراق، بل العكس القانون يحمي الصحافي من مثل هذه التدخلات، لكن يمكن القول بان الصحافيين والكتاب لم يتمكنوا حتى الآن من الاستفادة المرجوة والمطلوبة من مثل هذه القوانين، بل السلطات والأحزاب استفادت أكثر من ذلك..
هناك رقابات غير معتادة موجودة عند الصحافي الكردي ممكن اسميها الرقابة الذاتية للصحفي نفسه، فهو لا يقدم على شيء غير معهود كي لا يثير ضده الآخرين سواء من أشخاص أو أحزاب أو سلطة، يعني أن القانون لم يمنعه من التطرق لغير المعهود، ولكون الحالة الحزبية مسيطرة على غالبية الصحافة الكردية فان الصحفي العامل في صحافة حزب ما يشعر داخليا برقابة الحزب عليه أو يتحرك وفق سياسة الحزب لا سياسته المستقلة كصحفي، ربما لأنه يشعر بأنه إذا خرج من هذه السياسة ربما سيخرج من الصحيفة نفسها..!
هناك خطوات متواضعة لبعض الصحفيين الجريئين للخروج من هذا الواقع المضر بالصحافة، ويحاولون إيجاد صحافة مستقلة وبعيدة عن سلطة الأحزاب، والتطرق لبعض القضايا الحساسة جدا ونجحوا إلى حد ما في ذلك، لكن الأحزاب تخطط بشكل ما للاستحواذ على هذه الصحافة أيضا!! وهناك بعض الصحافة المسماة بالمستقلة وهي في الأصل حزبية وجدت لاستخدامها من قبل حزب ما تحت اسم المستقلة ضد طرف أو حزب آخر، لكن الشيء الجيد والذي يريح المتابع أن القارئ الكردي أصبح يستطيع الفرز والبحث عما يريد وعما يراه مفيدا...
أنا لا أريد وصف حالة الصحافة الكردية بالأزمة!! لأنها لم تعش بعد الفترة الزمنية المطلوبة حتى يمكن تشخيص المرض بالأزمة، إضافة إلى أنها لم تحصل بعد على الدعم الذي يجعل من الصحافة صحافة مبدعة، والشعور بحساسية التجربة السياسية في المنطقة لا يزال يسبب عدم الاستقرار الإعلامي الذي يجب أن يكون حتى يمكن تقييم صحافة ما، لكنني أقول الأرضية مؤهلة والكوادر متوفرة والإرادة الصحافية موجودة لصنع مرحلة صحفية كردية جديدة يكون فيها البدا بمرحلة الإبداع الصحافي..
الزاويتي يشكر..
لافا خالد: كلمتك الأخيرة..؟
أحمد الزاويتي: كلمتي الأخيرة هو أود أم لا أنسى في خضم هذا الحديث الطويل أن اشكر القيادة السياسية الكردية بمؤسستيها رئاسة إقليم كردستان العراق ورئاسة الوزراء وخاصة شخص السيد نيجيرفان البارزاني الذي يعتبر نفسه صديقا للمثقفين كأدباء وكتاب وصحافيين، ويشجعهم، وأنا واحد من هؤلاء، أشكرهم جميعا لسماحهم للجزيرة بالعمل في كردستان العراق، واشكر كل من شجعني بكلمة نقد قبل اشادة في سبيل أن أطور في عملي سواء كصحافي أو كاتب.. ثم أعتذر من هذه الغطالة في الأجوبة حيث رايتها مناسبة لتوضيح بعض الأمور التي طالما كانت غامضة.. وشكرا لك (لافا) باعتبارك الصحفية الأولى التي تعمل معي حوارا من هذا النوع، وتفتح أبوابا من النقاش معي لم تكن قد فتحت من قبل..