مفهوم الحزب السياسي .. اصطلاحا ووظائفَ ..!
التاريخ: الثلاثاء 20 ايلول 2011
الموضوع: اخبار



دهام حسن

إن لفظة الحزب لغة تعني جماعة أو طائفة من الناس، وفي هذا المعنى وردت لفظة (الحزب) في القرآن الكريم في سياق عبارة حزب الله, وحزب الشيطان، كما لها معان أخرى.. لكن ما  يهمنا هنا هو تناول لفظة "الحزب" كمفهوم ومصطلح، سياسي، وما يتفرع عنه من مهام ووظائف ومكونات، دون الوقوف على المعنى اللغوي الخارج عن غاية المقال في هذا المقام..
أولا مفهوم الحزب السياسي..  
لا يمكن لنا أن نأتي بتعريف واحد جامع مانع متفق عليه للحزب السياسي من قبل سائر المعنيين بالمفهوم، لكن يمكن مقاربة المعنى في حدود ما من خلال استهلالنا بالتعريف التالي..


 إن الحزب السياسي كمفهوم أو مصطلح ما هو إلا جماعة واعية من الناس اتفقت مشيئتهم لينتظموا طواعية في حزب سياسي بدافع المصلحة والرؤية المشتركة في قراءة الواقع، واستشفاف المستقبل، والتطلع لبناء غد أفضل، والنضال في سبيل تحقيق غايات وأهداف قريبة وبعيدة عبر هياكل تنظيمية تخطط لحياتهم النضالية، مع الإشارة إلى  أن كثيرا ما تتماثل أو تتشابه الأهداف في أكثر من حزب سياسي واحد، بمعنى آخر يكون هناك أحيانا أكثر من تنظيم حزبي بأهداف واحدة أو متقاربة، وغالبية هذه الأحزاب تضع مسألة الاستيلاء على السلطة نصب أعينها كهدف جليل في نهاية المطاف...
 
ثمة اتجاهات فكرية أو سياسية أخرى عادة ما تطبع الحزب السياسي بالطابع الطبقي، فالحزب هنا حسب توصيف المدرسة الماركسية الكلاسيكية لابد أن يقوم على أساس طبقي فالحزب هو تعبير عن مصلحة اقتصادية، وهو بالتالي إما بروليتاري أو برجوازي، وقد يعود حزب ما بأرومته إلى بقايا إقطاعيات وقبائل، والطريق للوصول إلى السلطة حسب الوصفة الماركسية أيضا لا تكون إلا عبر تغييرات ثورية، أي بانقلابات عسكرية عادة وليس بوسائل سلمية أو بطرق ديمقراطية، هذه عن قليل في اللغة السائدة لدى المدرسة الماركسية، رغم أن بعضهم أجاز السبل السلمية للوصول إلى السلطة، طالما هي تحقق مهام الثورة..
 
حقيقة لا يمكن لنا أن نطلق اسم الحزب هكذا على أي تنظيم كان دون خواص أو سمات لهذا الحزب أو ذاك، فالحزب يتكون عادة من أعضاء وأنصار ومؤيدين، فضلا عن جمهور متعاطف مع سياسته، متضامن معه، متابع أو مشارك لنشاطاته، فلا يمكن لفرد واحد، أو نفر قليل من تأسيس حزب ما، إذا كان الحزب يفتقر لمثل هذه العناصر..
 
نقطة أخرى متممة وهي.. لما كان الحزب أساسا هو الوسيط بين المواطن والدولة، فوجود الحياة الحزبية في أية دولة من ناحية ممارسة الأعضاء للنشاط الحزبي بكامل الحرية لهو مؤشر أكيد على الحرية والتنمية السياسية، وجانب من الديمقراطية، وبالمقابل فغياب الحياة الحزبية في أي بلد لهو مؤشر سلبي ودليل أكيد على ضعف التنمية في مختلف الصعد، بالتوازي مع انتفاء الحرية وغياب الديمقراطية..    
 
 من نافل القول أن نتحدث عن التعددية، مع التأكيد أن التعددية موجودة في سائر مجتمعات اليوم الطبقية، شئنا أم أبينا، لكن المقصود هنا من التعددية هو التعددية  السياسية، والتي تعني مشروعية مختلف الأحزاب في النشاط والعمل دون أي  عائق أو مانع يحول دون هذا النشاط، فوجود أي حزب هنا تشرّعه قوانين الدولة، أي تشرّع للحالة السياسية في البلد المعني بكامل الحرية، وطبيعي أن تجيز التعددية للحزب السياسي بتبوء دفة السلطة في حال حصوله على أصوات أكثرية المقترعين الذين اختاروا هذا الحزب أو ذاك، أي خولته النتيجة بالتالي لاستلام السلطة، وقيادة البلاد، لأن هذا الشكل من استلام السلطة يشرعن أيضا لتداول السلطة سلميا، فمن يحظى بأكثرية الأصوات، من خلال صناديق الاقتراع أصولا من حقه أن يحكم ويقود البلاد، وأن يقبل بالنتيجة راضيا حتى لو جاءت النتيجة لغير مصلحته كأن يفوز خصمه المنافس له، وهنا عليه أن يقبل بالنتائج، ويسلم جراء ذلك بالتنحي جانبا ليفسح المجال للطاقم الجديد  بالحكم، وبمجيء حاكمين جدد، وتلك إفرازات لعبة الديمقراطية..
 
تتوزع الأحزاب غالبا، بين حزب أيديولوجي يتمسك بمبادئ وبرامج كثيرا ما تكون هذه البرامج تتمتع بالثبات نسبيا كما هي الحال عند الأحزاب الشيوعية بشكل عام، لاسيما في الماضي القريب، بخلاف أحزاب سياسية من نمط آخر، أحزاب براغماتية تتسم بالمرونة، فقد يتغير خطه العام بتغير الواقع والظروف، وثمة أحزاب تقترن بأسماء الزعماء لكاريزما الزعيم، ومثل هذه الظاهرة تظهر غالبا في المجتمعات القبلية والمتخلفة عموما..
 
من جهة أخرى..في النظم الديمقراطية ربما انحصرت مهمة ونشاط بعض الأحزاب في الوصول إلى السلطة عن طريق إيصال ممثليها إلى البرلمان عبر مرشحيها في الانتخابات الدورية، وقد يسعى الحزب المعني في حال نجاحه إلى إحداث تغييرات سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية في بنية الدولة والمجتمع، وهذه الوصفة العلاجية تنحصر في حال وصول هذا الحزب إلى السلطة ولا يحدث هذا إلا عبر نظم  ديمقراطية فحسب، يمارس فيها الحزب نشاطه بكل قناعة وحرية كالتزام أدبي تجاه الشعب الذي يتعاطف معه، ومنحه ثقته، ويقف بجانبه..
 
هنا لا بد من التنويه بالملاحظة التالية، فمن خلال تعريفات عديدة بالحزب السياسي  لمسنا من لدن الكثيرين التركيز على هدف مجمع عليه، هو الوصول إلى السلطة، كما نوهنا في الأسطر السابقة، لكن الحقيقة أن كثيرا من تلك الأحزاب قد تنشد إلى تغييرات دون أن يكون الوصول إلى الحكم بالضرورة من بين أهدافها، فقد يهدف إلى تغييرات صغيرة أو كبيرة أو ربما جذرية، لكن يبقى الطموح دون ذلك، ثم أن سمة بعض الأحزاب لا تخولها المنافسة لاستلام السلطة، مثلا كالأحزاب المؤسسة على أساس أقليات عرقية في بلد متعدد القوميات..
 
أمامنا هنا إذن.. أولا، حزب سياسي ذو أيديولوجية قائم بذاته من خلال صياغة رؤية سياسية متفق حولها من قبل شريحة اجتماعية تنتظم هذه الشريحة في خلايا حزبية تعمل وتناضل في ضوء برنامج يحظى بقبول المنتمين لهذا التنظيم، علاوة على أن الحزب سوف يسعى لاستقطاب تأييد شعبي واسع نسبيا، وتكوين أنصار له وفق خطة، وعبر تحالفات للوصول إلى السلطة في آخر المطاف.. فالحزب هنا يلعب دور التنمية السياسية، مع التنبه لفكرة ينبغي أن ننوه عنها وهي ارتباط نمو وازدهار الأحزاب السياسية بحالات نمو وازدهار الديمقراطية في تلك البلدان ..
 
 وهنا لا بد من الإيضاح بين الأنظمة الحزبية الحاكمة، فهناك نظام الحزبين اللذين يتناوبان على السلطة حسب صناديق الاقتراع، ويمكن أن يضاف إليه نظام التعددية الحزبية أو تعدد الأحزاب، يتمتع جميعها بحرية النشاط الحزبي والنضال السياسي وفق تقاليد معروفة في أنظمة ديمقراطية، وقد تتشارك في السلطة في هذه الحال مجموعة أحزاب كل حزب حسب إمكاناته وقواه في التمثيل، يقابل هذا وذاك نظام الحزب الواحد، حيث حزب واحد وحيد يحتكر السلطة كما كانت وما زالت الحال في الأحزاب الشيوعية لدى الحكم، وأيضا البعثية القومية، والدينية.. وإن وجدت بعض أحزاب أخرى داخل البلاد فهي لا تعمل إلا في إطار سيطرتها وربما بوحي منها، فتلك الأحزاب حتى لو شاركت ظاهريا في الحكم، فتظل أمينة مؤدبة حيالها، وتبقى المشاركة شكلية ليست إلا، وتحت وطأة الحزب القائد..!
 
مسألة أخرى.. لأي حزب عادة برنامج الحزب ونظام داخلي ومقرات كمكاتب.. فالبرنامج يتضمن سياسة الحزب النضالية مابين مؤتمرين مع وضوح أهداف الحزب، في حين أن النظام الداخلي يبين شروط الانتساب، واكتساب شرف العضوية، وبالتالي قبول الفرد في خلية حزبية، والمساهمة المالية كاشتراك محدد، كما يتم اختيار الكوادر المسؤولة لتبوّء هيئة ما، وقيادة تنظيم حزبي عبر صيغ لانتخابات تجري أصولا، مع خضوع الأعضاء للمراقبة والمحاسبة الأدبية في كل حين..
 
يتكئ نمط من هذه الأحزاب حسب النظام الداخلي على مبدأ المركزية الديمقراطية، والذي يلخص بما فحواه خضوع الأقلية للأكثرية، وهذا المبدأ التنظيمي الصارم صاغه لأول مرة ماركس وإنجلس، وسار بها لينين شوطا بعيدا بعدهما، وأصبح هذا المبدأ طاغيا فيما بعد في حياة سائر الأحزاب الشيوعية، والتي تدور في الفلك السياسي السوفييتي، لتنعكس بالتالي على العلاقات الرفاقية بالسلب والسوء إلى أن كان ثمة تطلع آخر فجاء تبديله عند بعض الأحزاب واستبدل  هذا المبدأ التنظيمي من (المركزية الديمقراطية) إلى (الديمقراطية المركزية).. والحقيقة أن المركزية والديمقراطية مفهومان متناقضان، يتعارضان رغم اتحادهما معا في الوقت ذاته، فهما في وحدة حال لا يمكن الفصل بينهما، فالمبدأ يكرس النظام والالتزام والانضباط الصارم.. ويستلزم إحداهما الأخرى..
 
فكرة أخرى.. عادة ما يحمل الحزب السياسي اسما ينفرد به، وشعارا خاصا يتميز الحزب بهما عن سائر الأحزاب الأخرى، فضلا عن وجوب تحديد شروط الانتساب للحزب كما نوهنا من قبل، ولا بد من مالية للحزب مع إيضاح ميادين وأوجه الصرف..
    
في الأنظمة الاستبدادية يسعى الحزب الحفاظ على وحدته وصلابته، ويشرف أعضاؤه على مختلف المؤسسات الحكومية، والنشاطات الثقافية، والروابط الشبابية، والعلاقات الحزبية، بغاية الإشراف والمراقبة والإدارة.. من جهة أخرى، إن وجود أحزاب غير حاكمة في أي بلد يعد هذا حقيقة عماد الديمقراطية، وعلى العموم.. فالحزب في كل الأحوال وهو خارج السلطة يلعب دور المراقب لتصرفات السلطة التنفيذية الحاكمة، ولن يكف بالتالي عن النقد والتصويب،كما أن الحالة الديمقراطية في الواقع وفي حياة الإنسان وحياة الأحزاب لا بد لها أن تسود، لأنها هي الحالة الطبيعية، فالحرية والديمقراطية تبقيان ضالة الشعوب المتعطشة لهما كهدفين ساميين، لابد لهما أن يحطا الرحال في كل بقاع الدنيا، فحيث يوجد بشر لا بد أن تنبت في مرابعهم براعم للحرية والديمقراطية، ولا بد بالتالي أن تزدهر تلك المرابع كواحة خضراء بأزاهير الحرية والديمقراطية ..!







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=10073