د.نورا لدين زازا: الكاريزما المنسية
التاريخ: السبت 21 تشرين الاول 2006
الموضوع: اخبار


د.زارا إبراهيم
 
 يأتي تناول موضوع السياسي والأديب الكردي الدكتور نورا لدين زازا لأسباب عدة منها: أولا لإظهار الوفاء والتقدير لهذا المناضل الشجاع من خلال مسيرة حياته النضالية الغنية و الذي لم ينصف لا في حياته ولا حتى بعد وفاته، ثانيا لتبيان الحقيقة عن مرحلة مهمة من التاريخ التأسيسي للحركة الكردية في سوريا وإعطاء كل ذي حق حقه في تلك المرحلة وما تلتها، لكي نكون منصفين أمام التاريخ وكذلك أمام الشعب الكردي وخاصة الجيل الشاب الذي غيب عن المعلومة والتاريخ الصحيح لتلك المرحلة والتي من المفروض أن يكون التاريخ الكفاحي للدكتور نورا لدين زازا نموذجا ومرجعا يحتذي به وثالثا دعوة الحركة الكردية لتصحيح أخطاءها وإعادة الاعتبار الحقيقي والعملي لرئيس وأحد مؤسسي الحزب منذ عام 1957 . 


في هذه الدراسة والبحث التي دامت حوالي السنة حيث شملت الكتابات المتعلقة بالدكتورزازا وكذلك العديد من الاستفسارات من أشخاص عاصروا تلك الفترة ومن مقربين منه في سبيل تبيان الحقيقة والمصداقية في كل ما نكتبه . وسوف نتناول بعض الجوانب الهامة والمؤثرة في حياة الدكتور زازاوالتي كان لها الأثر الكبير في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا وكذلك سيكولوجية روح التضحية ونكران الذات لديه في سبيل قضيته القومية والدفاع عن سوريا كوطن للجميع.
روح المبادرة وضرورة تأسيس حزب كردي- هناك بعض الضبابية حول تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا خاصة في الجانب المتعلق بدور أولئك المؤسسين الأوائل فيه ولا زال هناك البعض ممن يحاول تجنب الحقيقة وتهميش دور المساهمين الفعليين فيه وإعطاء دور أكبر لأنفسهم في تلك المسألة، بل وحتى يتم تغيب شخصية الدكتور زازا وفي هذا تجن على الحقيقة. لهذا السبب لابد لنا أن نلقي الضوء بداية على شخصية الدكتور والفعاليات التي قام بها قبل التأسيس والتي تبرهن حقيقة الدور الأساسي له في هذا الجانب. فمن خلال قراءتنا لكتاب ( حياتي الكردية ) للدكتور زازا،الذي يسلط الضوء على حياته منذ الطفولة وحتى بداية الثمانينات من القرن الماضي والأحداث التي مرت معه، نستنتج جوانب مهمة في سيكولوجيته وتأثير البيئة والوسط الذي عاش فيه على تكوينه الشخصي وبلورته في المستقبل.
فقد عاش د.زازا في بيئة أرستقراطية بمدينة مادن الغنية بالنحاس( منذ عام 1792 تم استخراج النحاس وصهره عن طريق جد والد الدكتور السيد إبراهيم أفندي) التي تفاعلت مع المدنية والتطور الاقتصادي مبكرا وكان والده بمثابة ( الولي ) كما كان يسمونه الأهالي في تلك المنطقة نظرا لسعة علمه ومعرفته وكذلك لطيبته ومساعداته الكثيرة للفقراء والمحتاجين هناك، وقد ترعرع د.زازا بداية طفولته على تلك الأخلاق وفي أجواء حرة وديمقراطية وسط عائلة تقدر العلم وتسعى إليه حيث كان أخاه الدكتور أحمد نافذ بك طبيبا، وكذلك فقد عايش د.زازا في طفولته مرحلة حساسة من تاريخ تركيا الدموي، خاصة بعد المذابح الدموية التي ارتكبها الأتراك بحق الأرمن وكذلك الظروف الوحشية التي فرضت على الكرد أثناء وبعد ثورة الشيخ سعيد عام 1925 . فرضت ظروف قسرية على عائلة د.زازا حيث قتل ابن عمه واعتقل والده وأخاه نافذ مع آخرين، فجأة وجد د.زازا في ظروف صعبة وغريبة عن تربيته والأجواء الحرة التي عاشها بين أهله، حيث المدنية والعيش بحرية وطلاقة ريف مادن حيث أرض والده وكذلك قضاء الصيف في حدائق عائلته المالكة بين الطبيعة الخضراء والجبلية وركوب الخيل، كلها أرضية خصبة لبناء شخصية نموذجية وقوية.
بعد تلك الأوضاع غادر د.زازا مع أخيه الدكتور نافذ مدينة مادن إلى حلب السورية، أكمل دراسته هناك وكان يكره الظلم وكان وهو صغيرا لا يقبل ظلم معلمه هنري له لأنه كان معتزا بنفسه وبقوميته ولغته التي كان يتكلمها بكل فخر.
كانت الأوضاع المأساوية التي يمر بها كردستان- تركيا تؤثر فيه كثيرا وهو طالبا في الثانوية الفرنسية بدمشق، فقد قام بتنظيم وترأس وفد من طلبة المدرسة بكتابة احتجاج ضد الوحشية الكمالية بحق الكرد في دير سم عام 1937 وقاموا بتسليمها إلى بعض السفارات الأوربية في دمشق. إن تشكيل الجمعية الطلابية الكردية (هيفي) عام 1937 والتي كان هو فعالا ضمنها، فقد شجعت الكرد، خاصة الشباب منهم إلى العمل والمبادرة لإنشاء نوادي وجمعيات ثقافية وأحزاب، وكذلك فقد كان الدكتور يتعاون مع الشعراء والملالي والشباب في سبيل تلك المهمة وذلك بهدف تحرير الشعب الكردي وإخراجه من سباته على حد قول الدكتور نفسه.
في عام 1939 تم تأسيس فريق (كردستان ) بدمشق وحصل على بطولة العاصمة نفسها في عام 1940 وكان له مشجعون كثر وحتى من القامشلي كانوا يأتون لمواكبته، لكن السلطات التركية اعترضت عليه في سوريا فوافق الفرنسيون والسوريون على ذلك وتوقف نشاط النادي.
ونتيجة شعوره القومي الزائد وتحت سمع بطولات وأخبار البطل الكردي الملا مصطفى البر زاني فقد ألهبته الحماسة للقاء تلك الشخصية الهامة فعقد العزم وسافر رغم ظروف الاحتلال إلى هناك، حيث ذاق مرارة السجون العراقية من الموصل حتى بغداد لمدة سنة كاملة وذلك سنة 1944 . بعد ذلك ونزولا عند رغبته سافر إلى بيروت و درس العلوم السياسية هناك، لم يوقف نشاطه، فقد التحق بالإذاعة الكردية وعمل فيها بدل الأمير كاميران بدر خان، وكان يبث أخبار الكرد في كل مكان من مها باد إلى أخبار ثورة البر زاني ويفضح تلك الأنظمة الدكتاتورية الظالمة بحق الكرد، إلى أن وضعت الحكومة اللبنانية يدها على الإذاعة بضغط من الحكومة العراقية عام 1946 .
لكن نور الدين تابع نشاطه وفتح مدرسة ليلية لتعليم اللغة الكردية في بيروت إلى أن سافر إلى سويسرا لدراسة الدكتوراة في العلوم الاجتماعية والتربوية عام 1947 .

 وهناك أيضا كان شعلة من النشاط لخدمة قضية شعبه في العديد من المحافل والمؤتمرات الطلابية في أوروبا، فقد أسس مع بعض الشباب الكورد( رابطة الطلاب الكورد في أوربا) عام 1949 في لوزان وكان هو رئيسا لها، وأصدر باسمها صحيفة ( صوت كردستان )، وهذا الشئ أكده الدكتور عصمت شريف وانلي في إحدى مقابلاته التلفزيونية مع الصحفي جبار قادر عند سؤاله عن مؤسس الرابطة حيث أكد بأن الدكتور زازا كان مؤسس تلك الرابطة وكذلك جمعية الطلبة الكورد في أوربا سنة 1956 .
إذا فانه لا يوجد أي مجال للشك في أن الدكتور زازا هو مؤسس الحزب مع بعض الشخصيات الأخرى، نظرا لتوفر كل مقومات تلك الشخصية القيادية والتي تمتلك مؤهلات علمية وسياسية وفكرية متنورة. ورغم ذلك فأن هناك أطراف تحاول الاستيلاء على ذلك الإرث النضالي للدكتور زازا وتنسبها لنفسها وذلك من خلال إقامة حفلات تكريم وتوزيع جوائز باسم الدكتور وإظهار دور ثانوي له في عملية التأسيس مستفيدين من غياب أهم شخصيتين في تلك الفترة وهما الدكتور ورفيقه أوصمان صبري، وللذكر نقول بأن أولئك الأشخاص كانت علاقتهم منقطعة مع نورا لدين منذ عام 1962 وتخلوا عنه في أحلك ظروفه وكان امتدادا للخلافات التي برزت داخل السجن وكان له مروجوه خارج السجن في سبيل الإساءة إلى سمعة نورا لدين ونراهم اليوم يتباكون عليه خدمة لمصالحهم وكما يقول المثل يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، إذا كيف نفسر إصرار نورا لدين في سنواته الأخيرة على عدم العودة عندما طلب منه، حيث رفض رفضا قاطعا فكرة العودة مادام هناك شخصان موجودان على الساحة في سوريا!!!!! بل ولم يرد أسماء أولئك الأشخاص حتى في وثيقة نورا لدين الذاتية أي كتابه ( حياتي الكردية ) وهو دليل غياب ذلك الدور والأهمية التي ينسبونها لأنفسهم في تلك المرحلة التأسيسية.  وخلاصة القول فأن الدكتور زازا كان يسبق عصره في فكره وآراءه السياسية بالإضافة إلى خلفيته الاجتماعية والعائلية والتي تربى في ذلك الوسط الأسري المليء بالحس والشعور القومي العالي، بدء من والده وانتهاء بأخيه الدكتور أحمد نافذ الذي كان رئيسا ل( خويبون ) وكان بمثابة الأب والمربي له نظرا لفارق السن والرحيل القسري سوية من الاضطهاد التركي إلى سورياحيث كان نورا لدين صغيرا عندما رافق أخاه في رحلته، فتأثر بأخيه كثيرا ونهل منه ذلك الشعور القومي وحب الآخرين ، فقد كان الدكتور نافذ معروفا في الجزيرة نظرا لخدماته الكثيرة بين الشعب كونه كان طبيبا ناجحا وكريما وكان شخصية ذات نفوذ حتى لدى الأوساط الحكومية، هذا عدا عن شخصيته الشجاعة ودوره القومي بين جماهير شعبه الكردي وكذلك رئاسته لجمعية خويبون.
وتأكيدا على ذلك الدور المميز للدكتور نافذ بك، نستطيع الإشادة بتلك الرسالة التي بعثها باسم الجمعية إلى الزعيم السوفييتي ستالين عام 1945 والتي دعا فيها ستالين إلى مساعدة الشعب الكردي للخلاص من الأنظمة الدكتاتورية في تركيا وإيران وكانت الرسالة موجهة باسم الشعب الكردي في تركيا وسوريا.
وهناك حقيقة أخرى يجب أن نعيها في تلك الفترة التي سبقت تأسيس الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا، وهي افتقار الكرد إلى شخصيات ذو مؤهلات علمية وسياسية في تلك الفترة نظرا للظروف الصعبة التي كان تمر بها البلاد وخاصة الكرد منهم وحالة الأمية والفقر والتي لم تساعد على بروز هكذا شخصية، فجاء الدكتور زازا في هذه الفترة الحرجة وهو يمتلك كل تلك الإمكانيات والتجربة السياسية والخبرة والحس القومي العالي والإيمان بقضية شعبه العادلة وليكون بمثابة المنقذ المنتظر، حيث يقول د.زازا في كتابه( حياتي الكردية): أن أكون جديرا بإخراج كرد سوريا من الضيق وإنهاء حرمانهم من حقوقهم وتحقيق مطامحهم الأكثر سموا..... وحين نزولي( أي عام 1956 ) أدركت بأن كرد سوريا كانوا ينتظرونني لفترة طويلة وطويلة....... هل سأكون جديرا بألا أخيب آمالهم؟؟؟؟؟
وبالفعل فقد تحقق الحلم وأسس د.زازا مع رفيقه المناضل اوصمان صبري ومجموعة أخرى من المؤسسين الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا والذي جاء كضرورة حتمية للتعبير عن طموحات الكرد وتأمين حقوقهم القومية في إطار وحدة البلاد.
نكران الذات وسيكولوجية روح التضحية- الشجاعة وسعة الأفق لدى الدكتور زازا جعلته يسعى إلى بناء حزب ديمقراطي  جماهيري واسع و كبير يشمل كافة فئات الشعب الكردي وليكون جديرا بتمثيله، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل عانى الدكتور الكثير من الفقر والاعتقال والسجون، علما بأنه كان في مقدوره العيش برخاء بعيدا عن كل هذه الأجواء الصعبة، لكنه أبى ذلك وفضل طريق النضال والدفاع في سبيل قضية شعبه العادلة.
ولعل سمة روح الرفض وعدم تقبل الظلم قد ولدت معه منذ أيام طفولته منذ أن كان تلميذا في المدرسة وهذا يعود إلى البيئة والظروف التي عاش فيها والتي ولدت فيه روح المسؤولية والواجب تجاه شعبه وجعلت منه شخصية ذات روح مسئولة مضحية ومبادرة بالإضافة إلى غنى فكره العلمي والسياسي.
فقد رفض دراسة الطب نزولا عند رغبة أخيه وفضل دراسة العلوم السياسية عليها لعلها تساعده مستقبلا في تحقيق ذلك الهدف النبيل، ذهابه إلى العراق لمقابلة الزعيم البر زاني رغم ظروف الاحتلال هناك وتعرضه لظروف السجون العراقية الصعبة وكذلك فقد تعرض في الكثير من مراحل حياته إلى هكذا ظروف لكنه استمر في نضاله وبكافة الأساليب الممكنة. فقد لاحقه الاضطهاد منذ صغره عندما هاجر قسرا من تركيا ثم في سوريا وبعد ذلك في العراق ولبنان والأردن وحتى في سويسرا فقد تعرض لضغوطات سفارات الحكومات المغتصبة لكردستان من عراقية وتركية لكنه بقي صامدا وعاد إلى الوطن وأسس الحزب الديمقراطي الكردي متحديا كل الظروف السياسية في تلك المرحلة.
وقد اكتسب الدكتور زازا شعبية جماهيرية واسعة جدا نظرا لتضحياته وروحه المتفانية خدمة لشعبه وبرز ذلك بجلاء في الانتخابات البرلمانية السورية عام 1961 حيث كان مرشح الكرد في الجزيرة وتطوع المئات من الكرد في حملته الانتخابية وحاز على أغلب الأصوات، لكن السلطات آنذاك ألغت النتائج الحقيقية وجرد نورا لدين من حقوقه المدنية. إضافة إلى ذلك فقد كان نورا لدين مثالا للشجاعة وأملا منتظرا في عيون الكرد وهذا ما أثبته الدكتور عندما أسس الحزب وكذلك مواقفه الجريئة أمام جلاديه أثناء الاعتقال والسجن ومرافعته أمام محكمة أمن الدولة.
بشهادة رفاقه داخل السجن فقد أبدى نورالدين شجاعة فائقة في وجه جلاديه وكان أثناء عملية التعذيب المسمى المار ش العسكري الذي يجبر السجين على المشي بين صفين من العسكر مع سياطهم ويضرب السجين من الجهتين، فقد كان نورا لدين يمشي مستقيما ومرفوع الرأس متجاهلا كل الضربات ونزيف دمه إلى نهاية المار ش وعندما سألوه رفاقه عن سبب تلك المشية وعدم تفاديه الضربات أو الهروب والركض, أكد لهم نورا لدين وبرجولة بأنه رئيس الحزب وليس من اللائق له الهروب وكيف يكون مثالا لرفاقه!!! وهذه الشجاعة لديه تعبر عن حال شخصية تقول لا نقيصة أكبر من الجبن الذي يعد ارتدادا وخيانة أخلاقية وقومية بنفس الوقت.
وحتى بعد فترة السجن الثانية في دمشق فقد وجد نورا لدين نفسه أمام طريق مغلق خاصة بعد نهب مستودعه الدوائي والمرور بظروف معيشية صعبة فقد حاول جهده للصمود والبقاء بين شعبه لكن ظروف البلاد السياسية و سوء الطالع لازمه أينما كان بالإضافة إلى الحصار الأمني الذي كان مفروضا عليه وملاحقته في كل شيء أجبرته على التفكير بالهجرة مرة ثانية رغم محاولته التي لم يكتب لها النجاح في تركيا فوجد نفسه مضطرا إلى الهجرة سويسرا والعيش في أجواء الحرية والإبداع لكي يكون أكثر خدمة لشعبه بدلا من أن يعيش ظروفا انتحارية لكل ما يسعى إليه وما يحمله من أفكار وأهداف ليسخرها بشكل جيد في خدمة شعبه بقوله في كتابه حياتي الكردية( لن تمنحني سوريا سوى الكسل والخمول والموت البطيء في السجون ولن أستطيع فيها قط أن أفيد شعبي) وهو دلالة على روح ونفس سامية لديه.
وفي هذا الجانب التحليلي للشخصية يقول الدكتور عبدي حاجي في دراسته عن ماهية الجنس الأدبي لدى الدكتور زازا في ( حياتي الكردية): إن الشخصيات التي تتمتع بثراء روحي هي التي ترفض الظلم وأشكال الاضطهاد كافة قبل غيرها ويصعب عليها ممارسة حياتها العادية والإبداعية في أجواء تنعدم فيها الحرية لذا تحاول الابتعاد عنها والهروب منها نشدانا للحرية.
وتأكيدا على تلك الروح والفكرة السامية فقد رفض الدكتور نورا لدين بشدة عرض السفير السوري في سويسرا في العودة إلى سوريا وهذا يعود إضافة إلى السبب الذي ذكرناه أيضا إلى الأوضاع السياسية للبلاد من ناحية وكذلك إلى خيبة الأمل والشعور باليأس لنورا لدين تجاه رفاقه المقربين الذين طعنوه من الخلف وأداروا له ظهورهم وتخلوا عنه في ظروفه الصعبة ورغم ذلك فلم يظهر نورا لدين تلك الخلافات على العلن وغادر وفي قلبه غصة تجاه ما حدث له.
اللغة الكردية لدى د.نورا لدين زازا-كان نور الدين يولي اهتماما كبيرا للغة الكردية وكان يعتز بها كثيرا ويعتبرها الطريق الصحيح لوحدة الكرد القومية والجسر الذي يمكن الكرد للتواصل مع بقية الشعوب الأخرى حيث يقول: أيها الأكراد إذا كنتم لا تريدون التشتت والضياع فعليكم تعلم لغتكم وتعليمها وإذا أردتم أن تعرفوا أنفسكم وتحبوا فسيروا باتجاه توطيد الصداقة والأخوة مع الشعوب الأخرى وعيشوا بعز وكرامة وتعلموا لغتكم وعلموها.
بالإضافة لكونه سياسيا فقد كان نوالدين أديبا وله مساهمات عدة في سبيل إحياء اللغة والأدب الكردي فترجمته للملحمة الكردية ( ممي آلان) للفرنسي روجيه ليسكو من الفرنسية مع مقدمة بحثية وتنقيح لغوي يعد عملا أدبيا رائعا وكذلك ترجمته لقصة ( شفاني كورد ) للروائي الكردي عرب شمو من اللغة الفرنسية إلى اللغة الكردية. ونتاجه الأخير كان كتابه ( حياتي الكردية ) أو صرخة الشعب الكردي الذي يعتبر بحق رواية إذا لم تكن حقيقية على حد قول أحد الصحفيين الأوربيين وهي سيرة ذاتية لحياته والظروف التي عاشها الكرد آنذاك ونستطيع القول بأنها ( موسوعة الحياة الكردية ) كما يقول الدكتور عبدي حاجي.
عدا عن هذا كله فقد كتب في مجلة ها وار ورونا هي وكذلك كتب العديد من المقالات حول القضية الكردية في الصحافة العربية والأجنبية وأجرى العديد من المقابلات التلفزيونية في أوربا بالإضافة إلى نتاجه الشعري منها ( حرب الحرية ) ونتاجات أخرى وكذلك يعتبر رسالته( دفاعه) أمام قاضي المحكمة كانت وثيقة تاريخية يشاد بها من حيث محتواها والدفاع المنطقي والشجاع للدكتور أمام القاضي أثناء الاعتقال فقد جاء فيها:( سيدي بالرغم من أن حوادث التفرقة والتمييز العنصري تجري وتطبق في مجالات عدة وبطرق شتى فأريد أن أكشف لسيادتكم قبل عرض الوقائع عن السبب الرئيسي الذي يؤدي إلى تلك الوقائع والحوادث المؤسفة وذلك السبب هو: أنه في الإقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة واقع ملموس وموضوعي هو حقيقة وجود الشعب الكردي الذي كان ولا يزال يعيش على أرضه ضمن نطاق جمهوريته العربية المتحدة جنبا إلى جنب مع إخوانه العرب وهو شعب له لغته وعاداته وتقاليده الخاصة به وهو غيور على هذه العادات والتقاليد وحافظ على مقوماته من غناء وشعر وموسيقى وهي لا تقل روعة وغنى عن أية لغة من اللغات المجاورة وقد ظل متمسكا ومحتفظا بنسماتها على مر التاريخ وتوالي العصور..... ) .
كلمة لابد منها-الدكتور نور الدين زازا مؤسس ورئيس أول حزب كردي في سوريا، تاريخ نضالي حافل ، اعتقال،نفي،سجون وحرمان من الحقوق المدنية، كل ذلك خدمة لقضية الشعب الكردي، في عام 1967 يصر الدكتور على الهجرة رغم الإلحاح الشديد من المقربين منه بالبقاء والاستمرار، كل ذلك كان يشير إلى فقدان الثقة وتلك النظرة التشاؤمية تجاه أولئك الذين حفروا له من الخلف وغدروا به  وهذه النظرة السوداوية أكدته زوجة الدكتور بعد وفاته بسنين وبالتحديد العام الفائت خلال السيمينار الذي انعقد في ألمانيا وشاركت فيه جيلبرت فافر وكانت محبطة من التهميش الواضح بحق نور الدين حتى بعد وفاته . وحتى كتابه ( حياتي الكردية ) فقد تم طبع أعداد قليلة منها وبجهود فردية مشكورة وحتى هنا فقد لازم سوء الطالع الدكتور زازا، حيث ألصق وبالغلط صورة شخصية أخرى على الغلاف الداخلي لكتابه ثم تلافى ذلك الخطأ لاحقا. وحقيقة كان  من المفروض أن تتولى الحركة الكردية هذه المهمة وتتبناه علما بأن الكتاب
هو في المحصلة تاريخ مفصل للحركة ولسان حال حقبة مهمة من النضال الكردي في سوريا ولكن يبدو أن الحقيقة التي ورد فيه لا يعجب أطراف عدة ،و مع هذا نستغرب من هذا الموقف الامبالي منها في تحمل مسؤوليتها كون الشخص المعني هو مؤسس الحزب
وذو ارث نضالي غني تستطيع الأجيال الشابة الاستفادة من تلك التجربة الغنية.
لهذا ندعو الحركة الكردية إلى إعادة الاعتبار لهذه الشخصية الهامة وبشكل عمليوذلك من خلال إعادة تقييم لتلك المرحلة وتشخيصها بالشكل الصحيح وتبيان الحقيقة لرفاقها وجماهيرها وتبني فكر وآراء الدكتور الجريئة وكذلك القيام بإعادة طبع كتابه وتوزيعها بشكل كثيف ليتم تلافي الأخطاء وإعادة الأمور إلى نصابها وبذلك يكونوا قد ردوا جزء من الوفاء لتلك الشخصية المضحية والمؤثرة في التاريخ النضالي للشعب الكردي في سوريا، وبذلك تكون صورة الحقيقة واضحة للجميع ولن يستطيع أي كان التلاعب بالتاريخ على هواه وأن ينصب نفسه بطلا من خلال الإرث النضالي للآخرين.
إذا كنا قد حملنا الحركة الكردية الجزء الأكبر من المسؤولية والتقصير تجاه الدكتور زازا، فان المثقفين الكرد أيضا يصنفون ضمن هذه الخانة من الإجحاف والتقصير في هذا الموضوع ولم يكونوا على مستوى المسؤولية في الدفاع عن رسالتهم الثقافية والإنسانية المطلوبة منهم قبل الجميع، لا بل ما زاد في الطين بلة هو محاولات  البعض منهم استخدام اسم وارث الدكتور زازا خدمة لمصالحهم الضيقة وبشكل فجائي ومستغرب رغم مرور كل تلك السنوات على رحيله ولم نلاحظ أية اهتمام من أولئك المثقفين بذلك الكم الغني النضالي والأدبي لنور الدين  مما يدعو إلى الشك في النوايا لدى هكذا مثقفين.
لقد آن الأوان أن نضع النقاط على الحروف ونضع الحقيقة وكل الحقيقة أمام كل المعنيين بتاريخ الشعب الكردي بعيدا عن الأنانية والمصالح الحزبية الضيقة ويكون الدكتور رمزا وعنوانا لوحدة الكرد كما أرادها هو من خلال تأسيسه للحزب وبذلك نكون أوفياء لتاريخ وفكر ورسالة ذلك الرجل العظيم ذو النظرة المستقبلية الاستراتيجية في سبيل تلك الأهداف النبيلة والإنسانية.
 

-----------------


المصادر:

- حياتي الكردية للدكتور نورالدين زازا
- ماهية الجنس الأدبي لكتاب حياتي الكردية للدكتور عبدي حاجي
- (ممي آلان) روجيه ليسكو، ترجمة د. زازا
- سطور من حياة نورالدين زازا، للمهندس زنار مصطفى
 







أتى هذا المقال من Welatê Me
http://www.welateme.net/erebi

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/erebi/modules.php?name=News&file=article&sid=1000