القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 393 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: احتمال إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه

 
الأثنين 20 حزيران 2011



رستم محمود


تحاول هذه الورقة التوصل إلى تقديم إجابة على سؤال يتعلق بمدى أهمية قرار وقف اطلاق النار الذي أعلن عنه حزب العمال الكردستاني  الذي يعد الأطول في تاريخ الصراع بين الحزب والحكومة التركية (سيمتد ثمانية أشهر)، وهو يأتي في ظل ظروف سياسية إقليمية وداخلية جديدة في تركيا. كما أنها تتساءل عن إمكانية كون القرار المتخذ من الحزب سيؤدي في نهاية المطاف إلى تخلي هذا الحزب عن العمل المسلح، ويبدأ مرحلة مختلفة في أسلوب كفاحه؟ وتصل لنتيجة مفادها أن ثمة توافق تام بين اللاعبين المباشرين على ضرورة تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه.


  • الفاعلون المباشرون وغير المباشرين في هذه العملية
  • التوافق المبدئي للطرفين على فكرة نزع السلاح
  • ماذا يطلب الطرفان ليتحول "التوافق المبدئي" إلى مرحلة التنفيذ؟
  • رد حكومة حزب العدالة والتنمية على تلك المطالب
  • السيناريوهات المتوقعة في الشهور الستة المقبلة
  • محنة أردوغان
  • استنتاج
 في 2/11/2010 أعلن حزب العمال الكردستاني وقفاً موقتاً لإطلاق النار ينتهي في آخر حزيران/يونيو 2011 موعد اجراء الانتخابات التشريعية في تركيا. وقد جاء ذلك الإعلان نتيجة لمجمل الاتصالات المكثفة التي أجرتها جهات عدة، مثل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وزعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا عبد الله أوجلان، ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، والنائب عن حزب المجتمع الديمقراطي التركي، المؤيدة للأكراد، أيسيل توغلو، وهي محامية أوجلان، التي قامت بجولات مكوكية بين هذه الأطراف.الفاعلون المباشرون وغير المباشرين في هذه العمليةثمة فاعلان مباشران فقط في هذه العملية هما:
1.     حزب العمال الكردستاني، المتمثل بمجموعة من المقاتلين الذين ينتشرون في سلسلة الجبال الواقعة بين تركيا والعراق، ويقدر عددهم بحوالى 5000 مقاتل، ويعتبر زعيمهم في تركيا عبد الله أوجلان المنبر السياسي المباشر لديهم والمعبر عنهم، كما يعتبر حزب السلام والديمقراطية الشرعي، والذي لديه 22 نائبا في البرلمان التركي، الواجهة السياسية لهؤلاء المقاتلين. 
 
2.     الحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وهذه الحكومة تتعامل مع الملف الكردي بصفتها الحكومية المباشرة التي تعبر عن تطلعات القوى الدولتية الأعمق في تركيا، مثل الجيش والمجالس الاقتصادية... الخ.
ثم ان هناك ثلاثة فاعلين غير مباشرين في هذه العملية أيضاً هم: 
 
حزبا المعارضة التركية، أي حزب الشعب الجمهوري (حزب الأتاتوركية ) وله 111 مقعدا في البرلمان، وحزب الحركة القومية اليميني، وله 77 نائبا في البرلمان الحالي (عدد مقاعد البرلمان التركي 550 مقعداً)(1). 
1.     الحكومة المحلية في إقليم كردستان العراق، وهي الجهة السياسية الكردية الوحيدة المعترف بها رسمياً في المنطقة، والتي لها صلة بالصراع بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، عبر الامتداد الجغرافي لمعسكرات حزب العمال الكردستاني في المنطقة التي يسيطر عليها الحزب في شمال العراق.
 
2.     القوى الدولية، وبالذات الولايات المتحدة والدول الإقليمية (إيران وسوريا والعراق وإسرائيل).... لعلاقتها الجيوسياسية بالموضوع الكردي في المنطقة.*
 من حيث المبدأ، ثمة توافق تام في خطاب الطرفين الرئيسين في هذه العملية، على أن مرحلة الكفاح المسلح أصبحت من الماضي ويجب أن ينتهي عهدها. وهذا الخطاب السياسي بدأ يظهر في أدبيات الطرفين الفاعلين في هذه العملية، منذ اعتراف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بوجود قضية كردية في البلاد؛ وهو اعتراف أعلنه في مدينة ديار بكر في ربيع 2005، حين دعا إلى إسكات لغة السلاح وبدء مرحلة جديدة. لكن الخلاف الرئيس هو في المتطلبات السياسية والقانونية التي يجب أن تسبق عملية وضع السلاح جانباً. فحزب العمال الكردستاني يطالب بحزمة من الإجراءات، وبضمانات لتنفيذ تلك الإجراءات. وفي المقابل فإن حزب العدالة والتنمية يلمح إلى بعض الإجراءات التي يمكن أن يتخذها في ما لو تلقى ضمانات اكيدة في أن حزب العمال الكردستاني سيلقي سلاحه(2).ماذا يطلب الطرفان ليتحول "التوافق المبدئي" إلى مرحلة التنفيذ؟يتحدث حزب العمال الكردستاني، عبر ثلاثة منابر مباشرة معبرة عن سياسته وتطلعات ه المستقبلية ( زعيم الحزب عبد الله أوجلان عبر محاميه الذي يجتمع معه أسبوعيا، وقائد القوات العسكرية في الحزب مراد قره يلان، الذي يجري مقابلات صحافية دورية من مقره في معسكرات الحزب في جبال قنديل، والمؤتمرات الدورية التي يعقدها حزب السلام والديمقراطية وهو الواجهة السياسية التركية لحزب العمال الكردستاني. وتكاد هذه المنابر الثلاثة تتفق على أربعة مطالب سياسية محددة لوضع السلاح جانباً، وإن كان كل منبر من هذه المنابر يعبر عنها بطريقته الخاصة، وكل بحسب وضعه الجيوسياسي الخاص به (3). أما المطالب فهي:
1.     1.     تأسيس لجنة محايدة ذات طابع دولي لتقصي الحقائق في أثناء مرحلة الصراع المسلح بين الدولة التركية والجماعة الكردية المتمردة بين 1984 و 2010، ثم يبنى على النتائج التي ستتوصل إليها تلك اللجنة عدد من الإجراءات القانونية والحقوقية(4).
2.      
2.     1.     إصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين الأكراد في السجون التركية، وأن يشمل العفو جميع المقاتلين الأكراد، بمن فيهم القادة الميدانيون الحاليون، وخصوصاً زعيم الحزب عبد الله اوجلان، وأن يكون ذلك العفو الضمانة في شأن عدم الملاحقة القانونية المستقبلية لهؤلاء المشمولين بالعفو، وأن يسمح لهؤلاء بممارسة جميع حقوقهم المدنية، بما فيها حقهم في الممارسة السياسية.
2.      
3.     1.     تتعهد الحكومة التركية أن يتضمن الدستور الجديد الذي تنوي إصداره بعيد الانتخابات التشريعية المقبلة في 12 حزيران/يونيو 2011 اعترافا دستوريا بوجود قوميات غير القومية التركية في البلاد ( يقوم الدستور التركي على تعريف عرقي للمواطنة في تركيا)، وأن ينص على مبدأ ثنائية اللغة في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وان يعزز الدستور الجديد منظومة الحكم الذاتي (اللامركزية الإدارية) في المناطق ذات الأغلبية الكردية خصوصاً في مجالات التعليم والإدارة والاقتصاد والموارد.. الخ (5)
2.      
4.     ألا تجري عملية إلقاء السلاح دفعة واحدة، بل على مراحل متواترة، بحيث تكون هذه العملية قادرة على اختبار النيات، كأن يكون الانسحاب من الجبال التركية في المرحلة الأولى، ثم يتم تسليم بعض العتاد إلى جهة محايدة كالسلطة الإقليمية في شمال العراق، ثم يستسلم بعض المقاتلين للسلطات التركية... وهكذا. 
رد حكومة حزب العدالة والتنمية على تلك المطالب 
 
تعتمد الحكومة التركية منهجا ثنائيا للتعبير عن موقفها من المطالب التي يعرضها الحزب الكردي. فمن جهة تسرب الحكومة  بعض التطمينات إلى القوى الفاعلة في الجانب الكردي عبر المفاوضين الأتراك (يكونون عادة من جهاز الاستخبارات التركية الداخلية "جيتم" ) الذين يتفاوضون مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان، وهو بدوره يبني مواقفه السياسية على تلك التطمينات ويوجه أتباعه عبر محاميه. والطرف الآخر المخول نقل تلك المواقف الحكومية التركية غير المعلنة هو الجانب الكردي العراقي؛ ففي السنوات الثلاث الأخيرة ظهرت حركة سياسية نشطة جدا بين أربيل وانقرة لهذه الغاية. والأسلوب الآخر الذي تتبعه الحكومة التركية يتضمن مجموعة من التعبيرات الخطابية والممارسات التي تعبر عن اعتراف الحكومة بالمتطلبات السياسية التي يريدها الجانب الكردي وتحقيق بعضها كالتعبير المباشر عن وجود قضية كردية في البلاد، والسماح بحرية النشر والحديث باللغة الكردية، وإحداث قناة حكومية باللغة الكردية، وزيادة الاهتمام بالمناطق ذات الأغلبية الكردية... الخ. ومن خلال تلك المواقف التي تطلقها الحكومة التركية، يمكننا استشفاف مواقفها الراهنة من طلبات الحركة المسلحة الكردية، وهي على النحو التالي: 
1.     1.     في شأن لجنة تقصي الحقائق، فإن الحكومة التركية ترفض تأليفها والاعتراف بها، على الأقل بالشكل الذي يعرضه الحزب الكردي. فهذا الشكل يعني سياسياً أن الطرفين يتقاسمان بالتساوي المسؤولية عن أحداث العنف التي وقعت منذ ربع قرن حتى الآن، أي الدولة التركية والحركة الكردية المتمردة. بينما يعتبر الخطاب السياسي العام في البلاد أن الحركة المتمردة هي التي كانت تقوم بـِ "أعمال العنف"، وإن "عنف الدولة" كان دفاعا عن المواطنين والأملاك العامة. وفي مقابل الرفض المباشر لشكل لجنة تقصي الحقائق، فإن الحكومة التركية لا ترفض رفع الغطاء السياسي والقانوني عن مرتكبي جرائم العنف غير القانونية التي ارتكبها عدد من مناصريها بصفتهم الشخصية، أو بأوامر غير واضحة وغير شفافة، وهي لا ترفض كشف شبكات "الدولة" المرتبطة بالمنظمات القومية التركية وبأجهزة الاستخبارات المناطقية (المعروفة بـِ "الارغنكون") التي كانت تدير أفعال العنف المباشر ضد الشخصيات العامة الكردية (خصوصا في الفترة الممتدة بين 1990 و1995) والتي كانت تجند المنظمات الإسلامية المتطرفة في المناطق الكردية لهذه الغاية. ومن جانب آخر فإن حكومة العدالة والتنمية أدخلت بعض التعديلات على الدستور التركي الحالي، مثل إلغاء مادة دستورية كانت تمنع رفع دعاوى وشكاوى ضد ضباط الجيش أمام المحاكم المدنية. فحكومة حزب العدالة والتنمية تريد أن تكون الدعاوى القضائية فردية ولكل حالة وضعها الخاص، بينما يريد الطرف الكردي أن يتم ذلك من خلال مشروع شامل ومحدد، وتحت رقابة أطراف أخرى وجهات قضائية غير الطرفيين الكردي والتركي (6).
2.       
2.     1.     في ما يخص العفو العام، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية ترفض اصدار عفو عام بالشكل الذي يعرضه الحزب الكردي، ولا سيما فيما يتعلق بمرتكبي "الجرائم" والقادة العسكريين في الحزب وزعيمهم عبد الله أوجلان (إحدى أهم مفارقات السياسية الداخلية التركية ان حزب الشعب الجمهوري الذي يعتبر وريث الأتاتوركية القومية، يطرح منذ فترة طويلة فكرة اصدار مثل ذلك العفو العام الشامل). وعوضا عن ذلك، تعرض الحكومة التركية فكرة تطوير "قانون الندم" الذي أصدرته حكومة رئيس الوزراء السابق بولاند اجاويد، عقب إلقاء القبض على زعيم الجماعة المتمردة عبد الله اوجلان عام 1999. وبحسب هذا العرض، تصدر أحكام مخففة جدا ضد الذين لم تسجل بحقهم "جرائم" جنائية، وسيخضع الآخرون للمحاكمة المدنية لا العسكرية. والتطور الذي تقترحه الحكومة التركية، يتضمن العفو عن الذين لم يرتكبوا"جرائم" جنائية محددة، وعن الذين تقل أعمارهم عن 20 عاما، وأن يتم تأهيلهم وتأمين فرص عمل ملائمة لهم، وان يحاكم الباقون أمام محاكم مدنية. ولقاء ذلك يجب أن يُرّحل القادة الميدانيون للحزب الكردي إلى احدى الدول الاوروبية لفترة طويلة، أو أن يتم تحديد إقامتهم في شمال العراق، أما زعيم الحزب وإطلاق سراحه، فهذا أمر غير مطروح.
2.      
3.     1.     في شأن الضمانات الدستورية وثنائية اللغة الرسمية والحكم الذاتي للأكراد، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تملك ثلاث إجابات عن ذلك. إن الدستور الجديد هو مشروعها السياسي، وجميع تطلعاتها يمكن اختصارها بعبارتين، فمن جهة يقول حزب العدالة والتنمية إنه يريد دستورا مدنيا، في إشارة الى طبيعة النخبة العسكرية التي وضعت الدستور الحالي عام 1982 عقب انقلاب كنعان إفرين عام 1980، ومن جهة أخرى، فإن الحكومة تريده أن يكون دستورا يعكس تطلعات الشعب بقواه المدنية والاقتصادية والثقافية، ويعبر عن طموحات هذه القوى المستقبلية (في إشارة إلى التطلعات نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوربي)(7). أما ثنائية اللغة فالحزب يرفض مطلقا هذا المطلب، حتى لو كان محصورا في مناطق بعينها (جنوب شرق البلاد بحسب الجانب الكردي )، ولا يمانع في أبداء المرونة نحو الاستعمال اليومي للغة الكردية في الأماكن العامة، وبعض المرافق الثقافية المملوكة للدولة (كان لإنشاء الحكومة التركية قناة حكومية ناطقة باللغة الكردية أثر إيجابي في هذا الشأن) (8). وبالنسبة إلى مسألة الحكم الذاتي (أو الإدارة الذاتية) فإن حكومة حزب العدالة والتنمية ترفض مطلقا أي تنازل في هذا الأمر، ولا سيما إذا كان مبنيا على أساس قومي أو إثني خاص بالأكراد في مناطقهم، لأنها تعتبر ذلك خطوة أولى نحو تقسيم البلاد. لكن، في المقابل، فإنها تطرح برنامجا طموحا لتعزيز بنية الإدارات المحلية ودورها في معظم أنحاء الدولة التركية، وتقول إن ذلك سيكون أهم البنى التي سيعتمدها الدستور المزمع كتابته بعيد انتخابات حزيران/يونيو المقبل (قدم حزب العدالة والتنمية الحاكم في عام 2004 مشروع قانون لإصلاح الإدارة العامة في تركيا، وحاول تمرير القانون في البرلمان، لكن الرئيس احمد نجدت سيزر اعترض، وبقي مؤجلاً منذ ذلك) (9).
2.      
4.     في ما يتعلق بالمهل الزمنية لتخلي الحزب عن السلاح، لا ترفض حكومة حزب العدالة والتنمية ذلك من حيث المبدأ، لكنها تقر بأن أي تنازلات تحت تهديد السلاح ستفسد القدرة على تنفيذ إصلاحاتها في وسط الناخبين الأتراك. لذلك، تسعى، بدلاً من ذلك، إلى تعميق فكرة الثقة المتبادلة عبر الوسطاء.
 
 
أما في سياق مقارنة مطالب الجماعة الكردية و الردود السياسية للحكومة التركية، يمكننا ملاحظة أمريين: أولاً: تفاوت تطلعات الجانبين نحو أكثر من قضية، فبينما يبدو الجانبان متوافقين على تواتر زمني هادئ لحل القضية، ومتفقين بدرجة أقل على فكرة إصدار العفو العام وتأليف لجنة لتقصي الحقائق، يبدوان في الوقت نفسه شديدي التباين في مسائل ثنائية اللغة ومناطق الحكم الذاتي وضمانات الاعتراف الدستوري. لكن هذا لا يعني أن التقارب في هذه المسائل مستحيل بينهما.ثانياً: إذا تمكن الطرفان من وضع سقف سياسي، غير أيديولوجي، لتطلعاتهما، فإن من شأن هذا الأمر إيجاد آليات ضاغطة في بيئة الطرفين تدفعهما إلى تصفية هذه القضية بـِ "أقل الخسائر" وليس بـِ "أعلى المكاسب". ففي الجانب الكردي ثمة تراجع واضح في القدرة على الحفاظ على الوهج الأيديولوجي الذي دفع المزيد من الشبان الكرد في الماضي إلى الانخراط في ساحات القتال ضد الجيش التركي، والسبب في هذا التراجع هو التحول الكبير في البيئة الاجتماعية الكردية في تركيا، حيث صغرت المساحات الريفية كثيراً في السنوات العشرين الأخيرة، وتوسعت المدن الكردية في المقابل، وبات "النضال السلمي" المدني يلائم الجانب الكردي أكثر. وصار يعاني حالة اختناق وفقدان للتوازن لوقوعه في فخ محاربة الأنظمة الإقليمية كلها (إيران وسورية فضلاً عن تركيا )، ويعاني فوق ذلك مشكلات مالية بسبب قيود الاتحاد الأوروبي على منابع تمويله... الخ. فالمصادر المالية التي كان يتلقاها الحزب من الأكراد راحت تقل يوما بعد آخر، جراء ضعف الحضور الأيديولوجي للخطاب التركي العام، وبسبب الإجراءات الدقيقة التي تطبقها الدول الإقليمية والغربية على التحويلات المالية للمنظمات السرية. غير ان العامل الأهم هو حالة "اليتم" التي وقع حزب العمال الكردستاني فيها في العقد الأخير؛ فالشرق الأوسط الذي كان يعيش تاريخيا صراعا ثنائيا بين تيارين سياسيين واضحين انقسم في الوقت الراهن إلى تيار "الممانعة" المتمثل بإيران وسوريا والمنظمات الإسلامية والفلسطينية، مقابل تيار آخر أقرب إلى التحالف مع الولايات المتحدة. وفي مثل هذا الوضع صار حزب العمال الكردستاني، بقوته السياسية والعسكرية الصغيرة نسبيا، يمارس عداءً جذرياً للتيارين معاً، وهو أمر يخنقه سياسياً ولوجستياً.أما تركيا، فلديها مصلحة في وقف العنف للإفادة من الاستثمارات الهائلة الممكنة في المناطق الجنوبية الشرقية، ولتجنب التكلفة الكبيرة لحربها على "الإرهاب الكردي" الذي ساهم في نزيف ميزانية الدولة، علاوة على الرغبة في استثمار القضية الكردية في المنطقة لتعزيز نفوذها السياسي (10).السيناريوهات المتوقعة في الشهور الستة المقبلةتجري الأمور بهدوء منذ إعلان حزب العمال الكردستاني وقف النار، ومنذ أن بدأت المؤسسة العسكرية في التفاوض مع زعيم الحزب عبد الله أوجلان، الذي أعلن في آخر لقاء له مع محاميه في عام 2010 أنه سيقوّم المفاوضات كلها في نهاية آذار/مارس المقبل. وبناء على تقويمه فإن القضية ربما ستتخذ واحداً من مسارين: أولاً: فيما لو أكد زعيم الحزب أن المفاوضات مع الطرف التركي لم تتوصل إلى أي نتيجة، ولا داعي للانتظار حتى حلول آب/أغسطس المقبل لخرق وقف النار، فإن مقاتلي الحزب سيكسرون حالة الجمود العسكري لرفع شعبية حزب السلام والديمقراطية في المناطق الكردية في الانتخابات التشريعية المقبلة، الأمر الذي يؤدي إلى اعتبار هذا الحزب الجهة الوحيدة الممثلة للأكراد في تركيا سياسيا. هذا السيناريو سيقابله تشديد القبضة العسكرية للحكومة التركية وتشددها في خطابها القومي، وهو أمر يندرج في خدمة حزب الحركة القومية الذي يمكنه أن يزيد عدد نوابه في البرلمان المقبل، ويستطيع مع حزب الشعب الجمهوري تأليف الحكومة التركية الجديدة (11). ثانياً: إذا أكد زعيم حزب العمال الكردستاني أن المفاوضات مع الطرف التركي تسير بوتيرة معقولة، فمن المتوقع أن تستمر حالة الجمود العسكري هذه إلى بداية آب /أغسطس المقبل، وسينتظر الحزب حينذاك مواقف حزب العدالة والتنمية في البرلمان الجديد، الذي سيحافظ، بحسب استطلاعات الرأي، على أغلبيته المطلقة.محنة أردوغان 
 
خلال الفترة الممتدة حتى الانتخابات التشريعية المقبلة في ما لو تبنى رئيس الوزراء خطابا سياسيا مناهضا للمطالب السياسية الكردية، فمن المتوقع أن يخسر أغلبيته في المناطق الكردية لمصلحة حزب السلام والديمقراطية (يملك حزب العدالة 79 نائبا في تلك المنطقة مقابل 22 لحزب السلام والديمقراطية). وهو أمر سيخفض أغلبيته البرلمانية. ولو تبنى خطابا مرنا حيال تلك المطالب، فإن حزب الحركة القومية التركية المتشدد (له 77 نائبا في الوقت الراهن) سيزيد عدد نوابه في مواجهة الخطاب المضاد لمرونة أردوغان (12). وبحسب ما هو مرئي من الخطابات العامة لسياسة حزب العدالة والتنمية، ثمة توزيع للأدوار بين زعاماته، بحيث يتشدد أردوغان تجاه المطالب الكردية، بينما يسعى رئيس الجمهورية لتخفيف اللهجة المتشددة. وبذلك يستطيع الحزب المحافظة على توازنه ودخول البرلمان الجديد بأقوى حضور ممكن، وفرض أجدول أعماله في الدستور (13).  استنتاجثمة توافق تام بين اللاعبين المباشرين على ضرورة تخلي حزب العمال الكردستاني عن سلاحه. ويمكن حصر هوة الخلاف بين اللاعبين الأساسيين في العملية في أمر محدد هو أن حزب العمال الكردستاني يرغب في أن يتم الاعتراف به كممثل لجماعة سياسية قومية ضمن الدولة التركية، وهو مستعد لإلقاء السلاح كي ينصرف إلى الدفاع مدنيا وسياسيا عن حقوق تلك الجماعة. لكن حزب العدالة والتنمية يريد أن يلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه، لقاء اعتراف الدولة التركية بالمسألة الكردية كلون ثقافي واجتماعي فردي لا جمعي. والخلاف كامن في هذه النقطة فحسب.---------------------------
  • (1) ـ لفهم أعمق للتمثيل السياسي للتيارات الحزبية الكردية في البرلمان التركي، يمكن متابعة كتابات يوسف كانلي www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=kurdish-representation-2010-12-26
  • * - ثمة تضارب شديد في الدور الإسرائيلي وتدخله في القضية الكردية. فالورقة الكردية لأهميتها في الشرق الأوسط ودوله الكبرى لا بد ان تستحوذ على الأهمية القصوى في العقل السياسي الإسرائيلي . لكن الموقف الديني والثقافي والاجتماعي للشعوب العربية من إسرائيل، يدفعها دوما إلى ممارسة أدوار مخفية في هذا الملف المهم، وفي أغلب الأحيان من خلال طرف ثالث يلعب دورا وسيطا.
·        
    • (2) - ثمة مجموعة من المقترحات لبناء الثقة وضعها السياسي الإيرلندي المشهور جو رايلي كي تسبق عملية نزع السلاح ، ويمكن قراءتها على الرابط :
    • www.turkishweekly.net/news/110556/-39-begin-dialogue-over-kurdish-issue-39-irish-politician-urges-turkey.html
·        
    • (3) ـ لمتابعة الأطروحات السياسية للطرفين الكردي والتركي، يمكن متابعة مقالات المعلق التركي محمد علي بيراند على الموقع ...
    • www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=to-solve-the-kurdish-issue-does-not-require-reinventing-fire-2010-12-21
·        
    • (4) ـ لمزيد من المعلومات عن خفايا الحرب الأهلية في التسعينات، يمكن معرفة التفاصيل في كتاب "روبرت اولسون" بعنوان " الحركة القومية الكردية في التسعينات وتأثيرها على تركيا والشرق الأوسط" من منشورات لكسنجتون من مطابع جامعة كنتوكي 1996)، كما يمكن مراجعة تقارير منظمة العفو الدولية مثل: "تركيا: سياسة الانكار والنفي"، شباط /فبراير 1994، و"تركيا: الأصوات تدخل السجن مرة أخرى"، تموز/يوليو 1995، و"تركيا: وعد بالإصلاح لم يتحقق", أيلول/سبتمبر 1995، و"تركيا: المدافعون عن حقوق الإنسان في خطر"، كانون الأول/ديسمبر 1995. ولمتابعة كاملة لسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، يمكن الإطلاع على الرابط
    • www.allvoices.com/news/7745962-turkeys-human-rights-report-in-2010-not-perfect-but-promising
·        
    • (5) -لقراءة أكثر تفصيلاً عن إمكانية استخدام ثنائية اللغة في تركيا، يمكن متابعة الموقع.
    • www.todayszaman.com/news-230047-blame-game-over-kurdish- language-stirs-controversy.html
  • (6)ـ أنظر مقالة "دولة السيد المطلق:" السياسة التركية والقضية الكردية"، في مجلة "الشؤون الدولية"، العدد 69 ، تشرين الأول/أكتوبر 1993، الصفحات 655 ـ 676 .
  • (7) ـ أنظر: أحمد داوود أوغلو، "العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية" (ترجمة محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل) ،الدار العربية للعلوم ـ بيروت، ومركز الجزيرة للدراسات ـ الدوحة، 2010.
  • (8) ـ أنظر مقالات الكاتب التركي متين منير في.www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=let-people-speak-or-should-be-arms-to-speak-2010-12-24
·        
    • (9) -لمعرفة المزيد عن مشروع "لا مركزية تركيا وتعزيز الإدارات المحلية " أنظر الرابط
    • eng.akparti.org.tr/english/index.html
  • (10) ـ أشار الباحث التركي أحمد أينسل، في عدد من مقالاته التي ينشرها في صحيفة توركش ديلي نيوز، إلى أن التكلفة الإجمالية للحرب بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية وصلت إلى ما بين 500 و 1000 مليار دولار خلال 25 سنة، عدا الخسائر البشرية، أي أن الدولة التركية استنزفت من ميزانيتها نحو 20 إلى 40 مليار دولار سنويا.
  • (11) ـ في شأن التوقعات التي من الممكن أن يتخذها حزب العمال الكردستاني في ما لو انهارت التسوية، يمكنكم متابعة الرابط التالي www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=what-the-pkk-really-wants-2010-12-24
·        
    • (12) - للاطلاع على برامج الأحزاب التركية للانتخابات التشريعية المقبلة، أنظر الرابط :
    • www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=turkeys-mhp-seeks-a-road-map-for-the-2011-elections-2010-12-08
·        
    • (13) ـ لقراءة تحليلية عن توزيع الأدوار في حزب العدالة والتنمية في شأن القضية الكردية، يمكن متابعة الرابط التالي:
    • . www.todayszaman.com/columnist-231056-how-will-erdogan-manage-the-kurdish-question-on-the-eve-of-the-election.html
    • نبذة عن الكاتب

      رستم محمود
      باحث سوري مهتم بقضايا الأكراد في المنطقة. حاصل على بكالوريوس في الإعلام من "جامعة دمشق" . وهو طالب بـ"المعهد العالي للعلوم السياسية" بمدينة التل السورية، قسم الدراسات الدولية والدبلوماسية . عمل كاتبا في القسم السياسي في صحيفة "الحياة" و"المستقبل" و"السفير" وموقع "الأوان" لعدة سموات. وهو باحث تحت الأشراف في مشروع "سوريا 2025" لدراسة تحولات المجتمع السوري، تحت إشراف الباحث محمد جمال باروت، كما عمل باحثا في مركز "فلورنسا – باريس " . واشتغل قبل ذلك باحثا في مؤسسة الفكر العربي ببيروت، وأعد لصالحها بعض الأعداد الخاصة من دوريتها الفكرية السياسية:"حوار العرب" عن "الإشكالية الكردية في الذهن العربي الراهن" و" العرب بعيون تركية" و" أين العرب من العملاق الروسي". ساهم في إعداد و إخراج سلسلة من الأفلام الوثائقية عن واقع "المهمشين" سياسيا في مناطق الشرق الأوسط.

      عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.28
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات