القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 644 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي





























 

 
 

مقالات: نار البوعزيزي تخلع الدكتاتور

 
الأحد 16 كانون الثاني 2011


عمر كوجري

  لو عرف الشعب التونسي أن عرش الطغاة هشٌّ إلى هذه الدرجة، وبيوتهم واهنة إلى حدها العنكبوتي لخلعَ كرسي الحبيب بورقيبة " ظل رئيساً طيلة ثلاثين عاماً (1957-1987) عندما قامت حركة شعبية عارمة حدثت عام 1984 ويا لمحاسن الصدف!! في مثل هذا الشهر احتجاجاً وتذمراً من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي عصفت ببنيان المجتمع التونسي ممّا حدا بالدكتاتور العجوز لاستعمال البطش والقوة في إخماد ثورة تونس الخضراء، واحتاج الجيش لأكثر من شهر حتى استطاع أن " ينتصر" على الشعب. 


  لو عرف الثائر الجامعي محمد البوعزيزي، سيد " سيدي بوزيد التي أصبحت في أقل من  شهر أشهر من واشنطن وباريس وبرلين وهونغ كونغ، والذي لم يكمل ربيعه أو خريفه السادس والعشرين العاطل عن العمل والمعلق شهادته على جدار منزله المتواضع،  البوعزيزي الذي آثر أن يعيل أسرته بقدميه وعربة خضاره بدلاً من سلاح القلم والوظيفة الحكومية منادياً بصوته الجهوري الناس على طزاجة البضاعة، لو عرف أنه بإيقاد النار في جسده بعدما أوقد البوليس نار هراواتهم عليه لأنه يتاجر في" بورصة سوق الخضار" دون رخصة، لو علم أنه بفعله العظيم ذاك سيسقط الدكتاتور لكان قد فكر بذلك منذ زمن طويل، بل وكان قد سبقه جمهور واسع من خريجي الجامعات التونسية الباحثين عن وظيفة شاغرة دون جدوى، والشباب التونسي الذي يداوم  طوال اليوم أمام أبواب السفارات، ويركب الأهوال والبحار ليفر من البلد الأخضر العظيم، يتعقب جسده النحيل الجوع، ويركض في بقاع الأرض هرباً من غلِّ الفقر، ودمامة الحاجة والسؤال بينما بلده يغوص في بحر الفساد والمحسوبيات والرشوة، واستغلال السلطة، وبيع الضمائر.

 وكان من الطبيعي أن تتزايد الاضطرابات في تونس، ولم تكن مصادفة نزول الناس إلى الشوارع احتجاجاً على ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة الأسعار وانتشار الفساد، والقيود والحقوق المدنية، أما أن يصمَّ بنُ علي أذنيه عن مطالب شعبه طيلة ثلاث وعشرين سنة، ويستيقظ فجأة ليقول للشعب التونسي في خطاب مرتبك" ضرب يده أربع مرات على الميكروفون في خطاب يوم الخميس الماضي لشدة الهلع من شارعه الشعبي الذي امتلأ على آخره ب " المجرمين والمتطرفين" ليقول للشعب: نعم الآن فهمتكم، وصلت رسالتكم، وجاءتني تقارير من المقربين والمستشارين ووو كلها كاذبة عن الوضع والمعيشة.
 وبعد ثلاث وعشرين سنة، يخرج الرئيس الذي كان يبدو أقل من عمره بكثير " 74 عاماً" لأنه كان مهووساً بالرياضة، وبـ ليلى الطرابلسي " كانت لديها محل حلاقة قبل أن تصير سيدة تونس الأولى"، وبأكل السمك الطازج والصيد، بعد كل هذه الآلام يخرج بن علي ليقول:
 أعطيت توجيهاتي لرئيس الوزراء بتخفيض أسعار المواد الأساسية.. وقررت إعطاء الحرية الكاملة لوسائل الإعلام.. لن نغلق مواقع إنترنت، ولن نسمح بالرقابة على الإعلام بأي شكل، ولا رئاسة مدى الحياة، وكان الرجل وقبل يوم من هروبه وخلعه ، وبل واحتراقه بنار البوعزيزي المقدسة يطمح أن يظل مستمراً في عشق السمك الطازج، وملكة قرطاجة الطازجة، والصيد الطازج، والرئاسة" العتيقة إلى عام 2014 حيث أعيد انتخابه لخمس مرات متواليات لا أكثر!!!
وكان قبل الخطاب الأخير قد أرعد وأزبد في خطاب مماثل، وتوعد بتطبيق القانون على المشاغبين بكل حزم.
الآن يجدر بالشعب التونسي الأخضر رغم أنف الطغاة أن يلتفت إلى الأخطاء التي ارتكبت في المرحلة الماضية، ويبعث انتعاشاً في كل مفاصل الدولة اجتماعياً واقتصادياً وإنمائياً ومدنياً، ويشرك الجميع أحزاباً معارضة، كبيرة وصغيرة، وشخصيات جديرة بإدارة البلد، ويتطلب ذلك ورشة عمل كبيرة على مستوى عموم البلد، ونهضة عمرانية و"أخلاقية" شاملة حتى تتداوى جراح من سقطوا على مذبحة الحرية، وتشكيل حكومة تكنوقراطية لا تستثني كل من له الأهلية والمراس، كما ينبغي كنس رموز النظام السابق كلياً لأنه المسؤول عن جميع المظالم التي لحقت بالشعب التونسي في الفترة الماضية.
ولأكثر من يومين ثمة فلتان أمني وعصابات تنهب، وتقتل، وتنهب الناس الآمنين في منازلهم، ومحلاتهم وممتلكاتهم، وهناك سجون جرى فيه القتل وهروب مئات بل آلاف المجرمين، وهؤلاء سيشكلون خطراً على نتائج الثورة الشعبية وثمارها، خصوصاً إذا علمنا أن بعض من دب الخوف والرعب كانوا من أزلام النظام السابق.
كلُّ هذا .. وكلُّ ذاك كرمى لروح البوعزيزي وبقية الشهداء
 وحتى تظل نار جسد البوعزيزي أوارة تذكر الطغاة بأن الشعب وإن أمهل كثيراً، لكنه لا يبقى صامتاً إلى الأبد.


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.29
تصويتات: 17


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات