القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



عدد زوار القسم العربي

يوجد حاليا / 556 / زائر يتصفحون الموقع

القسم الثقافي



























 

 
 

مقالات: ماذا بعد الإجرام في عفرين ؟

 
السبت 13 حزيران 2020


المحامي عماد الدين
 
تكثر و تتكاثر يوماً بعد يوم التساؤلات و الاستفسارات و  فضول معرفة آليات أو حلول صدُ و ردّ و وقف  ما يجري في عفرين بالمجمل من إجرام و استباحة تطال كل شيء فيها مع غيابٍ شبه تام لكل مظاهر الأمن و السلامة و سلطة القانون ، ما السبيل و ما الجدوى و كيف نضع حدّاً لذاك الواقع في عفرين و الى متى سيستمر هذا الحال و سواها الكثير من الأسئلة المشابهة التي تدخل في ذات الخانة ؟


في الحقيقة...و ما لا نظن أننا مختلفين فيه و عليه هو أنّ الحلول و آلياتها أزاء الواقع في عفرين و مثيلاتها و في أية رقعة من العالم و مشاكلها هي دائماً موجودة ، و أن تجارب العالم عبر تاريخه و أحداثه جعله يدرس كل الحالات و يقف عندها طويلا و يبحث في كل ما يحيط بها و بالتالي في وضع الحلول إزاءاها و ايجاد سبل عدم تكرارها أو الحدّ منه على الأقل . 
إذاً ما يجب أن نقتنع به ولا نشك فيه قيد أنملة هو أن الحلول موجودة و حتى تلك التي تدرء الحدث و تمنع وقوعه من أصله ، و مالعيب و السر و اللغز إلا في الإرادة  .
أجل الإرادة هي الغائبة و هي المشكلة ، فالإجرام الذي يحدث في عفرين  و في عموم سوريا و بأبشع صوره مثالا ،  آليات و حلول وقفها و منعها و ملاحقة مرتكبيها و محاسبتهم موجودة كلها و واضحة و ما الغائب و الغامض و الغريب إلا الإرادة إزاءها .
اذ يزداد يوماً بعد آخر سلطة و اعتبارات السياسات و المصالح على حساب امتداد رقعة الشلل التي تصيب القوانين و الشرائع بمختلف سلطتها الجغرافية سواء الوطنية و الداخلية منها أو الاقليمية و الدولية و كذلك بمختلف مصادرها من اتفاقيات و اجتهادات و أعراف و سواها . 
بعد ذاك الموجز الذي لم نجد بدا منه ، نؤكد بأنّ الكثير من القوانين و الاتفاقيات الدولية وردت صريحة في التصدي و معالجة الاوضاع السائدة في عفرين و مثيلاتها و كذلك في الجهة أو الجهات المخولة بشأنها  طرق و سبل ذلك .
فتركيا بدايةً و وجودها على أرض عفرين كوضع قانوني دولي  هو وجود إحتلالي ( المادة ٤٢ من اتفاقية لاهاي ١٩٠٧ ) بموجب شرطي السيطرة الفعلية و القدرة على الادارة ، و لا يمكن ان ينفي عنها ذاك الوصف لا اتفاقية أضنة و لا فتوى نوري بريمو بقبوله كأمر واقع و لا أي شيء آخر طالما ليست للدولة السورية و ممثليها القانونيين موافقة فيه .
و هذا الوصف أي وصف الاحتلال لم يطلق بلا شك عن عبث و إنما كضرورة و مفتاح لجملة كبيرة من الالتزامات على تركيا و أهمها ضمان أمن و استقرار و سلامة المنطقة المحتلة بسكانها و مرافقها و خدماتها و تأمين كل ذلك ( م ٤٣ لاهاي ١٩٠٧ ، م ٤٩ اتفاقية جنيف الرابعة ١٩٤٩ ) .
هذا الاختصار يقودنا الى حتمية مفادها بأنّ كل الممارسات و الجرائم و الانتهاكات التي تقع من قبل تركيا مباشرة أو عبر الفصائل و الجماعات المسلحة أو اي جهة أخرى أو فرد حتى  ، فإن تركيا كدولة بممثليها هي المسؤولة عنها و هي التي تجب مساءلتها .
الآن نكون قد وصلنا الى المحور و الغاية من ذاك التمهيد كله و الى امكان بيان أجوبة التساؤلات الكثيرة التي تثار بهذا الصدد ..ألا و هي آليات و طرق تلك المحاسبة و المساءلة .
فأولى تلك الحلول إن كانت الدول لديها الرغبة حقا في اللجوء الى الشرعية الدولية و تطبيق القانون بتجرد عن السياسة و المصالح هي :
الاستناد الى أهم مبدأ من مبادئ الامم المتحدة و احدى أم اسس و غايات نشوئها و هي صون الامن و السلم الدوليين على اعتبار ان عمل تركيا هو عمل عدواني يهدد حتما ذاك المبدأ و السكوت عنه  سيفتح الطريق أمام دول أخرى و يشجعها على الاتيان به و ممارسته .
و بالتالي فإن على مجلس الأمن كجهاز مسؤول ضمن اجهزة هيئة الامم عن ضمان التزام الدول بمبدأ السلم و الامن الدوليين ، عليها أن تتوجه فورا الى تركيا و تمارس الضغط المطلوب عليها سلميا لإنهاء عدوانها و احتلالها فوراً و زيادة وتيرة ذاك الضغط حتى و إن اضطرت الى الالتجاء الى التعامل مع تركيا تحت الفصل السابع في حال عدم تجاوبها و التزامها .
السبيل القانوني الأهم الآخر الذي يخطر ببال الكثيرين اللجوء اليه حيال واقع عفرين و شبيهاتها هو الالتجاء الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي .
هذه المحكمة المستقلة عن هيئة الامم و التي باشرت اختصاصها في العام ٢٠٠٢ سندا لقانون نشأتها و نظامه الذي عرف بنظام روما الاساسي ١٩٩٨ تختص كقضاء و كمحكمة تكميلية للمحاكم الوطنية في جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية و الاعتداء و جرائم الحرب و ملاحقة مرتكبيها و محاكمتهم .
في الحقيقة و بالنسبة لهذا المحكمة امكانية اللجوء اليها في شأن عفرين و الجرائم و الفظائع المرتكبة فيها ، يمكننا القول و للأسف بأن ذلك ليس بالأمر السهل و اليسير الذي نتوقعه و نرجوه ، بل هناك العديد من العوائق أو الصعوبات التي تواجهنا و لا سيما تلك المتعلقة منها بصلاحية تلك المحكمة و نطاق اختصاصها الأقليمي و المكاني .
فالمحمكة و إن كان مختصة موضوعاً بالجرائم التي ترتكب في عفرين بل هي من صلب اختصاصها و جميع الجرائم التي من اختصاصها مجتمعةً ، ارتكبت و ترتكب في عفرين اي جرائم الحرب و الابادة و الاعتداء و الجرائم ضد الانسانية ، و كذلك المحكمة مختصة زمانيا ايضا بتلك الجرائم ، و لكن ما نصطدم به في هذا الاطار و ما يخرج عفرين من اختصاصها هو أنه و كشرط من شروط نطاق اختصاص المحكمة أن تكون الجريمة إما وقعت في ارض دولة مصادقة على نظام روما اي نظام تشكيل المحكمة أو ان تكون قد ارتكبت من قبل مواطن دولة مصادقة على ذاك النظام او دولة غير مصادقة و لكن تقبل بمحاكمة المحكمة لأحد مواطنيها ، أو و أخيرا اذا أحيلت قضية ما للمحكمة من قبل مجلس الامن الدولي دون النظر و الاعتبار للشروط السابقة .
و سندا لكل ذلك ، و جب أن نعلم بأنه لا سوريا و لا تركيا عضوتان في الجنائية الدولية و غير مصادقتين و لا حتى موقعتين على نظام روما ، و هذا ليس بغريب على الاطلاق على اعتبار ان الأنظمة التي حكمتها و تحكمها هي انظمة مارقة و تدرك سلوكها و بأنها ستكون أول المدانين عرضة للمساءلة و المحاكمة امام تلك المحكمة .
و لكن و رغم ذاك العائق الرئيس ، علينا ان نعلم في المقابل بأنّ المحكمة الجنائية ذاتها و كذلك بعض الجهات و المنظمات الحقوقية استطاعت ايجاد سبل و مخارج لفرض اختصاص المحكمة على بعض الحالات و الجرائم و نأتي الآن بإختصار على أمثلة منها :
هناك شيء أو حالة في القانون تسمى بالجريمة المستمرة أي وقوع الجريمة في مكان ما و امتداد آثارها الى مكان و امكنة اخرى ، فمثلا الجرائم التي ارتكبت بحق قومية الروهينغا في ميانمار او بورما و فر أفرادها جراء الاضطهاد و القمع و القتل  الى بنغلادش ، استطاعت المحكمة الجنائية فرض اختصاصها في الموضوع و ملاحقة متهمين غي المجلس العسكري البورني على الرغم من ان ميانمار ليست مصادقة على نظام المحكمة و لكن و على اعتبار و منطلق ان الجريمة او الجرائم استمرت آثارها الى ارض بنغلادش العضو المصادق على نظام روما .
و ذات الشيء استغلته جهات حقوقية سورية في الإدعاء على  النظام السوري أمام المحكمة الجنائية  بالنسبة للجرائم التي ارتكبها و استمرت آثارها على أرض الاردن كدولة عضو في نظام روما .
بقي أن نؤكد وننوه ثانية الى أن لمجلس الأمن ايضا إحالة ملف  افراد او جماعات او ممثلي دولة ما الى محكمة الجنايات ، على الرغم من اننا نعلم و نستبعد هذه المبادرة و الواجب منه ، و لا نظنكم تتجاهلون الاسباب .
بقي أن نتطرق الى سبيل آخر أيضا متاح و هام في ملاحقة مرتكبي الجرائم و الانتهاكات في عفرين و غيرها من المناطق ، ألا و هو سلوك الإدعاء أمام المحكمة الاوربية لحقوق الانسان / سترسبورغ ، و هي باختصار محكمة مستقلة عن الاتحاد الاوربي و تأسست من دول مجلس اوربا ١٩٥٩ و مهمتها مراقبة التزام الدول الاعضاء بميثاق حقوق الانسان و الحريات الاساسية .
هذه المحكمة و التي تركيا كدولة اوربية عضو فيها يمكن اللجوء اليها و الادعاء على تركيا و مسؤوليها من خلالها إلا أن سلوك ذلك السبيل بدوره أيضا كما في محكمة الجنايات الدولية ليس يسيرا و متاحاً بسهولة كما قد نظن .
فالمحكمة هي بمثابة محكمة درجة أخيرة من محاكم الطعن و المراجعة ، و تشترط على من يريد الادعاء أمامها أن يكون قد استنفذ طرق الادعاء و المراجعة الوطنية ، أي على من يدعي ضد تركيا أو ممثليها أن يسلك سبيل الادعاء أمام المحاكم الوطنية التركية أولا ، و من ثم في حال لم تنصفه المحاكم التركية في ادعاءه بحكم قطعي حتى و لو تم رد دعواه شكلا ، حينها بإمكانه اللجوء الى المحكمة الاوربية ، علما بأن اجراءات الادعاء امامها ليست بالمعقدة و متاحة حتى بالمراسلة .

نكتفي بهذا القدر و نرجو أن نكون قد استطعنا الاجابة بالقدر الكافي  على تساؤلاتكم و تقديم ما هو نافع و مجدي لكم .
دمتم في رعايته و حفظه .
 
10/6/٢٠٢٠

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات